»طز« في أمريكا... هذا ما كان يقوله ويردده القذافي في خطبه طوال سنوات. ومنذ السنة الاولى التي قام فيها بانقلابه على ادريس السنوسي، ولم يفوّت الفرصة لقولها ذات احدى خطبه في احدى زياراته الى تونس وتحديدا في البالماريوم وفي كل مرة وعندما اتجاذب اطراف الحديث صحبة الاصدقاء او الزملاء حول السياسة والسياسيين وعندما يصل بنا الحديث الى الحكام العرب وخاصة الطغاة منهم (وكلهم طغاة) وبوصولنا الى ليبيا وحاكمها العقيد أتذكر خطاب البالماريوم وأذكّر به المحيطين بي. والى من لا يعرف كان العقيد يتردد كثيرا على تونس، وكان يجتمع مرة بالمحامين واخرى بالطلبة، وكان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة يكتفي باستقباله واقامة مأدبة غداء أو عشاء على شرفه مثلما تقتضيه بروتوكلات الزيادات الرسمية للرؤساء ويتركه وشأنه دون ان يحضر الاجتماعات التي يعقدها والتي يلقي فيها خطبه التي لا تدعو سوى للسخرية وهو ما دأب عليه في زياراته لكل البلدان وكذلك عند حضوره المحافل الدولية وخاصة منها اجتماعات الجمعية العامة للأمم المحتدة. كان الزعيم الحبيب بورقيبة في قصره بقرطاج يتابع خطابا كان يلقيه العقيد في البالماريوم وذلك بمناسبة احدى زياراته الى تونس في السبعينات، وكعادته اخذ يخبط حبط عشواء متحدثا عن الصهيونية والامبريالية والقومية العربية والاستعمار مركّزا بالخصوص على الوحدة العربية ومناديا بها ان لا مفر منها في رأيه، وكأني بالزعيم يضيق ذرعا بما كان يستمع من هذه الشخصية المعقدة لينهض مسرعا ويلتحق به قبل ان ينهي خطابه قائلا في نفسه: لابد من اعطاء درس في السياسة للعقيد وهو حديث العهد بها (والى الآن) وبمجرد دخوله قاعة الاجتماعات بالبالماريوم أشار اليه بأن يواصل كلامه »الفاضي« مثلما يقول المصريون وحان وقت الدرس اذ بمجرد ان انتهى ليلقي الزعيم خطابه الشهير والذي اصبح معروفا لدى الخاص والعام، وحتى الأجيال التي جاءت بعد تلك الفترة استمعت لذلك الخطاب وذلك بفضل التكنولوجيات الحديثة. كلنا نتذكر خطاب الزعيم كلمة كلمة فلقد تحدث عن الوطنية التونسية وعن الكفاح التحريري، وعن التجربة التونسية التي أخرجت الاستعمار الفرنسي وعن سياسة المراحل، وعن معرفته للقطر الليبي والشعب الليبي اكثر منه وعن الصحراء الليبية التي اجتازها في طريقه الى المشرق للتعريف بالقضية التونسية، وصارح الزعيم عقيد ليبيا ان التجارب تنقصه، وان يكف عن ندائه بالوحدة العربية التي ليس من السهل تحقيقها، وطالبه بأن يضع حدا »لعنطزته« وتطاوله على أمريكا تلك القوة العظمى التي يمكن ان تمحوه من الوجود وذلك بعد ان سمعه يقول: »طز« في أمريكا... وكأني ببورقيبة قد تنبأ بما سيحدث للعقيد فتوجه اليه قائلا بالحرف الواحد وبلهجتنا التونسية »امريكا قادرة باش تعطيك طريحة« فكانت محاولة اغتياله بمقر سكانه في باب العزيزية في افريل 1986 في عهد »رونالد ريغن« وكأني به ايضا قد تنبأ له بنهايته ونهاية حكمه وزعزعة عرشه من طرف شباب شعبه فأغرقه بنصائحه الثمينة والكثيرة ولكنه لم يعمل بها ولم يستوعب الدرس... الذي اضطر الزعيم الراحل الى اعطائه للعقيد فكانت النتيجة سقوط باب العزيزية بيد الثوار وليقع دخول حصنه الذي لا يخترق وليصل القذافي الى أصعب مرحلة يمر بها الانسان هي مرحلة الاحتضار ولتنتهي اللعبة... و »اللّي ما يسمعش كلام كبيرو ...«.