وزارة التعليم العالى تطلق مكتبة افتراضية مدعومة بالذكاء الاصطناعي    الديبلوماسية التونسية تحتفل بيومها الوطني : التاريخ .. المبادئ .. الأهداف    عاجل/ الجيش الاسرائيلي يعلن إنتشاره في جنوب سوريا    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    سوسة: القبض على شخص مصنف خطير وحجز مواد مخدرة    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    استعدادا لعيد الإضحى المبارك وزارة الفلاحة توصي بتلقيح الحيوانات وتأمين أضاحي سليمة    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم - تونس تنهي مشاركتها في المركز الخامس برصيد 9 ميداليات    عاجل/ البحر يلفظ جثثا في صفاقس    شبهات فساد: قرار قضائي في حق وديع الجريء ومسؤولين آخرين.. #خبر_عاجل    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    عاجل/ ضحايا المجاعة في ارتفاع: استشهاد طفلة جوعا في غزة    الحكومة الإيرانية: نخوض المفاوضات مع واشنطن لأننا لا نرغب في نزاع جديد بالمنطقة    المأساة متواصلة: ولادة طفلة "بلا دماغ" في غزة!!    سيدي بوزيد: انقطاع الكهرباء في هذه المناطق    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    بطولة الكويت : الدولي التونسي طه ياسين الخنيسي هداف مع فريقه الكويت    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    افتتاح مهرجان ربيع الفنون الدّولي بالقيروان    سعيّد يُسدي تعليماته بإيجاد حلول عاجلة للمنشآت المُهمّشة    الهند تحظر واردات كافة السلع من باكستان    التوقعات الجوية لليوم السبت    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحسّن وضعية السدود    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    البنك المركزي التونسي: معدل نسبة الفائدة في السوق النقدية يستقر في حدود 7،50 بالمائة في أفريل 2025    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الهذيان» ومنهج المغالطة والتجاوز على الحقائق
دعوة للحوار التعقل المفرط أم حبّ الحياة المميت أم الولاء للعدو؟!!
نشر في الشعب يوم 07 - 10 - 2006

تحت عنوان «» نشرت صحيفة «الشعب» التونسية في عددها 881 الصادر يوم السبت 2 سبتمبر 2006 وعلى الصفحة 18 مقالا لمن وصفتها بالجامعية التونسية رجاء بن سلامة وسمته ب «نحن وحزب الله والهذيان التبشيري». ومادامت صاحبة المقال بعض زمرة من الأصوات التي تنتسب إلى هذه الديار وتنتج عنها مواقف مشبوهة ومثيرة للإستغراب والجدل وهي أصوات نفر لم نعهد لهم بعضا من هذه الشجاعة في تناول القضايا الوطنية قبل القوميّة! ومادام المقال قد بدا لنا حقّا يمكن أن يكون موضوع ردّ وإن شاءت صاحبته مجال محاورة بدا لنا أنّ من الواجب علينا أن نكون بعض من يتناوله بالمجادلة.
وحتّى لا نتّهم بإبتسار الجمل واقتباسها أو انتزاعها من سياقها رأينا أن نتابع مسار النص الأصلي رغم ما بدا لنا فيه من خلل منهجي أفرزه الإنفعال سنشير إليه في مواضعه وقد ينعكس على منهج نصّنا أيضا.
لقد بدا لنا أنّ كاتبة المقال أرادت أن تتحصّن في البداية بصفة الباحثة الأكاديمية ليبدو عملها بحثا معرفيّا عميقا ورصينا. وكان من المحتمل أن يتمّ لها ذلك لولا أنّ الأسلوب فاضح والنص ينطق أحيانا بغير ما يريد له قائله فيكشف عندئذ عمّا كان يودّ أن يخفيه فيحوّل ما كان يروم أن يجعله بحثا معرفيا علميّا إلى بيان سياسي مكشوف قوامه المواقف ولبوسه الشعارات والشتائم...
لقد أسست السيدة رجاء مقالها على جملة نطق بها «رئيس» وليس أمين عام حزب اللّه وهو يعلن عن استعداده للمزيد من التضحيات. ونصّ تلك الجملة هو «مهما عظمت التضحيات فنحن خرجنا من رحمها». وبمجرّد رسم هذه الجملة سقط قناع الرّصانة الأكاديمية عن الكاتبة فرأت أنّ الجزء الأخير منها عبارة «مروّعة» و»صورة غريبة عن لغة السياسة» وتنبع منها «إيحاءات نرجسيّة» ولم تر بن سلامة هذه الصفات على خطرها تستحق الوقوف عندها أو بيانها فهي أحكام تكفي لإرهاب القارئ وتعطيل فكره وضمان انقياده للكاتبة وتتبعها إلي حيث تريد إيصاله.
وكان لها عندئذ أن تحدّد أهدافها فإذا بها تحدد المسؤوليات وتبيّن مدلولات هذا التصوّر وتبعاته والخيال السياسي الذي ينتجه في سياق التدمير اليومي للبنان والقتل اليومي للمدنيين». هذه الأهداف كلّها جزء ممّا توحي به عبارة حسن نصر اللّه على بساطتها ووضوحها وهي أيضا التي تريد السيدة رجاء تحقيقها في مقال صحفي محدود جدّا!
عند هذا الحدّ انفسح أمام الكاتبة مجال التأويل والتفكيك والتحليل والتركيب لتقنع قارئها بما كانت هي مقتنعة به قبل قراءة هذه الجملة طبعا. فكانت أولى دلالات تلك الجملة عندها وقد قالها «هذا الخطيب»! هي الدّلالة على «طبيعة المقاومة» وهي عندها مقاومة «لا تضحّي من أجل الدّفاع عن الوطن واستقلاله وحرمة أهله بل تعتبر التضحية أصلا وأساسا تنطلق منه وتعود إليه إنّها تضحّي من أجل التضحية، إنّها تدافع عن الوطن من أجل التضحية ولا تضحّي من أجل الوطن»!!! كلّ هذا لأنّها ببساطة ولدت من «رحم التضحية» و»الرغبة من أجل الوطن»!! كلّ هذا وغيره استقرأته الباحثة من تلك الجملة البسيطة. وهنا لابدّ للمرء أن يتساءل ان كان عليه أن يكبر بلاغة نصر اللّه وقد كشفت عنها صاحبة المقال ذاتها أم يكبر خيالها هي وقدرتها على جعل النّصوص تقول ما تريد هي أن تقوله فهي تنطقها لا تستنطقها، أمّا اعتبار كلا الأمرين ليس صحيحا فمعناه الشكّ في مقدرة قارئ النص على الفهم!
وأمّا المغالطة في الفهم أو عدم الفهم ولصاحبة المقال أن تختار ففي عدم الإشارة الى البعد التاريخي الواقعي المذهبي لصاحب الجملة إذ ليس رحم التضحية المشار إليه الاّ إحالة على التاريخ الحسيني وفهم أهل الشيعة له. وأمّا المغالطة الأكبر ففي عدم التوقّف عند دلالة لفظة التضحية ذاتها.
لقد جعل عدم اعتبار هذه العوامل السيدة رجاء ترى أنّ مقاومة حزب اللّه هي «عمل انتحاري تنجزه جماعة تكره الحياة وتسعى إلى الموت من أجل الموت». وأمّا عبارة «الدّفاع عن الوطن» التي وردت على لسان قلمها فلا أظنها إن كانت سهوا لا قصدا.. فهذه المقاومة عندها لا يمكن ان تدافع عن الوطن حتى من أجل التضحية وإنّما هي تضحّي بالوطن فداء للتضحية!! لأنّها جماعة عدميّة يائسة هدفها الخروج من الحياة ومعانقة الموت!
هكذا اعتمدت صاحبة مقال «الهذيان» المغالطة أسلوبا والتهويل منهجا فلم تعط للفظة «التضحية» بعدها الدّلالي المعلوم. فالتضحية ليست الموت ولا الانتحار إنّها في معناها البسيط قبول التفريط بشيء عزيز جدّا فداء لشيء أعزّ منه. فالأضاحي والقرابين كما يعلم الجميع كانت في الأصل بالأبناء استرضاء للآلهة أي هي التقرّب للخالق بأعزّ مخلوق.
وتبعا لذلك تكون تضحية الجهاد اقتداء للوطن بأعزّ ما عند الإنسان وهو حياته. ثمّ إنّ منهجا مثل هذا يفسح مجالا آخر للنقاش حول مفهوم الحياة والموت قد يصل فيه الأمر الى حدّ قلب المواضع وانقلاب المفاهيم أصلا ولكن نكتفي بإختزاله للتذكير بأنّ الحياة عند الانسان غيرها عند الحيوان. فليست حياة الإنسان مجرّد استمرار للكينونة ونقيضها الموت أي انتهاء الوجود، وان كان الموت ذاته عند أصحاب المذاهب الدّينية تحوّل الى وجود آخر وان كان الموت ذاته عند أصحاب المذاهب الدّينية تحوّل إلى وجود آخر أفضل من الوجود الأوّل. والحياة متى تجاوزت مفهومها المادّي واقترنت بمجال القيم فقدت قيمها إن خلت من العزّة والكرامة وحرمة النفس والإباء وصيانة الهمّة والعرض.. فالقيم هي التي تعطي للحياة معنى تفقده متى تجرّدت منها. ونتساءل عمّن لا يقدّر مثل هذا كيف يشرح وهو أستاذ الأدب القديم «لا تسقني ماء الحياة بذلّة..» أو «أحاديث تبقى والفتى غير خالد..»؟! فهل ذلك عنده هذيان مجانين سيتحوّل بمجيء الإسلام إلى هذيان تبشيري؟
إنّ الفهم على هذا النّحو يجعل المقاومين على نقيض الفهم الأول شهداء يحبّون الحياة ويعتبرونها أعزّ ما عندهم ولكنّ الوطن أعزّ منها لأنّ فقدان الوطن والمساس به هو ضرب لكلّ القيم التي تعطي للحياة معنى. وكان شعار المناضلين دائما «بالرّوح بالدّم تفديك ياوطن» وكان الموتى من أجل الوطن دائما مضحّين وشهداء. أمّا العدميّ فعلا فهو الفهم الأوّل. فسيادته تعنى إسقاط مفهوم المقاومة من قاموس الحياة وتجعل كلّ دفاع عن الوطن عملا أخرق وتهوّرا وسوء تدبير وقلّة عقل ومغامرة وإلقاء بالنّفس الى التهلكة.. وهذا لعمري منطق الذين يعبدون الحياة كيفما كانت ولا مكان في مفهومهم للمبادئ والقيم والعزّة والكرامة والشرف ونحن نربأ بكاتبتنا أن تكون من هؤلاء!
وهذا الفهم ذاته هو الذي جعل السيدة رجاء لا ترى في السّياق الرّاهن إلاّ سياق «التدمير للبنان والقتل اليومي للمدنيين» ولم تكلّف نفسها النظر الى الواقع من الزاوية المقابلة لتراه سياقا للتضحية والفداء والعزّة وصناعة النّصر ودحر الأعداء وتحرير الوطن وتلك أهداف لا يمكن أن تتحقق دون ثمن يكون باهضا جدّا أحيانا وهو الذي دفعه شعب لبنان ودفعه ومازال شعب فلسطين وأبناء العراق وقبلهم جميعا شعوب الجزائر وفيتنام وحتّى فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية فتلك هي سنّة التاريخ الإنساني وإلاّ فلتدلنا السيدة رجاء على شعب حقّق أهدافه الوطنية دون تدمير وموت وكان القادة دائما أبطالا والموتى شهداء والدّمار ضريبة، فهل غابت كلّ محطات التاريخ ومواعظه عن زميلتنا الكريمة؟!
كانت تلك أفكار ديباجة زعمت الكاتبة أنّها تحلّل فيها جملة أو جزءا من جملة السيد حسن نصر اللّه وهي في الحقيقة لم تفعل أكثر من إملاء مواقفها وإسقاط رؤاها في شكل حقائق على القارئ أن يسلّم بها جميعا وأن يتلقاها ضربات مطرقة تفقده رشده ليقبل ما سيأتي بعدها دون تردّد وأن لا تسمح له، وهي الديمقراطية جدّا، بحقّ الإختلاف كما لم تسمح لقائد المقاومة أن تكون له مواقفه ورؤاه ومعتقداته الخاصّة...
بعد تلك الدّيباجة رأت السيدة رجاء أنّ الآوان قد آن لتلقي بكلّ مافي جعبتها من أحكام ومواقف، فآندفعت في خلل منهجي واضح الى إلقاء الأحكام وإعلان المواقف قبل أيّ تحليل أو حتّى دونه. فهي عندما لم تستطع أن تنفي عن قائد المقاومة «الحنكة السياسية» و»التعالي عن الإعتبارات الطّائفية والتحالفات المشبوهة» لأنّها ممّا يلحّ على تأكيده وإبرازه صراحة وفي كلّ مناسبة قرّرت شطبه بلفظة واحدة من عندها فماذاك عندها الاّ «بريق» والبريق مثل السّراب خادع ومخادع يخفي وراءه «هذيانا تبشيريّا» وصاحبه يمثّل «اخر تقليعة من تقليعات المقاومة الإسلامويّة» و»يهذي ويمارس الإرهاب الفكري على كلّ من يشكّك في خياراته وفي طبيعة تنظيمه وطبيعة مقاومتهة والتبكيت والتحذير لمن نسمّيهم (هكذا) مثقفين أو نخبا أو ممّن نفترض أنّهم يلعبون هذا الدّور»!!!
هذه الجملة هي في الواقع بيت قصيد ا لمقال وموقف كاتبته النهائي وكلّ ما سيأتي لن يكون إلاّ توضيحا وتحليلا له، فالأكاديمية تستنتج قبل أن تحلّل؟!
وأمّا التبشير فقدراته في وعد قائد المقاومة بإزالة الكيان الصّهيوني والخلاص التام منه. وهذا عندها «بناء واقع خيالي آخر غير الواقع الجغراسياسي الذي تعرفه» والحجّة هنا هي إذن لاوقعية الهدف والمطح. ونقول فقط إنّ الواقعية تفرض إدراك عسر المرام لا الجزم بإستمالته وتواريخ الأمم والشعوب ومصائر الاستعمار الإستيطاني وهو دائما أقوى من الشعوب المحتلّة تشهد بذلك. فهل هو الجهل بالتّاريخ مرّة أخرى أم تجاهله أم أنّ ما تسمّيها «دولة اسرائيل» وترفض أن تسميه كيانا هي كائن من نوع خاص لا يقبل الهدم والزوال؟ الحقيقة أنّ لا هذا ولاذاك وإنّما هو الإنحياز الأعمى والوفاء المطلق لهذا الكيان قد أعمى البصائر وطنا على سطح الخطاب ونطقت به العبارة بالقول بإمكانية إزالة اسرائيل تعني أنّها «قصر من الحلوى يمكن أن يعصف به مجرّد تنظيم مسلّم» وتلك صورة ومنزلة لا ترضاهما هي لهذا الكيان لأنّه عندها «دولة قويّة متغطرسة (تعني قويّة طبعا). مستميتة في الدّفاع عن نفسها وليست كيانا ولن تزال بل هي التي يمكن ان تزيل من الخارطة وأن تدمّر». فتلك صورة العدو كما تراها وتؤمن بها وتعتزّ دون شكّ فترسمها بأسلوب لا يخفى مافيه من ترهيب وتخويف وتثبيط للهمم وقتل للعزائم وإنذار ووعيد! أليس هذا هو الإرهاب الفكري مجسّدا؟ فهذه لغة لم نسمعها حتى من زعماء الصّهيونية وقادة الكيان المعني عسكريهم وسياستهم. ومرّة أخرى تبدو محدودية نظرة كاتبتنا ودغمائيتها التي تحجب عنها أبعاد الواقع المتشعّبة ودهاليز السياسة وتقلبّاتها ومنزلة القوى ومصالحها، فذاك ممّا يقتضيه البحث الرّصين وقد طلّقته صاحبة المقال منذ اختارت عدم الحياد بل الإنحياز إلى الصف الآخر وقرّرت كتابة بيان سياسيّ تؤكّد فيه ولاءها لمن لا يعلمه إلاّ هي ويكفينا نحن أن نسألها إن كانت ماتزال على قناعتها تلك حتى بعد أن حطت الحرب أوزارها بانت نتائجها؟
والسّلاح الثاني الذي لم يكن بإمكان صاحبة مقال «الهذيان» أن تغفله هو الإصطفاف إلى جانب أعداء المقاومة في الدّاخل اللّبناني واستعداؤهم أكثر وأن تقول هي ما لم يجرؤوا هم على قوله، ورحى الحرب تدور، لأنّهم يفهمون السّياسة ومقتضايتها، فهي تنفي مثلهم عن حزب اللّه صفة المقاومة الوطنية اللّبنانية التي تقاوم من أجل تحرير الأرض والأسرى وصيانة الوطن وحرمته وإنّما هو تنظيم مريض لا واقعي الأهداف، تدميري الأساليب محبّا للموت لمجرّد الموت. ولأنّها تريد جمع كلّ العيوب وإن تناقضت في هذه المقاومة ووقعت في تناقض غريب إذ لم تجد ضيرا في أن تجعل من يكره الحياة ويحبّ الموت توّاقا الى «بناء مجده النرجسي العظامي على جثث المواطنين اللبنانيين». وهذا ما لا يصح الاّ إذا أرادت القول إنّ أبطال المقاومة آلات صمّاء غبيّة لا عقل لها يحرّكها السيد نصر الله بما لا يؤمن هو به وذاك ما لا يقرّه واقع الأحداث فقادة المقاومة على حدّ علمنا ليسوا من عابري القارّات ونزلاء الفنادق وسكنة القصور بل هم كما يبدو يعيشون المعركة بذواتهم وذويهم بل إنّ كبيرهم كان أوّل من أعدّ للشهادة ابنه الأكبر ولعلّه الأوحد. فياليت السيدة رجاء أبقت الإحتمال الأوّل ولم تفتح على نفسها بلاء الإحتمال الثاني لأنّه ممّا لا يصدّقه عاقل.
والنتيجة التي ترصدها هذه الكاتبة وآن أوان الجهر بها هي أنّ هذه المقاومة «مريضة شوهاء» تسعى إلى استثارة شراسة العدو وأن تحقق هدف الموت وتتمتّع بالتضحية وتعشق وحشيّة الجلاّد!!
أمّا المقاومة غير المرضية عندها فهي تلك التي «تسعى الى طلب العدالة بطريقة عادلة ولا تسعى الى تدمير الذّات والآخر» وطبعا لا يهمّ كاتبتنا تدمير الذّات بقدر ما يؤلمها تدمير الآخر أي العدو. وأمّا شرعيّة المقاومة فليست من عدالة القضيّة فحسب وإنّما من «عدالة السبيل في طلب العدالة» ويعني ذلك أن لا تكون مقاومة. غير أنّ هذا في رأيها درس سياسي إيطبقي حديث أبعد من أن يستوعبه العرب شعوبا وحركات تحرير ونخبا ثقافية!! وهنا أيضا نكتفي بالسؤال عن مدى إدراك السيدة رجاء لطبيعة الصّراع العربي الصّهيوني ومدى علمها بالتاريخ ومدى قدرتها على قراءة واقع العلاقة ماضيا وحاضرا ومستقبلا بين أطراف الصّراع ومن يقف وراءها؟ ونسأل أيضا عن مفهوم «عدالة السبيل»، الذي تعنيه ان كان غير التسليم للعدو والقبول بشروطه والتنازل عن الحقوق رغبة في مجرّد الحياة واستبعادا لواجب الكفاح والتضحيّة؟ وهل لها أن تدلنا على شعب واحد عبر التاريخ الإنساني تحرّر بهذه السبيل «العادلة» واستعاد حقوقه بها؟
وإمعانا في استعداء الدّاخل اللّبناني لابدّ من التأكيد بشكل قاطع ودون اعتبار لخطاب المقاومة الوطني أساسا لأنّه مجرّد «مراوغات تكتيكيّة» على أنّ حزب اللّه «ينتصب دولة داخل الدّولة وبديلا عن الدّولة ولا يعترف بالحلول السلميّة ولا بالقانون الدّولي والشرعية القانونية». دون التساؤل عن دور هذا القانون وهذه الشرعيّة في حسم ما تطالب به المقاومة!
ولأنّ سلاح الدّاخل قد لا يكون مجديا اذا اعتبرنا مقتضيات الواقع اللّبناني وحقيقة المقاومة سياسيّا وعسكريّا وجماهيريّا كان لابدّ من الإلتجاء الى الأقوى أي استعداء الخارج والعالم كلّه أي الإنضمام دون تردّد الى صفّ الإمبراطوريّة الجديدة وتبنّي خطابها بشكل مطلق ووسم حزب اللّه بما لم تسمه به الى الآن حتى دول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وما لا تقرّه طبائع تنظيمات المقاومة لإختلاف رؤاها ومذاهبها ومنطلقاتها وأهدافها. إنّه الحكم على المقاومة اللّبنانية لمجرّد أنّها إسلاميّة مماثلة تنظيم القاعدة في ممارسة الإرهاب الإسلاموي لأنّها تستهدف المدنيين وتنتصب دولة داخل الدّولة!! والسؤال هذه المرّة، هل تعرف السيدة رجاء طبيعة العلاقة ووجوه الإختلاف بين القاعدة وحزب اللّه؟ وأيّ مدنيين تقصد أنّه يستهدفهم، هل هم اللبنانيون أم الصّهاينة؟ إنّها لاشكّ تتجاهل جواب السؤال الأوّل وتغالط وتقصد في الثاني المستوطنين الصّهاينة فكذا قال قادة الكيان الصهيوني ليقنعوا العالم كلّه بما سبق أن اقتنعت به السيدة رجاء أي ارهابية حزب اللّه!!
ومادام ليس بإمكان صاحبة المقال محلّ المحاورة انكار جماهريّة قيادة المقاومة والتفاف الحشود الشعبية حولهم على نقيض ما ترغب هي فيه طبعا كان لابدّ لها من الإحتماء بعلم النفس وقواعده وتحاليله لتجريم تلك الجماهير واعتبارها مريضة وجاهلة فكلّ من يؤيّد المقاومة عندها معقّد ومريض وصبياني وغرّ وبكاء، فلا مكان اذن في تفكيرها لوعي الجماهير وقناعاتها ولا معنى لتطابق آراء الزعماء ومطالب الجماهير. منطق آخر غريب ومغالطات تصل حدّ اللاّمعقول فليس أجرا ممّن يستخفّ بالجماهير وطموحاتها وهو يدّعي الدّفاع عنها وقيادتها بالفكر؟ أهي الجرأة أم شيء آخر لا نودّ ذكره...
وكذلك وسائل الاعلام التي تنشر فكر المقاومة وتمجد فعلها لا تعدو أن تكون «منبر من لا فكر له!» لأنّ عليها أن تدين المقاومة وتنغلق أمامها وتسقط مفهوم حرية الإعلام لتنشر فقط فكر جهابذة التطبيع والاستسلام والخنوع فأهلا بالديمقراطية وحرية الرأي وحق الإختلاف حين تنكشف سوأة الذين يدّعون النضال من أجلها.
ولم يبق الآن إلاّ طرف واحد لم يظهر العداء للمقاومة والتباكي على العدو الصّهيوني ولابدّ للسيدة رجاء أن تلحقه بالبقيّة وتطلق عليه رصاصة الرّحمة بعد أن تطلّقه وتفرد نفسها عنه، إنّه النخبة المثقفة، العربيّة طبعا. ويفضح النص صاحبته ليؤكد شذوذها عندما تقرّ بأنّ «النخب المثقفة بمختلف طوائفها السياسيّة قد تورّطت (هكذا) في الدّفاع عن هذا الحزب واعتباره مقاومة لبنانيّة». فمادام المثقفون قد ذهبوا ولا حول ولا قوّة الاّ باللّه هذا المذهب وتظاهروا من أجل لبنان فلا شك أنّهم مرضى أيضا مثل الجماهير والمقاومين جميعا والكل قد أُصيب عافاكم اللّه بداء المقاومة وثقافتها لأنّه ليست له «حصانة تحميه ضدّ التبشير والزّعماء المصابين بآفته!!» كما هو شأن جامعيتنا التي حماها لست أدري من أو ماذا فخرجت من دائرة الإنتصار للأمّة والملّة ومن دائرة الوعي القبلي ومنطق الإشارة والإستفزاز الطفولي وكلّ من يتبنّى ثقافة المقاومة ليس الاّ بدائيا أو عن متوحشا وطفوليّا وهنيئا لصاحبتنا بعقلها «الرّاجح» الذي حماها من كلّ هذه الأدواء فسوّاها عاقلة رصينة متحضّرة الى حدّ محبّة الأعداء قبل الأهل والسّخرية من كل القيم لأنّ الأهمّ هو الحياة فقط الحياة.. ويكفي عندئذ البحث الحالم عن شروط «تحقيق السّلام العادل والتحوّل الدّيمقراطي» دون تضحيات طبعا ودون أيّ مجال لإعتبار المعتدي الغاشم محتلاّ، فهو صديق أو قريب على ضحيته ان تفهمه وتعترف به وتتفاهم على افنائها بسير وسلامة وخاصة دون ترديد «اللّغة الخشبيّة المدينة للعدوّ الصّهيوني! والدّاعية الى المزيد من الشراسة في التصدّي له!!» بل انّ العقل الرّاجح والسّلوك الحضاري ومقتضيات الإنتماء الى النخبة المثقفة يقتضي البحث عن أعداء آخرين ليكونوا جوهر القضيّة بدل العدوان والإحتلال الأجنبي، وهو لاشكّ واجده في «الخلافات الدّاخلية اللّبنانية» التي ترشحها مثقفتنا لأن تكون العدو الحقيقي والأوّل أمّا العدو الصهيوني فهو ثانوي وخطره لا يقارن بخطر تلك الخلافات؟! هنا يكاد العقل يتوقف فكأنّ السيدة رجاء لم تسمع في السياسة والصراع بشيء اسمه الرئيسي والثانوي والتكتيكي والإستراتيجي، نقول كأنّ لأنّنا ننزّه من ينتمي الى جامعتنا من مثل هذا الجهل. ونسأل فقط ما قيمة الخلافات الدّاخلية اذا ضاع الوطن كلّه وهو مجال الخلاف وموضوعه فعمّ سيختلف المختلفون إذا فاز الغريب بالغنيمة؟ أهو التعقل المفرط أم حبّ الحياة المميت أم الولاء للعدو مهما طغى هذا الذي يسفر عن هويته يمثّل هذه الفجاجة؟ فحبّ الحياة وعبادة الذّات والحريّة الفرديّة واللاّانتماء قد تبرّر لصاحبها بيع كلّ ماهو خاصّ به ليعيش حتّى الجسد أمّا المشترك وأقدس المشترك الوطن فلا يجوز لأحد أن يبيعه ليعيش لأنّه بكلّ بساطة من الأملاك الجماعيّة...
ومرّة أخرى تحاول السيدة رجاء أن ترتدّ الى الموضوعيّة فتعترف لحزب الله بما لا يمكنها إنكاره طبعا مثل إدانة أحداث سبتمبر ومعارضة تنظيم القاعدة وتقديم نفسه في صورة لبنانيّة وطنيّة وفي صورة مقاومة تدافع على التراب اللّبناني إنّها تعترف له بذلك لكن بأسلوب لا يتطلّب قدرة فائقة على تحليل النصوص وتفكيك الأساليب لكي يكتشف القارئ أنّها لا ترى ذلك منه الاّ كذبا وخداعا اذ لا يمكن ان تكون تلك مواقفه حقّا لمجرّد أنّه إحدى «حركات الإسلام السياسي ذي الطبيعة الفاشية اللاّديمقراطيّة»! فهل استعار السيد بوش عبارة «الفاشية الإسلاميّة» من هذه السيدة أم ترى هو الأكبر الذي علّمها السّحر؟ أو لعلّه وقوع الحافر على الحافر! والأمر عندنا سينان مادام الإلتقاء تامّا والتقاطع جليّا والعناق لا فكاك منه. ويتجلّى هذا التطابق أيضا في الموقف من الملف النووي الإيراني الذي لاشكّ في أنّّ لحزب اللّه صلة به!!
والنتيجة أنّ حزب اللّه عندها مذنب من اختيار اسمه الى أفعاله فهو حزب يرتهن الدّولة والشعب والإسلام وإلهه، وطبعا لا تقبل صاحبة مقال «الهذيان» أن يرتهن حزب اللّه الإسلام وإلهه خاصّة! ومادام هذا الحزب على تلك الشاكلة ومادام قد غرّر بالجماهير ووسائل الإعلام والنخب المثقفة فهو مجرم يستحقّ الإدانة بالمفهوم القضائي لا السّياسي فقط ثمّ المحاكمة بإسم «القانون والشرعية الأخلاقية» وتلك وظيفة النخبة المثقفة التي تنتهي إليها كاتبتنا دون سواها وهي على كلّ حال ليست النخبة العربية ولذلك نأت السيدة رجاء العاقلة جدّا والمثقفة جدّا ؟؟ ووضعت نفسها في مكان أرفع منها مكان بعيد عن الجماهير وغوغائها وبعيد عن المقاومة ومغامراتها وتدميرها وبعيدا عن وسائل الإعلام وجهلها فنهنّؤها بهذا الموقع المتفرّد كما هنأ قائد المقاومة قبلنا العقلاء من الحكام العرب بتعقّلهم. وإنّ أهمّ ما في مقال السيدة رجاء أنّها اختارت لنفسها بنفسها موقعها الطبيعي فهنيئا لها بالعزلة في الظّاهر والإنتماء الى صف الأعداء في الجوهر والحقيقة. انتماء حاولت التعتيم عليه ببعض النقد الخفيف وجهته إليه بأسلوب لا يمكن أن يقارن بما تحدّثت به عن المقاومة وإن جعلته يقاسمها صفة الإرهاب أحيانا وخاصة في الحالة اللّبنانية غير أنّ إرهابه لا يمكن أن يرقى إلى إرهابها لأنّه مجرّد اخلال بإحترام قوانين الحرب والتعامل مع الأعداء. أمّا المقاومة فالإرهاب أصل فيها لأنها مقاومة تنظيم عربي اسلامي وهذا الإنتماء وحده مؤشر على الاستعداد الطبيعي للإرهاب عند السيدة رجاء ومن لفّ لفّها ومن يقف خلفها. والحقيقة أنّنا توقفنا منذ البداية عند ضمير الجمع «نحن» في العنوان وانتظرنا ان نظفر بعائده داخل النصّ فلم نجد ظاهرا الاّ السيدة رجاء وقد انعزلت بذاتها. «فنحن» هذه لا يمكن ان تعني الغرب ولا المسلمين ولا الجماهير ولا المثقفين غير أنّها قد تعني جماعة ما تعرفها كاتبتنا وعلينا نحن كشفها لأنّها تشكّل دون شكّ الطّابور الخامس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.