مصادفات كثيرة حفت بانعقاد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين. المصادفة الأولى ان تزامن انعقاد هذا المؤتمر مع الذكرى النصف سنوية الأولى لثورة الرابع عشر من جانفي حيث صادف الرابع عشر من جويلية مرور ستة أشهر على ثورة الحرية والكرامة. أما المصادفة الثانية فان يعقد أول مؤتمر اتحاد جهوي للشغل في اقصى مكان من تراب الجمهورية في مقر الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين. أما المصادفة التي جادت بها الطبيعة فتمثلت في ذلك النسيم المنعش الذي هبّ على مدينة تطاوين يوم المؤتمر الاستثنائي. يوم الخميس 14 جويلية 2011 انطلقت الاشغال وكان حضور النقابيين مكثفا. المعتصمون في الخيام امام الاتحاد الجهوي والذين مضى على اعتصامهم اكثر من اسبوعين نفضوا عنهم تعب الايام والليالي التي قضوها في خيام العزة والكرامة دفاعا عن حقهم في الشغل اللائق امام غول المناولة الذي قطعت الثورة أطرافه ولم تقطع رأسه. الاخ الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل عبد السلام جراد أصرّ على حضور هذا المؤتمر الاستثنائي رغم بعد المسافة وحرارة الطقس مصحوبا بالاخوة اعضاء المكتب التنفيذي حسين العباسي الذي ترأس المؤتمر والاخ المولدي الجندوبي والاخ محمد شندول والاخ علي بن رمضان وبعض الضيوف من الاتحادات الجهوية واعضاء لجنة النظام. شعار المؤتمر الاستثنائي « وتحقيق اهداف ثورة الكرامة والحرية» عكس في جوهره عمق التحديات التي يواجهها الاتحاد العام التونسي للشغل ليس بوصفه منظمة نقابية تدافع عن عموم الشغالين التونسيين فقط، بل باعتباره منظمة وطنية حملت لواء الدفاع عن الوطن ضد القوى الاستعمارية وضد الاستبداد السلطوي في نسختيه البورقيبية والنّوفمبرية. ولعل ما تمر به البلاد اليوم يستدعي وحدة النقابيين من اجل تطوير أدائهم النقابي بما يستجيب لتطلعات الشغالين وطموحاته خاصة في ظل واقع التعددية النقابية الحالية والتمرس في خندق ابناء الشعب تحقيقا لأهداف ثورة الكرامة والحرية التي عمدها مئات الشباب بدمائه الزكية سالكين درب حشاد وبقية شهداء الوطن. جلسة عاصفة انتهت بعرس ديمقراطي كلمة الاخ حسين العباسي رئيس المؤتمر أكدت على دور الاتحاد في ثورة الحرية والكرامة ومساهمة الشغالين قواعد ومسؤولين في تأطير التحركات الشعبية التي كللت بثورة 14 جانفي، وتناولت بالتفصيل أهم المواقف التي بلورها الاتحاد تفاعلا مع الثورة والمصاعب التي مرّ بها خاصة المتمثلة في الهجمة المنظمة التي استهدفت دوره وانتصاره للثورة والتي وصلت الى احراق بعض مقراته، والتعريض برموزه ومناضليه، كما تحدث عن التعددية النقابية وكثرة الاحزاب ومدى تأثير ذلك على أداء الاتحاد واستقلالية قرراه وهو الذي مثل الحاضنة التي استوعبت عدي? الحساسيات والمجموعات السياسية سنوات القمع والتنكيل. ثم فسح المجال للمكتب المتخلي للاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين لعرض تقرير حول نشاطه خلال المدة التي قضاها على رأس الاتحاد الجهوي، وأهم ما ورد في هذا التقرير ان عدد المشتركين في الاتحاد بلغ 4050 وأن المداخيل مثلت 36 ألف دينار أما المصاريف فبلغت 29 ألف دينار. وعن الديون المستحقة لصالح الاتحاد الجهوي عند احد اعضاء المكتب الجهوي فقدرت ب 5 الاف دينار غير مسددة وهو ما منعه من الترشح في الانتخابات. أما المعلومة التي أثارت موجة من الاحتجاجات داخل القاعة فهي الواردة في التقرير المالي والتي تحدثت عن صرف مبلغ 8 الاف دينار لإصلاح السيارة الادارية التي يحتفظ بها الكاتب العام للاتحاد الجهوي في الوقت الذي لم تتجاوز فيه قيمة المنح الاجتماعية ال 7 الاف دينار. كما انتقد عديد المتدخلين أداء المكتب المتخلي وهو ما اعتبره البعض الآخر مزايدات سياسية وحزبية متحاملة على الاتحاد الذي تحمل قبيل الثورة مسؤولية تأطير الجماهير الشعبية بينما التفت الاحزاب بالترقب والتردد ولم تصدح برأيها الا بعد فرار الطاغية ونجاح الثورة ولا يخفى ان هذا النقد كان موجها لاطراف سياسية دون غيرها. مع تواصل الجلسة خفتت حدّة التدخلات خاصة على اثر الدعوات التي صدرت من بعض المؤتمرين الى تجاوز الخلافات القديمة والاحقاد الذاتية والتوحد من اجل تدارك الهفوات والتأسيس لعمل نقابي يفتح صفحة جديدة في الجهة لما فيه مصلحة الشغالين والاتحاد وبما يدعم المجهود الوطني لضمان انتقال ديمقراطي سليم يستجيب لتطلعات الشعب التونسي وخاصة مواطني جهة تطاوين الذين يفتقرون للعديد من ضرورات الحياة الكريمة والتي يعاني شبابها من التهميش والبطالة وانسداد الآفاق. لا أحد يزايد على الاتحاد أكد الاخ محسن خرشاني عضو النقابة الجهوية للتعليم الاساسي وكاتب عام النقابة الاساسية بغمراسن بأن لا أحد بإمكانه ان يزايد على نضالات الاتحاد، لأن منضاليه هم الذين تصدوا ايام الثورة لبقايا التجمع واشرفوا على ميلاد هيئة حماية الثورة من صلب الاتحاد وان المطلوب اليوم انجاح المؤتمر الجهوي الاستثنائي بتطاوين هذه المدينة التي عاشت الغبن والتهميش ودافع عن النقابيين الاحرار الذين تحملوا الويلات جراء العمل النقابي، وتساءل عن سبب تعطيل العمل النقابي بالجهة التي عرفت بمؤتمراتها الاستثنائية. مؤكدا أن الاتحاد العام الت?نسي للشغل سوف يبقى مناضلا وحرا، وديمقراطيا ومستقلا أحبّ من أحبّ وكره من كره، وهي المبادئ التي تربينا عليها وسنبقى متمسكين بها. عدم الترشح مداخلة الاخ حبيب الخرشاني عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي والكاتب العام للنقابة الاساسية بتطاوين الشمالية قوبلت بتصفيق وترحيب حيث اعلن قراره عدم الترشح لأي مسؤولية نقابية في المؤتمر بسبب انه يتحمل مسؤولية سياسية بوصفه عضوا بمكتب جامعة تطاوين للحزب الديمقراطي التقدمي. وأكد انه اراد من خلال قراره اعطاء المثال بأن الواقع النقابي الجديد بعد الثورة يقتضي ان تتعدل العلاقة بين النقابي والسياسي وان يستعيد الاتحاد استقلاليته عن كل الاحزاب حتى يؤدي الدور الوطني والنقابي المنوط به وعلى هذا الاساس يجب ان لا يجمع النقابي بين المسؤولية النقابية والمسؤولية الحزبية «وهو ذات الموقف الذي ساندني فيه الاخ مصباح شنيب كاتب عام جامعة التقدمي والذي قرر بدوره عدم الترشح للمسؤولية النقابية، كما ان الدافع الثاني الى عدم ترشحي انني قضيت ثلاث فترات نيابية في النقابة الجهوية ومثلها في الاساسية وهو ?ا يستدعي التشبث بما يخدم العمال والشغالين». لي الشرف أن أكون نقابية وزوجة شهيد الأخت فاطمة مناري عضو النقابة الاساسية بالتعليم الابتدائي واستاذة المدارس الاساسية، استظهرت بشهادة في ثبوت جنسيتها التونسية وهي ذات الاصول المغربية معلقة انها رغم ذلك غير معنية بحدود سايس بيكو وللتذكير فان الاخت فاطمة هي زوجة الشهيد سعيد الرحماني استاذ الفرنسية والصحافي والناشط السياسي الذي عاش جزءا من حياته بالعراق، قبل ان يناله ما نال عديد المناضلين التونسيين الشرفاء على يد النظام القمعي النوفمبري ليستشهد بعد اضراب طويل عن الطعام رغم مرضه يوم 22 ماي 2008. الاخت فاطمة أكدت انها انتمت الى الاتحاد العام التونسي للشغل هذه المنظمة العريقة لأنها وجدت فيها احتراما لحقوق الانسان وهي بذلك لا تفرق بين منخرطيها لا على اساس الجنس ولا على اساس المعتقد ولا الفكر والقناعات، وعابت على احد المتدخلين قوله «إنه تم تشغيل فتاتي في البرمة وهي سياسة من ليلى بن علي» مؤكدة ان المرأة التونسية وجدت قبل بن علي وهي الوحيدة التي رفعت اثناء الثورة على الرقاب. وبأن المرأة التونسية لن تكتفي بعد الثورة بمناصب لذرّ الرماد على العيون بل هي تطالب بمناصب ذات سيادة وذات قرار طبقا لكفاءتها وليس ب?اسطة مذكرة بأن المرأة التونسية في كل المواقع فهي الطبيبة والمحامية والاستاذة وتقود الطائرة، وهي النقابية والمناضلة التي ساهمت في تكوين الشباب الذي قام بالثورة واعتبرت ان المرأة ولو في البيت هي رفيقة زوجها التي تفسح له المجال ليناضل وتتحمل عنه عبء البيت وتربية الاطفال، وعبرت عن شرفها بكونها زوجة الشهيد سعيد الرحماني. المصادقة على التقرير المالي واللوائح بعد الردود على تساؤلات المؤتمرين من قبل الاخ رئيس المؤتمر حسين العباسي، وتم عرض التقريرين المالي والادبي على الحضور وتمت المصادقة عليها بالاغلبية باستثناء اعتراض واحد. ثم تم عرض اللائحتين الداخلية والعامة على المؤتمرين للنقاش والاضافة من قبل الاخ عبد اللطيف الحداد. ٭ انتخابات ديمقراطية ومكتب جديد: بعد المصادقة على اللائحتين الداخلية والعامة تم التثبت من عدد النواب الذين بلغ عددهم (88 نيابة) ومن عدد المترشحين للمكتب التنفيذي (24 مترشحا) ومن عدد المترشحين للجنة الجهوية للنظام الداخلي وعددهم (4 أعضاء) وتأجيل الانتخابات للمراقبة المالية الى أول هيئة ادارية نظرا الى وجود مترشح واحد. ثم المرور مباشرة الى الانتخاب وقد أسفر بعد الفرز عن النتائج التالية فيما يخص المكتب الجهوي الجديد: انتخاب 9 أعضاء جدد هم على التوالي: 1) كمال عبد اللطيف 59 صوتا 2) محمد عبد اللطيف 55 صوتا 3) محمد الواعر والطاهر بريبش وعلي الهازل 43 صوتا. 6) البشير السعيدي ومحمد الطاهر بومخلاء وعبد اللطيف الحدّاد وسالم بونحاس 38 صوتا أما انتخابات لجنة النظام الداخلي فقد افرزت 3 أعضاء هم على التوالي: 1) منصور ذكار 66 صوتا 2) لزهر بوشامية وعبد الله جومة 62 صوتا. عمال «ستاب» حرقة في القلب وجحيم في الخيام كان لابد لنا ونحن نزور تطاوين لمتابعة اشغال المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الجهوي ان نمرّ بالخيام التي ضربت قبالة مقر الاتحاد الجهوي للشغل لم تكن خياما للسياحة وانما كانت خياما للنضال والصمود دفاعا عن الحقوق اعتصم فيها مجموعة من عمال شركة «تجاس سيرفيس» للمناولة التي تعمل مع مؤسسة «سيتاب» المنتصبة بالبرمة. وتعود مأساة عمال «سيتاب» الى اول جانفي حين دخلوا في تحركات واعتصامات طالبوا خلالها بالغاء الماولة وادماجهم في مواقع العمل التابعة لها ورغم محضر الجلسة الموقع مع الشركة في 2 فيفري 2011 والذي حضره عن الجانب الاداري الرئيس المدير العام والمدير المركزي والمالي والاداري وكاهية مدير الشؤون الادارية وكاهية مدير الخدمات العامة ورئيس المصلحة الادارية وعن الطرف النقابي الكاتب العام للجامعة العامة وكاتب عام الاتحاد العام التونسي للشغل واعضاء آخرين عن المكتب التنفيذي الجهوي والنقابة الاساسية، رغم محضر الاتفاق الذي اقر?جملة من المكاسب للعمال ووعد بتسوية وضعياتهم الشغلية فإن العمّال لا يزالون ينتظرون تطبيق ما تم الاتفاق عليه وهو ما دفعهم للعودة الى الاعتصام منذ بداية شهر جويلية. العمال المعتصمون كان لهم لقاء مع الاخ الامين العام الذي وعدهم بالنظر في وضعيتهم وان الاتحاد لا يمكن ان يتنازل عن حق اي واحد من ابنائه كما طالبت عديد المداخلات خلال المؤتمر بضرورة الوقوف الى جانب المعتصمين والدفاع عن مطالبهم المشروعة وتحسين وضعياتهم الشغيلة. وللحقيقة فإن ما اطلعنا عليه صحبة الاخ محمد شندول من اوضاع اجتماعية للعمال المعتصمين يستدعي التدخل السريع من المكتب التنفيذي لانهاء هذا الوضع الانساني المهين والمأساوي خاصة ان شركة «سيتاب» لا تعاني اي صعوبات مالية وبإمكانها توفير ظروف شغل لائقة لعمالها وانهاء العمل بالمناولة هذا اذا لم نقل انه من واجبها المساهمة في المجهود الوطني لتشغيل الشباب وضمان مواطن شغل لهم قارة وكريمة.