( سنتان بعد وصول لوي إيناسيو لولا داسيلفا إلى الرّئاسة، أثارت السّياسة النّقديّة لحكومته افتنان الأوساط الماليّة، بيد أنّ 58 مليون برازيليّ مازالوا يعيشون بأقلّ من دولار واحد في اليوم...ورغم ذلك، أعاد الشّعب منذ بضعة أشهر انتخابه لفترة ثانية. ترى ما هي الأسباب؟ وما هي التّحدّيات؟) عند ما بلغ لوي إيناسيو لولا داسيلفا منتصف ولايته الأولى، لم يعد بإمكانه التّعويل على الدّعم غير المشروط للحركات الاجتماعية. فالبعض منها ونخصّ بالذّكر الأكثر راديكاليّة تعارض بشكل صريح حكومته. والبعض الآخر، مثل» حركة المحرومين من الأراضي «MST) يتبنّى موقفا نقديّا ولكن عبر الحوار، وفق عبارات أحد أبرز مسيّريها، جواو بادروه ستديل. أمّا البعض الآخر أيضا، مثل «مركزيّة العمّال الوحيدة»( CUT)، فهو يطعن في السّياسة الاقتصاديّة للحكومة مع مساندة «لولا» بأقلّ حماسة من ذي قبل. إنّ الحضور المتعاقب لداسيلفا في المنتدى الاجتماعيّ العالميّ وفي المنتدى الاقتصاديّ بدافوس، في بداية ولايته في جانفي 2003 ، أغاظ فورا بعض الحركات الاجتماعيّة الّتي اعتبرت أنّ التوسّط بين هذين الحدثين المتناقضين بالنّسبة إليها أمر مستحيل. ورأى البعض الآخر في هذه السّفرات إرادة للحضور في جميع الفضاءات الممكنة للقيام بما سيصبح أولويّة «لولا» باعتباره رئيسا وباعتباره زعيما عالميّا، ألا وهو الكفاح ضدّ المجاعة. غير أنّ الإجراءات اللاّحقة أكّدت أنّ أيّ مقترح من مقترحات المنتدى الاجتماعيّ العالميّ رغم أنّ «لولا» وصفه في 24 جافي 2002 أمام المشاركين المتحمّسين «بالإنجاز الأكثر روعة للمجتمع المدنيّ العالميّ» وبأنّه «الحدث السّياسيّ الأكبر في تاريخ الإنسانيّة كلّه» لم تأخذه حكومته بعين الاعتبار: لا بما يتعلّق بتنظيم الرّأسمال الماليّ ولا بإيقاف دفع الدّيون ولا بحماية المحيط ولا بمكافحة الأجسام المحوّلة جينيّا ولا بأيّ مقترح آخر متمخّض عن بورتو أليقري. وعندما تمدح المنظّمات المتعدّدة الأطراف، من صندوق النّقد الدّوليّ حتّى البنك العالميّ، السّياسة الاقتصاديّة لحكومته، فيصبح من الجليّ أنّ اختيارات داسيلفا كانت أقرب إلى محطّة التّزلّج السّويسريّة منه إلى العاصمة اليساريّة. ومع ذلك، فالطّلاق بين الحكومة المنبثقة من حزب العمّال PT والحركات الاجتماعيّة ينجم عن سيرورة لا عن تحوّل مفاجئ، ولو أنّ الوصول إلى الحكم عجّل في بروز النّزعات الّتي تكاثرت خلال السّنوات الأخيرة. دون أن تكون علاقاته مع الحركة النّقابيّة بالبلاد عضويّة كما هو حال الحزب العمّاليّ البريطانيّ، فقد كان لحزب العمّال دوما حضوره النّقابيّ في «مركزيّة العمّال الوحيدة»، مثلما كانت «حركة المحرومين من الأراضي» تجد في الحزب محاورها السّياسيّ المفضّل. وبمقدار المسؤوليات السّياسيّة الّتي كان يتمّ تحمّلها، على المستوى البلديّ أوّلا ثمّ على مستوى الولايات، وأيضا بمقدار سياسات التّحالف بين الأحزاب الّتي تقام، طوّرت سلطات القرار في حزب العمّال نشاطا سياسيّا محضا، على حسب الفضاءات المؤسّساتيّة الّتي يحتلّها. ومثّلت الانتخابات الرّئاسيّة لسنة 1994 خطوة حاسمة عندما خسر داسيلفا المرشّح للفوز بيسر أمام فرنندو أنريكي كردوزو ومخطّطه للاستقرار الماليّ. منذئذ، وأثناء بحثه عن السّبل الّتي تفضي به إلى السّلطة، قام حزب العمّال بتعديل مواقفه. وتجلّى هذا التّطوّر في مثال الدّين الخارجيّ: فبينما كان الحزب يطالب بالتّوقّف عن دفعها قبل معاودة التّفاوض حولها، صار في النّهاية ، طيلة الحملة الانتخابيّة، يؤكّد أنّه سيحترم التّعهّدات المتّخذة ) وهو يدفع فعلا إلى آخر ملّيم منذ بداية ولايته (. كانت علاقات الحزب بمركزيّة العمّال الوحيدة وثيقة دائما. وبالمقابل، مع مرور الزّمن، أعرب كبار مسؤوليّ حزب العمّال عن تنامي قلقهم من استيلاء حركة المحرومين من الأراضي عليها ومن ضغوطاتهم للحصول على تمويلات لها. فقد تصرّفت إدارة الحزب كما لو أنّ الأمر يتعلّق بابن عمّ سيّء التّربية ولا يمكنها إنكار صلات القرابة به، ولكنّها تظهر له عدم موافقتها على سلوكه. صار من الواضح أنّها ستتوجّه مستقبلا إلى النّظام، إلى النّخبة، كما لو أنّ تمأسسها صار أمرا محسوما ويبرّر إدانة أعمال «حركة المحرومين» وتصريحاتها. ولقد وجد داسيلفا الدّعم نفسه من الحركات الاجتماعيّة خلال حملته الانتخابيّة الرّئاسيّة،بفضل، خاصّة، تصريحاته الّتي أكّدت على أنّ» الفوز لا يقود إلى أيّ شيء إن لم يكن في سبيل الخروج منذ اليوم الأوّل من سياسة بيدرو مالن»، وزير الاقتصاد في حكومة كردوزو. رغم ذلك، وفي نفس الوقت، وقّع داسيلفا وثيقة اتّفاق سمّيت «رسالة إلى البرازيليين» بيّن فيها أنّه لن يخلّ بأيّ تعهّد من التّعهّدات الماليّة الّتي التزمت بها البلاد، وذلك حتّى يوقف هروب رؤوس الأموال الجارية، نتيجة فوزه المحتمل، إلى درجة أنّ»خطر البرازيل» يصبح «خطر لولا». كيف يمكن الحكم بيدين مقيّدتين بمثل هذه القوّة؟ إنّها الاختيارات الّتي تمّت في تركيبة الفريق الاقتصاديّ، الّذي لم يتضمّن ولو اقتصاديّا واحدا من حزب العمّال أو من أيّ قطاع آخر من اليسار، ولكنّه منبثق من الجماعات اللّيبراليّة الّتي عملت في الحكومات السّابقة، والّتي قدّمت الإشارات الأولى الواضحة للنّأي عن القاعدة الشّعبيّة. فلقد عيّن انطونيو بالوتشي، المعتمد السّابق لمدينة غنيّة جدّا داخل ولاية ساو باولو ومنسّق الحملة الانتخابية,وزيرا للاقتصاد. وعادت رئاسة البنك المركزيّ إلى أنريكي ميرالز، الرّئيس السّابق لبنك بوسطن، والعضو في حزب كاردوزو. وبالتّزامن مع ذلك، تمّ الإعلان عن أنّ السّياسة الاقتصاديّة للحكومة السّابقة سيتمّ تثبيتها. بيد أنّ السّلطة استمرّت في إرسال إشارات متناقضة. فهي من جهة تزعم أنّ تلك الاستمرارية كانت نتيجة «لإرث لعين» من مخلّفات الحكومة السّابقة. وفي هذا السّياق كان بالوتشي يؤكّد، من منطلق خبرته في الميدان، أنّه» لا يجب تبديل الطّبيب أثناء المرض». وكان داسيلفا من ناحيته يصرّح بأنّه لا يستطيع الكشف عن الوضع الحقيقيّ للبلاد مخافة أن يؤدّي ذلك إلى مزيد من الشّكوك. كان من تحصيل الحاصل لدى الجميع أنّ الأمر لا يعدو أن يكون خطّة انتقاليّة لكسب «ثقة السّوق» وفيما بعد يمكن البدء بتخفيض نسب الفوائد الّتي تمّ الرّفع فيها منذ الاجتماع الأوّل للجنة البنك المركزيّ. وهكذا تعود البلاد إلى نموّها. وشيئا فشيئا، تغيّرت النّغمة. فحين أعاد بالوتشي وضع ميزان تجاريّ فائض، مستخلصا فوائض أرفع ممّا كان يطالب به صندوق النّقد الدّوليّ، قدّم هذا الاختيار على أنّه دائم, مضيفا أنّه لو يكون باستطاعته فسوف يبقي على هذه الزّيادة لمدّة عشرة سنوات. وفي نفس الوقت, كان يلتقي بكردوزو ويعترف بأنّه يعمل في اتّصال مع سياسة الحكومة السّابقة. كان اقتراح إصلاح التّقاعد العنصر الأبرز في التّحوّل. فوفق نموذج متطابق تماما مع الجيل الثّاني للإصلاحات الّتي أوصى بها البنك العالميّ، سعى هذا الأخير إلى أن يدفع المتقاعدون الضّرائب من جديد، كما أنّ هذا المقترح حدّ من مستوى تقاعد العمّال في القطاع العامّ وفتح مجالا واسعا لتطوّر أنظمة صناديق المعاش، وهي «مصيدة ظريفة» لدى النّظام الماليّ. وفي تعارض مع هذا المشروع، ضمّت أضخم المظاهرات المنظّمة منذ بداية حكومة «لولا» نقابات عمّال القطاع العامّ وتلقّت الدّعم من «حركة المحرومين..» ومن «مركزيّة العمّال الوحيدة» ومن الحركة الطّلاّبيّة ومن برلمانيي حزب العمّال ومن غيره من الأحزاب اليساريّة. وكان إقصاء إدارة الحزب لبرلمانيين- ثلاثة نوّاب فدراليين وسيناتورة- يبدو تعبيرا عن إرادة الحزب في معاقبة أولئك الّذين لم يكونوا يمتثلون للتّوجّهات الجديدة حتّى لو أنّها ما كانت ليتبنّاها المؤتمر أو الاجتماع الوطنيّ لحزب العمّال. لقد كشفت الواقعة عن تفضيل الحكومة الجديدة لحلول السّوق على حساب القطاع العامّ، واعتبر «لولا» إصلاح التّقاعد «العمل الأهمّ في السّنة الأولى» لحكمه. كما برهن للنّخب على أنّ السّلطة كانت مستعدّة للعمل ضدّ نقابات القطاع العامّ، وهو قطاع دافع عنه حزب العمّال سابقا بكلّ قوّة، ومستعدّة لإقصاء برلمانيين لإثبات صدق انخراطها في السّياسة الاقتصاديّة- الماليّة لحكومة كردوزو. واقترنت هذه الإستمراريّة بسياسات اجتماعيّة تعويضيّة و محدّدة واستعجاليّة متوافقة مرّة أخرى مع وصفات البنك العالميّ. من ذلك أنّ برنامج صفر مجاعة وغيره من البرامج الّتي تلته، لم يتضمّن سياسات مبنيّة على الحقوق الكونيّة بل استهدف مناطق ومدنا «ذات فقر مدقع» عن طريق اللّجوء إلى بطاقات تعيين للعائلات الأكثر عوزا. وهكذا اجتمع عنصران، يميّزان «الطّريق الثّالث»: الحفاظ على الاستقرار النّقديّ باعتباره الهدف الرّئيسيّ، وتطوير السّياسات الاجتماعيّة التّعويضيّة، بينما، في الوقت ذاته، تهاجم فتوحات دولة الرّخاء الاجتماعيّ. والغاية هي خلق مناخ ملائم للاستثمارات الأجنبيّة. إنّ الازدواجيّة، بل قل المواجهة بين وزارة التّنمية الزّراعيّة ووزارة الفلاحة تعكس تناقضات الحكومة. فوزير الفلاحة، المصطفّ خلف الشّركة المتعدّدة الجنسيات مونسانتو Monsanto ، يبجّل علنا تبنّي الزّراعات المحوّلة جينيّا، خصوصا في زراعات السّوجا جنوب البلاد، بينما تكافح بشدّة ضدّ ذلك «حركة المحرومين من الأراضي», وهي الوفيّة لأطروحات حركة الفلاّحين «بواسطة المزارع «Via Campesina، والمنتديات الاجتماعيّة العالميّة. وبنفس الطّريقة، يمثّل وزير الصّناعة، وهو كذلك صاحب مؤسّسة كبيرة لتصدير الدّواجن، نموذج البزنس الفلاحيّ الموجّه نحو السّوق الخارجيّة، بينما تناضل «حركة المحرومين..» من أجل محور تنمية فلاحيّة قائم على الملكيات الصّغرى والمتوسّطة الّتي تنتج للسّوق الدّاخليّة. عندما أعادت الحكومة تقدير الأجر الأدنى، أصبح التّعارض بين سياستها الاقتصاديّة- الماليّة ومصالح العمّال أكثر وضوحا. إنّ البنك المركزيّ هو من حدّد المستوى الهزيل لتلك الزّيادة رغم معارضة مركزيّة العمّال الوحيدة وجميع نقابات البلاد. شعر داسيلفا أكثر من أيّة واقعة مضت بتصلّب الفريق الاقتصاديّ، ولكن، رغم الطّابع الرّمزيّ لذلك القرار، فإنّه لم يحل دون فرضه. لقد سمحت تلك الزّيادة الهزيلة بفهم طبيعة التّوسّع الاقتصاديّ المتوقّع لسنة 2004. فهو لن يبنى إلاّ على التّصدير وعلى استهلاك النّخبة، بما أنّه لم يقع ترميم قدرة استهلاك السّوق الدّاخليّة من خلال تحسين مستوى عيش العمّال. بعد عامين من الرّكود، يعتبر مستوى النّموّ المتوقّع- حوالي 3,5% أو 4%- تداركا ضعيفا، دون أن يعني بهذا إحياء للشّغل ولا أيضا للقدرة الشّرائيّة للأجراء. بالتّأكيد، تحظى الحكومة بدعم المؤسّسات الكبرى والرّأسمال الماليّ، وتتمتّع بتعاطف وسائل الإعلام الكبرى. ويمكنها أيضا التّعويل على تضامن الأوساط الشّعبيّة غير المنتظمة، الّتي، وهي تتماهى مع «لولا»، تعتبره بمثابة واحد منها نجح في الارتقاء إلى مصافّ النّخب. في هذا السّياق، مثّلت الإنتخابات البلديّة في أكتوبر- نوفمبر 2004 أوّل تراجع انتخابيّ للحزب منذ مشاركته في الحياة الدّيمقراطيّة(1). فبالرّغم من أنّ عدد الأصوات لفائدته قد ارتفع في البلاد، إلاّ أنّ حزب العمّال ألفى حضوره الجغرافيّ والاجتماعيّ يتحوّل من المراكز السّياسيّة الرّئيسيّة مثل ساو باولو وبورتو ألاّري المدينة- الرّمز الّتي حكمها لمدّة ستّ عشرة سنة، نحو جهات بداخل البلاد ذات ثقل سياسيّ أقلّ ومستوى أدنى من النّشاط السّياسيّ مثل المنطقة الوسطى من البرازيل (2). لقد شكّل الغياب شبه الكلّيّ للمناضلين عن الشّوارع، وهي النّتيجة المباشرة للخيبة النّاجمة عن توجّهات الحكومة، الضّعف الرّئيسيّ في الحملات الانتخابية لحزب العمّال. كان الأمر كما لو أنّه فقد روحه وحاول أن يعوّضها «بالاحترافيّة»، أي بإدخال أخصّائيين في التّسويق للقيام بالحملات-المركّزة على التّلفاز أكثر منها على الشّوارع- و أشخاص مدفوعيّ الأجر للقيام بالدّعاية الانتخابيّة Cabos» eleitorais « عوضا عن المناضلين. وعادة ما يقوّي مرشّحوه من أنشطتهم خلال الأيّام الأخيرة مدعومين بجهود أتباعهم. ولكنّ الأمر لم يكن كذلك في تلك المرّة. بعد تلك النّتائج الانتخابيّة المعتدلة، سعت حكومة لولا إلى تقوية قاعدة تحالفاتها السّياسيّة مع حزب من الوسط هو حزب الحركة الدّيمقراطيّة البرازيليّة ومع آخر من اليمين هو الحزب الشّعبيّ، في سبيل انتخابات الرّئاسة سنة 2006. ولكنّ هذه الإستراتيجيا لم تدم في جزء منها طويلا، إذ قرّر الحزب الأوّل الحليف الرّئيسيّ لحزب العمّال، في 12 ديسمبر، ترك التّحالف في السّلطة حاثّا أعضاءه على مساندة مرشّحهم الخاصّ للرّئاسيّة. عشيّتها، قطع الحزب الشّعبيّ الاشتراكي (الشّيوعيّ سابقا) جسور التّواصل معه. ويبقى المهمّ أنّ مسؤوليّ الحركتين يؤاخذون لولا على أنّه يتوخّى سياسة اقتصاديّة جدّ محافظة. أمّا الحركات الاجتماعيّة، فقد استأنفت من ناحيتها أعمالها التّعبويّة، مؤكّدة تباينها: استيلاء الفلاّحين المحرومين على الأراضيّ بعد أن قاموا بهدنة أثناء الحملة الانتخابيّة، اعتراض الطّلبة والأساتذة على الإصلاح الجامعيّ الّذي اعتبروه يتوجّه نحو الخصخصة، رفض إصلاح حقّ الشّغل الّذي يعلن عن إضعاف للنّقابات وتوسّع العمل العرضيّ... هوامش لوي إيناسيو داسيلفا كلّ شيء بدأ في 12- 06- 1978، على السّاعة السّابعة صباحا. الدّيكتاتوريّة في الحكم منذ 14 سنة. في مصنع سكانيا، حيث توجد أقوى قدرة شرائيّة في ساو برناردو، الجميع جاء ولا أحد باشر العمل. المطلب يرنّ مثل الفجور:» فورا! مائة بالمائة زيادة في الأجور»، مثل بقعة الزّيت، مثل بقعة الغضب. ثمّ ظهر رجل. إنّه لوي إيناسيو داسيلفا، المسمّى «لولا». ابن عائلة وفيرة وفقيرة من الشّمال الشّرقيّ، عامل بالخراطة، رئيس نقابة عمّال المعادن بساو برناردو ودياداما، على لحمه جرح ناجم عن الآلة الّتي قطعت خنصر يده اليسرى. بشجاعة فائقة، ينزل إلى الشّوارع والتّجمّعات. جميع المحيط الصّناعيّ لساو باولو يلتهب. رغم المنع القانونيّ، رغم القمع، اندلع الإضراب فجأة. في آخر النّزاع، تحصّل العمّال على 11% من الزّيادة في الأجور. ولم يتراجع بعدها «لولا»: «لم أضرب قبل ذلك مرّة واحدة. ولكنّي أدركت بسرعة أنّ المفاوضات أسهل حين تكون الآلات متوقّفة... « في أفريل من سنة 1980 ، وبطريقة متمرّدة كما في الأولى، شلّت حركة جديدة نفّذها قرابة ال 25 ألف عامل تعدين صناعة السّياّرات طيلة 41 يوما. جرّ «لولا» إلى مديريّة الشّؤون السّياسيّة والاجتماعيّة، وهو مركز للتّعذيب ذائع الصّيت، حيث قضّى ثمانية أيّام في دهاليزها، قبل أن يطلق سراحه بفضل الضّغوط الدّوليّة. عندما ظهر هذا البرازيليّ المنحدر من القاع والّذي سيصبح رئيسا في 27- 10- 2002 ، لم يثر مطلقا حماس التّنظيمات التّقليديّة، وأساسا حماس ممثّلي التّيّار القريب من الحزب الشّيوعيّ البرازيليّ المحظور، لأنّه كان ينافسهم في قيادة العمّال. كنّته الصّحافة الغربيّة ب «لاش فاليزا المداريّ»، كان بإمكانه التّعويل على القطاعات التّقدّميّة في الكنيسة و أسّس حزبا جديدا هو حزب العمّال. كانت السّلطة أيضا ترتاب منه، لأنّها كانت تزمع المراقبة الشّديدة لإيقاع مسار الدّيمقراطيّة ولحدوده. مثّله اليمين باعتباره ذئبا في جلدة حمل، وخسر الانتخابات الرّئاسيّة سنوات 1989 و1994 و1998، قبل أن يفوز في انتخابات 2002 ب55,2 من الأصوات. سيعاد انتخابه في 28- 10- 2002. 1- حزب العمّال، المنبثق مباشرة من الحركات الاجتماعيّة، وبصفة أخصّ من الإضراب الكبير لعمّال التّعدين في ساو باولو سنة 1980، أثناء حكم الدّيكتاتوريّة العسكريّة1964-1985، عرف أوّل نجاح كبير في 15-11-1988 ، عندما فاز لويزا فرنندو دي سوزا بانتخابات ولاية ساو باولو. وفي ديسمبر 1998 تحصّل داسيلفا رغم هزيمته أمام فرنندو كولّور دي ميلّو على 48 % من الأصوات في الدّورة الثّانية من النتخابات الرّئاسيّة، وهو ما يمثّل حينها حدثا تاريخيّا. 2- أغلب مقاعد المراكز السّياسيّة الكبرى عادت إلى الحزبين الاجتماعي الدّيمقراطيّ والحزب الشّعبيّ الاشتراكيّ. المقال منشور بالفرنسيّة في مجلّة طريقة نظر Manière de voir 90 ديسمبر 2006- جانفي 2007