يولد المبدع في اليوم عديد المرات و يقبع في الموت كثيرا من الأحياء لذلك كتب مهذب السبوعي"رماد ذاكرة " لتسقط جدرانا بين حياة الرواية ورواية الحياة,فهو يعيش على نحو أدبي و سيموت كذلك .بارع في خلق النكت والطرائف، حكواتي ممتع و شاعر ظل طريقه. يولّد الكتابة من رحم اليومي، يوقّعها بإيقاع الحياة، يسكن بها في تلابيب المعيش. من فتيل الذات يشعل نارا تضيء نورا يكشف لنا عن فصول من ذاكرة جمعية مضحكة فيها حصان مهزوم أهم من فرد ناجح. هذه الصورة الذاتية الروائية توقفت مرتين، مرة لضرورات الحياة ومرة لضرورات الكتابة، الأولى شارف فيها الكاتب على الموت مما إضطره لإنهائها و كتابة الإهداء والثانية إنطفأت معها نيران السرد و هجعت .قدر هذه السيرة الروائية أن تتألم متى تألم صاحبها وأن تقاوم مثله وأن تحتضر فلا تموت مثله .في هذا النص الشخصيات لا تعمر طويلا ,ما تلبث أن تظهر حتى تختفي نهائيا، تاركة المجال أمام تدفق المادة الحكائية في سلاسة مغرية تستدرجنا ,ندخل معها قاعات الدرس و المستشفيات و المقاهي و الحانات التي كان يرتادها مهذب ,حتى السجن لا نمانع الدخول إليه ففيه ما يمتع من حكايات الرفاق الطريفة يقوم السرد على شاكلة متاهة نسير في ثناياها نقتفي أثر الشخصية التي تحوم حولها الأحداث. هي تعلة الكتابة وسبب النزول. تؤمن لنا مسالك تستبطن العمق في البساطة والملهاة في المأساة. من خلالها يفلت الواقع من وقع يقع وهوى يهوي ليصير واقعا للسؤال والتحقيق والتدقيق. تتخلص صورة الذات من النرجسية الضيقة لتعانق مناطق يكون فيها الأنا آخر و الذات ذوات ,والكتابة فضحا و تعريا و إحتفاءا بالشخصية التي وردت واحدا متعددا و "مفرد بصيغة الجمع " فهو "العصفور" و"المستلبس" و"نزيل المصحات و المستشفيات"، هكذا كان مهذب متجددا متمنعا منفلتا متلونا مختلفا عميقا يتغذى من مشارب عدة تجمع الشعر و السياسة و الفلسفة و الحياة.مقاربة روائية للحياة أو صورة ذاتية في فضاء اليومي نشتم من خلالها رائحة مقاومة تعيد اعتبار الفرد و تخلصه من براثن اللآلة ومساوئ العلم و ضجيج المدينة بحثا عن إقامة شعرية في الوجود. هذه سيرة مهذب السبوعي أسر لنا فيها ببعض من أناه و ترك الباقي تذروه الرياح. سليمان الكامل المعهد العالي للفنون و الحرف بتطاوين