أيها البنّاء الذي يهاب الصّقاله أيها المزارع الذي يخاف على بذاره أيها الخزّاف الذي يسكب صلصاله هِبُوا لي الصمت والماء والرّجاء وبادروا إلى أضلع صدري وفمي واكتبوا بكلماتي ودمي. الشاعر الشيلي الكبير بابلو نيرودا هذه الأبيات مهداة الى روح الرجل الذي قال أحبك يا شعب الشهيد فرحات حشاد، بمناسبة ذكرى اغتياله. 1 دمك يا حشّاد... سيواصل ملاحقة المجرمين منذ سقوط الزعيم النقابي فرحات حشاد شهيدا يوم 5 ديسمير 1952... وملفّ قضية اغتياله ما ينفكّ مطروحا على جدول أعمال القوى النقابية والوطنية والتقدمية. لقد استغل الاتحاد العام التونسي للشغل اعتراف أحد المجرمين وهو المدعوّ »أنطوان ميليرو« بمشاركته في الاغتيال في منبر قناة الجزيرة ليسارع الى تقديم قضية بواسطة بعض محاميه وقع نشرها امام قاضي التحقيق بالعاصمة الفرنسية تحت عنوان: التباهي بالجريمة. وكما كان متوقعا تقريبا منذ البداية فإن قاضي التحقيق الفرنسي سارع هو ايضا الى رفض القضية بتعلة ان الاتحاد العام التونسي للشغل لا يملك الصلاحية للقيام، ولا يخوّل له قانونه الأساسي مقاضاة مغتالي فرحات حشاد. لا شكّ في ان العقلية الاستعمارية التي حاولت سنة 2004 تمرير قانون بفرنسا يتحدث عن ايجابيات الفترة الاستعمارية »بشمال افريقيا« كانت الى هذ الحد والآخر وراء مثل هذا المآل... لكن اتضح في خضم هذا الرفض انه بالامكان القيام بقضية في الأصل امام المحاكم التونسية باعتبار بلادنا كانت مسرحا ترابيا للجريمة... وهذا ما سيقع التوجه إليه فيما يبدو من قبل المنظمة النقابية ومحاميها. من المؤسف أن الأوساط التي تتستر على هذه الجريمة والتي ربما كانت وراء المآل الذي آل اليه طلب التحقيق سالف الذكر... مازالت ترفض الى حدّ اليوم الإفراج عن الوثائق المتعلقة بعصابة اليد الحمراء قبل حلول »الأجل القانوني« حسب زعمها، رغم ان الأمر يتعلق بعمل إجرامي يمكن تصنيفه جريمة حرب فلا تنطبق عليه مثل هذه الآجال... ولكن هذا الأجل المتمسك به سينتهي في كل الأحوال قانونيا مع بداية سنة 2011، وهو ما ستزول معه كل التعلات وتسقط أمامه كافة الأقنعة. إنه مامات حق وراء طالب أما حشاد فإنه مات شهيدا مكرّما ومعزّزا من قبل شعبه الذي بادله حبّا بحبّ... وأما دمه فإنه سيواصل ملاحقة المجرمين أحياء كانوا أم أمواتا... لأن العبرة هنا هي إلحاق اللّعنة الأبدية بالامبريالية حتى لا يتبجح انصارها من مصّاصي دماء الشعوب في أية لحظة بكونها ايجابية بأي شكل من الاشكال. 2 من أجواء احتفال المحامين الشبان بالذكرى 40 لتأسيس جمعيتهم على امتداد الايام الممتدة من 2 الى 5 ديسمبر 2010 احتفلت الجمعية التونسية للمحامين الشبان بمرور 40 سنة على تأسيسها على يد نخبة من أبنائها من ضمنهم فقيد المحاماة التونسية الاستاذ عبد الرحمان الهيلة. كان البرنامج حافلا، إذ علاوة على تنظيم دورة لكرة القدم فإنه على امتداد ايام الاحتفال وبعد جلسة الافتتاح المشهودة بنزل الشيراتون بتونس تم بمدينة الحمامات التداخل في عدة مواضيع فكرية على درجة من الاهمية تعلقت بالاشكال والميادين الجديدة لممارسة مهنة المحاماة وبالمحامي في مواجهة العولمة الاقتصادية. وقد ساهم في هذا الحراك الفكري مجموعة من الوجوه القانونية البارزة هم الاساتذة: حافظ بن صالح وكمال شرف الدين وعادل كعنيش ونور الدين الغزواني وفرحات التومي وتوفيق بن نصر وسمير العنابي. ووقع اختتام هذه الفعاليات بتوزيع الجوائز على الفرق الفائزة في دورة كرة القدم وبحفل فني أحياه الفنان نور الدين الباجي وذلك بعد ان تم يوم الافتتاح تكريم جماعة ممّن أسهموا في تنشيط الجمعية على امتداد تاريخها. والعبرة التي يمكن استخلاصها من هذه الاجواء البهجة هو أن الجميع تمنّوا لهذه الجمعية العريقة المعروفة برصيدها النضالي والتي ساهمت بقسطها الواضح في تأسيس منظمات عديدة للمحامين الشبان بالوطن العربي... أن تواصل القيام بدورها الريادي في الاحاطة ماديا ومعنويا بالمحامين الشبان وفي خدمة كافة القضايا العادلة سواء المتعلقة بالحريات العامة والفردية ببلادنا وبمناهضة الاستعمار في جميع أنحاء العالم. 3 إذا كان المحامي وجها تلفزيا: هل يكون الحقّ له أم ضده؟ على إثر إحالته على عدم المباشرة بداية من 25 ديسمبر 2009 قام أحد المحامين الذين ينشطون برنامج »الحق معاك« في إحدى القنوات التلفزية المعروفة بالطعن بالاستئناف في قرار الفرع الجهوي للمحامين بتونس الصادر في حقه بما سبق ذكره. وكانت محكمة الاستئناف قد أصدرت حكمها بتاريخ 25 ماي 2010 قاضية بنقض قرار الفرع الجهوي للمحامين بتونس ومجددا بالرجوع فيه. ... الهيكل المهني صاحب القرار كان من رأيه ان مشاركة المحامين في البرامج التلفزية يشكّل في جانبه جمعا بين مهنتين ومن ثمة ينطبق عليه الفصل 10 من النظام الداخلي للمحاماة الذي جاء به: »لا يجوز للمحامي المشاركة بصفة دائمة ومسترسلة في وسائل الاعلام وأن يتقاضى أجرا مقابل ذلك والا اعتبر جامعا بين مهنتين«. أما محكمة الاستئناف فقد رأت: أن المشاركة في برنامج تلفزي أسبوعي ليس من شأنها ان تقيم الدليل على الاستمرارية. وأنه هناك فرق واضح بين الأجر والمنحة خاصة وان الفصل 10 من النظام الداخلي قد حجّر حسب اجتهادها التحصيل على أجر ولكنه لم يحجّر التحصيل على منحة كما هو حال المحامي صاحب الطعن أمامها (...). هذا القرار القضائي بعد ان تم الاعلام به رسميا من قبل المحامي المعني بالأمر يبدو أنه سيكون بكامل حيثياته محل أخذ وردّ من جديد أمام التعقيب، فإلى جانب من سيكون الحق عند النهاية؟ موضوع يستحق المتابعة. 4 المحامي المبدع... في البال من النقاط التي استرعت الانتباه في البرنامج المعلن عنه من قبل فرع تونس للمحامين هو اعتزامه تخصيص اسبوع للمحامي المبدع. وقد جاء في البرنامج المذكور حول هذه النقطة حرفيا ما يلي: »... يخصص هذا الاسبوع للاحتفاء بالمحامين المبدعين في شتى المجالات القانونية وغيرها مثل الأدب والقصة والشعر والرسم والموسيقى. وتعرض منتوجاتهم وأعمالهم بفضاءات مختصة يشارك فيها المحامون وغيرهم. ويختتم ذلك الاسبوع بإقامة حفل كبير ينشطه المحامون«. فكرة جيدة والحق يقال من شأنها إماطة اللثام عن الجانب المعنوي للمحاماة التونسية والاعتراف بما تزخر به من كفاءات فعلية في ميدان الابداع... لكن الأمر يستدعي إقامة جرد حقيقي وكامل لكل المعنيين بهذا الامر حتى لا يكون هناك منسيون لأن العبرة في مثل هذا التكريم أن يترك غصّة في حلق أي شخص يستحق التكريم بهذا العنوان... ولكنه يقع نسيانه مهما كان ذلك دون قصد. 5 ويكي ليكس أمام القضاء إضاءة من عالم العولمة موقع »ويكي ليكس« يعني لغة لمن لا يعرف ذلك »موقع التسريبات« (ليكس باللغة الانڤليزية) السيارة بسرعة فائقة (ويكي باللغة الانڤليزية). أنشئ هذا الموقع سنة 2007 واعتبره مؤسسوه موقعا للخدمة العامة معنيا بحماية الأشخاص الذين يكشفون عبر مواقع »الواب« متوسلين بتقنيات الاختراق فضائح أو أسرارا تمسّ الحكومات الفاسدة عبر العالم أو يبرزون الانتهاكات التي تطال حقوق الانسان أينما كان ذلك وكيفما كان ذلك. ما انفك هذا الموقع يخوض منذ تأسيسه المعارك القضائية والقانونية المختلفة حماية للمبادئ التي أعلن عنها وآمن بها مؤسسوه ومن ضمنها: »صدقيّة وشفافية المعلومات والوثائق التاريخية وحق الناس في خلق تاريخ إنساني جديد«. ومن المهمّ التذكير هنا بأن الأساس في وجود هذا الموقع هو حوار وقع بين مجموعة النشطاء على الشبكة العنكبوتية ينتمون الى أنحاء متفرقة من العالم قالوا آنذاك إنهم مدفوعون الى إنشائه بحرصهم على احترام حقوق الانسان بدءًا من قلّة الغذاء وانعدام الرعاية الصحية وتناقص فرص التعليم للجميع. وهم يرون أن أفضل طريق لوقف كافة الانتهاكات هو فضحها أمام الناس لأن ذلك الفضح من شأنه حسب رأيهم أن يدفع الصحفيين الاحرار الى التقصّي حول الاخبار المنشورة وأن يتيح الفرصة للمتضررين للمطالبة بإحالة مرتكبي الانتهاكات على القضاء. هذا الموقع يديره ناشطون متعددون لكنه برز من ضمنهم المواطن الاسترالي جوليان أسانج المولود سنة 1971، وهو متزوج وله ابن واحد يسمّى دانيال. منذ بروز هذا المؤسس الى واجهة الأحداث وهو عرضة الى التهديدات بمقاضاته وأخيرا اتخذ الأنتربول (البوليس العالمي) مذكرة توفيق دولية في خصوصه وذلك في غضون 2010 تسمّى المذكرة الحمراء وكان ذلك بطلب من إحدى المحاكم الموجودة بالسويد حيث وقع اتهامه بالاغتصاب والاعتداء الجنسي على امرأتين! جوليان أسانج الذي كان يعيش متخفيا ومتنقلا من بلد الى آخر نفى عن نفسه هذه التهم في حديث صحفي أدلى به من مكان غير معروف عبر هاتف الأنترنات »سكاي بي« تلقته مجلة »تايمز ماغازين«... وقد طالب في حديثه بإحالة مرتكبي الانتهاكات على القضاء عوضا عن إحالته هو بتهم لا أساس لها من الصحة... غير أن محطة »سكاي« البريطانية أعلنت يوم 7 ديسمبر 2010 الماضي أنه تم اعتقال جوليان أسانج مؤسس »ويكي ليكس«، وهو الخبر الذي أكدته رسميا الشرطة البريطانية لاحقا. وبما أن القضاء الأنڤليزي يمكّن المتهم من السراح المؤقت الى حين محاكمته مقابل كفالة... فإن الكفالة المطلوبة من جوليان أسانج قدرت ب : 320 ألف دولار، كما اشترط القضاء البريطاني أن يكفله ما لا يقل عن 6 أشخاص. قد عبّر المحامي الاستاذ مارك ستيفنس عن تخوّفه من ترحيل موكله الى الولاياتالمتحدةالامريكية على وجه أخص نظرا الى التصريحات العدائية الموجودة هناك ضدّه... وذكر أنه سيعارض هذا الترحيل باستعمال كافة الوسائل القانونية، إنها قضية لا تشبه أية قضية أخرى عرفناها. إنها قضية من دنيا العولمة التي تتضافر فيها جهود أجهزة عالمية لملاحقة فرد واحد لا يحمل سلاحا غير ذكائه... لأنه تجرّأ على تسريب أسرار كان مقدرًا لها من قبل أصحابها أن تبقى طيّ الكتمان ولا يتعرّف عليها عامة الناس. كيف ستنتهي هذه القضية؟ نقول فقط إنها قضية تستحق المتابعة وبانتباه من قبل الجميع خاصة وأنه في الوقت الذي تسعى فيه محكمة العدل الامريكية الى اتهام جوليان أسانج بخرق القانون الامريكي للتجسس فإن رئيس الوزراء الروسي بوتين اعتبر الايقاف »خطوة منافية للديمقراطية« فيما رأى لولا داسليفا الرئيس البرازيلي المتخلي أن الاعتقال الذي تعرّض له مؤسس ويكي ليكس يعتبر »اعتداء على حرية الانسان«.