الهوية هي «الذات»... هي جملة الخصائص التي تميز الذات عن الاخر هي مرادف للكلمة الفرنسية اIdenditéب... واصطلاحا يقول البعض انه اي الهوية كمصطلح ظهر في القرن التاسع عشر... ويذهب البعض الاخر الى تحديد تاريخ لظهوره... ويعتبر رهط من الباحثين ان مؤتمر «فيينا» الذي عقد سنة 1815 الذي اعاد تنظيم اوروبا بعد الحروب التي خاضها (نابليون بونابارت) وتمسك بمبدإ «حقوق الملوك الشرعية»، وتم وضع خريطة سياسية للقارة الاوروبية سرعان ما تبعثرت مع اطلاق اول رصاصة في الحرب العالمية الاولى (1914 1918) وبذلك ظهرت «القوميات» ففندت مقولة الملك الفرنسي «لويس الرابع عشر» (Louis XIX) الذي قال: «الدولة هي أنا»... واذا نظرنا في التاريخ، وجدنا ان «الهوية» كظاهرة عرفها المجتمع الانساني منذ أقدم العصور، أما على مستوى النظر، فربما ظهرت قبل التاريخ الذي ارتبط بأوروبا، اي القرن التاسع عشر... ففي احدى الروايات ان أبا جعفر المنصور سأل مولى لهشام بن عبد الملك سنة 132 ه عن هويته. قال المولى: «إن كانت العربية لسانا فقد نطقنا بها، وإن كانت دينا فقد دخلنا فيه»... وورد في تاريخ الطبري «أن أشرس بن عبد الله السلمي، أمير خرسان، وعد بالاعفاء من الجزية من يسلم من الناس، فدخل الكثيرون الاسلام، فكتب الدهاقون (أي المسؤولون عن الجباية) الى أشرس سائلين: «ممن سنأخذ الجزية، وقد صار الناس كلهم عربا؟». ومن خلال هذا، نرى ان العروبة والاسلام وجهان لعملة واحدة... وهي رؤية بدون شك... إن مفهوم الهوية غير محدد... فالهوية بلا ضفاف... فلو رجعنا الى العهد اليوناني ونظرنا الى مفهوم الهوية فلسفيا لوجدنا أرسطو يعتبر ان «هوية الشيء» هي الشيء نفسه... فالشيء لا يكون هو وغيره في الان... لذلك كانت الهوية هي ترجمة للكلمة الفرنسية اIdenditéب، فالهوية لها صلة بالوطنية ولها ارتباط بالقومية (الأمة) فهي الظواهر التي تحدد خصائص الوطن والامة للتمييز بين الذات والاخر... في سنة 1882 ألقى «أرنيست رينان» محاضرة ممهورة ب «ما الامة؟ وما الوطن؟ وأكد «رينان» ان «الوطن لا يمكن ان يرتكز على الجند او اللغة والدين او الحدود الطبيعية» (راجع د. سعد الغراب العامل الديني والهوية التونسية الدار التونسية للنشر 1990 ص: 13). عموما نقول ان «الهوية، هي مصطلح أنتجته نظريات الغضب والتشنج والانفعال... فهو مصطلح «عدائي» يكرّس «الذات» ويميزها ولو كان على حساب «الاخر» فهو يبرز «الشوفينية» التي ولّدتها ترسبات «الانية المركزية» (l'êgocentrisme)، وهذا عكس (مركزية الجماعة) (l'altruisme) لكن هذا، في المطلق، حين يكون العالم مدينة فاضلة، مؤسسة على مبادئ الخير وقيم الفضيلة... ولو تحقق حلم السابحين في الخيال لوجد، تعويضا عن الهرية، ما يعرف ب : «مواطنية العالم» (Cosmopolitisme) وهي نزعة انسانية تدعو الى الترفع عن «القطرية» وتطالب ب «حب العالم»... وبذلك تكون «الانسانية» هي الوطن المشترك او القومية المشتركة... ظهور الهوية برز مع وجود الانسان في الكون... فخصائص الواحد وتميزه عن «الاخر» تخلق شعورا متناقضا، تتولد عنه المشاحنة والتباغض الذي يفضي الى الغضب والشجار على مستوى الافراد، والحروب على مستوى المجموعات في شكل (قبيلة أو طائفة أو دولة... الخ)... وللهوية أصناف: هوية إثنية... هوية سياسية... هوية دينية... هوية شخصية... هوية فكرية... هوية ابداعية... هوية لغوية... هوية حضارية... الخ... لكن في ظل العولمة، وثورة «الأنفوميديا»، كيف نتعامل مع «الهوية»؟ أعتقد يقينا ان هذا العصر هو زمن صراع الحضارات، وصدام الهويات، ومن أراد ان يكون في موكب العالم ان يصون هويته ويحرص على اشعاعها وخلق ما يساعد على نشر تأثيرها في هويات الاخرين... ومهما يكن من أمر، تكون الهوية هي سبب الحروب.