وزير الخارجية يتناول مع وزير المؤسسات الصغرى والمتوسطة الكامروني عددا من المسائل المتعلقة بالاستثمار وتعزيز التعاون الثنائي    غدا: هذه المناطق بهاتين الولايتين دون تيار كهربائي..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    بي هاش بنك: ارتفاع الناتج البنكي الصافي إلى 166 مليون دينار نهاية الربع الأول من العام الحالي    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    القصرين: مشاريع مبرمجة ببلدية الرخمات من معتمدية سبيطلة بما يقارب 4.5 ملايين دينار (معتمد سبيطلة)    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    توقيع اتفاق بين الحكومة التونسية ونظيرتها البحرينية بشأن تبادل قطعتيْ أرض مُعدّتيْن لبناء مقرّين جديدين لسفارتيهما    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    صفاقس : "الفن-الفعل" ... شعار الدورة التأسيسية الأولى لمهرجان الفن المعاصر من 28 إلى 30 أفريل الجاري بالمركز الثقافي برج القلال    تطاوين: بعد غياب خمس سنوات المهرجان الوطني للطفولة بغمراسن ينظم دورته 32 من 26 الى 28 افريل2024    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة الملعب التونسي    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قربة71وفيفري72 محطتان في صراع الإستقلالية وحل أزمة الإتحاد يتمثل في استرجاع الطلبة لاتحادهم
صالح الزغيدي:
نشر في الشعب يوم 15 - 05 - 2010

نشط السيد صالح الزغيدي خلال فترة الستينات صلب الاتحاد العام لطلبة تونس فرع باريس وكان ينتمي لشباب الحزب الشيوعي التونسي.
سجن في عدة مناسبات وطرد من الجامعة بسبب نشاطه النقابي وأهتم بعد ذلك بالعمل النقابي صلب الاتحاد العام التونسي للشغل وبالعمل الحقوقي صلب الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وعايش السيد صالح الزغيدي فترة هامة من تاريخ المنظمة الطلابية من اجل ذلك، كان هذا الحديث معه:
❊ السيد صالح الزغيدي، عشتم مرحلة هامة من تاريخ الإتحاد وشاركتم في 4 مؤتمرات في الستينات، كيف تقيّمون تلك المرحلة؟ وماهي عوامل أزمة مؤتمر قربة 1971؟
تأسس الإتحاد العام لطلبة تونس سنة 1952 وعقد مؤتمره الأوّل في باريس نظرا لأن جلّ الطلبة التونسيين كانوا يزاولون دراستهم في الجامعات الفرنسيّة، وكانت نضالات الإتحاد بعد ذلك كجزء من الحركة الوطنيّة المطالبة بالإستقلال والتي قادها الحزب الحرّ الدستوري، وكان من المنطقي تواجد الطلبة الدساترة في أغلب هياكله وفي قيادته ولم يكن ذلك يحدث أي أشكال غير أنّه وبعد الإستقلال مباشرة بدأت عديد الأصوات المختلفة عن منطق الحزب الحاكم وطلبته تنادي بعديد الإصلاحات، السياسية والحقوقيّة والإقتصادية وكان مركز ثقل هذه الآراء الجامعة بإعتبار أن الطلبة كانوا نخبة البلاد وأكثرهم تسيسا ومتابعة للأوضاع من جهة ومقادون بحماسة الشباب من جهة أخرى وهو ما مهد لخلافات في الرؤى داخل المنظمة الطلابيّة، رغم سير الحياة داخلها بصورة شبه طبيعيّة، وفي تلك الفترة أي من 56 إلى بداية الستينات لم تكن الخلافات حادة وكان باب المنظمة مفتوحا أمام جميع الطلاب، والحقيقة أن الوضع داخل الاتحاد كان يمثل إنعكاسا لواقع البلاد الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم كما كان لقيادة الإتحاد هامش نسبي من حرية الحركة وإبداء الرأي وإن تناقض أو اختلف مع إرادة الحزب.
بعد هذه الفترة التي لم تدم طويلا، ظهرت عقلية الهيمنة لدى الحزب الحاكم وبورقيبة فتم إلحاق كافة المنظمات الوطنية بهيكلة الحزب لضمان عملها وفقا لرؤيته كما شهدت البلاد حملة من التضييق على العمل السياسي والمحاكمات التي كنت أنا شخصيا أحد ضحاياها سنة 66 وبدأت بعض الممارسات التي تمسّ من العمليّة الديمقراطيّة في إنتخاب هياكل المنظمة كإنعكاس للواقع السياسي الجديد أهمّها ما حصل في إنتخابات فرع باريس حيث اختطف الدساترة صندوق الإقتراع وجلبوه إلى تونس ليقوم المكتب التنفيذي »الدستوري« بعمليّة الفرز ويعلن فوز قائمة دستوريّة بأصوات مزوّرة، ثم تمّ تعديل الميثاق الطلابي في مؤتمر الكاف سنة 1963 بإدراج بند يجعل الإتحاد يعمل بتعاون وثيق مع الحزب الحرّ الدستوري، وانعكس هذا الإجراء على خطاب المكتب التنفيذي الذي أصبح تابعا للسلطة. ورغم هذه التجاوزات، فقد واصل اليسار وغير الدستوريين الإنخراط في العمليّة الانتخابية وتمكنوا من التواجد في الهياكل الوسطى.
❊ من هم الطلبة غير الدساترة؟ وماهي ظروف تواجدهم؟
ينقسم الطلبة الغير الدساترة أو الديمقراطيون إلى قسمين هامين هما اليسار وهو مجموعة الطلاب المنحازين للفكر الماركسي الذي شهد انتشارا عالميا في تلك المرحلة والمستقلّون الذين إختاروا عدم الإنخراط سياسيا وتنظيميا. ويعود ظهور التصوّر التقدّمي إن شئنا إلى عدة عوامل أهمها التعليم الثانوي الذي ساهم في تعليم الفكر النقدي حيث كانت البرامج التعليمية تعلم خلاصة الفكر الإنساني النير كما كان للأساتذة الجامعيين تأثير كبير على الطلبة خاصة المتأثرين بالفكر الماركسي وكانت علاقة الأستاذ بالطالب مميزة وحميميّة قائمة على التعاون والتفاعل، وأذكر هنا الأساتذة عبد القادر الزغل والحبيب عطيّة وعلي الحيلي وفرج إسطنبولي وصالح القرمادي وعبد القادر بن شيخ وتوفيق بكار الذين كانت تجمعهم بطلبتهم علاقة خاصة حيث يقوم بعضهم بطباعة الكتب والمراجع على حسابهم وتقديمها للطلبة لمساعدتهم على تحصيل العلم والمراجعة وقد وصلت هذه العلاقة الجيدة حد تكوين وفود مشتركة للتفاوض مع العمداء حول المشاكل الجامعية المشتركة إضافة، والى ذلك أثر الوضع العالمي الذي شهد عديد الثورات وحروب التحرير على ميولات الشباب في العالم ومنهم شباب تونس.
وكان ظهور هذا التصور التقدّمي وراء عديد التحركات الطلابية منها تحركات ديسمبر 66 والمظاهرات الإحتجاجية إبّان حرب 67 والتي سجن خلالها محمد بن جنات الذي نال حكما ب 20 سنة أشغال شاقة ثمّ التحركات الهامّة في مارس 68 التي أدت الى اعتقال المئات من الطلبة ومحاكمتهم في سبتمبر وهو ما خلق جوّا من التوتر سيتواصل الى غاية مؤتمر قربة 1971 حيث أصبح التعايش غير ممكن مما فجّر الاوضاع داخل المنظمة وكما يعلم الجميع فإن الدساترة المواليين للحزب انقلبوا على الأغلبية المكونة من شق من الدساترة الغاضبين واليسار ونصبوا قيادة موالية. وقد تم إيقاف عديد المؤتمرين. ومع العودة الجامعيّة قامت الأغلبية بتعبئة الجماهير الطلابيّة للمطالبة بإنهاء أشغال المؤتمر 18 التي لم تكتمل ونجحوا في تجميع عدد واسع من الطلاب حولهم توّج بحركة فيفري 1972، بعد الأحداث التي يعلمها الجميع المحاكمات والتجنيد والإيقافات إضافة الى غلق الجامعة عادت الأمور تدريجيا الى الهدوء وبدأت عديد الاتصالات لايجاد حل، باءت بالفشل في نهاية المطاف وإشتعل في تلك الفترة خلاف داخلي أي بين مجموعة المؤتمرين خاصة اليسار حول سبل التعامل مع الواقع الطلابي.
المهمّ أن المؤتمرين الذين كانوا مسنودين بعديد الوجوه الطلابيّة اليساريّة تمكنوا من صياغة برنامج نقابي يهدف إلى إعادة بناء الإتحاد بعد أزمته عُرف ب »برنامج 73« وقُدم إلى وزارة التربيّة القومية التي كان على رأسها محمد مزالي وتمت الموافقة على مضمونه وحصل إتفاق مع الوزارة حول إعادة إحياء هياكل الإتحاد وتجاوز الأزمة وشرعنا في إنجاز الإنتخابات القاعدية بإشراف ممثلي المجلس العلمي وجرت بصفة ديمقراطية حين أقول شرعنا أعني الفكر التقدمي والديمقراطي لأني لم أكن طالبا في ذلك التاريخ إذ طردت نهائيا من الجامعة سنة 1968 مع 5 من الرّفاق إثر أحداث مارس ووصلنا قرار الطرد ونحن في السجن بعد تجديد الهياكل وإتمام الاستعداد للمؤتمر، تراجعت السلطة عن إلتزاماتها ولم تعترف بهياكل الإتحاد الشرعية.
❊ ذكرتم منذ قليل الخلافات الداخلية بين الشق الديمقراطي أو التقدّمي فماهي طبيعة هذه الخلافات؟ ومن هي أطرافها؟
عندما انتهت أحداث إنقلاب قربة 71، عاد الطلبة للجامعة في خريف نفس السنة، ونحن متمسكون بموقف الرفض للإنقلاب الذي حصل، الوضع كان يتطلب إيجاد الحلول. المشكل المطروح آنذاك هو وجود مؤتمرين وهياكل دون قيادة فما العمل إذن؟ أثناء تدارس الأوضاع ظهر مشكل في كيفية النظر للعمل النقابي الطلابي أو بمعنى آخر هل سنواصل العمل في إطار الإتحاد أم يقع القطع معه والبحث عن فضاء جديد واتجه الرأي الأغلبي نحو التمسك بالإتحاد ومن هناك جاء »برناج 73« رغم معارضة بعض الاسماء، وحُسمت المسألة في جلسات عامة وبصورة ديمقراطية. و»برنامج 73« هو عبارة عن مقترحات عملية لإعادة بناء الاتحاد وإصلاح الأوضاع بعد انقلاب قربة 71 ومن أهم ما نصّ عليه هو إعادة إنتخاب الهياكل بما في ذلك قيادة مؤقتة.
❊ ماهو دور المكتب التنفيذي الذي انبثق عن مؤتمر قربة 71 في خضم هذه الأحداث؟
لا شيء، كان غائبا تماما ولا علاقة له بالطلبة، كان أعضاؤه يجتمعون في مقر الإتحاد أو يسافرون للخارج حتى أن السلطة انذاك في المفاوضات لم تقترح أن يكون المكتب التنفيذي المنبثق عن الإنقلاب جزءا من الحل وأُهمل تماما لإدراك الجميع عدم تمثيليته.
❊ لماذا لم ينجز برنامج 73 لتجاوز الأزمة؟
قلت أن السلطة انقلبت على إتفاقاتها وتعهداتها مما نتج عنه أن »برنامج 73« لم يحقق أهدافه ورغم التمسك بهياكلهم وبمنظمتهم مع المطالبة دائما بتصحيح نتائج إنقلاب قربة وإعادة بناء الإتحاد عبر انجاز المؤتمر 18 الذي لم ينه أشغاله الا ان الانحراف الذي حصل مسّ جوهر الهياكل النقابية المؤقتة خاصة بعد الكفّ عن إعتماد الانتخاب في تشكيل الهياكل.
❊ ماهي طبيعة الإنحراف؟
مع التأثير القويّ لمنظمة العامل التونسي داخل الجامعة إثر تنامي حجم هذه الحركة، برزت من داخلها أصوات تنادي بالقطع مع الانتخابات وإعتماد التعزيز كمبدإ للانتماء للهياكل النقابيّة المؤقتة وذلك بهدف غربلة المناضلين وإزاحة غير الثوريين عن القيادة وتأتي هذه الممارسات في إطار رؤية جديدة للعمل النقابي الطلابي مفادها أن الاتحاد العام لطلبة تونس أي الهياكل النقابية المؤقتة رافد من روافد الثورة ولا يجب أن تستقبل غير الثوريين المنحازين لقضايا »البروليتاريا« وأنتهت بذلك عملية الانتخاب في حدود سنة 1976 وهو ما جعل هذه الهياكل فوقيّة ومعزولة عن الطلبة رغم إلتصاقها بمشاغلهم، ومنذ ذلك الحين اندثرت هياكل الاتحاد العام لطلبة تونس ولم يعد له وجود وانخرطت الجامعة في العمل السياسي المرتبط بأحلام الثورة ونصرة »البروليتاريا« وبرز الحديث عن الجامعة كمنطقة محررة.
❊ ولكن هناك من يعتبر أن إنجاز المؤتمر 18 الخارق للعادة سنة 1988 هو إعتراف بشرعية الهياكل النقابية المؤقتة وقدرة الأطراف على حمايتها
هذا الرأي غير صحيح لأنّ إنجاز، المؤتمر 18 خارق للعادة كان إعادة بناء جديدة للإتحاد بعد الاتفاق مع السلطة وليس تنفيذا لبرنامج 73، فكما قلت، الانحراف الذي حصل بداية من 76/77 تمثل في القطع مع تصورات حركة فيفري القائمة على التمسك بالإتحاد العام لطلبة تونس والعمل النقابي. ثم إن الهياكل اندثرت وأصبح الإتحاد فكرة ومشروعا، أمّا القيادة المنصبة فقد غابت تماما ولم نسمع بوجودها أصلا وعلى إعتبار أن الإتحاد هياكل نقابية منتخبة قبل كل شيء فإن المؤتمر 18 خارق للعادة هو في تقديري إعادة بناء للإتحاد القانوني والشرعي.
❊ كيف تقيّمون الواقع الحالي للمنظمة؟
بعد 1987 اختارت السلطة تسوية ملفات المنظمات الجماهيرية خاصة إتحاد الطلبة وإتحاد الشغل من منطلق حاجتها الى مناخ سياسي جديد وتماشيا مع خطابها القائل بأنّ شعبنا جدير بحياة سياسية أفضل، جاء إقرار عقد المؤتمر 18 الخارق للعادة الذي مكّن بقايا الهياكل النقابيّة المؤقتة غير المنتخبة ومكونات اليسار من إعادة بناء الإتحاد في إطار الشرعيّة والقانونيّة إلا أنّ الانحراف ظلّ مسيطرا على مناضلي الاتحاد فكما كان مناضلو الهياكل النقابية المؤقتة بعد 76 يعتبرون الإتحاد. فصيلا من فصائل الثورة ويعلنون أن الجامعة منطقة محررة وفقا لرؤية متفائلة بقيام الثورة، تبنت جماعة »18 خارق للعادة« ومن لحقهم نفس الرؤية مع تغيرات في المقولات ففي تلك الفترة شهد العالم تراجعا كبيرا في تبني الماركسيّة اللينية وغابت فكرة إعتبار الثورة هدفا قريبا وتحول الصراع الإديولوجي الى صراع سياسي فانتقل الإتحاد من أداة تساهم في إنجاز الثورة إلى أداة للصراع السياسي مع السلطة وغاب العمل النقابي أو الجوهر النقابي للإتحاد وهو ما أبعد الطلاب عن الإتحاد وأصبح المشهد الآن مأساويا حيث نجد الآن عشرات الآلاف من الطلاب لا يعلمون أصلا بوجود المنظمة وأصبحت الإنتخابات في الأجزاء الجامعيّة تقام بمئات المنخرطين (200 منخرط) من مجموع آلاف الطلاب في الكليّة الواحدة وهو ما يبرّر أن الأحداث الأخيرة من طرد مناضلي الإتحاد ومحاكمة العشرات ومنهم الأمين العام لم تشهد أي ردّ فعل طلابي جماهيري، فمن غير المعقول أن تمرّ محاكمة الأمين العام دون إضراب في يوم المحاكمة وأن يحاكم عشرون طالبا دون إضراب عام وإن تجاوب معه 30 أو 40٪ من الطلبة على الأقل ويمكن أن نستنتج أن الإتحاد أصبح غير قادر على تعبئة الجماهير حتى حول المطالب النقابية وذلك نتيجة عمليّة التخريب التي جرت على إمتداد السنوات الأخيرة.
وفي تقديري فإن الإتحاد العام لطلبة تونس وقع ضحية أمرين، أولا ما ذكرته من الإنحراف الذي مس من جوهره وثانيا السلطة التي لا تريد للإتحاد أن يتسع وينفتح على جمهوره، لذلك تسعى عبر القمع والتضييق والطرد إلى محاصرته وتقزيمه لأنها في حقيقة الأمر لم تستوعب بعد خروج المنظمة الطلابيّة عن إرادتها وإستقلالها وخدمة الطلبة، إلاّ أنّ دور السلطة المعروف لا ينفي مسؤولية باقي الأطراف التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها وأن تكف عن إلقاء كلّ اللوم على السلطة رغم أن لها دور في خراب الأوضاع في المنظمة الطلابيّة.
ولذلك فإنّ الحلّ أولا وأخيرا يكمن في إعادة تصحيح العمل والتعاطي مع الإتحاد كمنظمة جماهيرية ملك للطلبة وليست ملكا للأطراف السياسية بقطع النظر عن صحّة توجهاتها من عدمها.
❊ هل ترون إذن أن الحلّ يكمن في إعادة الطابع النقابي والجماهيري للمنظمة؟
قطعا، لا حلّ إلا بعودة الإتحاد الى جوهره، فبعد التصحر الذي عرفته المنظمة لا يمكن الآن إلاّ العمل تدريجيا على إعادة الاعتبار للعمل النقابي وترك المهام السياسية للاطراف السياسية والتوجه نحو مشاكل الطلاب وهي مسؤولية تاريخية ملقاة على عاتق المكتب التنفيذي الحالي الذي يجب أن يراجع الأمور ويبدأ في العمل على إعادة الاتحاد للطلبة، وفي الحقيقة فإنّ تعاطي سلطة الأشراف مع المنظمة له ما يبرره فحين يتفاوض المكتب الفيدرالي مع العميد وهو منتخب من قبل بعض العشرات يحق للإدارة التي تسعى أصلا للحد من فاعلية الإتحاد، أن تسوف الممثلين النقابيين وأن لا تسعى إلى حلول في حين أن الهيكل النقابي المسنود بالآلاف سيفرض نفسه مهما كان الموقف السياسي للسلطة وسيحقق مكاسب وهذا لا يكون الا بمنظمة جماهيرية تؤثر في أوسع عدد ممكن من الطلبة.
وقد يتحجج البعض بعزوف الطلاب عن العمل النقابي وإستقالة عدد واسع منهم، إلا أنّ هذه الحجة غير مقنعة فالأكيد وجود على الأقل 100 ألف من ضمن 370 ألف طالب مهتمين بالعمل النقابي وينتظرون مبادرة النقابة ويمثلون جمهورا محتملا وهو ما يستوجب العمل على تأطيرهم عبر الندوات والتظاهرات الثقافية والفنية والاكاديمية (وهي نشاطات من صميم عمل الإتحاد) وتطوير العلاقة معهم وإقناعهم بأن المنظمة منظمتهم، فلا حلّ للإتحاد العام لطلبة تونس خارج الطلبة فالإتحاد ليس منظمة نخبة بل منظمة جماهيرية تدافع فيها الجماهير عن الجماهير.. المطروح بصفة واضحة وصريحة: يكفي الجامعة والحركة الديمقراطية والبلاد من »إتحاد خاص بالأطراف السياسية« وليقع العودة إلى »إتحاد عام لطلبة تونس« وهذا هو المسار الوحيد الذي يمكن عبره إنقاذ الاتحاد من الاندثار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.