مشروع الأمر المتعلق بمنع المناولة في القطاع العام ،وحلّ شركة الاتصالية للخدمات ابرز محاور لقاء رئيس الجمهورية بوزيري الشؤون الاجتماعية وتكنولوجيات الاتصال    رئيس الجمهورية : الدّولة التونسية تُدار بمؤسّساتها وبالقوانين التي تنظّمها،,ولا أحد فوق المساءلة والقانون    كاس العالم للاندية : فلامنغو البرازيلي يجسم افضليته ويتفوق على الترجي بثنائية نظيفة    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم بثنائية أمام فلامينغو .. ترتيب المجموعة    الترجي الرياضي التونسي ينهزم في افتتاح مشواره بكأس العالم للأندية أمام فلامينغو البرازيلي (فيديو)    فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    انطلاق عملية التدقيق الخارجي لتجديد شهادة الجودة بوزارة التجهيز والإسكان    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    طقس الليلة    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ شخصية سياسية معروفة يكشف سبب رفضه المشاركة في "قافلة الصمود"    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قربة71وفيفري72 محطتان في صراع الإستقلالية وحل أزمة الإتحاد يتمثل في استرجاع الطلبة لاتحادهم
صالح الزغيدي:
نشر في الشعب يوم 15 - 05 - 2010

نشط السيد صالح الزغيدي خلال فترة الستينات صلب الاتحاد العام لطلبة تونس فرع باريس وكان ينتمي لشباب الحزب الشيوعي التونسي.
سجن في عدة مناسبات وطرد من الجامعة بسبب نشاطه النقابي وأهتم بعد ذلك بالعمل النقابي صلب الاتحاد العام التونسي للشغل وبالعمل الحقوقي صلب الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وعايش السيد صالح الزغيدي فترة هامة من تاريخ المنظمة الطلابية من اجل ذلك، كان هذا الحديث معه:
❊ السيد صالح الزغيدي، عشتم مرحلة هامة من تاريخ الإتحاد وشاركتم في 4 مؤتمرات في الستينات، كيف تقيّمون تلك المرحلة؟ وماهي عوامل أزمة مؤتمر قربة 1971؟
تأسس الإتحاد العام لطلبة تونس سنة 1952 وعقد مؤتمره الأوّل في باريس نظرا لأن جلّ الطلبة التونسيين كانوا يزاولون دراستهم في الجامعات الفرنسيّة، وكانت نضالات الإتحاد بعد ذلك كجزء من الحركة الوطنيّة المطالبة بالإستقلال والتي قادها الحزب الحرّ الدستوري، وكان من المنطقي تواجد الطلبة الدساترة في أغلب هياكله وفي قيادته ولم يكن ذلك يحدث أي أشكال غير أنّه وبعد الإستقلال مباشرة بدأت عديد الأصوات المختلفة عن منطق الحزب الحاكم وطلبته تنادي بعديد الإصلاحات، السياسية والحقوقيّة والإقتصادية وكان مركز ثقل هذه الآراء الجامعة بإعتبار أن الطلبة كانوا نخبة البلاد وأكثرهم تسيسا ومتابعة للأوضاع من جهة ومقادون بحماسة الشباب من جهة أخرى وهو ما مهد لخلافات في الرؤى داخل المنظمة الطلابيّة، رغم سير الحياة داخلها بصورة شبه طبيعيّة، وفي تلك الفترة أي من 56 إلى بداية الستينات لم تكن الخلافات حادة وكان باب المنظمة مفتوحا أمام جميع الطلاب، والحقيقة أن الوضع داخل الاتحاد كان يمثل إنعكاسا لواقع البلاد الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم كما كان لقيادة الإتحاد هامش نسبي من حرية الحركة وإبداء الرأي وإن تناقض أو اختلف مع إرادة الحزب.
بعد هذه الفترة التي لم تدم طويلا، ظهرت عقلية الهيمنة لدى الحزب الحاكم وبورقيبة فتم إلحاق كافة المنظمات الوطنية بهيكلة الحزب لضمان عملها وفقا لرؤيته كما شهدت البلاد حملة من التضييق على العمل السياسي والمحاكمات التي كنت أنا شخصيا أحد ضحاياها سنة 66 وبدأت بعض الممارسات التي تمسّ من العمليّة الديمقراطيّة في إنتخاب هياكل المنظمة كإنعكاس للواقع السياسي الجديد أهمّها ما حصل في إنتخابات فرع باريس حيث اختطف الدساترة صندوق الإقتراع وجلبوه إلى تونس ليقوم المكتب التنفيذي »الدستوري« بعمليّة الفرز ويعلن فوز قائمة دستوريّة بأصوات مزوّرة، ثم تمّ تعديل الميثاق الطلابي في مؤتمر الكاف سنة 1963 بإدراج بند يجعل الإتحاد يعمل بتعاون وثيق مع الحزب الحرّ الدستوري، وانعكس هذا الإجراء على خطاب المكتب التنفيذي الذي أصبح تابعا للسلطة. ورغم هذه التجاوزات، فقد واصل اليسار وغير الدستوريين الإنخراط في العمليّة الانتخابية وتمكنوا من التواجد في الهياكل الوسطى.
❊ من هم الطلبة غير الدساترة؟ وماهي ظروف تواجدهم؟
ينقسم الطلبة الغير الدساترة أو الديمقراطيون إلى قسمين هامين هما اليسار وهو مجموعة الطلاب المنحازين للفكر الماركسي الذي شهد انتشارا عالميا في تلك المرحلة والمستقلّون الذين إختاروا عدم الإنخراط سياسيا وتنظيميا. ويعود ظهور التصوّر التقدّمي إن شئنا إلى عدة عوامل أهمها التعليم الثانوي الذي ساهم في تعليم الفكر النقدي حيث كانت البرامج التعليمية تعلم خلاصة الفكر الإنساني النير كما كان للأساتذة الجامعيين تأثير كبير على الطلبة خاصة المتأثرين بالفكر الماركسي وكانت علاقة الأستاذ بالطالب مميزة وحميميّة قائمة على التعاون والتفاعل، وأذكر هنا الأساتذة عبد القادر الزغل والحبيب عطيّة وعلي الحيلي وفرج إسطنبولي وصالح القرمادي وعبد القادر بن شيخ وتوفيق بكار الذين كانت تجمعهم بطلبتهم علاقة خاصة حيث يقوم بعضهم بطباعة الكتب والمراجع على حسابهم وتقديمها للطلبة لمساعدتهم على تحصيل العلم والمراجعة وقد وصلت هذه العلاقة الجيدة حد تكوين وفود مشتركة للتفاوض مع العمداء حول المشاكل الجامعية المشتركة إضافة، والى ذلك أثر الوضع العالمي الذي شهد عديد الثورات وحروب التحرير على ميولات الشباب في العالم ومنهم شباب تونس.
وكان ظهور هذا التصور التقدّمي وراء عديد التحركات الطلابية منها تحركات ديسمبر 66 والمظاهرات الإحتجاجية إبّان حرب 67 والتي سجن خلالها محمد بن جنات الذي نال حكما ب 20 سنة أشغال شاقة ثمّ التحركات الهامّة في مارس 68 التي أدت الى اعتقال المئات من الطلبة ومحاكمتهم في سبتمبر وهو ما خلق جوّا من التوتر سيتواصل الى غاية مؤتمر قربة 1971 حيث أصبح التعايش غير ممكن مما فجّر الاوضاع داخل المنظمة وكما يعلم الجميع فإن الدساترة المواليين للحزب انقلبوا على الأغلبية المكونة من شق من الدساترة الغاضبين واليسار ونصبوا قيادة موالية. وقد تم إيقاف عديد المؤتمرين. ومع العودة الجامعيّة قامت الأغلبية بتعبئة الجماهير الطلابيّة للمطالبة بإنهاء أشغال المؤتمر 18 التي لم تكتمل ونجحوا في تجميع عدد واسع من الطلاب حولهم توّج بحركة فيفري 1972، بعد الأحداث التي يعلمها الجميع المحاكمات والتجنيد والإيقافات إضافة الى غلق الجامعة عادت الأمور تدريجيا الى الهدوء وبدأت عديد الاتصالات لايجاد حل، باءت بالفشل في نهاية المطاف وإشتعل في تلك الفترة خلاف داخلي أي بين مجموعة المؤتمرين خاصة اليسار حول سبل التعامل مع الواقع الطلابي.
المهمّ أن المؤتمرين الذين كانوا مسنودين بعديد الوجوه الطلابيّة اليساريّة تمكنوا من صياغة برنامج نقابي يهدف إلى إعادة بناء الإتحاد بعد أزمته عُرف ب »برنامج 73« وقُدم إلى وزارة التربيّة القومية التي كان على رأسها محمد مزالي وتمت الموافقة على مضمونه وحصل إتفاق مع الوزارة حول إعادة إحياء هياكل الإتحاد وتجاوز الأزمة وشرعنا في إنجاز الإنتخابات القاعدية بإشراف ممثلي المجلس العلمي وجرت بصفة ديمقراطية حين أقول شرعنا أعني الفكر التقدمي والديمقراطي لأني لم أكن طالبا في ذلك التاريخ إذ طردت نهائيا من الجامعة سنة 1968 مع 5 من الرّفاق إثر أحداث مارس ووصلنا قرار الطرد ونحن في السجن بعد تجديد الهياكل وإتمام الاستعداد للمؤتمر، تراجعت السلطة عن إلتزاماتها ولم تعترف بهياكل الإتحاد الشرعية.
❊ ذكرتم منذ قليل الخلافات الداخلية بين الشق الديمقراطي أو التقدّمي فماهي طبيعة هذه الخلافات؟ ومن هي أطرافها؟
عندما انتهت أحداث إنقلاب قربة 71، عاد الطلبة للجامعة في خريف نفس السنة، ونحن متمسكون بموقف الرفض للإنقلاب الذي حصل، الوضع كان يتطلب إيجاد الحلول. المشكل المطروح آنذاك هو وجود مؤتمرين وهياكل دون قيادة فما العمل إذن؟ أثناء تدارس الأوضاع ظهر مشكل في كيفية النظر للعمل النقابي الطلابي أو بمعنى آخر هل سنواصل العمل في إطار الإتحاد أم يقع القطع معه والبحث عن فضاء جديد واتجه الرأي الأغلبي نحو التمسك بالإتحاد ومن هناك جاء »برناج 73« رغم معارضة بعض الاسماء، وحُسمت المسألة في جلسات عامة وبصورة ديمقراطية. و»برنامج 73« هو عبارة عن مقترحات عملية لإعادة بناء الاتحاد وإصلاح الأوضاع بعد انقلاب قربة 71 ومن أهم ما نصّ عليه هو إعادة إنتخاب الهياكل بما في ذلك قيادة مؤقتة.
❊ ماهو دور المكتب التنفيذي الذي انبثق عن مؤتمر قربة 71 في خضم هذه الأحداث؟
لا شيء، كان غائبا تماما ولا علاقة له بالطلبة، كان أعضاؤه يجتمعون في مقر الإتحاد أو يسافرون للخارج حتى أن السلطة انذاك في المفاوضات لم تقترح أن يكون المكتب التنفيذي المنبثق عن الإنقلاب جزءا من الحل وأُهمل تماما لإدراك الجميع عدم تمثيليته.
❊ لماذا لم ينجز برنامج 73 لتجاوز الأزمة؟
قلت أن السلطة انقلبت على إتفاقاتها وتعهداتها مما نتج عنه أن »برنامج 73« لم يحقق أهدافه ورغم التمسك بهياكلهم وبمنظمتهم مع المطالبة دائما بتصحيح نتائج إنقلاب قربة وإعادة بناء الإتحاد عبر انجاز المؤتمر 18 الذي لم ينه أشغاله الا ان الانحراف الذي حصل مسّ جوهر الهياكل النقابية المؤقتة خاصة بعد الكفّ عن إعتماد الانتخاب في تشكيل الهياكل.
❊ ماهي طبيعة الإنحراف؟
مع التأثير القويّ لمنظمة العامل التونسي داخل الجامعة إثر تنامي حجم هذه الحركة، برزت من داخلها أصوات تنادي بالقطع مع الانتخابات وإعتماد التعزيز كمبدإ للانتماء للهياكل النقابيّة المؤقتة وذلك بهدف غربلة المناضلين وإزاحة غير الثوريين عن القيادة وتأتي هذه الممارسات في إطار رؤية جديدة للعمل النقابي الطلابي مفادها أن الاتحاد العام لطلبة تونس أي الهياكل النقابية المؤقتة رافد من روافد الثورة ولا يجب أن تستقبل غير الثوريين المنحازين لقضايا »البروليتاريا« وأنتهت بذلك عملية الانتخاب في حدود سنة 1976 وهو ما جعل هذه الهياكل فوقيّة ومعزولة عن الطلبة رغم إلتصاقها بمشاغلهم، ومنذ ذلك الحين اندثرت هياكل الاتحاد العام لطلبة تونس ولم يعد له وجود وانخرطت الجامعة في العمل السياسي المرتبط بأحلام الثورة ونصرة »البروليتاريا« وبرز الحديث عن الجامعة كمنطقة محررة.
❊ ولكن هناك من يعتبر أن إنجاز المؤتمر 18 الخارق للعادة سنة 1988 هو إعتراف بشرعية الهياكل النقابية المؤقتة وقدرة الأطراف على حمايتها
هذا الرأي غير صحيح لأنّ إنجاز، المؤتمر 18 خارق للعادة كان إعادة بناء جديدة للإتحاد بعد الاتفاق مع السلطة وليس تنفيذا لبرنامج 73، فكما قلت، الانحراف الذي حصل بداية من 76/77 تمثل في القطع مع تصورات حركة فيفري القائمة على التمسك بالإتحاد العام لطلبة تونس والعمل النقابي. ثم إن الهياكل اندثرت وأصبح الإتحاد فكرة ومشروعا، أمّا القيادة المنصبة فقد غابت تماما ولم نسمع بوجودها أصلا وعلى إعتبار أن الإتحاد هياكل نقابية منتخبة قبل كل شيء فإن المؤتمر 18 خارق للعادة هو في تقديري إعادة بناء للإتحاد القانوني والشرعي.
❊ كيف تقيّمون الواقع الحالي للمنظمة؟
بعد 1987 اختارت السلطة تسوية ملفات المنظمات الجماهيرية خاصة إتحاد الطلبة وإتحاد الشغل من منطلق حاجتها الى مناخ سياسي جديد وتماشيا مع خطابها القائل بأنّ شعبنا جدير بحياة سياسية أفضل، جاء إقرار عقد المؤتمر 18 الخارق للعادة الذي مكّن بقايا الهياكل النقابيّة المؤقتة غير المنتخبة ومكونات اليسار من إعادة بناء الإتحاد في إطار الشرعيّة والقانونيّة إلا أنّ الانحراف ظلّ مسيطرا على مناضلي الاتحاد فكما كان مناضلو الهياكل النقابية المؤقتة بعد 76 يعتبرون الإتحاد. فصيلا من فصائل الثورة ويعلنون أن الجامعة منطقة محررة وفقا لرؤية متفائلة بقيام الثورة، تبنت جماعة »18 خارق للعادة« ومن لحقهم نفس الرؤية مع تغيرات في المقولات ففي تلك الفترة شهد العالم تراجعا كبيرا في تبني الماركسيّة اللينية وغابت فكرة إعتبار الثورة هدفا قريبا وتحول الصراع الإديولوجي الى صراع سياسي فانتقل الإتحاد من أداة تساهم في إنجاز الثورة إلى أداة للصراع السياسي مع السلطة وغاب العمل النقابي أو الجوهر النقابي للإتحاد وهو ما أبعد الطلاب عن الإتحاد وأصبح المشهد الآن مأساويا حيث نجد الآن عشرات الآلاف من الطلاب لا يعلمون أصلا بوجود المنظمة وأصبحت الإنتخابات في الأجزاء الجامعيّة تقام بمئات المنخرطين (200 منخرط) من مجموع آلاف الطلاب في الكليّة الواحدة وهو ما يبرّر أن الأحداث الأخيرة من طرد مناضلي الإتحاد ومحاكمة العشرات ومنهم الأمين العام لم تشهد أي ردّ فعل طلابي جماهيري، فمن غير المعقول أن تمرّ محاكمة الأمين العام دون إضراب في يوم المحاكمة وأن يحاكم عشرون طالبا دون إضراب عام وإن تجاوب معه 30 أو 40٪ من الطلبة على الأقل ويمكن أن نستنتج أن الإتحاد أصبح غير قادر على تعبئة الجماهير حتى حول المطالب النقابية وذلك نتيجة عمليّة التخريب التي جرت على إمتداد السنوات الأخيرة.
وفي تقديري فإن الإتحاد العام لطلبة تونس وقع ضحية أمرين، أولا ما ذكرته من الإنحراف الذي مس من جوهره وثانيا السلطة التي لا تريد للإتحاد أن يتسع وينفتح على جمهوره، لذلك تسعى عبر القمع والتضييق والطرد إلى محاصرته وتقزيمه لأنها في حقيقة الأمر لم تستوعب بعد خروج المنظمة الطلابيّة عن إرادتها وإستقلالها وخدمة الطلبة، إلاّ أنّ دور السلطة المعروف لا ينفي مسؤولية باقي الأطراف التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها وأن تكف عن إلقاء كلّ اللوم على السلطة رغم أن لها دور في خراب الأوضاع في المنظمة الطلابيّة.
ولذلك فإنّ الحلّ أولا وأخيرا يكمن في إعادة تصحيح العمل والتعاطي مع الإتحاد كمنظمة جماهيرية ملك للطلبة وليست ملكا للأطراف السياسية بقطع النظر عن صحّة توجهاتها من عدمها.
❊ هل ترون إذن أن الحلّ يكمن في إعادة الطابع النقابي والجماهيري للمنظمة؟
قطعا، لا حلّ إلا بعودة الإتحاد الى جوهره، فبعد التصحر الذي عرفته المنظمة لا يمكن الآن إلاّ العمل تدريجيا على إعادة الاعتبار للعمل النقابي وترك المهام السياسية للاطراف السياسية والتوجه نحو مشاكل الطلاب وهي مسؤولية تاريخية ملقاة على عاتق المكتب التنفيذي الحالي الذي يجب أن يراجع الأمور ويبدأ في العمل على إعادة الاتحاد للطلبة، وفي الحقيقة فإنّ تعاطي سلطة الأشراف مع المنظمة له ما يبرره فحين يتفاوض المكتب الفيدرالي مع العميد وهو منتخب من قبل بعض العشرات يحق للإدارة التي تسعى أصلا للحد من فاعلية الإتحاد، أن تسوف الممثلين النقابيين وأن لا تسعى إلى حلول في حين أن الهيكل النقابي المسنود بالآلاف سيفرض نفسه مهما كان الموقف السياسي للسلطة وسيحقق مكاسب وهذا لا يكون الا بمنظمة جماهيرية تؤثر في أوسع عدد ممكن من الطلبة.
وقد يتحجج البعض بعزوف الطلاب عن العمل النقابي وإستقالة عدد واسع منهم، إلا أنّ هذه الحجة غير مقنعة فالأكيد وجود على الأقل 100 ألف من ضمن 370 ألف طالب مهتمين بالعمل النقابي وينتظرون مبادرة النقابة ويمثلون جمهورا محتملا وهو ما يستوجب العمل على تأطيرهم عبر الندوات والتظاهرات الثقافية والفنية والاكاديمية (وهي نشاطات من صميم عمل الإتحاد) وتطوير العلاقة معهم وإقناعهم بأن المنظمة منظمتهم، فلا حلّ للإتحاد العام لطلبة تونس خارج الطلبة فالإتحاد ليس منظمة نخبة بل منظمة جماهيرية تدافع فيها الجماهير عن الجماهير.. المطروح بصفة واضحة وصريحة: يكفي الجامعة والحركة الديمقراطية والبلاد من »إتحاد خاص بالأطراف السياسية« وليقع العودة إلى »إتحاد عام لطلبة تونس« وهذا هو المسار الوحيد الذي يمكن عبره إنقاذ الاتحاد من الاندثار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.