هل يمكن أن نتحدّث اليوم عن إمارة للشّعر؟ خامرني هذا السؤال أكثر من مرّة منذ أن أحدثت إحدى الجهاتُ الخليجيّة مسابقة شعريّة ضخمة أسمتها »أمير الشعراء« وخصّصتها للشعر الموزون فقط (العمودي والتفعيلة) ورصدت لأهل الكهف مارصدت من أموال تُعتبر طائلة. لا يمكن بالنسبة إليّ شاعرا إلاّ أن أنتصر لفكرة دعم الأدب والشعر بإحداث جوائز مختلفة، لأنّ الأدب مرآة الشعوب ودليل ثرائها الرّوحي. لكنّي أتساءلُ باستمرار لماذا يتمّ إقصاء شكل حديث من أشكال الحداثة الشعرية وهو »قصيدة النّثر« باعتبارها توسيعا لآفاق الشعر في العالم، إنّ هذا الإقصاء المتعمّد لشكل جديد حقّق إضافة كمية ونوعيّة للشعر العربي هو إقصاء يعود في نظري إلى حركة ارتداديّة ونكوص قاتل يضرب الثقافة العربية في صميمها. وجائزة »أمير الشعراء« صورة من صور الرّدة الثقافية والالتفاف على المنجزات النقدية والشعرية العربية الحديثة، لقد أصبت بذهول كبير منذ مدة قصيرة بعد قراءتي لحوار مع كاتب »خليجيّ يقول بلا خجل: إنّ الحداثة تتراجع وهو يقصد إنّ الشعر الموزون يبسط رداءهُ في الخليج العربي معتبرا أن شكل »قصيدة النّثر« غير مسموح به في الخليج العربي انتظرت من الشعراء العرب الكبار الرد عليه فمسيرة العشر العربي مسيرة جبّارة جعلته يبلغ الافاق تلك المسيرة التي تشعّ بالنور والماء هي كل مابلغناه من الحداثة والانخراط في الكونيّة وما أنجزناه في مسيرة الشعرالعربي كان بفضل تجارب عشرات الشعراء الذين ناضلوا من أجل انفتاح القصيدة العربية على آفاق جديدة منها تجارب: السياب، نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي، سعدي يوسف، حسب الشيخ جعفر، حميد سعيد، نزار قباني، محمود درويش، أدونيس (علي أحمد سعيد)، محمد الماغوط، سركون بولص، وديع سعادة، أنسي الحاج ، نوري الجرّاح، أمجد ناصر، غسان زقطان، فضيلة الشابي، علي اللواتي ومنصف الوهايبي... إلخ وفي خضم هذا التراجع والنكوص والالتفاف على الحداثة، لابدّ أن انّبه كل الكتاب التقدميين الاحرار المنتصرين للمستقبل الى أنّه لا بد من محاربة هذه الرجعية الجديدة من ذلك رفض المشاركة في هذه المسابقة وفضحها وفضح كل الجهات المشبوهة التي تكرّس التخلف والانحطاط ومن جهة أخرى لابدّ لي أن أنتصر للتجارب الشعرية التونسية التي تضع الحداثة نصب أعينها. إنّ انتصاري للشعرية التونسية الحديثة هو انتصار مبدئيّ لان التجارب الشعرية التونسية الجديدة هي أكبر من كل هذه المسابقات العربية التي تكرّس شكلا واحدا منغلقا. وإيماني كبيرٌ بأنّ الاصوات الشعرية التي شاركت هذه السّنة في جائزة »أمير الشعراء« هي أصواتٌ طرحت على نفسها أسئلة الحداثة الحارقة ضدّ كل انغلاق وضد كل رجعية حتى ولو كانت في الشكل. إنّ هذه اللعبة التي تقودها جهات معادية للحداثة هي لعبة الموت هدفها تكريس تقسيم يخدمُ الامبريالية والصهيونيّة العالمية (فلا يمكن أن أفهم هذه المسابقات إلاّ في إطار لعبة الموت (مشرق / مغرب) ومن استتباعاتها الخطيرة أنّ المشرق أصل كلّ شيء وأنّ المغرب أطرافٌ وهامشٌ ثقافيّ ودينيّ وحضاريّ في حين أن منجزات أهل المغرب العربي هي التي جعلت العرب في ركب الحداثة الحقيقية، وهذه اللعبة تضعنا نحن أهل المغرب العربيّ في موضع الدفاع عن النفس لنبرهن للمشارقة أنّنا أصيلون أصالة على مقاسهم في حين أنّنا أسسنا لثقافة عربيّة بديلة ضدّ الانغلاق والتحجّر وضد التخوين والمزايدة. فلا نامت أعين الجبناء من فقهاء الظلام الاخيرين.. هذا هو العشاء الاخير على موائدهم! لا أعرف حقا هل هم »أمراء كلام« أم »فقهاء ظلام« كما قال سليم بركات كاتبا منخرطا في الحداثة.