بلا قبلتين... هذا ما اختاره الشاعر هشام الورتتاني لديوانه الاول... عنوان صدامي... سوريالي الابعاد... يحتل فيه السياق الجدلي لمجمل قصائده قانونا متحولا يضبط «الأنا» الموضوعية وهي الصبي الثابت في كل القصائد بوظائف المعنى «وشكلانية» الايحاء والترميز وهي أدوات تخضع الى المرجعية الابداعية «الذهنية» لا التقنية الفنية فقط، حيث نجدها حتى في «مباشرتية» المعنى والمضمون. فهشام الورتتاني في هذا الديوان تمرد على مرجعيات الكتابة «الرمزية» بكل مدارسها واشكالها حيث يتداخل الصبي كوظيفة رمزية بموضوعية الصبا كمرجع مؤسس لوعي هذا الصبي الذي لم يعد هو المؤسس الرمزي فقط بل اصبح احدى السياقات المؤسسة لشروط بناء الرمز ووظائفه، وكما اسلفنا الذكر فان هذا الصبي المتمرد يتلوّن ويتموضع حتى داخل «الموضوعية المباشرة» وقد اخترنا احدى اهم القصائد المثبتة لهذا الطرح في رأيي الذي اتمنى ان يكون قريبا من المنطق النقدي السليم وهي قصيدة «أحد أحد» الواردة في الصفحة 11 من هذا الديوان... يتسللون الى بيوت الله يختبئون تحت قبابها يتهامسون... على ابي وعلى أخي وعلى صبي قال مثل الأنبياء... أحد... أحد... من هنا يبدأ الجدل الايحائي «الترميزي» بين الصبي وموضوعية السّرد ورمزيته... وعليك انت كما انا... ما خطبهم؟ فسماؤهم كسمائنا ماخطبهم فالرب... قد وهب الحياة وأدمنوا سفك الدماء هنا يتموضع الصبي خارج السياق الموضوعي المؤثث لرمزية المعنى حين ينبري بعفوية الصبا يسأل مرتين في نفس السياق السردي «ما خطبهم» فهذا الصبي السارد لا يملك سلطة المؤسس الموضوعي والتقني الفني لهذا المسرود وبالتالي يشترك مع المتلقي في السؤال لا ان يحيله إليه... إني سئمت كلامهم وسجالهم قالوا لمن هذا الكتاب...؟ وصادروا كل العقول جنوا عليّ وخالفوا كتب السماء قالو كفى للآخرين... ولي أنا... هنا نلمس نسقا تصاعديا في وظيفة الصبي وكأنه يقفز من موضع ما الى موضع اخر وهذا الموضع هو الأنا المثبتة للمعنى وابعاده الموضوعية والايحائية الى درجة استهدافه كجزء من قانون الجدل القائم بين فطرية الصبي ووعي الكاتب والشاعر وتموضعه العضوي داخل سياقات السرد والمعنى حين يقول «قالوا كفى للآخرين ولي أنا...». سجنوا العقول واضرموا نارا سعيرا حاكموا كل البشر كذبوا علينا مثلما كذب العنب... وهنا أخي القارئ تبرز الايحائية «الزمنية» في تصاعد وتيرة دور هذا الصبي المتمرد حتى على خصوصية «صباه» وانكشاف كهولته ووعيه بالمعنى الشامل لمفهوم الوعي والتعبير عبر وظائف ترميز الرمز فرمن الصبي متحول لا في معناه الفيزيولوجي بمعنى كان صبيا وفجأة اصبح كبيرا بل بالعكس من ذلك فالصبي هنا نزل من مربضه المحايد والعفوي الا حين تم استهدافه فنزل ليحتل وظيفته الرمزية الموضوعية المثبت والمؤثث للمعنى والايحاء... فتجرد من حياده الطفولي وتسلح بوعيه الحضاري وموقعه في التعبير عن وظيفته الشعرية أولا ثم وظيفته العضوية حتى يؤسس موضوعية الرمز الذي لم يعد في النهاية مرجعا ايحائيا في تثبيت وظيفة القصيد داخل فضائها السياسي والثقافي بل استحوذ (باعتباره جوهر العملية الشعرية) على مجمل أدوات التعامل مع السرد وسياقاته وابعاده ووظيفته «الترميزية».