رسميًا: مطار طبرقة يستقبل أول رحلة دولية بعد ركود طويل    إلى حدود 15 جوان: تجميع حوالي 3.51 مليون قنطار من الحبوب    الشهيلي يبلغ ذروته... وأمطار مرتقبة تُنعش بعض المناطق!    6 سنوات سجناً للنائب السابق وليد جلاد في قضية فساد مالي وإداري    فحوى لقاء سعيّد بوزيري الشؤون الاجتماعية وتكنولوجيات الاتصال    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    ارتفاع أسعار النفط وسط تصاعد المخاوف من اضطراب الإمدادات    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    سعيّد يؤكد لدى استقباله رئيسة الحكومة: لا أحد فوق المساءلة والقانون    طقس اليوم: خلايا رعية محلية مصحوبة ببعض الأمطار بهذه المناطق    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    وزير أملاك الدولة يعلن عن الانطلاق في إعداد المخطط التنموي للفترة الممتدة بين 2026-2030    ملتقى تونس الدولي للبارا العاب القوى (اليوم الاول) : العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    هجوم إيراني جديد على تل أبيب وأميركا تنفي المشاركة بالقتال    السفارة الأمريكية تعلن تعليق عملها وتعذر إجلاء مواطنيها من إسرائيل    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي    ماكرون.. ترامب أبلغ زعماء مجموعة السبع بوجود مناقشات للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران    فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية لفريق فلامينغو في مواجهة الترجي    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    انطلاق عملية التدقيق الخارجي لتجديد شهادة الجودة بوزارة التجهيز والإسكان    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    عاجل/ هذه حصيلة قتلى الكيان الصهيوني جراء القصف الايراني..    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق سنية الدهماني..    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وظيفة الايحائي والسردي في قصّة جنازات جنازات.. للرّوائي التونسي لسعد حسين
نشر في الشعب يوم 12 - 04 - 2008

وقع حذائها.. هو عنوان المجموعة القصصيّة الجديدة للرّوائي التّونسي «المتشائل» لسعد حسين ابن ابس البار الحالم «من بارلبار» والمجموعة من اصدار دار «ميا للإشهار». وقد تضمنت «بانوراما» من التقنيات السردية والايحائية بأنماطها المختلفة اخترنا منها أروعها وأعمقها «رمزيا ووظيفيّا»، ونعني بها قصّة «جنازات جنازات» بحكم تجانسها «الجدلي» مع أسلوب الواقعية الجديدة «التّصويرية» أو ما يعبّر عنه الرّوائي البرازيلي «جورج أمادو» بالسّردية السّينوغرافيّة النّاحتة لمضامينها الدرامية التّثويريّة المؤسسة لموضوعية الأثر الأدبي تأريخيا وحضاريّا.
العمق الموضوعي وأثره
بحكم معرفتي التاريخية والذّاتية العميقة بالكاتب فأنا متيقّن بأن المثبت لواقعيّة الفعل الدرامي لوعي الكاتب في هذه القصّة هو تلك الفتوى المقرفة والمضحكة للشيخ السيء الصيّت الراحل «عبد الرحمان الخليف» امام القيروان الأوّل واحد الواجهات الدينية للنظام الحاكم وعضو المجلس «الموقّر» في أوائل الثمانينيات حيث أشهر فتواه المشهورة انذاك والدّاعية بعدم تزويج الشيوعيين التونسيين من بنات تونس ودفنهم خارج مقابر الوطن... وأذكر والكاتب يتذكّر كذلك الحملة المضادّة التي أطلقها الحزب الشيوعي التونسي انذاك بمعيّة القوى الديمقراطية والتقدّمية والنّقابية درْءًا الشوفينية هذا التيوقراطي «المخبول» ومن هذا المنطلق الموضوعي يبرز وفاء الكاتب لذاكرته وهذا أضعف الايمان تعبيرا منه عن عمق انساني غير خاضع للتحنيط «الرمزي الاديولوجي» ممّا أسّس لوعي الفعل الدرامي المرتبط جدليّا بوعي الكاتب «حضاريا» خصوصا إذا اعتبرنا هذا الكاتب من جيل مدرستين أثّرتا في أسلوبه السردي من خلال «أقصوصة» «جنازات جنازات».. وهما مدرستا الواقعية الاشتراكية والواقعية الجديدة.. «فمن باسترناك وغوركي ودوستوفسكي إلى أمادو وكونديرا وماركيز وكاردينوف وحنّا مينه والطاهر وطّار والخ..» يشهر لسعد حسين رغبته في نحت ايقاع سردي تمردّي غير خاضع لسلطة الأنا الشارد والمالك والمتحكم في أدوات البناء الجدلي للواقع الدرامي القصصي «اللاّاسقاطي» (مثلا حين يقول في الصفحة 77.. حمل أصدقاء عثمان النّعش وقصدوا المقبرة.. كانت الأعين دامعة.. لكنّها مع ذلك أكثرت من حركة الالتفات الخ..) لقد اعتمدنا التسطير لحركتين تصويريتين تمثّلان ميليو دراما ركحية مشهديّة لا سرديّة لغرض القراءة.. وهذا ما فكّر فيه الكاتب فلقد أراد الانتقال من حالة التشبّث بمثاليّة الرّمز إلى التّرميز الوظيفي في علاقة الرمز بنتاجاته الموضوعية (تاريخيا.. مرحليّا.. وطبقيّا سياسيا وفكريّا..) دون التضحيّة بسلطة البناء الدرامي المعوّضة لسلطة الأنا السارد وهي الجماليّة المشهديّة (مثلا حين يقول في الصفحة 77.. «كان الطقس معتدلا وكانت رائحة الزّهور في الحقول المجاورة.. تصل إلى المقبرة.. وكان النّعش بين أيدي حامليه خفيفا خفّة الملائكة..).
كيف أفلت الكاتب من نمطيّة السّرد الموضوعي إلى واقعيّة الصّورة المتحوّلة والسّاردة
بكلّ بساطة أرى أنّ العمق المعرفي الأدبي للكاتب ومعرفتي شخصيا لنقده الدّائم لميكانيكيّة السّرد المتربّصة بعديد الأجيال القصصيّة عالميّا من حقبة الثلاثينيات إلى أواخر الستّينيات.. جعلت هذا القصصي في «جنازات جنازات» يبحث عن أسلوب الكتابة بالعين.. كتابة سينوغرافية تذيب الأنا الّسارد في البنية المشهديّة الركحية.. وبالتالي تحويل النّمطية السردية من سلطة الحاكي إلى دينامو دفع لسيرورة الايحاءات المشهديّة ونقل الرّمز الموضوعي إلى وظيفة التّرميز لموضوعيّة وهويّة هذا الرّمز جماليا أوّلا ثمّ حضاريا.. ولهذا السّبب.. سارع المخرج السينمائي الشاب «سليم بلهيبة» إلى البدء في انتاج الأقصوصة سينمائيا باعتبارها قد حملت بنيويّة الصّورة الحاملة لشروط تحريكها وتنويعها «جماليا»..
الوظيفة السياسية والتأريخية للأقصوصة
كلّ من سيقرأ هذه القصّة القصيرة.. جنازات.. جنازات.. يجد نفسه أمام معضلة تراجيدية آنية وتاريخية.. تتمثّل في غربة المثقف أو بالأحرى غربة القيم والأفكار المستنيرة والثّورية الأبعاد وهي نتاج انساني في نهاية الأمر ولم تأت بسبب الانحباس الحراري الثقافي الذي تعيشه الانسانية المعولمة المزجة في مشروع التصفية لارثها العقلاني الذي راكمته منذ بدء تشكّل المجتمعات والأمم. فالمثقّف المستنير الحامل لأحلامه وحقّه في الحلم والتعبير عنه بل وحقّه في النضال من أجله داخل منظومة مجتمعه وشعبه وطبقته وليس من خارجها هو نتاج طبيعيّ للوعي الاجتماعي بل هو نتاج جتّى لفطرية هذا الوعي الكامن في اللاّوعي المجتمعي عموما... تقابله منظمومة قيم وثقافة أحادية «اوتوقراطية لنظام حاكم لا يقبل بالاختلاف مع مواطنيه.. ممّا ينعكس في اللاّوعي المنتج لتداعيات وظواهر وافرازات الكبت «السيكوثقافي اجتماعايا».. فموت مثفقف شيوعي مثلا كما في هذه الأقصوصة في مجتمع منغلق محكوم بعقلية سياسية انغلاقية هو فعل ترميزي وليس عمليّة تثبيت للقيمة «المعنويّة للرّمز» وموت الرّمز قتلا دون تحديد ولو ايحائيا هويّة وظيفة الفاعل هو بالأساس عمليّة بحث في خلق شروط انتاج الصّدمة لدى القارئ حتّى يتحوّل هذا الأخير من قارئ باحث ومنبهر «بمكنونات» الرّمز إلى منخرط في عملية الدّفع والانتقال من حالة تحنيط الرّمز وتثبيت قدسيته (وهي حالة سيكولوجية غير ثابتة..) إلى حالة تحرير الرّمز حتى يتحوّل من «مقدّس كحاجة سيكولوجيّة إلى فاعل «ترميزي» في خلق ديناميكية وظيفية لا توظيفية ومن نتاج ميكانيكي نمطي يفرض سلطة السارد اللاّمحايد والاسقاطي.. إلى منتج في الفعل الدرامي الجمالي والموضوعي واحد أهم شروط ديمومة وسيرورة وظيفة هذا الرّمز.. وبالتّالي تحريره من كلّ خلفية اسقاطية «تحنيطية فلكلوريّة» وتحويله إلى فاعل تثويري لمجمل البناءات الدرامية والموضوعية للقصّة ولهذا السّبب كان التّابوت خفيفا وبالتالي لم يكن هناك ميّت.. بل حالة موت معنوية متحوّلة عبر أبعادها الترميزيّة وموت الرّمز انتج سيرورة ابعاد وأفكار وجماليات دراميّة وايحائية.. لأنّ ما أراد تبليغه الكاتب هو أنّ السيرورة والتراكم والخلود تتجسّد جميعها في «وظائف وفعل» القيم والأفكار المتحرّرة من سلطة «الرّمز كقيمة اسقاطيّة جامدة» وبالتّالي انتصار الكاتب لقيمة الفكرة والنضال من أجل حرية حملها والتّعبير عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.