كأنّه حيُّ بيننا، بل هو حيٌّ، فينا، في كلّ تلميذ لقنه حرفًآ، في كلّ رفيق أضاء دربه... مازال، وسيظلّ، حيًّا فينا شعرًا ونثرًا ورقصًا، يسوّرنا بابتسامته الدائمة وبتفاؤله المفرط بحب الحياة حدّ الفناء... إنّه الكنعاني المغدور، عبد الحفيظ المختومي، رفيق الفقراء والجياع وأبو الحالمين بتونس أجمل وبعالم يكنس برجوازييه ودكتاتوريّته... إنّه الكنعاني المغدور، عبد الحفيظ المختومي، المدجّج أبدًا بالأفكار التقدّمية، والمثقل بالمجازات الشعريّة، المتسلّح بذاكرة الشعر والشعراء والفلاسفة والمغنين والكتاب والموسيقيين... إنّه الكنعاني المغدور، عبد الحفيظ المختومي، الذي نذر قلبه وقلمه من أجل أن تكون تونس بستانًا أندلسيّا لا يينعُ فوق أرضها سوى الأزهار... دجّج كلّ من اعترض سبيله وكلّ من قرأ سطرًا من حبره، من أجل اشعال نار الثّورة واسقاط الدكتاتور وديكتاتوريّته، فكان له ما أراد وعاش بيننا ليشاهد بأمّ عينه كيف سالت جداول الدّم الحار فوق بستان حلمه، غير أنّ هاتفًا جاءه من بعيد ليأخذه معه أبعد من عطر هذه الأرض، فتركنا لنُربّي الطيور والأحلام ونزرع القمح والمجاز، ترك غسان ووسيلة وكل أحبّته يبثّون هواجسه وينثرون نارهُ في كلّ مكان ضدّ بقايا ما يحلو لحفة أن يسميه «سيء العابدين»، وأيضا ضدّ كلّ أشكال الرّدة والظلاميّة والمعسكرات العقائديّة... حفةّ رحل عنّا وترك لنا «وصيّة» كتبها يوم 16 جانفي 2011 لينبّهنا وينبّه كل مثقفي ومبدعي هذه البلاد إلى ما يحدّق بنا من مخاطر ومشاريع نكوصٍ والتفافٍ على دم الشهداء. وها نحن اليوم، وبعد سنة من ثورتنا، ونحن نسعى جاهدين إلى تأمين انتقال ديمقراطي يليق بنا، ها إنّ نوافذ الرّدة تُفتح من كل الجهات لتطوّقنا سمومها وتخنق أنفاس الحريّة التي نحلم بها، ها إنّ المثقف يُحاصر والمبدع يُحاسب على كل كلمة أو حركة والاعلامي تُفتح له أقفاص جديدة... و... و... و... وها إنّنا نواصل النضال ونفتح صدورنا عارية أمام أشكال الطغيان الجديدة... ها نحن يا حفّة، نصل إلى النقطة التي تنبأت بها، وها إنّ رفاقك وأصدقاءك وأبناءَك وبناتك يطالبون بدسترة حرية الابداع وها إنّنا نخوض معركة الحريات الثقافية والابداعية والاعلاميّة من أجلك أيّها المستربل بالأحلام. ها إنّنا نضع اليد في اليد من أجل ثوريّة الفن والابداع والحلم... وها إنّ المبدعين والمثقفين يقرؤون وصيّتك التي كتبتها لأجلهم