أخاف على تونس، وأخاف على نفسي، وأخاف على المثقفين، لأن بوادر خطيرة تلوح في الأفق مما يجعل البعض يفكّر في النداء بالرجوع الى نسبة محددة من القبضة الحديدية. هذه الحادثة مؤشر خطير. شخص مجهول يعتدي على المخرج النوري بوزيد في وضح النهار، بعد الثورة في بلد يعتز به العالم ويصبح قدوة في الدفاع عن حقوق الانسان بما فيهم السلفيين المتشددين. لما سمعت بالحدث وهو ليس حادث ذهلت وتذكرت واقعة جزائرية وهي أول اغتيال مثقف بالجزائر الطاهر جاعوط على يد بائع حلوى في الشارع أطره لحّام. ان تضرب رأس النوري بوزيد فإنك تضرب الفن والثقافة والنضال، النوري بوزيد الذي أهدى حياته للسينما وللنضال يعنف في وضح النهار فإن تعنف فنانا فإنك قادر على اخراج الطاهر الحداد من قبره وتعذيبه لأنك مع رأي الشيخ بن مراد ان مبدعا مثل النوري الذي كاد ان يضيع حياته دفاعا عن الشعب والمضطهدين وأمضى اكثر من خمس سنوات من حياته في السجون والتعذيب وأكثر منها في البطالة وكافح ليخرج لنا أفلاما جديرة بأي مخرج عالمي وعلى فكرة ان علم تونس لما رفرف العديد المرات في سماء مهرجان »كَانْ« كان أحسن من عديد السفارات، ومن الطريف ان ليلة الحادث بثت التلفزة التونسية أكثر الافلام التونسية جرأة وهو فيلم »صفائح من ذهب« رائعة سينمائية فيها جرأتان: ❊ الجرأة الأولى: أنه ندّد بالتعذيب وأعاد تركيبة ممارسة التعذيب في السجون ولابد ان يعاد عرضه مع دعوة المعذبين القدامى. ناقش اليسار وهي جرأة وانتقد مواقف اليسار عن وعي. تصوروا في مصر مثلا ان يضرب مخرج مثل يوسف شاهين على رأسه أو أي مخرج متوسط. تصوروا في أي بلد أوروبي ضرب أو شتم اي فنان او كاتب. ❊ ❊ ❊ هذه سابقة خطيرة لابد ان تقتضي بعث لجنة للدفاع عن المبدعين والا دخلنا في ما لا يحمد عقباه نتيجة تحجر رؤوس السلفيين الذين تتحرك قبضاتهم قبل عقولهم والذين يؤمنون بالنقل لا بالعقل والذين يخلطون بين العقل والعقال. وقد نناشدهم بقراءة مقولتين الأولى لفولتير: قد اختلف معك في الرأي لكني على استعداد لكي أدفع حياتي ثمنا لحقك في الدفاع عن رأيك. والثانية للإمام الشافعي رحمه الله: »رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب«.