كلّما تحلّ نكبة بالبلاد يدفع البسطاء والمستضعفون في الأرض فاتورتها لأنّهم لا يستطيعون الوصول الى الكراسي حتى يدافعوا عن مصالحهم. فالثورة التي تراكمت بفعل الكادحين والمحرومين نهبت وسرقت وتبدّدت في الملذّات والقصور وهرّبت للخارج ولم ينتفع بها الا اصحاب الجاه والنفوذ والمحسوبية. كما تراكمت الدّيون الخارجية من أجل رفاهية حفنة من العباد ومصلحة شلة من النّاس المتنفذين والخارجين عن القانون واصبحت عبئا ثقيلا على كاهل الدولة والمواطن البسيط. وعن الجباية حدّث ولا حرج فهي السوط الذي يهوي على رقاب الاجراء وذوي المداخيل الضعيفة ولا يقترب من الثروات الطائلة والقادرين على شراء الذّمم والتلاعب بالارقام واسكات من يتجرّأ على محاسبتهم. وبما انّ الاجراء يخضعون إلى من بيده الحل والرّبط ومرتبهم لا يتسلمونه إلا بعد حذف جميع المحجوزات بما في ذلك ما يرجع للجباية فإنّ كل الميزانيات تقريبا تخضعهم إلى سلطانها بما انّهم كالاصبع تحت الضّرس ولا مجال لممانعتهم والتهرّب من أداء واجبهم مثل ما يفعل اصحاب المهن الحرّة والثروات الطائلة واصحاب النفوذ. وهذه الجباية التي تسلّط كرها ودون نقاش علىالاجراء بالخصوص وهم من ضعاف القوم اقتصاديا وماليا تذهب بالقانون الى جيوب المستكرشين واصحاب الجاه والمتسلقين حسب شهائد وكفاءة المحسوبية ونظام الريع الوظيفي ولا يتمتّع المستضعفون في الأرض الا ببعض الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع وذلك لانهم لا ينتمون الى الدورة الاقتصادية وقد تمّ إقصاؤهم بفعل الموالاة ونظام الاقطاع الاداري والمحاصصة الجهوية والحزبية. فالجباية غير عادلة لأنّها قاسية على أصحاب الدخول الضعيفة ورحيمة على أصحاب الثروات الكبيرة هذا من ناحية تحصيلها وهي غير متكافئة ومنتجة من ناحية توزيعها لانها منحازة لطبقة معينة دون غيرها وجهات دون اخرى. والحل هو تصوّر نظام جبائي عادل تتغيّر فيه المعادلة جذريا بحيث يدفع أكثر من له مداخيل أكبر حتى يخف الحمل على كاهل الأجراء واصحاب المداخيل الضعيفة وتتحرّك الطبقة السفلى إلى الوسط لتكون قادرة على الولوج الى ما فوق الحاجيات الاساسية الضرورية وتندمج في الدّورة الاقتصادية ويمكن لها أن تستهلك وتدّخر ايضا عوض البقاء في قاع الكفاف تجري وراء الخبزة والرغيف إن تمكنت من ذلك. وهناك امتيازات وان كانت قانونية تمنح لكبار الموظفين دون غيرهم وهو اجراء غيرعادل بما انّه غير معمّم على الآخرين مثل السيارة وأذونات البنزين والهواتف الجوّالة وغير ذلك. فهذه الامتيازات لا تمنح إلا في الدول الغنيّة أو النفطية لأنهم يتمتعون بالوفرة والثروة اما في بلدنا المنكوب، فهذا يعتبر في العرف الاقتصادي تبذيرا وهدرا للثروة. فلو جمعنا مصاريف هذه الامتيازات التي لا موجب لها لا من الناحية المنطقية ولا من الناحية الاقتصادية الصرفة لقضينا على البطالة او جزء كبير منها. وعوض اقتطاع أيّام من شهرية الموظفين وأغلبهم من البسطاء والمحتاجين في ظل غلاء المعيشة نقطع حنفية أذونات البنزين ونبيع السيارات الممنوحة لكبار المسؤولين لكان أولى وانجع وأعدل. فصغار الموظفين يركبون الحافلة والمترو ويعانون الأمرين من وسائل النقل كل يوم شتاء وصيفا ويكدحون والمسؤول الكبير يأتي بسيارة الدولة وبنزين الدولة والذي هو متأتّ من جيوب المستضعفين البسطاء متأخرا في غالب الأحيان ومن يقدر على محاسبته، ليمضي على ما كتبه الآخرون. وقد شاهدنا بأم العين كيف أنّ الثروة التي تراكمت على مرّ الأجيال بفعل كدح البسطاء والمستضعفين قد انتفع بها من لم تكن له صفة بفعل دولة الفساد والمحسوبية وهم مازالوا إلى حدّ اليوم في القمّة فمنهم من توارى بين الصفوف ومنهم غيّر جلدته كالحرباء ومنهم من احتمى بتنظيمات ظهرت كالفقاعات الرّبيعية. وهؤلاء يربحون في النكبة والازمة مثلما ربحوا وقت توزيع الغنائم لأنّ المحاسبة لم تتم بعد ولم تعد الحقوق إلى أصحابها حتّى الآن، ومازالت الدّولة تلملم جراحها وتبحث عن هويّة سياسية واقتصادية ومركبها تتلاطمه الامواج العاتية يمينا وشرقا ومازال السياسيون الجدد يبحثون عن معالم الطريق ويتلمّسون خيوط النجاة. واذا سلّمنا بأننا قمنا بثورة وهي ثورة ضد الظلم والقهر والمحسوبية والفقر والبطالة والتوزيع غير العادل للثروة فما علينا إلاّ ان نتّجه نحو طريق واحد وهو العمل على تحقيق أهداف الثورة وليس تكريس الواقع الموروث وترك المسامير الصدئة والفاسدة في أماكنها فتقوم بالثورة المضادة وتتمكّن من الرّجوع بنا إلى الوراء ويدفع البسطاء والمستضعفون في الأرض الفاتورة من جديد، فالثورة المضادة يقوم بها اصحاب المصلحة في التمعّش من المناصب التي وصلوا إليها بالمحسوبية والفساد ويريدون البقاء فيها لقهر كل من يريد مصلحة البلاد والمحافظة على المغانم التي وصلتهم دون وجه حق. والإصلاح الاداري والاقتصادي يعتبر جوهر القضاء على منظومة الفساد حيث تعمّ الشفافية والنزاهة والكفاءة فتتلاشى أذرع الثورة المضادة وتنتهي في مزبلة التاريخ. وان ّ المعارك الجانبية والجدل السياسي العقيم ليس من مصلحة الثورة في هذه المرحلة الخطيرة ولا من اهدافها، فقد انتخبناكم لتحقيق طموحات البسطاء والمحرومين والقضاء على الفساد والمحسوبية فشرّفونا بما أنتم ملتزمون به أمام الله والشعب والوطن.