"نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسرح بالنسبة لي هو الحياة بكل أبعادها
جليلة بكار: جليلة بكار: سلطة المسرح تعادل سلطة الحياة
نشر في الشعب يوم 10 - 02 - 2007

ما زلت أذكر أول مرة إلتقيت فيها بجليلة بكار ، كانت سنة 80 في مهرجان قرطاج حين كان المسرح الجديد يعرض غسالة النوادر في قاعة الليدو ، كانت (ومازالت ) من أجمل النساء التي قابلتهن في حياتي ، تحيط بها هالة من السحر و الغموض ، غريبة، صعبة المنال ، ثم تعرفت عليها أكثر أثناء تصوير غسالة النوادر في التلفزة ، ثم أكثر وأكثر إلى أن إكتشفت إمرأة مليئة بالمتناقضات ، تحمل شخصيات عدة ، لكل من هذه الشخصيات سحر جميل وجاذبية خاصة ، ذكية، مثقفة، شفافة، صريحة، محتشمة ، صادقة الصداقة والكلمة ،
تحترم الناس وتحرص أن لا تجرح إحساس أحد ، لكنها متمردة إن جرح إحساسها أو عقيدتها أحد ، علاقتي معها اليوم هي علاقة خارج الأشياء فأنا مدينة لها بحياتي بعد أن أنقذتني من موت محقق . هل يمكن أن نكتب جليلة دون أن نكتب فاضل ، أو فاضل دون أن نكتب جليلة ، هما من رموز الحداثة المسرحية العربية ، أحد أركان المسرح العربي الواقعي للمجتمع التونسي ، إنطلقت جليلة شابة صغيرة في البدايات مع مسرح قفصة الذي كان إنفجار العصر الذهبي للمسرح التونسي الحديث ، ثم أتت أعمال المسرح الجديد : التحقيق ، غسالة النوادر ،(لام الموؤدة )عرب ، شيشخان .... والعوادة كوميديا ، سهرة خاصة ، عشاق المقهى المهجور ... والتي طرحت نوعية مغايرة للكتابة كبنية تصاغ فنياً عبر تجليات فكرية وتعبير مسرحي جماعي لإستخراج الوعي الكامن الذي ينطلق منه المبدع في معاينة الواقع ، ثم فاميليا ورائعة فاميليا حيث أبدعت جليلة في شخصية مركبة لحياة مراهقة في السبعين من العمر تحكي الأمس بلغة الحاضر ، صراع داخلي يتوق للحرية في مرحلة زمنية تأتي كنتيجة حتمية لمسار تاريخي محدد يرتبط بمكان وزمان الكتابة. ثلاث شخصيات نسائية أشبه بمهرجي سيرك يمارسن لعبة القناعات البيولوجية التقليدية للمرأة ، مجسدة بطريقة مازوشية سادية ، تمرد وغضب وروح إنتقام ، إنغماس الماضي بالحاضر على هامش التاريخ ، ثم كانت عايدة 1 وعايدة 2 ، مونولوج يحكي أحاسيس جليلة قبل وخلال وبعد النكبة ولوحة خلفية لمسيرة المسرح الجديد في ظل التقلبات السياسية والإجتماعية في العالم عامة وفي تونس خاصة ، وإنفجرت بعد ذلك كتابات تحمل خصوصية درامية تبحث في مجمل ظروف إجتماعية وثقافية وحضارية تحيط برؤية وأبعاد فكرية ، لا تقف عند الظواهر العامة لكن تمزج ما بين الرؤية الشاملة والتعمق بالمجتمع الدرامي التونسي ، وإذا كان للمسرح دوراً كما تعتقد جليلة فقد خصته وفاضل اليوم لإسترجاع الذاكرة المبتورة ، خشية أن تنهدر عناصر من مجتمع على أبواب قرن جديد تتغير فيه مفاهيم الفكر وموازين الثقافة ، العمل الجديد خمسون يرفض سلبية كيانات الفرد اليوم ، ويحاول أن ينتبه للواقع وينبه للواقع ، جليلة ترفض وتحتج على النسيان ، لا يوجد يأس أو مرارة عبر إحتجاجها ، هي مليئة بالأمل لكن غضب... غضب... غضب... بسبب الحب ، لوم على من تحب تصرخ به: قم، أفق، إستيقظ قبل أن يصبح الغد أسوأ من الأمس .
بماذا كنت تحلمين في طفولتك ؟
أن أكون ممثلة .
كيف تكونت هذه الفكرة لدى طفلة ؟
لم أتأثر بشيء أو بأحد ، لم يكن حولي ممثلين ، ربما أردت أن أكون ممثلة حتى يستمر اللعب ، ربما محاولة مبكرة للخروج من الذات ، محاولة للقاء ذات أخرى ، يمكنها أن تقوم بأشياء لا يمكنني القيام بها عادة ، أو محاولة للقاء ذاتي أنا تلك الذات الثانية التي ترافقني ، ربما من أجل كل هذا وأشياء أخرى أشعر بها ولا أستطيع التعبير عنها هكذا بسهولة .
أنت خجولة ؟
كنت خجولة جداً ، اليوم أصبحت أكثر جرأة بحكم التجربة.
أنت من جيل حمل قلبه على كف وآماله على الكف الثاني ، أين القلب وأين الآمال اليوم ؟
لا أهمية لقلب بدون آمال ولا لآمال بدون قلب ، الإثنان لهم نفس الحكاية، نفس التوق، نفس الهدف ، أحياناً يكون القلب في كفة والآمال في الكفة الثانية، ثم نبدلهم من كفة لكفة، وربما كانا الإثنان في كفة واحدة، كانت الآمال كبيرة لجيل كامل ، لا أريد أن أحكي عن جيل، لأن الجيل متكون من أفراد، هناك أحلام فردية وأحلام جماعية ، وعندما تتقابل الأحلام الفردية لتصبح جماعية تصبح مغامرة الحياة جميلة ورائعة ، بالنسبة لي مغامرة الحياة هي مغامرة المسرح ، مغامرة المسرح هي حياتي ، سلطة المسرح تعادل سلطة الحياة ، لايوجد أي شيء خارج المسرح بالنسبة لي ، لذلك لا أحكي عن جيل لكن أفراد ضمن مجموعة .
هل قابل حلمك الفردي حلم المجموعة ؟
ربما الحلم الفردي لأن أكون ممثلة تعمق بسبب وجودي في البدايات وخلال فترة مهمة وسط مجموعة، لو لم يقابل حلمي الفردي أحلام مجموعة لما تعمق هذا الحلم وترعرع ، لم يعد الحلم أن أكون ممثلة فقط بل ممثلة واعية بحلمها وبمشروعها ، بالدنيا، بالحياة ، أحياناً الأيام والساعات و أشياء الحياة تكون إيجابية ، تفتح معابر أبواب ونوافذ وآفاق ، أحياناً أخرى يكون الحظ سلبي ، أعتبر نفسي من المحظوظات ، كل الآفاق كانت مفتوحة أمامي ، رغم كل المشاكل التي إعترضتني في حياتي حالفني الحظ منذ الولادة ربما أهلي هم السبب ، تربيت في ظل عائلة متميزة بالحب وهذا كنز لا تساويه أية ثروة أو قوة أو طموح ، لايوجد إلا الحب الذي يمكنه أن يهز الإنسان ، كل ما منح الطفل حباً كل ما تعمق توازنه .
هل تؤمنين بالحب ؟
الحب ؟؟؟ أؤمن بالحب ، منذ آدم وحواء الناس تعشق وتحب ، الحب له أسماء عدة ... من الوله والعشق إلى الجنس ، هناك حب واحد يجمع كل الحب ، أؤمن بالحب المطلق الواسع الشاسع ، لا يمكنني أن أعمل إلا بالحب ، الحب الشغف ، ابدأ كل شيء بشغف وأنهي كل شيء بشغف ... حياتي طقوس من الحب .
لماذا إنفجر الجيل الذي كنا نحكيه ، ذلك الجيل الذي خلق أسساً عديدة من الفن والثقافة ؟
الجواب صعب ، ربما إنفجر هذا الجيل لعدة أسباب فقد كان متأثراً بتيارات ثقافية وسياسية ، هذه التيارات إنهزمت ، هناك أجيال حاولت بناء أشياء أخرى ، أشياء أكبر وأهم لكنهم إنهزموا في السجون وتحت القمع ، فشلت كل مباداراتهم تحت وطئ الممنوعات ، ربما المسرح والشعر كانا الأكثر حظاً والمسرح شكل من أشكال الشعر ، وتطور الفن والأشياء كتطور الإنسان، يولد ثم ينمو ثم ينتهي ، لكن أحياناً هناك عوامل تمنع نموه ، ولا أفصل ما جرى في تونس عما يجري في البلدان الأخرى ، نعم تحصلت تونس على إستقلالها وبدأت الجهود تثمر ، لكن ما يمنح بيد تسلب أضعاف أضعافه باليد الأخرى ، تماماً كالبلدان الأخرى أعطوهم إستقلالهم ثم كونوا دولة إسرائيل الدنيا تصنيع ، العمر تصنيع ، والكبر تصنيع
من بقي كأسماء في نظرك من ذاك الجيل ؟
لم يبق إلا بعض الرموز ، ولا أريد أن أجعل من جيلنا مثلاً أعلى ، لكن إذا كنا تخلينا عن آمالنا فذلك تقصير منا ، الأهم أن لا نتنازل ، لا نستسلم ، إذا إستسلم البعض فتلك غلطتهم ، المهم أن يكمل الفنان مسيرته برؤية مكتملة دون تخاذل أو تعامل بطريقة «قذرة» تهين المهنة وتقلل من شخصية الفنان وانتماءه إلى جيله ، وأنا هنا أتعمد الأخلاقية قصداً ، لا أوافق أن الجيل تلاشى ، الحياة ومسيرتها كالتناسخ جيل يواصل جيلاً ، فتحنا في أعمالنا باباً للشباب مثلما فتح باب لي بالأمس ، الآمال والأحلام ممكنة إذا كانت قوية وصادقة ، لكن مع الأسف في المقابل لدينا في بلادنا ذاكرة مبتورة . وقد حاولنا في عملنا الجديد تصحيح النظرة لبعض الأمور ، حاولنا أن نتحدث عن هذه الذاكرة ، عندما أخذت في كتابة خمسون أحسست أنني حررت شيئاً في داخلي نوعاً ما . لم أكن أستطيع أن أنظر لنفسي في المرآة عندما أتذكر حمد بن عثمان ونور الدين خذر ، رجل ثقافة ورجل سياسة ، رجال لا يعرفهم شباب اليوم الذين يتحدثون عن شعراء وفنانين مغمورين ، ويثيرون ضجة لا معنى لها ، مسرحية خمسون تحكي فترة من تاريخ تونس فيها هؤلاء الرموز ، لا يمكنني أن أفكر أو أكتب إذا تغيبت الشخصيات التي كان لها حضور فكري وإجتماعي وسياسي والتي أعطت لكلمة الإستقلال معناها الحقيقي ، وخلال بحثي وعملي على المسرحية إلتقيت ثانية بالقرمادي ، ماذا تبقى اليوم من القرمادي ؟ قاعة بإسمه ؟ هل تختصر مسيرة مماثلة بإسم على جدار قاعة في جامعة ؟ فقط لا غير ؟ أين الكتابات ؟ أين الحياة ؟ أين كل ما عاشه ذلك الإنسان ؟ بصماته وتأثيره على من حوله وعلى طلبته ؟ كيف يمكن للفن الحي أن يخلق ويشد من حوله نحو حركة ثقافية إبداعية حيث تلتقي مجموعة من الأشخاص في محيط تتوفر فيه كل الإمكانيات الإبداعية . كان القرمادي تيار ثقافي وفني ، هو واحد من هؤلاء الذين ذكرت ، من ذلك الجيل الذين نتساءل لماذا غابوا وتفرقوا ؟ لماذا إستسلموا وسلموا ؟ وكأنهم هجروا الحاضرة وما فيها من فوروم... سينما ... سيني كلوب . لا بد من إسترجاع المدينة من غزو المدمنين السكارى ، لم يبق في هذه المدينة إلا سكارى و بوليسية ، أين سيجد نفسه الفنان المثقف وسط هذه المهزلة ،
هل مازال المسرح يجلب الشباب في رأيك ؟
منذ أعوام وأنا أرى الشباب يقبل على المسرح ، هناك جمهور مسرح نشط ، شاهدته في مسرحنا وفي مسرحيات أخرى
هل تشاهدين مسرحيات أخرى ؟
نعم أشاهد مسرحيات قدر الإمكان
بماذا ستحتفظ الأجيال الشابة من أعمال جليلة وفاضل ؟
بماذا ستحتفظ ؟ أعتقد أنها ستحتفظ بباب مفتوح على الحلم ، على الأمل.. على بلادنا على التونسي... حوار بين الحلم والواقع ، بين المتفرج الشاب والآخر ، بينه وبين المدينة ، تتفتح عينه على عالم آخر ، على العمل الجاد ، لا تأتي الأشياء بسهولة .... ربما بطريقة ما نجعلها أسهل لأننا نحكي الحلم والمحبة .
هل تعتقدين أن للمسرح دور في المجتمع ؟
نعم الفن بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة لهم دور ، إذا قتلنا الشعر نقتل الروح ، شاعرية المسرح تحمل الواقع والخيال والحقيقة ، هي وعاء يحتوي تموجات وذبذبات عديدة ومتناقضة .
وانت جليلة ماهو دورك ضمن هذا الدور ؟
دوري كدور الفنان بصفة عامة ، أشعر أحياناً على المسرح وكأنني مسلوخة بعمق ، الفنان سهل العطب كإنسان بدون جلدة تحميه ، لكن من تحت جلد الأشياء يستقبل الذبذبات الخارجية ، يحتويها ، ينقيها ، يفرزها ، ثم يخرج منها عملاً ، هذا ما أشعر به ، واعتقد أن ما يجري في المدينة من حولنا له تأثير على الجميع ، لكن الفنان تخترقه الأشياء والحساسيات أكثر بسبب قلة المناعة التي يحملها بفقدان الجلدة التي تحميه. ثم يتطور الإبداع ويترعرع بالعمل والمهنية.
يهناك قدرية وأنا أومن بالقدرية، كثر هم الذين يحملون حساسية فطرية للأشياء لكن غالبا لا ينتبهون لها ، يمضون عمراً بطوله دون أن يكون لديهم الوعي الكافي لتمييز هذه الحساسية ، المحظوظ هو الذي ينتبه في الوقت المناسب ويلتقط الحظ ليبادر العمل ، وأنا من المحظوظين، فتحت لي أبواب ونوافذ ، عرفت كيف أستغلها ، وعملت ، عملت جادة طوال حياتي وما زلت أعمل
هل كانت الكتابة من أول المسيرة المشتركة بينك وبين فاضل ؟
لم تكن الكتابة جماعية ، كنا نشترك في الدراماتورجيا ، لكن الكتابة كان ينفرد بها فاضل ، في فاميليا ، عشاق المقهى المهجور ، سهرة خاصة ، النص النهائي لفاضل
وهل كانت لديك رغبة للكتابة ؟
لم يكن لدي رغبة عارمة للكتابة ، ليس لدي عقدة معلنة لأن أكون كاتبة ، أنا وقبل كل شيء ممثلة ، وبالنسبة لي لا يوجد أجمل ولا أقوى ولا أحلى من مهنة التمثيل ، المتعة والنشوة فوق المسرح لا يمكن أن تضاهيها أية متعة أخرى ، الفرحة العارمة المطلقة ، نوع من التحليق عالياً وبدون أجنحة .
ألا يرتكز عملكم على كتابة نص مسرحي مسبق ؟
هناك نص مبدئي ، والإرتجال هو إرتجال مدروس ومقنن ، الإرتجال لا يعني فوضى وحتى في المسرح الجديد هناك خطوط نتبعها ، تحضير وقراءة في الشخصيات وعمل على تفجيرها ، كانت بداياتي مع أشخاص علموني الكثير ، علموني أن أحكي ، أن أروي ، أن أتكلم ، أن أتحرك و أن أمثل ، تعلمت منهم نواة المهنة ، تعلمت من الجعايبي ، والجزيري ، والمسروقي ، ورجاء فرحات ، لكن خاصة من الجعايبي والجزيري ، الجعايبي إنسان ورغم أنني إمرأة متمردة بطبعي لكني تعلمت منه الكثير .
وكيف أتيت إلى الكتابة ؟
لست أديبة ، كان ربما هناك نقص حاولت تكميله ، كان البحث عن عايدة أول نص كامل كتبته على الورق ، كنت أحمل كل عايدة في أعماقي ، رغم أن العمل كان طلباً بمناسبة مرور خمسون سنة على النكبة ، لكن إكتشفت أن كل ذلك كان معي ، كانت حكايتي أنا وعلاقتي بفلسطين ، كان أول نص مكتوب على الورق كتبته بمفردي ، ثم أتت جنون عن نص لناجية الزمني ، رغم انه إقتباس لكننا إبتكرنا شخصيات أخرى ، والجديد بالنسبة لي في هذه المسرحيات ، أنه لابد من الكتابة ، والكتابة وإن كانت فردية لكن لقراءة مجموعة معينة تمثل الأدوار المختارة ، الكتابة كانت مغامرة إقتضتها الحاجة ، ثم كتبت أربيري بالفرنسية ، وأعتقد أنني لا أملك لغة معينة ، لدي لغات تنطلق من لغة واحدة هي لغتي الخاصة وهي لغة المشاعر ، وأحياناً يكتشف الإنسان مواهبه أو ميولاته صدفة ، ربما لو لم أتجه للمسرح لكنت إتجهت إلى الكتابة ،رغم أن لدي مشكلة مع قواعد اللغة فرنسية كانت أم عربية ، وقد طلبت مني صديقة في سوريا لعمل ورشة كتابة مع ممثلين شبان ، لكني لم أقرر بعد فالكتابة بالنسبة لي خاصة جداً. حتى عندما كنت أكتب بمفردي كان فاضل معي دائماً لتطبيق النص على العمل والكتابة وإن كانت فردية لكن تقتضي قراءة جماعية وتوظيف لتوابع الكتابة مسرحياً .
هل أعجبتك الكتابة ؟
بالطبع وجدت لذة كبيرة في الكتابة ، كنت ألعب دوراً ، لكن مع الكتابة بما أنني أكتب عدة شخصيات وكأنني أمثل هذه الشخصيات العدة ، متعة كبرى تحصل عند الخلق لكل الشخصيات. كتاباتي أتت على مراحل ، عايدة ، جنون كإقتباس وأرابيري ، ثم خمسون أنا التي كتبتها .
لو تكتبين اليوم عايدة كيف ستكون ؟
مازال لدى عايدة الكثير لتقوله ، لكن لو أكتب اليوم عايدة سأكتب عن جفرا بنت عايدة ، أؤمن بالتواصل ولدي إيمان عميق بالشعب الفلسطيني . ثم أن أعيد كتابة عايدة لا أدري ما سأكتب اليوم أو ما سأكتب غداً، كانت عايدة عن فلسطين وتونس ، خمسون لتونس، و ضعنا فيها أشياء حميمية كانت مدفونة ، كصرخة عالقة في الحلق ، نريد أن نطلقها لكنها مخنوقة عالقة في الحنجرة تأبى أن تنفجر .
وكأنك وفقت في خمسون في التعبير عن المدفون ؟
وفقت خاصة بإكتمال التوازن بين المواطنة والفنانة ، سؤالك الأول عن ميزان كفة فيها القلب وكفة فيها الآمال ، في خمسون توصلت إلى الميزان الحقيقي ، حيث توازنت في العمل أحلامي طموحاتي ، آفاق عملي وتجربتي والقيم التي أحملها وأدافع عنها .
أصبحت عبر التجربة المسرحية أكثر نضجاً ؟
ربما أكثر نضجاً ، لكن أيضاً أكثر هشاشة فيما يخص المسرح ، أشعر في كل مسرحية أنني أبدأ من جديد ، ربما بحكم التجربة أصبحت أصل لمقصودي أسرع من قبل ، لكني مازلت في كل مرة أبدأ من الأول وكأني مبتدئة ، رغم تمكني من آليات العمل أكثر فأكثر ، في كل مسرحية الحياة مغامرة لاأدري أين ستحملني ، كالحمل والولادة لا أدري كيف سيكون المولود ، وفي هذا العمل في خمسون أمضينا تسعة أشهر عمل كالحمل تماماً .
في حديث مع محمد علي بوجمعة ، قال أن ما إكتسبه منك خلال العمل على جنون من الناحية المهنية والإنسانية أكثر مما إكتسبه طوال حياته .
محمد علي بوجمعة يمتاز بشيء هام جداً ، حبه للعمل زيادة على أنه محترف ومجتهد جداً ، ما إكتسبه خلال جنون كان من طرف من عمل معهم ، أنا وفاضل ونرجس بن عمار ونوال إسكندراني وبسمة العشي وفاطمة سعيدان وكل الممثلين ، لدى محمد علي إرادة للوصول إلى مايريد ، حجم الدور في جنون ضخم والشخصية صعبة ومعقدة ، فكان يأتي كل صباح ليعمل مع المجموعة وليحفظ النص ويعيد عمل الأمس ليتمرن على إتقانه ، كنت أعمل معه يومياً بمفردنا ساعة تقريباً كل يوم لا للعمل على شخصية نون المعقدة لكن لإيصال روح الشخصية ، كانت العملية هامة جداً ، فشخصية نون الأصلي وصلت لناجية الزمني ، التي أوصلتها لنا ، ونحن نحاول إيصالها لمحمد علي بوجمعة ، وهذا التسلسل مهم جداً ، لأنه يضيف لكن يجب أن لا يبتر ، ثم أعتقد أن علاقتي مع محمد علي هي علاقة محبة وإحترام ، فهو شاب محترم جداً
كتابات كثيرة عن جليلة بكار و حوارات نادرة ، لكن دائماً هناك مناطق غامضة لم تكتشف ؟
ربما المناطق الغامضة تهم آخرين لا أستطيع الحديث عنها ، لكن كلما تقدم العمر تتوضح الأمور أكثر مع نفسي ومع الآخر ، وكلما توضحت أمكن التعبير بطريقة أكثر عفوية أو ربما أنني أخشى دائماً سوء فهم الكلمات والتعابير والأفكار ، أن يفسر الناس ما أقول بطريقة ليست التي قصدتها.
تعطين إحساسا بأنك إمرأة متمردة وصعبة المنال ؟
يمكن أن يعطي مظهري الخارجي إحساسا بأني منغلقة وصعبة المنال ، لكن في الواقع أخشى الجرح لو أنني فتحت الأبواب أو النوافذ.
ثلاثية العلاقة بينك وبين فاضل: الزواج ، العمل ، الصداقة
العمل له الجانب الأكبر في علاقتنا ، هناك أحياناً صعوبات عند العمل ككل الحروب، (تضحك) لكن الصداقة تتغلب على كل شيء لأننا متفاهمين في جل الأشياء ، أما علاقتنا كعائلة فنحن عائلة عادية كأي عائلة .
هناك أيضاً علاقة ثلاثية نسائية . والدتك التي كنت تحبينها جداً وإبنتك ، ثلاثة أجيال
نعم أمي كانت هامة جداً في حياتي ، ووالدي أيضاً . علمتني والدتي حرية التفكير والتحرر في المجتمع والتعبير عن الرأي مع الإلتزام ، كان والدي موظفاً بسيطاً ، علمنا قيمة الأشياء والقناعة ، وعزة النفس ، طفولتي هي أساس حياتي أساس متين خلق توازني وطريقة مسيرتي في الحياة المهنية والإجتماعية . أحاول اليوم إيصال كل هذه القيم لإبنتي
لديكم نبرة خاصة في التعبير عن الحرية ، ولمسة خاصة في نقد المجتمع البورجوازي، وأنتم من طبقة بورجوازية
لا اعترف بالطبقات فهي قشور ، ولا أعتبر نفسي من طبقة بورجوازية ، أنا كما يقول المثل (لا دين لا ملة ) لدي قيم شخصية وأخلاقية خاصة بي ، لا أريد أن أكره ، أرفض الكره والبغض ، إما الحب أو الغضب . أتوق بأن أسمو بالأشياء والأفكار ، أرفض الإبتذال والتفاهات والزيف. و الحرية ليست ديماغوجية غوغائية ، في فاميليا نعمل على إظهار هذه الحرية نضعها في المقدمة في النور ، تناقض الإنسان هو أهم ركيزة في عملنا كتناقض البرجوازية ، نحن نتحدث عن أشياء نملكها جيداً ، كإنسان يعرف نفسه ولا يرفض تناقضاتها والمسرح طقس من الطقوس نحقق به درجة من التعالي لا تتوقف على (دين أو ملة ).
الحب... الوحدة... اليأس... الأمل... الجنون... شخصيات لا تنسى من خلال شخصيات نسائية تمثل الحياة في أعمالكم أكثر من الشخصيات الرجالية .
غالباً ما تملك الممثلات قدرة اقوى وأكثر جرأة عن التعبير عن عواطف مضطربة ومبلبلة ، تعبرن بقوة وشغف عن أحاسيسهن ، في خمسون هناك نساء ورجال ايضاً قدموا عملاً ممتازاً ومتميزاً .
هل لديك إحساس بتأثير جمالك على من يقترب منك ؟
سألني أحدهم يوماً هذا السؤال وكدت أضربه .
هل تعتقدين أنك قلت كل ما تريدين في خمسون ؟
يبقى دائماً شيء أود أن أقوله كما أتمنى أن أقوله ، أتى جمهور تونسي مهم في باريس لمشاهدة المسرحية ،لكني أنتظر الجمهور التونسي في تونس ، أحب الجمهور التونسي ، عندما تقدم له عمل متميز يكون جمهور متميز .في تونس ، وفي تونس كل شيء ممكن ،
هل أرخت غسالة النوادر لتاريخ المسرح التونسي ؟
أهم مسرحية لها مكانتها في المسرح التونسي هي التحقيق ، هي في نظري أهم من غسالة النوادر التي أرخت بداية العلاقة الثنائية بين المسرح والتلفزة والجمهور الأوسع للفرجة، لو قدمت التحقيق في التلفزة لكان لها صدى كبير وأهمية أكبر من غسالة النوادر التي أعتبرها هي أيضاً مهمة في تاريخ المسرح التونسي .
هل ترك الحبيب المسروقي بصماته في حياتك ؟
ترك بصمات ؟؟؟ وكيف لا ؟ ترك روح. ترك حياة. ترك بصمات فنية وإنسانية وروحية ، كان إنساناً شفافاً مرهف الحساسية ، ربما هذا ما قتله ، كانت لديه نظرة للدنيا حادة وواضحة ، نوع من الوعي يعبر عنه دون ثرثرة بكلمة أو كلمتين أحياناً ، كان قليل الكلام عميق التعبير عكس البعض الذي يسرد خطاباً كاملاً ، أو يكتب صفحات دون أن يوصل أي فكرة .
لو كتبت يوماً سيرة ذاتية عن جليلة بكار ؟
سأكتب عن المسرح .
فقط لا غير ؟
المسرح بالنسبة لي هو حياة تحمل كل الأبعاد.
ما هو الدور الذي كنت تتمنين أن تؤديه ؟
لا أدري ... كنت أعرف أشياء ، وأريد الحديث عن أشياء ، وأرغب في أشياء وشخصيات ، اليوم أفضل أن أقول لا أدري ، كل ما أعبر عن شيء تأتي أشياء أخرى تناقضه . وحالياً كل ماأريد ، كل رغبتي ، كل آمالي وكل تفكيري في خمسون ، أريد خمسون أمام الجمهور التونسي ، وعرض يوم الجمعة الفارط هو عرض خاص بالنسبة لنا ، بعد كل الأحداث التي تابعت هذا العرض من مراقبة وتوجيه وتأخير، ولكن ما جرى أكد أن المتفرج التونسي مستعد للدفاع عن حقوقه في الفرجة ، عن حقوق الفنانين في الإبداع بكل حرية ، وهذا أكبر مكسب بالنسبة لي ، أشعر بعد هذه الشهور الطويلة من القلق والتأخير ، أن هذا الإنتظار لم يذهب سدى «التونسي إذا وقف يعرف ياقف».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.