أصبحت التقارير السنوية التي تصدرها المنظمة الاممية حول التنمية البشرية على مستوى العالم حافزا لمزيد اهتمام المجتمع الدولي بتحقيق التنمية المستدامة وذلك بالتأكيد على العلاقة بين التنمية الاقتصادية وحقوق الانسان، بما يعني ضرورة تطور قدرات المجتمع بكافة مكوناته لكي يصبح شريكا في التنمية الى جانب الدولة، وبذلك لم تعد الديموقراطية نهجا اختياريا من بين بدائل اخرى لتصريف شؤون المجتمع او مجرد اسلوب حكم، بل صارت ضرورة تنموية تستوجب ثقافة الحوار والمشاركة، وبالنتيجة تكون الديمقراطية في نهاية المطاف مزيجا من العوامل السياسية والتنموية بحيث يتعذر إرساء قاعدة للنمو الاقتصادي المستمر والمتوازن في مناخ من الانغلاق او بطريقة فوقية وممركزة، بل تصبح مسؤولية التنمية شأنا مشتركا بين كافة قوى الانتاج وقوى المجتمع المدني بالاستناد بالضرورة الى الشفافية وسيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية السليمة. لذلك فان الاتحاد العام التونسي للشغل، انسجاما منه مع التوجهات والمبادئ التي تأسس عليها، وفي مقدمتها انشاء اقتصاد وطني مستقل ومتحرر من كل تبعية، يرى ضرورة التوجه الى كل الفاعلين الاقتصاديين وكافة مكونات المجتمع ببعض مقتضيات الفترة الحالية من التحول الليبرالي، والتي تستدعي في نظره مراجعة التوافق السابق والذي قام خلال مرحلة الاقتصاد المحمي على منوال تسيّره الدولة وتقوم فيه بدور نشيط وذلك في اتجاه تمكين الفاعلين الاجتماعيين من الاضطلاع بمسؤولياتهم من خلال تعاقد جديد يضمن لهم حقوقا تخوّل لهم تحمل هذه الالتزامات بما يجعل كل الفاعلين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قادرين على مجابهة التحديات الراهنة تحقيقا لتنمية البلاد في اطار قرار سياسي تشاركي وطني وسيادي. واعتقادنا ان التوجه بما يوفره من إنارة للسبيل، ومن تشخيص وتدقيقات للعديد من المفاهيم المتعلقة بمنوال التنمية، وبطبيعة العلاقة بين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وبالاطار المؤسساتي للحوار الاجتماعي في تونس، سوف يساعد على اضفاء المزيد من الانسجام والنجاعة على أداء الاتحاد في مسعاه الرامي الى تفعيل وتنشيط الحوار الاجتماعي على قاعدة الديمقراطية والتمثيلية الفعلية والى احياء المسألة الاجتماعية وتوفير مقومات التنمية المستدامة. ------------------------------------------------------------------------ (*) الأمين العام المساعد للاتحاد المسؤول عن الدراسات والتوثيق