شارك السيد رشيد مشارك في مؤتمر قربة 1971 وكان من المجموعة التي أمضت عريضة ال 105 التاريخية وكان منسق اللجنة الخماسية التي أوكلت اليها مهمة إعلام كل الجهات المعنية والقواعد الطلابيّة بنتائج المؤتمر. كان من منطلق انتمائه للطلبة الشيوعيين يرى ضرورة العمل من داخل الهياكل لتصحيح نتائج »الإنقلاب« حتى تستطيع المنظمة استرجاع شرعية وتمثيلية قيادتها. ❊ السيد رشيد مشارك، شاركتم في مؤتمر قربة 1971 بإعتباركم أبرز وجوه الطلبة الشيوعيين وكان لكم موقف مغاير لباقي مكونات اليسار من طرق التعامل مع الاحداث فهلا وضّحتم حيثيات تلك الفترة وأسباب موقفكم؟ كان من الممكن أن ينتج مؤتمر قربة 1971 قيادة متوازنة تضم كل التيارات الموجودة ليس من منطق المحاصة بل من منطلق التثميلية المتوازنة بما يسمح للمنظمة بالخروج من هيمنة الحزب الدستوري بعد أن بان بالكاشف ان ذلك قد عطل العمل العادي للمنظمة كنقابة وقد كان هذا هو الهدف من وجودنا داخل المؤتمر أنا ورفاقي والمجموعة الواسعة من التقدميين وقد كانت النقاشات أثناء المؤتمر متقدمة في هذا الصدد مع ممثلي مختلف الاطراف والجهات من داخل الحزب الدستوري كمجموعة المستيري ومجموعة الهادي نويرة ومجموعة محمد الصياح. وأذكر أن بعض الطلبة الدساترة أمثال عبد الملك العريف ومحمد لطيف الذين جمعنا بهم عديد اللقاءات كانوا يعبرون عن موقف مجموعة الصياح وقالوا بالحرف الواحد أن محمد الصياح لا يرى مانعا في أن تكون قيادة الاتحاد ممثلة، وقد كانت الأمور متجهة نحو ذلك خاصة مع موافقة عيسى البكوش المسبقة، وللتوضيح فإننا مثلا لم نصوت ضد التقرير الأدبي لكي لا نحرم عيسى البكوش ومجموعته من الترشح من جديد. إلا أنّ المشهد السياسي لدى السلطة عرف في تلك الفترة توازنا غير مستقر مع تواجد عدد من الاقطاب المتناحرة لذلك لم تستطع أغلب المجموعات الدستورية معارضة قرار إدارة الحزب بعدم تشريك غير الدستوريين في قيادة الإتحاد وهو موقف خطير لم يقرأ واقع المؤتمر وما بعده كما لم يقرأ جيدا تفاصيل المشهد السياسي. بعد القرار بعدم تشريك المكونات الطلابية في قيادة المنظمة وفرض قيادة دستورية صغنا عريضة (المعروفة بعريضة ال 105 وهي ليست العريضة التي كتبها حبيب الشغال أواخر المؤتمر) تحت ضوء الشموع بعد قطع التيار ومطالبتنا بالمغادرة بحجة إنتهاء أشغال المؤتمر كما شكلنا لجنة خماسية مهمتها إعلام الطلبة بما حصل وتتكون من عيسى البكوش عياض النيفر خالد قزمير، مصطفى بن ترجم ورشيد مشارك. بعد ذلك وأثناء العودة الجامعية 71/1972 إجتمعنا بالطلبة وأعلمناهم وتركنا لهم حرية القرار (وكنت آنذاك كاتبا عاما للمكتب الفيدرالي بكلية العلوم إلا أنّي تخرجت أشتغلت بالتدريس) إثر ذلك مجموعة من نواب المؤتمر نحو حركة فيفري 72 وأرادت انجاز مؤتمر قاعدي وكنت أرى في ذلك صبغة غير حكيمة وكانت العبارة الدقيقة هي أننا »لا يجب ان نحدث مسارا لا نستطيع التحكم في نتائجه« إضافة الى أن شكل انجاز المؤتمر لا يتطابق مع الصيغ الاصلية اذ لا يعقل انجاز مؤتمر بمشاركة آلاف الطلاب لأنّ ذلك يفقده المعنى. وبالعودة إلى الأحداث أرى اليوم أن المسارالذي أنتج الهياكل النقابية المؤقتة لم تكن حلا ناجعا إذ ظهر كحل من خارج الهياكل الرسميّة للإتحاد، وكان من الضروري آنذاك تشريك الهيكل الموجود فالذين مارسوا الانقلاب جزء من الاتحاد يجب التعاطي معهم على قاعدة سلوكهم إلا أنّ اقصاءهم كان خطأ فالمفروض آنذاك أن نتصارع معهم من أجل تصحيح السلوك لا الدخول في منطق الإلغاء خاصة وأن هناك إمكانيّة لذلك على اعتبار أن الجهة السياسية الرسمية التي تدعمهم وافقت على إيجاد حل إلا أن قيادة حركة فيفري لم تختر الحل الهيكلي وأنجزت برنامج 73 الا انه لم يحقق أهدافه ولجأت بعد ذلك الى الهياكل النقابية المؤقتة التي أصبحت حكرا على »الثوريين« كما تم إعتماد التعزيز للانتماء إليها بما يتنافى مع شروط العمل النقابي. بعد تلك المرحلة سمحت الظروف السياسية بإنجاز المؤتمر 18 خارق للعادة بموافقة السلطة الا ان التعاطي مع المنظمة لم يكن حكيما حيث اعتبرناها غنيمة يجب تقاسمها وهو ما خلق خلافات حول القسمة إذ يريد كل طرف النصيب الاكبر وهو ما أدخل المنظمة منذ إنجاز المؤتمر 18 خارق للعادة في متاهات. تبقى هذه القراءة للتاريخ تحتمل الخطأ والصواب، اما الان وفي علاقة بالواقع الحالي للمنظمة فإنني أدعو الرفاق الماسكين بالمنظمة الى تحمل المسؤولية التاريخية في إيصال الأمانة الى الأجيال القادمة في أحسن ظروفها. ❊ ولكن القيادة الحالية تقول هذه المسؤولية ثقيلة نظرا لتضييق السلطة والتدخل اليومي للأطراف السياسية في إدارة الاتحاد فهل توافقون هذه الرؤية في تشخيص واقع المنظمة؟ تماما فمن الطبيعي أن تعطل هذه العناصر عمل المنظمة لذلك فإني أدعو الأطراف السياسية الى احترام الطابع النقابي للإتحاد العام لطلبة تونس وعدم اثقال كاهله بالخلافات السياسية كما أني أرى أنّ إتحاد الشغل بثقله وتاريخه قادر على لعب دور هام في تجميع الفرقاء ورعاية النقاش بين مختلف المكونات خاصة مع وجود عدد من أعضاء المكتب التنفيذي لإتحاد الشغل المهتمين بالشأن الطلابي وبالمنظمة النقابية فضلا عن دور الامين العام السيد عبد السلام جراد بثقله المعنوي، كما يمكن للجامعة العامة للتعليم العالي لعب دور هام في هذا الصدد بما لديها من حكمة ورصانة تجعلها قادرة على الوقوف على نفس المسافة من مكونات الاتحاد وتقديم الضمانات لهم علنيا قصد صياغة إتفاق سياسي لمعالجة وضع الإتحاد بصفة نهائية إذ لابد من تنقية الأجواء ودحر الخلافات التي سقطت مؤ خرا الى منطق التجريم والتخوين وأريد هنا ان أشير الى أن مسار التوحيد منطق جيد يجب دعمه وجلب باقي المكونات نحوه بإعتباره حلا يحترم الهياكل الشرعية للاتحاد مهما كانت نقائصه. بعد هذه الخطوة يمكن للأمين العام لاتحاد الشغل التدخل بثقله والعمل على إطلاق سراح الطلبة إذ من غير المعقول ان يسجن الطلاب في سنة الشباب بمبادرة من تونس، إذ يجب الكف عن التعاطي الأمني مع الطلاب لأنّهم أصحاب فكر وعدم احترام البعض لتراتيب وقوانين خاصة بالجامعة ذلك لا يمس من المصلحة العامة ولا يجعل منهم مجرمين فالقانون الذي خالفوه إذا افترضنا ذلك مجعول أصلا لتسهيل المعاملات لا ليكون حدا مسلطا ضد حماسة الشباب كل هذه الخطوات من شأنها أن تلطف الجوّ العام وأن تسهل عملية إعادة الاعتبار للاتحاد بما يخدم المصلحة العامّة فغياب الإتحاد أفقد الجامعة محاور قوي وممثل يساهم في تسيير شؤون الجامعة ويرتقي بالمنظومة التعليمية حيث تعتبر بعض الدراسات أن انحدار مستوى التعليم وضعف تكوين الطلاب يعود إلى غياب الإتحاد كمدرسة لتنمية الطاقات الفكرية والمعرفية والفنيّة. ❊ هناك من يرى أن الإتحاد لن يكون مخاطبا كفء وممثل إلا بإنخراط طلبة الحزب الحاكم صلبه فماهو تعليقكم؟ إنّ الحزب الدستوري من مؤسسي الاتحاد العام لطلبة تونس وهذا الاتحاد هو مكسب وطني من مكاسب كفاح شعبنا ضد الاستعمار تشكل وتكوّن داخل جوهر الحركة السياسية وحركة التحرر الوطني منذ الخمسينات وعمل بعد ذلك في ظل التواجد المشترك بين الدساترة واليسار ونجح في صياغة مواقف مشهودة انطلاقا من خوض معركة الكفاح الوطني والمطالبة بالدستور وبناء الدولة الحديثة في إطار مقومات الجمهورية ودفع سياسة التخطيط ونشر التعليم وصولا إلى مساندة التوجهات العامة لتجربة التعاضد والوقوف الى جانب القائمين بها (أحمد بن صالح ورفاقه) ضد قمعهم ومحاكمتهم وكان يلعب دورا طلائعيا في إطار الانسجام والتوافق رغم ما يحدث من حين لآخر من مشاحنات وخلافات في التقييم. ولكن هذه الخلافات لم تصل الى حدّ إلغاء الآخر. رغم العقلية التي قادت الدساترة في أكثر من محطة نحو محاولة نفي الآخر والاستفراد بالمنظمة وهي أخطاء تاريخية يجب الاخذ بها. وفي ما يتعلق بالواقع الحالي فإني أرى أن تواجد الطلبة الدساترة في المنظمة الطلابية جزء من الحل فتواجد جميع الاطراف ضمانة لحل المشكل ولتواصل عمل الاتحاد كمنظمة طلابيّة ممثلة، وهنا أرى أن الطلبة الدستوريين معنيين بتقديم رؤيتهم للإتحاد بما يطمئن المعنين من الاطراف حول مصير المنظمة وقد قرأت في الجزء الاول من ملفكم قراءة الطلبة الدساترة وهي قراءة جيدة وكلام جميل ومطمئن رغم أنه عام ويستوجب مزيد التدقيق. وأوّد هنا الملاحظة أنه من الخطأ أن تربط الأطراف الطلابيّة مصيرها ووجودها بمدى تمثيلها في الهياكل القيادية للمنظمة ففي الستينات عندما نشط اليسار صلب الاتحاد لم يكن لديه الهاجس مطلقا في حيازة المنظمة أو في التمثيل داخل هياكلها إنما كان عملنا النقابي خدمة لمصلحة الطلاب وجزءا من عملنا السياسي العام وهذه الروح هي الكفيلة بإعادة الروح للإتحاد العام لطلبة تونس. ❊ هل ينسحب هذا الموقف على الطلبة الإسلاميين؟ هذا الموقف من طلبة الحزب الحاكم لا ينعكس على الإسلاميين لأنهم حسموا أمرهم وكوّنوا إتحادا آخر وأرتكبوا بذلك خطأ فادحا في حقّ الإتحاد ولم يتعظوا بموقف جمعية الطالب التونسي التي إنصهرت في الإتحاد إثر تشكيلة، والان ليس من المطروح عودتهم لانهم إنقادوا خلف رؤيتهم الحزبية. وفي هذا الإطار أود الاشارة الى أن الأحزاب السياسية التي تريد تواجدا قويا صلب المنظمة لإثبات أحقيتها بالتنظم القانوني مخطئة تماما لان حقّ التنظم ثابت ولا يحتاج إلى برهان وأن ما مارسوها وما أظهروه قام بفعل عكسي وأبعدهم عن هذا المطلب. ومن هنا تأتي ضرورة الفصل بين العمل الحزبي والانتماء للإتحاد. وأختم بالقول أن الحركة الطلابية في تونس تمثل استثناء في العالم العربي حيث كان لها الفضل في رفع شعارات حقوق الإنسان والتعددية والعدالة الاجتماعية وحولتها الى مطالب وشعارات جماهيرية بعدما كانت منحسرة في الكتب أو كراسات الشيوعيين دون إمتداد جماهيري، والمجتمع الآن سلطة ومعارضة يستهلك تلك الشعارات إلا أنّ الحركة الطلابية لم تكن قويّة الا بوجود الإتحاد وهو ما يعكس الدور الهام للمنظمة الطلابية في بناء التصورات الاجتماعية والسياسية وهو ما يحتم ضرورة الخروج به من أزمته.