ينبت عشب وذكرى قبائلنا من هنا عبروا خائفين... على حافة النهر قال لنا قمر شاحب: سأهاجر فالأرض مثقلة بالخطايا ومتعبة بالجنون الذي صار بحرا فلا تقربوها وصبوا لها الماء في حلقها واتركوها تنام على غيمة شاردة ستسكن بعد قليل إلى عشها حين تغشى السماءَ قناديلُها .. ربما كان يلزمنا شاعر بارع في اقتناص التفاؤل من وردة ذابله لنعرف كيف نما الشوك في كفنا.. صوتُنا... جرحُنا... ربما كان يُنْقصُنا غيمةً تتفتق منها الحقيقة. إنا انكسرنا على شاطئ البحر مثل الجرار القديمة لم تقدر الذكريات على جمعنا فافترقنا علىكل درب ولم ننتبه للغراب الذي نثر الملح في جرحنا حينها كانت الروح تجهش تلهث... أبعد من نجمة تائهه ولم ننتبه للجهات التي استقبلتنا ولا للغياب المحنط فوق موانئها مثل أفعى مجلجلة يصهل الموت في نابها .. وهناك، تغلغلت الارض في دمنا مثل رمح المحارب او شوك صبّارة فوق سور الحديقة كان المساء يجر المدينة من شعرها نحو منحدرات الهزيمة كنا نهش جيوش الخرافة عن بابها ونحرّض زوجيْ حمام يضجّان بالدفء فوق ليالي الشتاء العقيمة كي ينثرا الأبجدية بين ضلوع الصباح لعل سنابل تنهش سجن التراب ويضحك ثغر النسائم حول نوافذها العاليه وكنا نزف لها الشمس فوق جناح الفراشة كي يتفتح ورد ينام علي خدها وتفوح الوصايا التي خطها قمر وهو يذرف لونه: الأرض مثقلة بالجفاف المعشش فوق السحاب فلا تسرفوا في الغياب الاصم وعودوا على مطر خافت مثل أنّات ظبي جريح تدفّق دفء الحياة على مقلتيه ولا تمعنوا في التمنّي... كأنه تعويذة الأمّ للراحلين ولا في التغنّي ب «كان» التي تعبت من عويل الرياح سدًى حول خيمتها الباليه وعودوا على شجن مزهر حول بدر يراقصه الشوق فوق البحيرة عودوا على نخلة.. تتوسّد طالع أغنية في مساءات بابل عودوا على دفّة الغيم ان أمعن القحط في طعننا وتشققت الأرض مثل شفاه المسافر في القفر لا ماء، لا ظلّ حولهُ بابل لما تزل تحفظ الشعر والاغنيات جميعا وبابل كل الدروب تنام على حجرها متعبون كعادتنا نمضغ الأمنيات على شحّها متعبون كخصلة شعر يشنّجها الريح يلهو بها فتثرثر بالهذيان.. كمن يتخبّطه الجنّ بابل.. أشهد أنّك أجمل من حمرة البحر عند المغيب ومن قطرات النّدى فوق هدب الغزالة أشهد.. أنّك اعذب من خفقة القلب عند المحبّيْن إنّ حطّ كفّه في كفّها وأرقّ من العبرات متى ذوّب النّايُ ليلتنا في مرارة لحنه .. أعلم انّك متعبة بينما يومض البرق فوق التلال البعيدة .. بابل تدرك... أنّ غدا يفقس البيض فوق الجدار ويمرح سرب حمام على الشرفات يعلّق برد الشتاء على نجمة نائيه فهاتوا الربيع الى حلمها واتركوها تنام قليلا على الغيمة القادمه... (فازت هذه القصيدة بالجائزة الثانية في ملتقى الإبداع الأدبي بالقيروان 2 و3 و4 مارس الجاري)