عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    خبير في السياسات الفلاحية: الحشرة القرمزية تُهدّد القطاع الفلاحي    بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم: محاكمة هذا الممثل الفرنسي الشهير    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    طقس الثلاثاء: أمطار غزيرة بالشمال الغربي مع تساقط البرد    طقس اليوم : 'أمطار رعدية متوقعة بالشمال ومحليا الوسط والجنوب    بالمدرسة الابتدائية سيدي أحمد زروق: تنظيم الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي    احتضنتها القرية السياحية بالشفار ... «دورة أوكسيجين» تصنع الحدث    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    "معركة بالأسلحة النارية" تودي بحياة 4 ضباط أميركيين    قبلي: «نفزاوة سيتي» في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية    المهدية: الوحدات البحرية تنتشل 9 جثث لفظها البحر...التفاصيل    «شروق» على الجهات رابطة الهواة 1 (الجولة العاشرة إيابا) ..مقرين ومنزل بورقيبة يتعادلان والقصرين تضرب بقوة    أخبار الملعب التونسي ...استياء من التحكيم وانتقادات لاذعة للجويني    بدعم من البنك الألماني للتنمية...تجهيز كلية العلوم بقفصة بالطاقة الشمسية    وزيرة الاقتصاد: تونس منصة استراتيجية للاستثمار ولتوسيع الأعمال نحو الفضاءات المجاورة    متابعة/ الجبابلي يفجرها ويكشف سبب اخلاء عمارة بصفاقس من الأفارقة بالقوة العامة..#خبر_عاجل    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    «تراثي الرقمي في مدرستي»...تظاهرة ثقافية تربوية... تستهدف 5 مدارس ريفية    مبابي يصمد أمام "ابتزاز" ومضايقات إدارة باريس    وزير خارجية نيوزيلندا.. لا سلام في فلسطين دون إنهاء الاحتلال    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    أخبار باختصار    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    المجر ترفع في المنح الدراسية لطلبة تونس إلى 250 منحة    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وضعيّة المرأة في العالم العربيّ (❊)
المعرفة، الثّقافة، السّياسة: ❊ بقلم: فهيمة شرف الدّين ❊ ترجمة: المنتصر الحملي
نشر في الشعب يوم 27 - 03 - 2010

مع نشر التّقرير الأوّل حول التّنمية البشريّة سنة 2000، بلغ الجدال حول العوائق والموانع الّتي تقف في وجه التّنمية البشريّة في البلدان العربّيّة أوجه. فعلاوة على العراقيل المتّصلة بالمحيط الجهويّ والدّوليّ في ظلّ اختلال التّوازن في القوى والهوّة الّتي تفصل العالم العربيّ عن بقيّة العالم، سلّط أوّل تقرير نشرته منظّمة الأمم المتّحدة الضّوء مرّة أخرى على العوائق الذّاتيّة الّتي تستسلم لها المجتمعات العربيّة وتمنعها عن الانطلاق الضّروريّ في التّنمية. وبالفعل، فإنّ النّقص في المعرفة وغياب الحرّيّة وانعدام تعزيز حضور المرأة هي العوائق الرّئيسيّة الّتي تحول دون هذا الانطلاق.
إنّ أهمّيّة هذا التّقرير من وجهة نظرنا لا تكمن في توصيفه للوقائع الحقيقية، وهي فعلا كذلك، بل في دعوته الملحّة إلى معالجة القضايا الّتي أثارت اهتمام مفكّري عصر النّهضة منذ بداية القرن التّاسع عشر. تكفي العودة إلى فهرست كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" لرفاعة رفعت الطّهطاوي لرؤية كيف تعاملوا مع هذه القضايا دون خوف أو خجل : الدّعوة إلى التّعليم وإلى تحصيل العلوم (تعليم البنين والبنات)، إلى الحرّيّة وإلى تشكيل الحكومة الرّشيدة بعيدا عن الاستبداد، والدّعوة إلى تعليم المرأة وتطويرها كما عبّر عنهما قاسم أمين في نهاية القرن التّاسع عشر، وغيرها من المسائل الّتي تظلّ في صدارة الدّعوات الّتي تهمّ المرأة.
رغم بعض التّقدّم المحرز في تحقيق هذه الدّعوات، في البلدان المستقلّة الّتي نشأت بعد الحرب العالميّة الثّانية، فإنّ الحصيلة النّهائيّة ظلّت دون مستوى المطامح. فالدّراسات السّوسيولوجيّة والاقتصاديّة وكذلك التّقارير الدّوليّة تؤكّد أنّ "التّوق إلى الحرّيّة وإلى الدّيمقراطيّة مازال حتّى اليوم أملا بعيد المنال" في البلدان العربيّة. زد على ذلك أنّه رغم التّقّدّم الّذي تحقّق على مستوى تعليم المرأة خلال السّنوات الخمسين الأخيرة فإنّ أكثر من نصف النّساء العربيّات هنّ أمّيات وهناك 65 مليون من البالغين أمّيين ثلثاهم من النّساء.
منذ أكثر من 100 سنة، قاوم المصلحون الاجتماعيون العرب بكلّ إصرار المسلّمات والعادات الاجتماعيّة السّائدة في ذلك العصر. وقد بيّن قاسم أمين، مؤلّف كتاب "تحرير المرأة" (1899) بفضل التّجربة التّاريخيّة الصّلة الوثيقة بين انحطاط المرأة وانحطاط الأمّة وهمجيّتها، وبين تقدّم المرأة وتقدّم حضارة الأمّة.
بعد أكثر من مائة سنة، أين وصلت المرأة العربّيّة اليوم؟ ما هي منزلتها في المجتمعات العربيّة؟
منزلة المرأة في المجتمعات العربيّة اليوم
قد يبدو غريبا الحديث عن امرأة عربيّة في22 بلدا، وفي إطار من التّنوّع في البنى الاقتصاديّة ومستويات الزّيادة السّكّانيّة، ومن اختلاف في التّوجّهات الاقتصاديّة ومن التّفاوت في الثّروات وأشكال الحكم. ورغم ذلك، بالنّظر إلى وضعيّة المرأة وإلى هيمنة الثّقافيّ والدّينيّ اللّذين تعكسهما هذه الوضعيّة، يصبح من الممكن الحديث عن امرأة عربيّة. وتدّعم الدّراسات الإحصائيّة هذه الوجهة في النّظر. فبين لبنان مثلا الّذي يعتبر البلد العربيّ الأكثر تأثّرا بالغرب ومظاهره وبلد كالأردن مازال قد بدأ للتّوّ مساره التّحديثيّ، لا وجود لفرق كبير في خصوص وضعيّة المرأة. ففي لبنان، للنّساء حظوظ متساوية في التّعليم / نسبة التّمدرس سنة 1998 كانت 0,99 % من الجنس/ النّوع الاجتماعيّ - وتتجاوز النّسبة المئويّة لارتقاء الفتيات نسبة الذّكور، غير أنّ مشاركة النّساء في البرلمان ليست سوى 2,3 %. إضافة إلى ذلك، لم تكن أيّة امرأة لبنانيّة وزيرة. أمّا المرأة في الأردن، فتتجاوز مثيلتها اللّبنانيّة في المشاركة السّياسيّة بسبب الاختلاف في النّظام السّياسيّ. ففي الواقع، تُعيّن النّساء مباشرة من قبل الملك وتشاركن بالتّالي في الحياة السّياسيّة بفضله هو.
وهكذا، حين نستحضر حال المرأة العربيّة فإنّنا نستحضر وضعيّة مازالت إشكاليّة وقليلة الفهم. فالتّغييرات قد بدأت للتّوّ. بالفعل، تحسّنت قليلا وضعيّة المرأة على مستوى "تحصيل التّعليم وإمكانية التّمتّع بخدمات الصّحّة والشّغل". إلاّ أنّ هذا التّقدّم غير كاف، ذلك أنّ مكانة المرأة ومشاركتها في الحياة تظلاّن دون المستوى المطلوب خصوصا من حيث مساهمتها في الحياة العامّة وفي اتّخاذ القرارات. وتثبت التّقارير والدّراسات كلّها أنّ الحواجز الّتي تعيق تقدّم المرأة تعود جذورها إلى "العادات والمنظومات القيميّة والتّقاليد والممارسات الدّينيّة الّتي تشكّل الإطار الثّقافيّ الأهمّ الّذي يحدّ من إمكانيّة مشاركة المرأة ومن دورها في مسار التّنمية". ولقد بيّن التّقرير العربيّ حول التّنمية البشريّة لسنة 2002 بوضوح أنّ البلدان العربيّة "تعاني من غياب ملحوظ لتعزيز حضور المرأة. وتحتلّ المنطقة العربيّة المكان قبل الأخير من بين مناطق العالم فيما يتّصل بتقويّة حضور المرأة، قبل إفريقيا شبه الصّحراويّة فقط".
إنّ هذه العلامات تحطّ من منزلة المرأة العربيّة لاسيّما أنّ الكتابات الحديثة تربطها بدور المرأة في اتّخاذ القرارات وفي تنفيذها. باختصار، تحتلّ المرأة العربيّة دائما مرتبة أدنى من الرّجل رغم المساواة الّتي تنصّ عليها دساتير البلدان العربيّة الّتي تقرّر المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين. في الحقيقة، إنّ هذه الدّساتير نفسها قد حافظت على قانون الأحوال الشّخصيّة المتعلّق بالأسرة الّذي وضعته الدّولة العثمانيّة. أي أنّها أخضعت القوانين للدّيانات والجماعات الّتي تسمح بتحوّل العادات والقيم إلى عقيدة لا تضبط فقط العلاقات بين الرّجال والنّساء بل أيضا العلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة.
يبدو أنّ غياب تعزيز حضور المرأة يتجاوز حقوق النّساء في تساوي الفرص وفي المساواة ليشمل قضايا التّنمية المستدامة في المنطقة العربيّة. نحن نعتقد أنّ العلاقة التّلازميّة بين النّوع الاجتماعيّ / الجنس وكذلك التّنمية من جهة، والسّياسة والمعرفة من جهة أخرى تسمح بفهم "منطق الأزمة" المهيمن على المجتمعات العربيّة. فانعدام الحرّيّة وغياب نظام حقوقيّ يستلزم في الحقيقة حكما رشيدا يتطلّبان هيكلا كفؤا للمعرفة من أجل تقوية الطّاقات البشريّة بما فيها طاقات النّساء وأيضا من أجل تعزيز حضورها. وتجدر الإشارة إلى أنّ الشّروط الضّروريّة لتعزيز حضور المرأة ولاستخدام قابليّة المعرفة وكذلك شروط الحكم الرّشيد تبدو في الظّاهر موضوعيّة، ولكنّها في الواقع على اتّصال وثيق ومتأثّرة كثيرا بالشّروط الذّاتيّة الّتي تظهر فيها بوضوح أنظمة القيم وقواعد السّلوك الاجتماعيّ في المنطقة العربيّة.
من المفيد هنا الاعتراف بأنّ المرأة تواجه عوائق وموانع تحول دون مشاركتها في الحياة العامّة. وهي عوائق موضوعيّة في ظاهرها ولكنّها في رأينا متّصلة اتّصالا مباشرا بالتّفاصيل التّاريخيّة والثّقافيّة الّتي لعبت دورا في تشكّل إدراك المجتمع العربيّ لصورة المرأة ودورها.
يتّفق الباحثون على أنّ هذه العراقيل "الموضوعيّة" في ظاهرها تقوم على ممنوعات اجتماعيّة منبثقة من النّظام الثّقافيّ العربيّ. وهي عراقيل يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أصناف تنسجم في كلّ وجوهها بشكل أو بآخر مع التّنمية المستدامة.
1. العائق الأوّل هي الأمّيّة وتحصيل المعرفة : فأمّية النّساء مثلا مازالت مرتفعة وتبلغ في بعض البلدان مثل لبنان 15% من الشّباب في سنّ ال 15، وتصل في بلدان أخرى إلى 76 %. إنّ نسبة الأمّية في صفوف النّساء هي دوما الضّعف. هذه النّسبة لا فقط تثبّت هذه الظّاهرة باعتبارها تعبيرا صريحا عن درجة التّنمية في البلدان العربيّة بل تبيّن أيضا بوضوح التّمييز ضدّ النّساء في الخدمات الرّئيسيّة. وهذا التّمييز الحاضر دائما في المجتمعات العربيّة بشكل خطير يدلّ على أنّ التّحسيس بأهمّيّة تعليم المرأة وبوضعها وبدورها وبمشاركتها في الحياة العامّة مازال ضعيفا.
2. العائق الموضوعيّ الثّاني هي نسبة المواليد. ففي اليمن مثلا، توجد أعلى نسبة ولادات في العالم. وترتبط نسب الولادات هذه بمجمل التّغيّرات الاجتماعيّة والثّقافيّة مثل الزّواج المبكّر والتّفرقة بين الجنسين والأمّيّة وغياب التّحسيس بأهمّيّة التّنظيم العائليّ والمباعدة بين فترات الحمل. وفي ظلّ هذه الظّروف، يستحيل على المرأة أن تتحكّم في جسمها وأن تقرّر في مسائل الحمل والولادة. زد على ذلك أنّ العادات والنّظام القيميّ الأبويّ وكذلك المعتقدات الدّينيّة تلعب دورا رئيسيّا في تكريس اللاّمساواة بين الرّجال والنّساء.
3. العائق الثّالث الّذي اعتُبر الأساس الموضوعيّ لمنزلة المرأة هي نسبة المشاركة الاقتصاديّة. إنّ نسبة مساهمة المرأة العربيّة هي من أضعف النّسب في العالم. ففي الواقع، لا يتجاوز المعدّل العامّ 17 %، وهو يتراوح بين 7 % في بلدان مثل قطر والعربيّة السّعوديّة و28 % في لبنان مثلا. وهو أمر يتجلّى بوضوح في التّركيبة الهيكليّة للشّغل الّتي تعكس نظرة المجتمع إلى دور المرأة ووضعها وتحدّد للمرأة الميدان الّذي عليها أن تعمل فيه.
فكيف تتجلّى مكانة المرأة في ظلّ هذه العوائق؟ وما هي فرضيات التّغيير المتوفّرة؟
وضعيّة المرأة العربيّة واتّجاهات التّغيير
إنّ فكرة وضعيّة المرأة مرتبطة بقدرتها على المشاركة وعلى التّدخّل في مسار اتّخاذ القرارات، المشاركة الّتي تشير عموما إلى التّطوّرات الّتي شهدتها وضعيّة المرأة وقدراتها وإمكانياتها. وإذا كان مفهوم الوضعيّة يفترض شروطا محدّدة للمعرفة والثّقافة فهو يفترض كذلك بشكل مواز مناخا تشريعيّا وسياسيّا يسمح بوجود وضع قانونيّ يقوم على الكفاءة والعدالة.
فهل تستجيب المجتمعات العربيّة لهذا التّوصيف؟
لا مندوحة في أنّ المجتمعات العربيّة تمرّ بواحدة من أصعب الفترات في تاريخها. فعلاوة على فقدان تلك الأمور المذكورة في التّقرير العربيّ حول التّنمية البشريّة لسنة 2000، تواجه هذه المجتمعات قضيّة أخرى أشدّ خطورة هي عدم الاعتراف بالمسؤوليّة الإيتيقيّة عن الوضعيّة الّتي تعيش فيها. ذلك أنّ التّمادي في تحميل الاستعمار ودوره المسؤوليّة في تخلّف بلداننا لن يحلّ المشكلة على الرّغم من صحّة هذا الكلام. زد على ذلك أنّ الاختباء وراء الخصوصيّة "المزعومة" من أجل التّخلّي عن مناقشة القضايا الملحّة مثل حقوق الإنسان أو المسائل المتعلّقة بالمرأة لن يغيّر أيّ شيء في الوضعيّة. لقد بلغت حالة المعرفة وإنتاجها درجة خطيرة جدّا تستوجب تدابير عاجلة في الميادين الثّلاثة المتّصلة اتّصالا مباشرا بإنتاج المعرفة واستخدامها علما بأنّ المعرفة لا تأتي من الفراغ. إنّ القدرة على المعرفة مرتبطة فعليّا ارتباطا وثيقا بالبنى الاجتماعيّة الّتي تنتجها أو تسهر على إنتاجها. ويقودنا الحديث عن البنى الاجتماعيّة فجأة إلى الثّقافة وإلى السّياسة. فماذا بوسعنا أن نقول عن السّياسة في مجتمعات مازالت حتّى اليوم تعيش في عصر الاستبداد؟ في حقيقة الأمر إنّ انعدام الحرّيّة الّذي يشير إليه تقرير سنة 2002 لا يصف بدقّة العلاقة بين الحكومة والمحكومين ولكنّه يصف العلاقة بين السّياسة والمعرفة، خصوصا في ميادين كالخلق والابتكار. فالإقصاء والتّهميش كلمتان تنطبقان دائما على هذه العلاقة. أمّا عن البنى القانونيّة التّي تسيطر على المجتمعات العربيّة فهي مشلولة بسبب الإجراءات المعطّلة للقوانين، ومازال النّظام القضائيّ الموجود في جميع البلدان العربيّة لا يؤمّن الظّروف القانونيّة الّتي تحمي الأفراد والمجتمعات.
رغم أنّ الدساتير العربيّة تضمن حقوقا متساوية للأفراد والمجتمعات إلاّ أنّ الممارسة العمليّة في أغلب البلدان تعيق تلك القوانين. والدّليل هو الموقف العربيّ من الوثيقة المتعلّقة ب"القضاء على كلّ أشكال التّمييز ضدّ المرأة". فحتّى هذه اللّحظة لم يصدّق عدد كبير من البلدان العربيّة على هذه الوثيقة. أمّا البلدان القليلة الّتي فعلت ذلك (13 بلدا) فقد أبدت احترازات على بنود عديدة خصوصا منها المتعلّقة بقانون الأحوال الشّخصيّة وبقوانين الجنسيّة وبالقانون الجزائيّ. بعبارات أخرى، فإنّ تحفّظها هو على البنود المتعلّقة بما يسمّى كينونة المرأة. لقد عطّلت هذه البلدان تطبيق الاتّفاقيّة بل إنّها قد نالت من روحها بالذّات، أي من المساواة. وعندي أنّ السّلطات السّياسيّة في المجتمعات العربيّة لا تحترم الدّساتير، وأنّ المجتمعات العربيّة لا تصرّ كثيرا ولا تناضل بما يكفي في سبيل جعلها محترَمة (مثال ذلك الموقف الّذي تبنّته الحركات النّسويّة).
مازالت الدّساتير والقوانين حبرا على ورق. ففي الواقع، تستمرّ قوانين الطّوارئ والقوانين الاستثنائيّة المتَّخذة في أوقات الحرب حتّى في أوقات السّلم. زد على ذلك أنّ هذه القوانين تبقى طالما بقيت الأنظمة وأبقتها على قيد الحياة.
أمّا عن الخطاب الموصول بالثّقافة فهو يساهم في الغموض الموجود المتعلّق بالقضايا الجوهريّة، وهي قضايا غائبة عن الفكر الاجتماعيّ حتّى التّسعينات من القرن المنصرم (حقوق الإنسان، المجتمع المدنيّ، حقوق المرأة...) ومازال النّقاش حول الخصوصيّة الثّقافيّة غامضا. فهذا النّقاش قد يدفعنا إلى توهّم خصوصيات ليست لنا. وفي الحقيقة، ليست منزلة المرأة السّيّئة حكرا على المجتمع العربيّ أو الإسلاميّ بل هي جزء من تاريخ المرأة في العالم. وإنّ الحاجيات الرّاهنة للمرأة العربيّة هي نفسها حاجيات المرأة الغربيّة في بداية القرن المنقضي.
إنّ تبسيط إشكاليات الثّقافة والتّعاطي معها من منظورين متناقضين - إيجابيّ/ سلبيّ - متّصلين بالخصوصيّة لا يسمحان لنا بالحصول على فهم جيّد لهذه الأخيرة. فالخصوصيّة والعالميّة ليسا مفهومين نظريين مجرّدين. إذن من الضّروريّ إخضاع مفهوم الخصوصيّة إلى نقاش واسع من أجل إخراج جميع المسائل المتّصلة بهذا المفهوم مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة من الحلقة المفرغة الّتي تحول دون إنجاز أيّ تأويل أو تحليل. لقد حان الوقت للنّظر إلى هذه الخصوصيّة المزعومة من منظور نقديّ. فليس صحيحا أنّ وضعيّة المرأة في المجتمعات العربيّة تتعزّز بدورها كزوجة وأمّ. فمهما بالغنا في تمجيد الأمومة فإنّها تظلّ جزءا غير إلزاميّ في كينونة المرأة ولا تشكّل مجموع هذه الكينونة. أمّا عن مكانتها كزوجة فيكفي النّظر إلى ما تعنيه آلام المرأة وأحزانها في ظلّ قوانين الأحوال الشّخصيّة الضّابطة للعلاقة بين الرّجل والمرأة وكذلك مسائل الزّواج والطّلاق وانعكاساتهما. يكفي النّظر من حولنا إلى من يعمل ماذا؟ ومن له ماذا؟ لنعاين ما هي مكانة المرأة في العالم العربيّ.
نقائص التّغيير واحتمالاته
لا حاجة لنا مطلقا للخوض في التّفاصيل من أجل إظهار وضعيّة المرأة العربيّة اليوم. فانعدام تعزيز حضور المرأة يتجلّى بشكل أكثر وضوحا في علاقتها بالسّلطة. في هذه النّقطة، يشير التّعزيز إلى العلاقة بين كفاءات المرأة وبين مكانتها. ووفقا للتّقرير حول التّنمية البشريّة المتعلّق بالمرأة والّذي نشرته الأمم المتّحدة سنة 1995، فإنّ الإجراء المتعلّق بتعزيز حضور المرأة المرتبط بالجنس يعكس قدرة المرأة على المساهمة في مسار اتّخاذ القرارات السّياسيّة وإمكانيّة الاستفادة من الفرص المهنيّة وتحقيق منفعة. ورغم أنّ هذا التّوصيف يقصي عدّة وجوه للتّعزيز خصوصا في صلب الأسرة والمجتمعات العربيّة إلاّ أنّه يمكن أن يكون علامة على العلاقة العضويّة بين المعرفة والثّقافة والسّياسة من جهة والمرأة من جهة أخرى.
تظهر الإحصائيّات الوطنيّة المعلَنة ضعف العلاقة بين المرأة والسّلطة. فرغم المساواة التّشريعيّة الّتي تتعهّد بها الدّساتير بين الرّجال والنّساء في الحقوق السّياسيّة فإنّ حضور المرأة في جميع الهياكل السّياسيّة يظلّ ضعيفا وما يزال عدد النّساء في البرلمانات العربيّة ضعيفا أيضا ماعدا في إفريقيا شبه الصّحراويّة. وليست الحالة بأفضل في صلب السّلطة التّنفيذيّة. وإن كانت مساهمة المرأة تُعتبر اليوم وسيلة لتحسين صورة النّظام السّياسيّ في الخارج خصوصا في إطار المطالبة العالميّة بتحسين مكانة المرأة وتغييرها. في مصر وسوريا على سبيل المثال توجد امرأتان وزيرتان. ودخلت المرأة الحكومة في قطر والمغرب. ولكنّها رغم ذلك مازالت بعيدة عن الحكم كما هو الحال في لبنان. لماذا؟ إنّ الجواب ليس سهلا بالمرّة وليس معقّدا كثيرا كذلك. فعليّا، تؤكّد مؤشّرات التّنمية على أنّ تحصيل المعرفة هو عامل أساسيّ للتّغيير في مسار التّنمية البشريّة، ولكنّ هذا التّحصيل يفشل في تأدية هذا الدّور في حالة المرأة بسبب تدخّل الثّقافة المهيمنة باعتبارها عامل تغيير يؤثّر في توزيع الأدوار بين الرّجال والنّساء.
ويتّفق أغلب الباحثين تقريبا في أنّ منظومة القيم الأبويّة المهيمنة هي السّبب الأوّل في المكانة السّيّئة للمرأة العربيّة وأنّ انعدام توازن السّلطة في صلب الأسرة مسئول بشكل واسع عن انعدام التّوازن المنجرّ عن التّوزيع السّيّئ للسّلطة السّياسيّة وعن استخدامها. وهكذا، يبدو أنّ توزيع الأدوار داخل المجتمعات العربيّة ليس فقط نتيجة للظّروف الموضوعيّة الّتي يكفلها حصول المرأة على شروط المعرفة والتّعليم والشّغل والصّحّة. فرغم أنّ هذه الشّروط ضروريّة إلاّ أنّها غير كافية وهذا ما يثبته وضع المرأة الحاليّ. ذلك أنّ توزيع الأدوار بين الرّجال والنّساء تحدّده التّصوّرات الّتي ينتجها المخيال الاجتماعيّ، وهي تصوّرات متأثّرة بالتّقاليد وبالنّظام القيميّ المتبنّى. إنّ هذه التّصوّرات ترسم انتظارات كلّ واحد. وهي متأتّية من مسار "التّكييف الاجتماعيّ" الّذي يبدأ في الأسرة وفي بقيّة المؤسّسات الاجتماعيّة (المدارس، وسائل الإعلام) بتعبير آخر، إنّها نتاج عمل النّظام التّربويّ الضّابط لقواعد الانضباط والسّلوك الاجتماعيّ وفقا لمنظومة القيم ووفقا للتّشريعات الدّينيّة الّتي تحيل على قدسيّة الأحوال الشّخصيّة للمرأة الّتي تحيى بها المرأة العربيّة. وهذه التّصوّرات كذلك هي نتيجة للنّظام القانونيّ الضّابط للمسؤوليّة وأيضا للحقوق والواجبات الّتي تترتّب عنها.
إنّ مكانة المرأة في العالم العربيّ ليست نتيجة للظّروف الموضوعيّة فقط بل هي خاضعة كذلك لظروف ذاتيّة. فالظّروف الموضوعيّة تعني مجمل العوامل الضّروريّة لأيّ تطوّر (التّعليم، الشّغل، الصّحّة) ومجمل القوانين والتّشريعات الّتي تخضع لها النّساء في حياتهنّ. أمّا الظّروف الموضوعيّة فهي تقوم على أنظمة القيم والعادات المتّبعة داخل ما يُسمَّى النّظام التّربويّ. وهي خاضعة على الدّوام لتأثير القيم الدّينيّة وتتسرّب إلى المؤسّسات الاجتماعيّة (الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام). وهكذا تساهم بصفة عميقة في خلق صورة المرأة والرّجل وأيضا أدوار كلّ منهما وموقعه.
المعرفة، الثّقافة، السّياسة : تغيير منزلة المرأة في العالم العربيّ
إنّ المؤشّرات الإحصائيّة الّتي تقدّمها التّقارير حول التّنمية البشريّة منذ بداية التّسعينات تسمح بقراءة التّوجّهات الاجتماعيّة في كلّ مناطق العالم. وتدفعنا المعطيات الكمّيّة إلى طرح أسئلة تتجاوز مجرّد توصيف الوقائع وتحيط بالأسباب الحقيقيّة للوضعيّة السّيّئة للمرأة العربيّة وربّما لتخلّف المجتمعات العربيّة. يؤكّد هشام شرابي أنّ البنية الأبويّة الّتي تسمح بسيطرة الرّجل على المرأة في المجتمعات العربيّة تنشأ في علاقة التّبعيّة لا فقط بين الرّجل والمرأة بل أيضا بين الحاكم والمحكومين. فهي إذن مسئولة عن غياب الدّيمقراطيّة ومن ثمّة عن الاستبداد في المجتمعات العربيّة.
إنّ بنية التّبعيّة الّتي يتحدّث عنها شرابي جليّة جدّا في علاقة المرأة بالسّلطة، بدءا بسلطة اتّخاذ القرار في الأسرة ومساهمتها في هذه السّلة وصولا إلى أعلى مستوى في السّلطة السّياسيّة. يشير شرابي إلى أنّ المساهمة تستوجب في المقام الأوّل عادات أسريّة سليمة لا تتمتّع بها الأسر العربيّة.
في تقرير نشره مركز المرأة العربيّة للتّكوين والبحث، تظهر دراسة المعطيات أنّ المشاركة تتطلّب الاستمرار في عمليات التّهيئة الاجتماعيّة بداية بالأسرة وفي مرحلة ثانية "عن طريق المؤسّسات التّعليميّة ووسائل الإعلام حيث تتّخذ التّدابير السّياسيّة ومفهوم الحكم الرّشيد العادل والشّرعيّ والحقوق السّياسيّة للفرد أشكالا ملموسة". أضف إلى ذلك أنّ انعكاس البنية الأبويّة في البنى السّياسيّة يؤثّر سلبا في الثّقافة السّياسيّة ويخلق ما يُسمّى "الأبويّة السّياسيّة" المفضية إلى الاستبداد الذي تصير فيه الحقوق السّياسيّة مجرّد اسم.
وهكذا من الممكن فهم كيف أنّ المرأة اللّبنانيّة مثلا تحصّلت على حقّها في التّصويت منذ سنة 1953 ولكنّها غير قادرة على الوصول إلى البرلمان إلاّ بأعداد ضئيلة. كما يمكن فهم الموقع السّيّئ للمرأة العربيّة في اتّخاذ القرارات وتطبيقها. وتختلف الأسباب المثبّتة لهذه المكانة من بلد إلى آخر حسب الظّروف الموضوعيّة كالتّعليم وتحصيل المعرفة والشّغل وامتلاك الثّروة. غير أنّ هذه الظّروف تفقد فاعليّتها أمام الظّروف الثّقافيّة والتّاريخيّة الّتي في إطارها تتشكّل عقليّة الكثير من العرب. الدّليل على ذلك هي المكانة المتماثلة تقريبا للنّساء العربيّات مهما كان بلدهنّ رغم الاختلاف في الظّروف الموضوعيّة.
إنّ تغيير منزلة المرأة العربيّة يتطلّب حسب رأينا، إضافة إلى الظّروف الموضوعيّة الموصولة بالمعرفة وبالشّغل وبتعزيز حضورها، ظروفا أخرى مثل بناء الحياة السّياسيّة الدّيمقراطيّة من جديد وإرساء ثقافة اجتماعيّة ديمقراطيّة منفتحة على الثّقافة والعلوم المعاصرة. لن أقترح مشروعا بديلا. ذلك أنّه من المستحيل تغيير الثّقافة دون تغيير العوامل الدينامكية المؤسّسة لها. وهذه العوامل الدّيناميكيّة حسب ابن خلدون هي أخلاقيات البشر وسلوكهم في حياتهم اليوميّة. بتعبير آخر، هي إمكانيات التّغيير النّاشئة عن مسارات التّنمية بالمعنى الحديث، أي تنمية الموارد البشريّة والمادّيّة للمجتمع وكذلك تطوير ثقافة اجتماعيّة تسمح بإنتاج صور أخرى عن المرأة وبالتّالي بإنتاج انتظارات أخرى وأدوار أخرى لكلّ من الرّجل والمرأة. صور تحكمها فكرة المساواة القائمة على كفاءة المرأة وقدراتها الحقيقيّة على المشاركة في إدارة الدّولة والمجتمع. ذلك أنّ "المساواة ليست غاية تكنوقراطيّة بل هي التزام سياسيّ كلّيّ.«
❊❊❊❊❊❊❊❊❊❊
❊ النّصّ الفرنسيّ لهذه الدّراسة منشور على موقع اليونسكو الإلكترونيّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.