تحت اشراف الجامعة العامة للتعليم العالي انتضمت بكلية الحقوق تونس يوم السبت 12 مارس 2011 ندوة فكرية حضرها جملة من أساتذة القانون والعلوم السياسية وضيوف اخرون جاؤوا لاثراء هذه الندوة التي تناولت بالتحليل موضوع المجلس الوطني التأسيسي وعرجت على الواقع السياسي الذي يمر به الوطن بعيد ثورة 14 جانفي بالتحليل والتشريح واستشراف أفقه في ظل حالة التعدد السياسي والايديولوجي وتناقض الطروحات الفكرية. الاخ سامي العوادي نشط هذه الندوة التي استمرت لخمس ساعات من التاسعة صباحا الى الثانية عشر بعد الظهر. وقد تداول على الكلمة وقدم مداخلات كل من الاستاذين فاضل موسى ومصطفى الفيلالي والاستاذة سعاد موسى، ثم فسح المجال للحضور لتقديم بعض المداخلات التي تضمنت تساؤلات واقتراحات صبت جلها في اتجاه العمل على إنجاح هذه المناسبة السياسية الوطنية التي ولدت من رحم ثورة شعبنا والمتمثلة في انتخاب مجلس وطني تأسيسي يتولى صياغة دستور جديد للبلاد هو الثاني بعد دستور 1959. بعد الترحيب بالاساتذة الحضور وبالضيوف والتذكير بالمناسبة الوطنية التي استدعت تنظيم هذه الندوة القانونية والمتمثلة في استحقاقات المرحلة اللاحقة لثورة الحرية والكرامة التي سطّر معالمها الحراك الشعبي التونسي الذي انطلق من سيدي بوزيد ليشمل كافة ربوع البلاد، ولتشترك فيه كل قطاعات الشعب ونخبه ومنهم الاساتذة الجامعيين الذين قدموا لهذه الثورة احد زملائهم شهيدا على مذبح الحرية لكل الشعب وهو الشهيد حاتم بن الطاهر قام الاخ سامي العوادي بوضع الندوة في اطارها والمتعلق بالبحث في السبل الكفيلة بإنجاز انتخابات المجلس التأسيسي، والتعريف بهذا الهيكل من حيث ماهيته ومهامه وجملة الشروط التقنية والفنية اللازمة لانجاحه مثل شروط الترشح والانتخاب وكيفية الاختيار. ثم أحال الكلمة للأساتذة المحاضرين لتقديم مداخلاتهم. اعلان المجلس التأسيسي تأكيد على انتصار الشرعية الثورية المداخلة الأولى التي شهدتها الندوة كانت للأستاذ فاضل موسى عميد كلية الحقوق بتونس. أول النقاط التي اثارها الاستاذ موسى هي التذكير بالتمفصلات الكبرى والحادة التي عاشتها ثورة الحرية والكرامة، وعملية المراوحة التي استمرت الى ما قبل اعتصام القصبة الاخير بين الشرعية القانونية التي استندت على الفصل (57) من الدستور والشرعية الثورية التي استندت الى ضغط الشارع ومطالبات القوى السياسية التي تكثفت في اعتصام القصبة وترجمت من خلال تجمع مجلس حماية الثورة الممثل لأوسع شرائح المجتمع التونسي. الاستاذ أكد ان محاولة المواءمة أو المراوجة بين المسار الدستوري والثوري هي التي جنبت البلاد ما سمي بحالة الفراغ من خلال رئيس الجمهورية المؤقت طبقا للفصل (57) وحلّ حكومتي الغنوشي اللتين لم تكونا من حيث التمثيل والمسار والمنجز في مستوى تطلعات شباب الثورة، واعتبر ان الدعوة الى الاتجاه نحو مجلس وطني تأسيسي مثلت انتصارا للشرعية الثورية بما ان هذا المجلس المنتخب من قبل الشعب سيكون معبرا عن ارادته الثورية في التغيير والقطع مع الماضي. ثم مرّ الاستاذ فاضل موسى الى الحديث عن جملة الاشكالات القانونية المتعلقة بالمجلس التأسيسي والتي تمثلها في مرحلتين: 1) المرحلة السابقة لتأسيسه. 2) وكيفية عمله بعد انتخابه. وقد وضح انه وفي مستوى الفترة السابقة لهذا المجلس تعترضنا اشكاليات حول النظام القانوني الذي سننتخب من خلاله هذا المجلس التأسيسي، وهل ستنجح الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والتي تم تطعيمها بعناصر من مجلس حماية الثورة الذي كان طالب بمرسوم رئاسي خاص يعطيه صبغة تقريرية. ورأى الاستاذ أنه من حق كل من عذب واضطهد ودافع عن حقه ان يتم تمثيله في المجلس، لكنه أشار في ذات الوقت الى أن بعض الاحزاب قد ركبت الثورة. بالاضافة الى التمثيلية السياسية داخل المجلس اشار الاستاذ الى موضوع القانون المنظم للإنتخابات بما فيها مسألة تمويل الاحزاب التي لا تزال ناشئة وفي طور ترتيب اوضاعها الداخلية بما انها عاشت طويلا التهميش والمطاردة والحصار. وأكد على ان احداث هيئة عليا للاشراف على الانتخابات تعدّ ضرورة لضمان مرجعية اساسية لمراقبتها مشيرا الى العراقيل الترتيبية التي تخص مراكز الانتخاب وطرق الانتخاب في ظل وجود حالة فراغ وشعور داخل جل البلديات في البلاد. كما تساءل عن الوضع اللاحق للانتخابات وعن التنظيم الداخلي للمجلس المنتخب ودوره وصلاحياته وهل هي مقيدة او مطلقة، كما حذر الاستاذ فاضل موسى من خطورة الدور الموكول لهذا المجلس في رسم مستقبل البلاد لسنوات لاحقة، مؤكدا ان كتابة دستور ليست بالعملية الهينة اذ يمكن ان تنجح أغلبية ما في الوصول الى المجلس فيصبح بإمكانها ان تفعل ما تريد وما يمليه عليها إنتماؤها السياسي لا واجبها الوطني، ولم يفت الاستاذ فاضل موسى ان ينبه الى ضرورة تحديد سلطات هذا المجلس خاصة وانه من الممكن ان يتولى السلطة بعد الحكومة الانتقالية مستمدا شرعيته من الناخبين الذين وضعوا فيه ثقتهم. كما تمنى الاستاذ في الاخير على الجميع ان تكون مسؤوليتهم عالية، لأن التأسيس لدولة ديمقراطية يبقى هو الخيار الذي ثار من أجله الشعب وعلى المجلس الوطني التأسيسي ان يلتزم بهذه الاهداف الاصيلة للثورة. تونس بين دستوري 1959 و 2011 افتتح الاستاذ مصطفى الفيلالي مداخلته بالقول موجها كلامه الى الاساتذة والحضور »رغم ما تراكم من اعوام الحياة لا أزال أعتبر نفسي مدرسا ضمن المدرسين« وهو بذلك يقصد مدرس بكلية الحقوق. قدم الاستاذ الفيلالي بسطة تاريخية موجزة عن تجربته الخاصة بوصفه احد المشاركين في صياغة دستور 1959. وذكر انه تم انشاء المجلس التأسيسي بأمر ملكي وذلك في 8 افريل 1956 وتواصلت اشغاله التي شابتها عدة تحفظات واختلافات الى ان توج هذا المجهود بدستور 1 جوان 1959 (أي لمدة 34 شهرا) وقد أكد الفيلالي أن اسباب التأخر في صياغة نصّ الدستور يعود الى عدة ظروف حفت بأعمال المجلس التأسيسي منها الوضع في الجزائر والعلاقة مع فرنسا حول الاتفاقيات المالية والاجتماعية وما جد في ساقية سيدي يوسف ليخلص في الاخير الى ان صياغة الدستور قد اخذت فعليا نصف الوقت المستغرق. الاستاذ الفيلالي اعترف انه وجيله ممن انتدبوا لصياغة نص الدستور قد فشلوا في مهمتهم مدللا على ذلك بالدعوة الصادرة اليوم بعد الثورة بإعادة صياغة دستور جديد. وقد ارجع هذا الفشل الى اسباب ذاتية تعود الى سقوطهم في المزاجية واخرى موضوعية تتعلق برغبتهم في مراعاة الواقع السياسي الحادث والمتمثل في ما سمي ب »الفتنة البورقيبية اليوسفية« والخلاف مع فرنسا بحكم وجود جيشها على الميدان. ويواصل معترفا »كان من الأجدى للمجلس ان يؤكد على الفصل بين السلطات الثلاث، غير اننا قررنا واتفقنا اتفاق سوء على تغليب السلطة التنفيذية على بقية السلط، لذلك سطرنا للأجيال اللاحقة اختيارا مستقبليا ليس فيه المعقولية والرشد« فقد كان اختيارنا لنوع خاص من الحكم الرئاسي يفوّض للزعيم الحبيب بورقيبة صلاحيات اكثر مما يجب، نظرا لما له من شرعية وما يتمتع به من روح وطنية كفاحية اضافة الى ما حبّب الى جيلنا في شخصه من احتقاره للمال، مع يقينا بتفكيره الموسوعي القائم على ثقافة الحداثة. وقد قسّم الاستاذ الفيلالي حكم بورقيبة الى مرحلتين: مرحلة الحكم الرشيد القائمة على الاستماع للرأي المخالف والمطالعة والاستزادة من العلوم والمعارف والتي تواصلت الى منتصف السبعينات. مرحلة الانحراف بالحكم الى السلطة الفردية ورفض الاختلاف والرأي المعارض. وقد ذكّر الفيلالي بأهم الفصول القانونية التي شهدت نقاشات مطوّلة واختلافات مثل أركان الهوية (الاسلام اللغة التاريخ) التي كانت محل جدال بين النيفر الذي قال بأن تونس دولة اسلامية والأدغم الذي أنكر اسلام وعروبة تونس، فتدخل بورقيبة الذي سبق ان أعلن في صفاقس ان لا وجود للعربية وبأنها لغة دخيلة ليحسم الخلاف بالصيغة التي وجدت في الدستور. أما فيما يخص النظام الرئاسي، فقد تم اقتراح آليات المحاسبة دون الدخول في لوائح لوم فتدخل الأدغم عند الحديث عن لجنة لمحاسبة الحكومة وأثار مفهوم »الثقة« الذي وصل بنا الى حد الاستقالة الفكرية وكأننا بذلك أعطينا تقويضا مطلقا للرئيس بحيث اصبح كل ما يأتيه يتسم بالصواب والسداد. واعتبر الفيلالي ان الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قد أبقى على دستور 1959 لأنه يخدم مصلحته ويمنحه صلاحيات واسعة غير مقيدة. أما فيما يخص الانتخابات المزمع اجراؤها في 24 جويلية 2011 فقد اعتبر انه من غير الممكن اجراء انتخابات يشارك فيها ما يقرب من 40 حزبا، وخاصة حزب التحرير، والحزب السني وحزب شيعي، واعتبر ان هذه التركيبات السياسية الاسلامية لا تعكس تاريخ تونس الذي تميز بالوسطية بحكم استقرار المالكية فيها لأكثر من 14 قرنا، بل اننا صدرنا هذا المذهب المعتدل الى دول أخرى، كما عبر عن خشيته من استغلال البعض للبني القبلية ودعمها ببعض المفاهيم السياسية. ليخلص في اخر مداخلته الى القول بأن الدستور يجب ان يكون منفتحا على المستقبل وفيا للماضي من خلال اعتماد العقلانية والرشاد في صياغته، وبأن الاحزاب يجب ان تسعى الى تشكيل كتل سياسية محدودة العدد حتى تبدو بسيطة وواضحة للعموم، معتبرا أن الشعب في امس الحاجة للوضوح حاضرا ومستقبلا. كل ذلك لا يتم الا بالوفاء المترشد والبصير للقيم حتى لا نقع في الاحكام المزاجية والانتماءات الجهوية والقبلية، »فنحن قوم لنا أمجاد ويجب ان يكون مستقبلنا وفيّ لهذا الماضي التليد« و »ان الحياة السياسية اختيار ثقافي صميم فلتكن ثقافتنا منفتحة على الحداثة وفيّة للماضي«. الرهان على النزاهة والتمثيلية والنجاعة أكدت الاستاذة سعاد موسى في مداخلتها انها قد اهتمت بدارسة الى مجلس التأسيسي منذ عشر سنوات في اطار بحثها الجامعي وهي على معرفة دقيقة بالحيثيات التي حفت بالتأسيس لدستور 1959، ثم توجهت بالحديث الى الاستاذ الفيلالي لتؤكد له ان المطلوب من جيلهم ليس جلد الذات والاعتذار لعدم نجاحهم في صياغة دستور يستجيب لتطلعات الشعب التونسي غداة الاستقلال، بل المطلوب من رجال القانون التحرر من النظرة الشكلانية للدساتير وبأن يفهموا تاريخ القانون، لأن الاشياء تفهم في سياق مسارها التأسيسي، فتاريخ المؤسسة يدخل في فهمها والتعرف إليها، لذلك رأت انه لزام علينا ان ننصت الى شهادات من ساهموا في صياغة الدستور القديم ومنهم الاستاذ مصطفى الفيلالي، ومن هنا تتأكد الحاجة الى فهم تجربة التأسيس الاولى ونحن بصدد الحديث عن تجربة تأسيسية ثانية على خلاف حالات الرجوع القديمة الى الماضي التي كانت تتخذ لها أشكالا احتفالية. قسمت الاستاذة سعاد موسى المرحلة التأسيسية الى فترتين: الأولى من 1956 1997 وكانت عبارة عن فكرة مشروع ملكية دستورية. الثانية بعد الاطاحة بالملك واعلان الجمهورية والتي تم خلالها تجاوز المشروع القديم والشروع في اعداد دستور للجمهورية. وبهذا التقسيم استطاعت الاستاذة موسى ان توضح اللبس الحاصل في علاقة بمدة التأسيس والتي شكل غموضها جزءا من الجدال السياسي الوطني في الفترة الاخيرة. فلا تخوّف من الناحية الزمنية لان الفترة الحقيقة التي تم استغراقها لصياغة الدستور القديم لا تتجاوز 22 شهرا. كما بينت الاستاذة ان اطلاعها على المشروع الاولي المقترح عام 1959 فاجأها لأنها أدركت حجم التنقيحات والتعديلات التي ادخلت عليه في نسخته الاصلية، والتي تؤكد وجود ارادة سياسية من قبل السلطة بحرفه عن مقاصده والتأسيس لطغيان السلطة التنفيذية وخاصة سلطة رئيس الجمهورية على بقية السلط. وتساءلت الأستاذة سعاد موسى: ما هو المقابل للتنازل عن مشروع دستور 1959؟ مؤكدة انه تم التضحية بالمؤسسة من اجل الفرد (الزعيم) داعية الى عدم السكوت هذه المرة ورهن مستقبل البلاد بالافراد مهما كانت عبقريتهم وبأن ما قاله بورقيبة بعد اقرار الدستور 1959: »مهما كانت حبكة الدستور فالفائدة في الرجال« لا يجب ان يكون مدخلنا لهذه التجربة التأسيسية الثانية فالمؤسسات لها قيمتها الأولى قبل الافراد. ثم خلصت الاستاذة للحديث عن السياق الذي أوجب الدعوة الى مجلس تأسيسي، معتبرة ان تعنّت الحكومات المؤقتة هو الذي جعل مطالب الثورة تصل الى سقف الدعوة الى مجلس تأسيسي. مؤكدة اننا اليوم اصبحنا امام استحقاق تاريخي يهم مستقبل البلاد لذلك فمن الضرورة تصور طروحات ومشاريع تحقق رهانات الثورة وهي ثلاث: النزاهة والتمثيلية والنجاعة وهي مترابطة ثلاثتها: النزاهة: تكون من خلال المراهنة على مبادئ عامة لحرية الاختيار والاختكام الى الشرعية القانونية، ولكن هذه الحرية مشروطة بوجود ضمانات لممارسة هذه الحريات، كحرية الاجتماع والتظاهر والتعبير... ومن شروطها توفر حرية في العملية الانتخابية كتساوي الفرص بين المترشحين. التمثيلية: وهي مرتبطة بالشفافية والنزاهة والحرية ويمكن تمثلها من خلال مستويين. على المستوى العام: هو استعادة الشعب تمثله وثقته بالمؤسسة الانتخابية، ولن يتم ذلك الا من خلال توفير ظروف تسمح له بممارسة سيادته وذلك باختياره من يمثله في هذه المؤسسة التي ستبنى عليها الدولة على ان يكون الانتخاب والترشح بعقلية جديدة تقطع مع الزبونية السياسية، بما يرتقي بالمواطن التونسي الى مستوى التصالح مع الشأن السياسي بعيدا عن الارتكاس القبلي وعلى اساس الرابطة المواطنة التي تربط بين الفرد والدولة. على مستوى مدى قدرة الاطراف على ممارسة حرية المشاركة والاختيار على اساس الوعي بقدرة المؤسسة والمعرفة بوظيفة هذا المجلس الذي يؤسس للخيارات القانونية والفلسفية والقيمية الكبري التي يتحدد طبقها النظام السياسي المستقبلي. النجاعة: ويبقى شرط النجاعة من أهم الشروط الواجب تحققها حتى يكون المجلس التأسيسي قادرا على صياغة دستور تقدمي يستجيب لتطلعات الاجيال القادمة. كما نبهت الاستاذة سعاد موسى الى ان دور المجلس تأسيسي وتشريعي محذرة من ان يعيد اعضاؤه الخطأ الذي وقع فيه المجلس الاول (1959) الذي تنازل عن دوره التشريعي للرئيس. كما اقترحت ان نتجاوز خلال الانتخابات القادمة لخصوصيتها الصراع حول البرامج بالمعنى السياسي والحزبي الضيق وذلك بالتوافق على برنامج وطني بين القوى والفعاليات السياسية في شكل »ميثاق للثورة« يمثل مصدرا مرجعيا للعمل التأسيسي، حتى لا نسقط في مزايدات سياسية على مسائل جوهرية. ورأت انه يتوفر مدخلان لتحقيق رهان الديمقراطية: اما انتخابات على افراد في دوائر صغيرة، وذلك بالقيام بترشحات فردية على مستوى دوائر المعتمديات واعتبرت ان هذا المدخل يحتوي على منزلقات أهمها احياء النعرات الذاتية والعشائرية والقبلية خاصة في مجتمع لا يتوفر فيه تقليد انتخابي. اما المدخل الثاني فيتمثل في الارتقاء الى مستوى القوائم مع امكانية انتخاب افراد داخل القوائم، اي لا يكون الانتخاب على القائمة رغم وجود المترشحين في قوائم (المزج بين الافراد والقوائم). واعتبرت ان هواجس البعض وتخوفهم من وجود عدة احزاب سياسية مبالغ فيه لانه بقطع النظر عن حق كل شخص في التنظم في حزب سياسي فان هذا التعدد يعكس حالة المنع والقمع التي كانت مسلطة على القوى الاجتماعية والناشطين السياسيين، وأكدت ان هذا التعدد والتذرر السياسي سينتهي الى صياغة جبهات سياسية بين القوى المتقاربة في برامجها. نقاشات قانونية لا تخلو من السياسة عكست تدخلات وتساؤلات الاساتذة والضيوف الذين حضروا الندوة حالة التوجس والقلق التي تعتمل في صدور جل النخب التونسية من ارهاصات هذه الثورة وما تحمله من امكانات في المستقبل لا يمكن التنبؤ بها. وتركزت الأسئلة حول مفهومي الشرعية الدستورية والشرعية الثورية وعملية التنسيب بينهما وممكنات نجاحها وعن الوسائل والاليات الواجب توفرها لضمان انتخابات شفافة ونزيهة لمجلس تأسيسي ممثل يعكس مبادئ الثورة. وتساءل البعض عن الضمانات التي يمكن اتخاذها من اجل عدم انزياح هذا المجلس عن وظيفته وتحوله الى سلطة مطلقة تشرّع ما تشاء باسم الشرعية الانتخابية وتمثيل الثورة، واقترحوا ضرورة بناء ارضية توافق وطني على جملة من المبادئ العامة تضمن في ميثاق يعتبر بمثابة المرجعية التي من خلالها يصوغ اعضاء المجلس التأسيسي الدستور الجديد، مما يضمن انتقالا سلسا وتحولا توافقيا لنظام جديدة. بعض المتدخلين قدموا بعض المقترحات العملية حول شروط الترشح كالسن الادنى والمستوى التعليمي. وعن مقترحات النصوص الممكن اضافتها الى القوانين التشريعية دعا البعض الى اقرار مبدأ المساواة في الإرث بين المرأة والرجل دعما لمجلة الاحوال الشخصية كما طالب بعض الاساتذة بعدم المساس بالفقرة الاولى من الدستور التي تؤكد على هويّة البلاد، مع التنصيص على ضرورة الطابع المدني للدولة. مردود الاساتذة المحاضرين تولى الاجابة أولا الاستاذ مصطفى الفيلالي، وأكد على ضرورة فهم خصوصيات المرحلة التي تمر بها البلاد معتبرا اننا نعيش مسارا ثوريا بإجراءات اصلاحية واعتبر ان الديمقراطية تعتبر تمش سياسي تمثيلي يسعى الى تشريك اوسع قطاعات المجتمع ومجمل شرائحه، مؤكدا ان نجاح هذا المسار يتطلب عدة اجراءات تسبق الدخول في العملية الانتخابية. أما الاستاذ فاضل موسى، فقد أكد ان الجميع متفق ان الدستور الحالي قد انتهى فعليا وعمليا يوم 3 مارس 2011 لذلك فان اهم ما يجب التأكيد عليه ونحن ندخل المرحلة التأسيسية بما تتطلبه من انتخابات الاتفاق على قواعد اللعبة الانتخابية في ظل ميثاق يقوم على قيم المدنية والتحديث. وقد ذهبت الاستاذة سعاد موسى نفس المذهب حين قالت بأنه لم يوجد مجلس تأسيسي في العالم انطلق من فراغ فكلها ابتدأت من ميثاق مبادئ مرجعي مثل التجربة الفرنسية التي انطلقت من وثيقة حقوق الانسان، ودعت الى ضرورة وجود »ميثاق للثورة« (سنخصص مساحة في هذا العدد لنشر تصور لمشروع ميثاق للثورة اقترحته الاستاذة سعاد موسى) يتم التوافق عليه ليصبح المرجعية المادية للمجلس التأسيسي. ورأت ان النظام السياسي الأنسب هو المتوازي الذي يقوم على حكم محلي يقطع مع المركزية، ويدعّم فكرة المشاركة لان المواطنة الحق تتطلب تفعيل مبدأ المشاركة في تيسير الشأن المحلي. أما المجلس فرأت انه لا يمكن ان يوفق الا اذا كان تشاركيا وتوافقيا، تشرك فيه كل القوى السياسية والمجتمعية دون اقصاء او تهميش لأي طرف مهما كان حجمه وامتداده ورؤاه لمستقبل تونس.