طرح سؤال حارق من قوى الضغط المدني و السياسي : ماذا فعلت الحكومة إلى حدّ هذه اللحظة للشعب المتوجّس بين ذاك التأرجح بين رغبة في استكمال مسارات الثورة و الخوف من انزياحها نحو انزلا قات مرعبة ؟ ومع أني أعتقد أن طرح هذا السؤال يعتبر شرعيا باعتباره يكشف عن يقظة المجتمع و يبيّن دوره الضاغط على الحكومات بشكل عام من أجل رفع نسق أداءها للوصول به إلى مستوى يرضي تطلعات الشعوب فاني أجزم أيضا أن هذا السؤال يصبح أكثر شرعيّة حين يتعلق الأمر بحكومة جاء بها شعب خاض مسارا ثوريا مخضّبا بدماء لم تنشف بعد و بصدور عارية مازالت تحمل في جوفها رصاصا يتهيأ للانفجار. فلم يستشيط وزراء الحكومة غضبا كلّما صدعت الحناجر بالمطالبة باستحقاقاتها؟ لم يغضبون كلّما أشهر الشعب احتجاجه في وجه الحكومة على تعاطيها البارد مع الملفات الحارقة وكلّما أبدى الشعب امتعاضه من سياسة التسويف وطبخ الحلول المستعجلة كالمتعلّقة بملف الجرحى و عائلات الشهداء على مهل, و قد يأخذ هذا الطبخ سنة أخرى أو أكثر ولما لا, قد تتركه هذه الحكومة إرثا ثقيلا نكاية في حكومة أخرى قادمة فيضيع الجرحى بين التهميش القاتل والإحساس بالغبن ولعل هذا الضيم هو الذي دفعهم إلى الاعتصام في وزارة حقوق الإنسان لتواجههم السلطة مرّة أخرى بالضرب والتنكيل وكأن ما فيهم من آلام و غصّة لا يكفيهم, حتّى يباح سفك دمهم من جديد وحتّى يندفع ذاك الشاب الذي يحمل جسده المنهك رصاصة منذ أكثر من سنة إلى تخييط فمه قهرا ... ماذا يقول الواحد أمام حفّار قبره؟ ! لا شيء سوى الانتظار ما العجلة ! فالرصاصة لن تنخر جسده أكثر مما ينخره تسويف الحكومة. ما العجلة ! لعل الرصاصة سترأف لحاله و لن تأذيه كما تأذيه حكومة جاءت بها ثورة مشتعلة فعوض أن تكون حكومة ثورية في قرارتها تستقي وهجها من زخم شارعها ارتكنت للاراءك المريحة وارتدت ربطة عنق أنيقة , و حين نطقت أعلنت بدء مسار العدالة الانتقالية بغياب فاضح لعائلات الشهداء و الجرحى و حين مكنّتهم من بطاقات علاج اتضح أنها غير صالحة للعلاج !! غريب أمر هذه الحكومة ما ضرّها لو أنها أعلنت منذ توليها الحكم تسفيرها للحالات المستعصية والمداوات بالخارج ما ضرّها لو كانت حكومة ثورية في قرارتها وفاعلة في الميدان عوض أن تحتجّ على وجود مؤامرة تحاك ضدّها في السرّ والعلن إلا إذا كانت الحكومة تمارس القتل الرحيم على جرح الثورة حتّى ينالوا الشهادة !! أستغرب كيف سمّى رئيس حركة النهضة عشّاق الحريّة ومناصري عموم الشعب الكادح بدعاة العنف وهم الذين حملوا أكفانهم على صدورهم و واجهوا بطش البوليس في عهد بن علي. واليوم زمن النهضة من يمارس العنف الممنهج على هؤلاء من بطحاء محمد علي التي احتضنت يوم 7 أفريل وقفة احتجاجية للمعطلين على العمل الى يوم 9 أفريل الحزين الذي شهد اغتيالا حقيقيا لأهداف الثورة وصولا إلى القلاقل المتواصلة بالمتلوّي و أم العرايس و كلّ الحوض المنجمي نتيجة الإحساس بالغبن والتهميش ؟ من يمارس العنف المؤسساتي من خلال السعي الخبيث للهيمنة على الإدارة و القضاء على استقلاليتها حتّى تكون حلقة حزبية يكرسّ من خلالها مبدأ الإقصاء والولاءات الحزبية. من يمنع وصول ثمار الثورة الى من أنجزوا الثورة في الحوض المنجمي وغيرها من الأماكن المهمشّة؟ هل «دعاة العنف الثوري الستاليني» على حدّ تعبير رئيس النهضة أم دعاة تأبيد الدكتاتورية وتكميم الأفواه وزرع الفتنة بين التوانسة باسم المزايدة الدينية ؟ أي الأحزاب التي تفرّخ مجموعات تمارس الإرهاب الفكري والجسدي مرة باسم السلفيّة ومرّة أخرى باسم الملشيات تندّس بين جموع المواطنين و تنهال عليهم ركلا و شتما؟ «يزّي» يا شيخ فالعنف هو ما تمارسه الدولة اليوم من إرهاب و وئد للحريات و محاولة لضرب الإعلام حتى يسكت العنف هو أن تقابل المتظاهرين العزّل بالغازات السامة و«بالمتراك» العنف هو أن تقابل طالبي الشغل من أصحاب الشهائد العليا يوم 7 أفريل بالضرب و شجّ الرؤوس العنف أن تداس الحريات في بهو وزارة حقوق الإنسان ! والعنف إلى حدّ هذه اللحظة مستمر... لهذا أقول أن الثورة يجب أن تبقى مشتعلة نابضة لا تهدأ ولا تلين حتى يشرق غد بطعم الحرية و العدالة الحقيقة.