حملت ثورة الحريّة والكرامة التونسية التي أطاحت بواحدة من أعتى الدكتاتوريات في أيّامنا، بُعدا ثقافيا إلى جانب أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وشكّلت منعطفا تاريخيا حاسمًا ساهم فيه المثقفون إلى جانب كلّ فئات الشعب التونسي وأجياله على امتداد رقعة الوطن. لقد كانت ثورة 14 جانفي ثورة على سياسة التفقير الثقافي التي انتهجها النظام البائد لتجفيف منابع ملكة النقد والتفكير بقدر ما كانت ثورة على التّفقير المادي والتهميش وانخرام التوازن بين الجهات والفئات، وطرحت على المثقف مهمّة المساهمة في إنجاح الثورة وحمّلته مسؤولية الإسهام في بناء نظام ديمقراطي يقوم على مؤسسات منتخبة وممثلة وفاعلة. ويتقدّم المشاركون في حلقة الحوار هذه حول مستقبل الثقافة بتونس التي تُعقد بالتعاون مع قسم التكوين النقابي والتثقيف العمّالي بالاتحاد العام التونسي للشغل وبالتنسيق مع الاتحاد الجهوي للشغل بتونس، بهذه الورقة لتكون منطلقا بنقاش نتمنّى أن يفضي إلى بلورة الرؤى وفتح مجالات أرحب للعمل من أجل تجسيد مشروع ثقافي جديد وبعث هياكل جديدة تسهر على إنجازه. إنّنا نرنو إلى بلورة رؤية ثقافية ترسّخ قِيَمًا وأهدافًا منها: تجذير قيم المواطنة بما فيها من تكريس لمبادئ الحرية وحق الاختلاف وقبول الآخر على أساس الاحترام والحوار والاحتكام إلى القانون. الانتماء إلى ثقافة وطنية مُتجذّرة وشاملة لجميع الحضارات مع ضرورة الوفاء للمكاسب التي ساهمت فيها أجيال عديدة منذ عهد الاصلاح. نبذ الانغلاق والتقوقع وضرورة التفاعل مع المنجزات الانسانية الكونية. وإنّنا نضع نقاشاتنا في مسار نتمنّى أن يُفضي إلى بعث مجلس أعلى للثقافة بتونس يكون منتخبا ديمقراطيا وتعدّديا ممثّلا لمختلف الحساسيات الفكرية والتيارات الثقافية ويشكل إطارًا للحوار وهيكلاً فاعلا في الحياة الثقافية التونسية، ويكون هذا الهيكل الوطني تتويجًا للجان وهياكل ثقافية محلية وجهوية منتخبة وممثلة ومتفتحة على الكفاءات والطاقات المبدعة.