»جدي رجل غريب السمات والتقاسيم حتى لقد خيل إلي مرات أنه ليس من البشر بل من جنس الشجر. فكنت أراه حينا شبيها بشجرة الزيتون الوارفة وحينا بالنخلة الباسقة وحينا بشجرة السنديان في جبال خمير أو بالباووباب في السنيغال وما وراءه. ولما كنت صغيرا كنت أسأله عن عمره فكان يجيبني بثمانين. وظل مع الأيام يجيبني بمثل هذا الجواب والزمن يتقدم به وبي. ولما كبرت أكثر عرفت السر في بيت للشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى: ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم وجدي هذا حين بلغ من العمر عتيا أقر بتسليمه أمره لأولاده. وظل يعيش بيننا راضيا مرضيا يهبنا الطمأنينة والإحساس بالسعادة. ولما بلغ من قصته عبد العظيم هذا المبلغ سأله أبو صابر فجأة: وشيخانا؟ فقال: واحد لا يبلّ ولا يعلّ. والآخر بات متماهيا مع الدولة ويتهم الآخرين بالمرض والفسق. وكلاهما لا يسمع أحدا سوى اللامزين الغامزين. فعلق أبو صابر: ألا سترنا الله. وذهب في حال سبيله لا يلوي.