ما هي الرسائل التي وجّهها 475 نائبا في المؤتمر الوطني الجديد للاتحاد العام التونسي للشغل كبرى المنظمات الوطنية في تونس وأكثرها تأثيرا في التوجهات العامة لمختلف الأطراف السياسية والاجتماعية والاقتصادية بتونس منذ عقود؟ وما هي أهم التحركات التي جرت في كواليس مؤتمر المنستير طوال الزيام الماضية ممّا أدّى الى تمديد الأشغال حوالي 24 ساعة.. فيما تواصلت عمليات فرز الأصوات حتّى ساعة متأخرة من يوم الأحد عوض يوم السبت؟ وما هي دلالات النتائج الانتخابية للمؤتمر بالنسبة للرابحين والخاسرين؟ وكيف يمكن قراءة حصيلة مؤتمر المنستير في لعاقة بتطورات القيادة النقابية منذ المؤتمر ال 16 (ديسمبر 1986)؟ أوّلا ما هي أهم النتائج الانتخابية لهذا المؤتمر الأوّل من نوعه منذ مؤتمر جربة الاستثنائي (فيفري 2002) الذي عقد بعد ابعاد الأمين العام السابق السيد إسماعيل السحباني ومحاكمته مع ثلة من المقربين السابقين منه في الاتحاد في تهمة سوء التصرّف في بعض ممتلكات الاتحاد منها فندق أميلكار؟ من خلال قراءة توزيع الأصوات على الفائزين أفرزت النتخابات مفاجآت عديدة منها بالخصوص ابعاد السيد الهادي الغضباني الأمين العام المساعد المكلف بالنظام الداخلي.. الذي كان البعض يعتبره الشخصية الثانية في القيادة النقابية منذ مرحلة السيد إسماعيل السحباني.. والذي أوكلت له مهمة نيابة السيد عبد السلام جراد عند توعك حالته الصحية واجرائه عملية جراحية.. كما كانت من مفاجآت الانتخابات ابعاد شخصيات قيادية بارزة كانت في المكتب التنفيذي المتخلي (مثل السيد عبد النور المداحي المسؤول عن ملف القطاع الخاص منذ مدة).. أو في مكاتب سابقة (مثل السيدين عبد المجيد الصحراوي وكمال سعد) أو في المكتب الموسّع مثل السيد سعيد يوسف (الكاتب العام لجهة المنستير التي استضافت المؤتمر).. فضلا عن قياديين لهم تاريخ طويل على رأس بعض النقابات العامة والجامعات مثل السيد الجنيدي عبد الجواد الكاتب العام السابق لنقابة التعليم العالي.. فشل المستقلين والنساء ومن بين نتائج الانتخابات الأكثر لفتا للانتباه فشل كل المرشحات بمن فيهنّ السيدة نعيمة الهمامي التي حصلت على 168 لأنّها كانت ضمن قائمة السيد علي رمضان فضلا عن دعم عدّة قائمات لها بينها القائمة «الرسمية» التي دعّمها السيد عبد السلام جراد الأمين العام.. في المقابل حصلت بقية المرشحات المستقلات على عدد قليل من الأصوات لم يتعد ال 7 أصوات بالنسبة للسيدة فتحية قصار و 11 صوتا للسيدة نعيمة مسلم و 44 صوتا للسيدة كلثوم برك الله.. وكانت حصيلة بعض المترشحين المستقلين هزيلة جدّا.. لم تتعدّ أصابع اليد أحيانا.. فيما فشلت القائمة المستقلة الثنائية بين السيدين زهير العيدودي والسيد الحبيب بسباس.. بالرغم من طموحات السيد بسباس العلنية وترشيح البعض له لخطة قيادة الاتحاد بعد السيد عبد السلام جراد.. لن رغم مسؤوليات بسباس السابقة ومنننها توليه خطّة الأمين العام السابق للاتحاد المغاربي والكاتب العام السابق لجامعة البنوك في الانتخابات فإنّه لم يفز إلاّ ب 44 صوتا.. ويمكن تفسير ضعف عدد الأصوات التي فاز بها السيد عبد المجيد الصحراوي مثلا بترشحه بصفة مستقل وعدم حصوله على دعم حقيقي من أي قائمة أو مكتب جهوي.. تحالفات.. وتحالفات وكالعادة أثّرت التحالفات وتغييرها في اللحظات الأخيرة بقوّة على النتائج.. لا سيما بالنسبة للمرشحين الذين كانوا في واحدة فقط من القائمات الثلاثة التي تنافست بقوّة حتّى آخر لحظة.. رغم وجود عدد من عناصرها في أكثر من قائمة: الأولى عرفت باسم «قائمة الأمين العام» السيد عبد السلام جراد.. وقد ضمّت 10 أعضاء من المكتب التنفيذي المتخلي.. مع استبعاد 3 منه هم السادة الهادي الغضباني وعبد النور المداحي ومسعود ناجي (الذي ترأس المؤتمر ولم يكن مرشحا ومن المرجح أن يكلف بمهمة نقابية في دمشق).. الثانية عرفت بتسمية قائمة السيد علي رمضان وقد طحّمها بأسماء 3 كتّاب عامين للاتحادات الجهوية هم السادة المولدي الجندوبي الكاتب العام لجهة جندوبة والناشط المعروف في مجال حقوق الإنسان.. وحسين العباسي الحقوقي والكاتب العام لجهة القيروان.. وبلقاسم العياري الكاتب العام لجهة بن عروس وهو أوّل عضو يصل المركزية النقابية من القطاع الخاص.. كما ضمّت هذه القائمة السيد المنصف الزاهي الكاتب العام لنقابة التعليم الأساسي والناشط النقابي القديم في جهة قفصة وقطاع التعليم الابتدائي.. قائمة اللسيد توفيق التواتي الكاتب العام لجهة تونس التي كانت ممثلة في المؤتمر ب 95 نائبا (أي أكثر من ربع النواب).. وضمّت 4 أعضاء في المكتب التنفيذي وشخصيات مستقلة ووجوها «قريبة من اليسار النقابي».. تحالفات اللحظة الأخيرة وقد كان من نتائج تلك التحالفات وعمليات خلط الأوراق في آخر لحظة أن فاز السيد محمد سعد مسؤول المالية في المكتب المتخلي بالمرتبة الأولى ب 303 صوتا.. لأنّ اسمه كان في كل القائمات.. على غرار السيد المنصف الزاهي الفائز بالمرتبة الثانية.. في المقابل فاز المرشحون الذين دعّمتهم قائمتا الأمين العام والسيد علي رمضان بالمراتب الموالية: من السيد عبد السلام جراد الفائز بالمرتبة الثالثة الى السيد محمد شندول صاحب المرتبة الثالثة عشرة.. ومن بين عوامل الخلط في الأوراق ما كشفته عملية الفرز العلنية من تصويت عشرات من المؤتمرين المحسوبين على اليسار القومي على قائمة مغلقة صغيرة.. وهو تصويت ساهم في اسقاط مرشحين بارزين مثل السادة الهادي الغضباني وعبد النور المداحي والجنيدي عبد الجواد وسعيد يوسف.. نوّاب جهات تونسوصفاقسوقفصة ومن بين مفاجآت المؤتمر الإشاعات والعوامل التي تدخلت في تكييف ناخبي بعض الجهات المؤثرة في الاقتراع.. لا سيما جهة تونس التي لها 95 نائبا.. وجهة صفاقس ذات 53 نائبا.. وقد رجحت الجهات ذات نسب الانضباط المرتفعة مثل صفاقس وبن عروس (31 نائبا) وقفصةوجندوبةوسوسةوبنزرت كفّة قائمتي الأمين العام وعلي رمضان.. فيما لم ينضبط نواب جهات تونس كليا لقائمة الكاتب العام الجهوي بتونس.. رغم تصويت عدد كبير من نواب جهات بنزرت والكاف ومنوبة لها.. وساهم العدد الكبير جدّا للمرشحين (55 عند بدء الحملة الانتخابية و 40 عند التصويت) في تشتيت الجهود.. وخلط كثير من الأوراق.. وكذلك في ترفيع عدد الأوراق.. وكذلك في ترفيع عدد الأوراق الملغاة (16 ورقة من بين 474 مقترعا.. لم يشطب أصحابها أسماء 14 عوض 13 بسبب طول القائمة)..؟؟ لوائح المؤتمر هذا عن النتائج الانتخابية للمؤتمر.. بأبعادها السياسية.. فماذ عن الرسائل السياسية التي وجّهها المؤتمرون لشركائهم الاجتماعيين وللأطراف السياسية الوطنية؟ يمكن أن نتوقف عند جوانب مختلفة.. من أبرزها لوائح المؤتمر التي بدت الأقرب الى لوائح مؤتمر 1984.. المؤتمر ال 16 من حيث تأكيدها على استقلالية الاتحاد والحريات العامة والفردية في البلاد.. ومن حيث نظرتها لدور الاتحاد في علاقته ببقية الأطراف الاجتماعية والسياسية.. وقوى الإنتاج.. مع تأكيد اللوائح على التحديات الجديدة التي تواجه الاقتصاد التونسي زمن العولمة.. وعلى المشاغل القومية ومنها الموقف من احتلال فلسطين والعراق.. الإستمرارية.. والتغيير ومن خلال قراءة متأنية لقائمة المكتب التنفيذي الجديد ولتوزيع المسؤوليات داخله.. تبرز مؤشرات مهمة من بينها الحرص على الاستمرارية والتواصل من جهة وعلى التغيير والإصلاح من جهة ثانية.. فالمركزية النقابية الجديدة ستبقى بقيادة السيد عبد السلام جراد الكاتب العام لقطاع النقل في السبعينات ورفيق السيد الحبيب عاشور سابقا.. وهو الوحيد من بين أعضاء المكتب التنفيذي الذي دخل القيادة المركزية منذ المؤتمر ال 16.. وقد ظلّ في عهد عاشور ثم السحباني مسؤولا عن النظام الداخلي.. أي أنّ كان الرجل الثاني في القيادة.. هذه الخطة التي يشغلها منذ 6 أعوام تقريبا السيد الهادي الغضباني استلمها السيد علي رمضان مسؤول ملف المفاوضات الاجتماعية سابقا (التشريع والنزاعات).. وعلي رمضان كاتب عام جامعة الفلاحة سابقا دخل المكتب التنفيذي في مؤتمر سوسة في أفريل 1989 عضوا.. بعد فشله في الفوز بالأمانة العامة.. أمام السحباني.. وقد أبعد رمضان في مؤتمر 1993 عن المكتب التنفيذي (بعد عملية فرز سرية للأصوات لم يحضرها المؤتمرون) وعاد إليه في مؤتمر جربة 2002.. وجاء المؤتمر الجديد ليكرس دوره كشخصية ثانية في القيادة.. توازنات جديدة ومن بين رسائل المؤتمر وعملية توزيع المسؤوليا احترام جزئي «للتوازنات القديمة».. إذ تمّ تثبيت السادة عبد السلام جراد في الأمانة العامة ومحمد الطرابلسي في العلاقات الخارجية (وهو أقدم الأعضاء بعد جراد إذ دخل المكتب التنفيذي بقرار من الهيئة الإدارية في فيفري 1988 بعد تحمله مسؤولية كاتب عام التعليم الإبتدائي) ومحمد شندول في الإعلام (وهو عضو منذ مؤتمر سوسة 1989 دون انقطاع) وعبيد البريكي (عضو منذ مؤتمر 1993) في التكوين ومحمد السحيمي في الدراسات ومحمد سعد في الإدارة والمالية.. والمنصف اليعقوبي في الشباب والمرأة (دخل المكتب في 1993 وغادره في 1999 وعاد إليه في 2002 مع رمضان والمداحي).. ورضا بوزريبة في الضمان الاجتماعي.. لكن في نفس الوقت أوكلت ملفات حساسة للوجوه الجديدة في المركزية النقابية: ملف الوظيفة العمومية للمنصف الزاهي والدواوين والمؤسسات وأملاك الاتحاد للمولدي الجندوبي والقطاع الخاص لبلقاسم العياري والتشريع والنزاعات (أي المفاوضات الإجتماعية) لحسين العباسي.. كما أسندت المسؤولية الثانية في القيادة للسيد علي رمضان.. والتحدي الذي سيواجه القدامى والجدد هو إلى أي حد ستنجح المركزية النقابية في تعديل ساعاتها لتواكب التحديات الجديدة التي تواجهها وتواجه الاقتصاد الوطني والدولي ككل زمن العولمة وتضاعف تأثير الأسواق المنافسة.. وغزو المنتوجات الآسيوية للأسواق العالمية.. ومنها السوق التونسية؟؟ كمال بن يونس الصباح