ابتدعت الثورة التونسية قبل 14 جانفي و بعده رأسمالها الفعّال وهو »الثورة المدنية السلمية الديمقراطية « غير أنّ البناء الديمقراطي و المدني للدولة لايزال في مرحلة البدايات و يتطلب إسهام و تكتّل كل الطاقات التونسية لتجسيد مطمح قديم متججد يتمثل في التأسيس لدستور عصري عبر أقامة انتخابات حرة نزيهة شفّافة تعبّر عن الإرادة الحقيقية للمواطن التونسي تعتبر انتخابات المجلس التأسيسي القادمة محطة حضارية و سياسية هامة في تاريخ البلاد إنها- وهو المأمول و المنشود- ستكون أول انتخابات ديمقراطية تعددية في تاريخ تونس المعاصر بعد سلسلة من »مهازل و مسرحيات« انتخابية انطلقت منذ 25 مارس 1956 و تواصلت إلى ماي 2010 و تكرّست فيها ثقافة اللون الواحد و النسب التسعينية للأنظمة الاستبدادية و شعارات »لا إمساك و لا تشطيب« و قد كانت الانتخابات في تونس (التأسيسية والتشريعية والبلدية) عبارة عن مسابقة محسومة النتائج قبل انطلاقها بسبب التزييف الواضح و الخفي و بسبب عدم حياد الإدارة و خاصة بسب إشراف هياكل وزارة الداخلية على مجرياتها من تسجيل الناخبين إلى يوم التصريح بالنسب و توزيع المقاعد . إن الشعب التونسي بمختلف شرائحه هو أمام فرصة تاريخية لتجسيد أهداف ثورته و اختيار نوابه التأسيسيين و هذا جزء محوري في البناء الديمقراطي طويل الأمد. من هذا المنطلق فإن إسناد مهمة الإشراف على الانتخابات لهيئة عليا مستقلة هو تجسيد لارادة الشعب الحقيقية و ضمان لمبدأ شفافية الانتخابات و نزاهتها و سلامتها. في هذا السياق و انخراطا منّي جامعيّا وناشطًا ثقافيًّا ومناضلاً نقابيّا وجمعياتيّا مستقلاّ سياسيّا (ولكني غير مستقيل) في التعاطي مع الشأن السياسي والمواطني العام فإني أترشّح لتمثيل الأساتذة الجامعيين داخل الهيئة العليا والإسهام في بلورة مشروعها ومهامها رغم إني أعتبر إن المرتبية التي وُضع فيها قطاعنا هي دون مكانته و استحقاقه كما إن تخصيص مقعدين للجامعيين (عوضا عن 3 في المشروع الأول) من شأنه أن يغمط الجامعيين و الأكاديميين حقّهم . إن أهم الأسباب التي دفعتني إلى تقديم ترشحي هي : - إسهام الجامعيين بوصفهم فصيلا مناضلا و ديمقراطيا و تقدميا في التفكير و الإنجاز لآول انتخابات ديمقراطية في تاريخ تونس . - أن الانتخابات لا تنحصر فقط في جانبها التقني والحسابي والقانوني رغم أهميتها بل إن العملية الانتخابية هي ذات أبعاد ثقافية وسياسية ومدنية وهي من أول شروط المواطنة و دعامة لحقوق الانسان الأساسية . - إن الهيئة العليا لا بد أن تكون تركيبتها »مزيجا« بين تقنيي الانتخابات و بين مستشرفي المستقبل والمثقفين العارفين بالمتغيرات الدولية وبتجارب الأمم وبماضينا ورصيدنا في الثقافة الانتخابية التي كانت للآسف في مرحلة »الدبيب«. إن الهيئة العليا الوطنية المستقلة للانتخابات لابد أن تتكون من مستقلين حقيقين يلتزمون مبدأ الحياد الكامل و الايجابي تجاه مختلف المتنافسين والمترشحين . - إن هذه الهيئة مطالبة بأن تسلك نهج الحوار والتواصل والشفافية مع المواطن والإعلام المحليو الخارجي ومع الهيئات الدولية المساندة للديمقراطية والعدالة والسلم والمتحمسة للتجربة الديمقراطية التونسية والتي يمكن الاستفادة من خبراتها في المجال دون التدخل في شأن البلاد الداخلي. *الاختصاص تاريخ تونس المعاصر أستاذ تعليم عال جامعة صفاقس