عاجل : هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امتحان الموت/ امتحان الحرّيّة
سمير بسباس
نشر في الشعب يوم 10 - 03 - 2007

الموت هو نهاية الشيء أو الكائن. نتحدّث عن موت الكائنات الحيّة وموت الحضارات وموت الأفكار... لا وجود للموت لولا الحياة والأولى تحيل للثانية. لكن هذه النظرة تظلّ مبسّطة وتختزل المسألة. فعندما نتحدّث عن الحياة لدى الكائنات الحيّة نقصد بها الحياة البيولوجيّة واستمرار حياة أعضاء وأجهزة هامّة في الجسم. لكن عندما نتحدّث عن الإنسان فإنّ المسألة تتعدّى مجرّد البقاء البيولوجي وإن هي تفترضه. ففي حياته ينشئ الإنسان من حوله ويصوغ ويغيّر ويهدّم ويشيّد ويتفاعل مع محيطه إيجابيّا وبصفة إراديّة واختياريّة إلى حدّ ما بل أنّه يتحكّم وإلى درجة معيّنة في حياته البيولوجيّة.
وقف الإنسان من الوجود والعدم هو تمثّل خاصّ ويندرج ضمن الأطر المخياليّة المهيمنة في المجتمع كما يمكن له أن يتناقض معها بل أنّ هناك حالات قصوى تجعل من الإنسان يهرب من الحياة كما هي الحال بالنسبة للنزعة التشاؤميّة ومختلف أشكال التصوّف أو أنّه وبالمقابل يتشبّث بالوجود إلى حدّ طلب القوّة والخلود في الحياة. لكن يمكن القول أنّه في غالبيّة الحالات يرفض الإنسان حقيقة الموت، هذا التشوّش وهذه الفوضى (Abîme) وهذا البئر الذي لا قاع له على حسب تعبير المفكّر كاستورياديس ويغطّي هذا الرّفض بدلالات وتمثّلات ورموز أو أنّه يبحث عن القوّة ويسعى ما في جهده إلى إطالة عمر الذات البشريّة ولما لا تخليدها. فالتكنولوجيا الحديثة والطبّ الحديث يعملان بأقصى جهودهما لإطالة عمر الإنسان وردّ خطر الموت إلى آخر لحظة حتّى في الحالات الميؤوس منها إلى درجة أنّ جزء هامّا من حالات الموت في البلدان المصنّعة تسجّل في المستشفيات والمصحّات. فهناك تمجيد وإعلاء للحياة الكمية والحياة البيولوجية على حساب الحياة الإنسانية وإنسانية الحياة حسب تعبير سارج لاتوش.
لقد تعرّض الفلاسفة إلى الموت وفي أغلب الأحيان كانوا يرفضون حقيقتها. أبيقور كان يرى أنّ الموت لا تساوي شيئا بالنسبة لنا ما دمنا نحيا، فعندما تحلّ الموت نكون قد غبنا عن الوجود. أفلاطون أقرّ بخلود النفس ورأى أنّ الموت هو هدف الحياة وهو نفسه الذي أقرّ باستحالة الديمقراطيّة ونادى بالمدينة الفاضلة التي يحكمها نبهاء وفلاسفة مقتدرون. نيتشة كان يقول: «أبتهج كلّما أرى الناس يرفضون رفضا مطلقا مجرّد التفكير في الموت. أتمنّى أن أساهم في جعل الناس يفكّرون ألف مرّة أكثر في الحياة.»
Husserl هو الآخر تعرّض للمسألة وبيّن أنّ الإنسان محدود وزائل وبالمقابل فإنّ ما يميّزه هو وعيه المتعالي وهذا الوعي ما يفتأ يسكن الإنسان ويكيّف تجربته وهو وعي لا نهائي وأبدي.
بصفة عامّة فإنّ ما نسمّيه بالفكر الموروث قد رفض بشكل أو بآخر مواجهة حقيقة الموت ورفض الاعتراف بفكرة نهاية الأشياء وفكرة التهديم والغياب الأنطولوجي.
انظر بهذا الصدد :
1) Cornélius Castoriadis: Domaines de lصhomme, Seuil 1986.
2) Jean Patocka: Les bases spirituelles de la vie moderne, Ousia, Bruxelles, 1985).
فالشيء الوحيد الذي لا يمكن القبول به أو مجرّد التفكير فيه هو الاختفاء والغياب والزوال المطلق والنهائي. فحتّى وإن حدث تغيير فسيُبقي على جزء ما ولن يكون سوى غروبا بطيئا لا يكتمل ولا يبلغ نهايته أو أنّ هذه النهاية تُفْهم جدليّا فنقول: «الوجود والعدم متساويان « في التحليل الأخير فإنّ الفكر الموروث لا يمكن أن يتصوّر يوما أن يتحوّل الوجود إلى عدم لأنّه في هذه الحال فإنّ العكس صحيح أي أنّه يمكن أن ينبثق الوجود من عدم أي أنّه هناك إمكانيّة لخلق الجديد والمغاير وغير المعهود. فوجود الأشياء لا بدّ له أن يتطابق مع أشياء أخرى أو ينتسب لها ولا تغيير إلاّ وكان كمّيّا وحتّى في صورة الإعتراف الظاهري والقبول بالتغيير الكيفي فذلك يكون بموجب قانون أبدي موضوعي-تاريخي لا يقبل الموت وحتّى مجرّد النقاش( انظر كاستورياديس، نفس المرجع.)
لا يقتصر رفض حقيقة الموت على الأجساد وعلى الإنسان ولكنّه يتجاوزه إلى التاريخ والتراث والأفكار والأحكام والمؤسّسات والأطر ( ألم يقل محمد عابد الجابري : ما من تغيير إلاّ من داخل التراث )لذلك ارتبط هذا الرّفض بالانغلاق وعدم المراجعة والتكلّس الفكري. فكلّما قاربت الأفكار والأطر على الانهيار تمسّك أصحابها بها وزادوا في ربط الوثاق وإحكام السّياج وصولا إلى التخلّص من الخصوم قتلا وإفناء. قمّة هذا التعنّت عرفته الأنظمة الشموليّة والفاشيّة ولكن لم يخل مجتمع من هذه الظاهرة.
تقوم مؤسّسات المجتمع بتكريس هذا اليقين وذلك طبقا للمعايير السائدة. فسواء تعلّق الأمر بالمجتمعات التقليديّة أو المجتمعات المعاصرة بأنماطها المختلفة والمتعاقبة نجد إصرارا على رفض حقيقة الموت وجزما بوجود حقيقة تاريخيّة، جامعة، مطلقة، شاملة وأبديّة. هناك قانون أبدي يعلو على كلّ الأزمنة إن هي اليد الخفيّة اللّيبيراليّة أو قوانين التاريخ الموضوعيّة التي لا مردّ لها. أمّا الخلق والتجديد والتصوّر المغاير فهذا ضرب من الجنون واعتراف بحقيقة الموت.
فإذا كانت المجتمعات التقليديّة قد «تجاوزت « حقيقة الموت بالقبول بحياة أخرى بعد الموت أو بخلود النفس فإنّ المجتمعات المعاصرة ما فتئت تبحث عن تكريس هذا الخلود على الأرض. فمنذ بروزها روّجت المجتمعات الرأسماليّة المعاصرة لقيم ومعايير لعلّ أهمّها التحكّم العقلاني في الكون والسيطرة عليه وإخضاعه. فوهم القوّة اللاّمتناهية والسلطة اللاّمحدودة راود إنسان هذا العصر. فحتّى ولو أنّ الموت قدرنا ومصيرنا فهناك موقع للقوّة : هناك المفاعلات النوويّة والصّواريخ العابرة للقارات والتحوير الجيني والاستنساخ وفرز الأجنّة والبحث عن الإنسان الكامل الشامل والفائق القدرات إنسان فوق الإنسان surhomme. «من هتلر إلى الشاة دولي» كما يقول الأستاذ تستار واضع طفل الأنبوب Testart: Lصavènement du surhomme, Le Point, 10/12/1999
فعلى سبيل المثال يُعدّ الاستنساخ كما فرز الأجنّة مظهران من مظاهر رفض حقيقة الموت تماما كما البحث في جينوم البشر عن جين القوّة والصلابة والذّكاء بل لقد ذهب أحد العلماء إلى حدّ الإعلان عن اكتشاف جين الخلود.
كذلك الحال بالنسبة للتحنيط الذي يمثل هو الآخر شكلا من أشكال رفض حقيقة الموت «بوغدانوف «الملقب بإله الحياة كان وراء فكرة تحنيط الزعماء السياسيّين في انتظار ثورة علميّة تبعثهم من جديد ولعلّه أوّل المعاصرين الذي تنبّؤوا بالاستنساخ. كلّ يبحث عبثا عن العالم المثالي الذي «نقطع فيه مع مملكة الضرورة إلى مملكة الحرّيّة» حيث لا حدود وحيث المجتمع الشفاف الخالي من الصّراعات والذي سيوفر للإنسان كل حاجياته، مجتمع تتجسّد فيه قوّة الإنسان سيّد الكون وإله هذا العصر.
لا يمكن أن نتطرّق إلى هذا الموضوع دون التعرّض ولو بإيجاز إلى «فلسفة التاريخ « لدى هيغل. فلقد حدّد هذا الفيلسوف مراحل تاريخيّة ثلاثة : مرحلة الشرق، مرحلة اليونان وروما القديمتين ومرحلة الغرب. فالتاريخ بالنسبة له حركة «دون عودة». لكلّ زمان حكّامه وأسياده الذين لا يتقاسمون السلطة مع غيرهم ثمّ ما تلبث هذه الحضارات أن تتهاوى وتموت وتنتهي. لكنّ هذه النهاية التي ميّزت العصور القديمة لا يمكن تطبيقها على المرحلة المعاصرة، فالأزمنة المعاصرة حيّة على الدّوام ومتفتّحة على الدّوام على المستقبل وستنتصر على سابقاتها. إنّه ما يسمّيه البعض على لسان هيغل بالبقاء الأبدي للنموذج الغربي. فنهاية التاريخ هي في الواقع إعلان لانتصار هذا النموذج وبقائه على الدّوام وهضمه لكلّ النماذج السابقة والحالية. هو كالسيل الجارف. إذن لقد اقترن مفهوم الحداثة بهيمنة فكرة البقاء (immortalité) والبحث عن القوّة المتعاظمة على حساب الكون والطبيعة والبشر والشعوب والثقافات. فالبقاء هو خاصّيّة الواحد.
امتحان حقيقة الموت: امتحان الحرّيّة
يبني الإنسان ويشيّد على أرضيّة لزجة أساسها الفوضى والغموض والخواء (Abîme, Chaos) ألا وهو الموت. فنحن كيانات زائلة وكذلك مؤسّساتنا وتاريخنا وأفكارنا ودلالاتنا. حينما نقرّ بهذه الحقيقة فإنّنا نقرّ أيضا بأنّنا نحن الذين نعطي معنى لحياتنا ولوجودنا وأنّ هذه المعاني وهذه الدّلالات محكومة بالفناء والزوال وعلينا مراجعتها وتجاوزها.
أن نعلم أنّنا كيانات محدودة وزائلة ونقرّ بذلك فمعناه أن نتحمّل مسؤولياتنا وأنّ المعنى الذي نعطيه لحياتنا لا يتأتّى من قوى خارجيّة أو من قوانين التاريخ.
إن فردا أو مجتمعا يرفضان امتحان حقيقة الموت يرفضان بالضرورة امتحان الحرّيّة. فلا يمكن أن تتحدّث عن مجتمع ديمقراطي حقيقي «لا شكلي وإجرائي» إلاّ متى واجه هذا المجتمع امتحان الموت المفترض لمؤسّساته ودلالاته. عندها فقط نقول هذا المجتمع قد ترك «أثرا لا يمّحي» ولا نقصد بذلك بناء أو هيكلا بل مثالا وبرهانا لكلّ البشر وللأجيال القادمة بأنّه بالإمكان خلق دلالات ومؤسّسات رغم هذه الفوضى وهذا الضباب وهذا الخواء الذي نسمّيه الموت.
فالمجتمع المتحرّر هو ذلك الذي يواجه امتحان الموت وامتحان الحرّيّة ويتصوّر في كلّ لحظة إمكانيّة إرساء تناسق جديد غير معهود أو كما عبّرت عنه المفكّرة Hannah Arendt هو ذلك المجتمع الذي يدشّن بداية جديدة بصفته هو المنبع وهو المرجع. فالخيال الخلاّق للشعوب هو الذي يضع دائما حدود ماهو ممكن وماهو مسموح به بما في ذلك حدودا لذاته ولأعماله ونشاطاته ويقطع مع فكرة الهيمنة المطلقة على العالم والتحكّم العقلاني في الكون وهما مظهران من مظاهر رفض حقيقة الموت أو كما عبّر عنه بعض المفكّرين بإنزال الإله من السّماء إلى الأرض وتعويض القدرة المتعالية بقدرة الإنسان اللاّمحدودة وتشخيصها فيه. فكما أنّ المجتمعات القديمة رفضت حقيقة الموت فإنّ المجتمعات المعاصرة نسجت على نفس المنوال وإن بطريقة أخرى. لقد أصبحت الحرّيّة مطلقة : Any thing goes. كلّ ما نقدر على فعله نفعله. نراكم الإنتاج بلا حدود، نستهلك بلا حدود، نزرع المفاعلات النوويّة، نحوّر الكائنات جينيّا...
بخلاصة : نلعب غير عابئين بالنتائج الوخيمة لأعمالنا. هناك الموت ولكن هناك الخبراء والعلماء والقوّة. يقول Hobbes لقد كان الخوف من الموت هو الأساس لوجود المؤسّسات.
مواجهة حقيقة الموت تعني القبول بأنّ مؤسّسات المجتمع هي إفراز بشري من صنعه لا من صنع اليد الخفيّة اللّيبراليّة أو من صنع قوانين التاريخ أو من قوّة خارجة عنه. لقائل أن يقول: «ما المعنى من حياة زائلة نهايتها الموت ؟» ألا يحضرنا في هذا المجال قول الشاعر :
لدوا للموت وابنوا للخراب * * * فكلكم من تراب إلى تراب
نقول: فعلا نحن كيانات زائلة ولكنّنا لم نحي لنموت بل لنخلق ونبتكر ونتصوّر ونصوغ ونعطي في كلّ مرّة معنى لحياتنا.
عندما يتحوّل وهم الخلود إلى إبادة
يتعرّض المفكّر الفرنسي Baudrillard في مقال له حول الإرهاب إلى قول شائع: «إنّ الله لا يمكن أن يعلن الحرب على نفسه.» يجيب المفكّر بلا: «. فالغرب الذي وضع نفسه في مقام الإله وتخيل أنّه اكتسب قوّة إلهيّة وشرعيّة أخلاقيّة مطلقة ينتحر ويعلن الحرب على نفسه وتشهد على ذلك أفلام الرّعب والكوارث وما تقديمها في مشاهد تلفزيّة وسينمائيّة والإصرار على إبراز مظاهر الرّعب إلاّ دليلا بأنّ الشروع في الإنجاز أصبح أمرا ممكنا». يرى المفكّر أنّ كلّ قوّة تدميريّة وقاتلة هي في ذات الوقت قوّة انتحاريّة، فكلّما تركّز النظام العالمي في يد حفنة كلّما قارب الهلاك والموت.
فالغرب الرأسمالي الذي جاء بفكرة الهيمنة المطلقة على الكون واستعباده يرفض حقيقة الموت وامتحانه ويستعمل لذلك وسائل عدّة (التقنيات خصوصا منها العسكريّة التحوير الجيني الاستنساخ...) ويروّج للفكر الواحد La pensée unique ويعتبر أنّ توجّهه لا رجعة فيه ويجبر خصمه على المراوغة : إنّه الإرهاب الأعمى الذي يمثّل الوجه الآخر للغطرسة ورفض المراجعة والتبادل.»لكم حقيقتكم ولنا حقيقتنا. لكم سلطانكم وخلودكم ولنا سلطاننا وخلودنا.» خلف وهم العولمة والفكر الواحد والطريق الواحد تختفي حقائق أخرى : التلوّث وموت الكائنات الحيّة والبذور وموت المحيطات واستنزاف خيراتها وموت العلاقات الاجتماعيّة وتذرّر الأفراد. فلقد عرف القرن الماضي كوارث جمّة لعلّ أهمّها اندثار جزء هام من الكائنات الحيّة وبروز ظاهرة الاحتباس الحراري والقضاء على البحيرات والتربة وتلوّث الهواء من ذلك على سبيل المثال كارثة بحيرة «آرال» والتي دّها المختصّون أكبر كارثة في القرن الماضي وتشرنوبيل وبوبال وكارثة ما يسمّى بالثورة الخضراء في آسيا وظهور أوبئة وأمراض جديدة تطال الإنسان والحيوان وتراجع مفعول المضادات الحيويّة...
بخلاصة ظهور ما سمّاه البعض بمجتمع الخطر La société du risque. ففي المجتمعات المعاصرة، مجتمعات المعلومات أو كما سمّاهما العالم الرّوسي (Frolov) في بداية القرن الماضي في عصر البيولوجيا تتفتّت العلاقات البشريّة ويقضّي المواطن جزء هامّا من وقته وهو يلهث خوفا من الموت. إنّه يجري، يهرول، يكدٌس البضاعة من المغازات الكبرى، يمضي جزء من وقته وهو يشاهد التلفزيون، ينتقل من قناة إلى أخرى (Zappe). انظر :
(Costoriadis: La montée de lصinsignifiance, Seuil, 1995)
إنّه إنسان فاقد للدّلالة والبوصلة. إنّه يقتل الوقت قبل أن يقتله وقديما قيل: «الوقت من ذهب إن لم تقتله قتلك « هو صراع محموم ضدّ الموت ورفض لامتحانه. هو أيضا رفض لامتحان الحرّيّة. هو الرّكون إلى الرّتابة والجمود والخوف كلّ الخوف من الجديد. فما دمنا نستهلك ونروح ونجيء فما الدّاعي للتفكير والخلق ؟ ليس من الغريب أن تستفحل حالة الكآبة التي تحوّلت إلى وباء عالمي. فعلى سبيل المثال عرفت التسعينيات تزايدا في حالات الانتحار بفرنسا بلغت 12 ألفا في السّنة أي أنّه في عقد واحد من الزمن اندثرت مدينة يساوي سكّانها أكثر من 100 ألف من البشر.
يقول Pierre Thuiller في كتابه « الانفجار الكبير» :» في مجتمع يعد بالقوة والانتصار على كل ما يحيط به يموت الإنسان ألف مرة خوفا من المخاطر ويموت الإنسان وهو قابع أمام شاشة التلفزيون حيث أصبح يشاهد ولا يرى ويسمع ولا ينصت.
تموت الثقافة والحضارة على وقع مجتمع الاستهلاك والصورة ويموت الفن الرفيع على وقع موسيقى التكنو ويموت العلم الحقيقي وتموت معارف الشعوب تحت وقع الصورة الوهمية والإلهية للعلم وتموت الأرض وهى تُشبع مبيدات أنتجتها أحدث البحوث العلمية وأعدتها لها مؤسسات رائدة في التكنولوجيا وأخيرا تموت الشعوب وتُفنى بأحدث الأسلحة وأكثرها فتكا»
Pierre Thuiller: La grande implosion, Fayard, 1995
كلّ ذلك لا يهمّ. ما دام الإنسان يتقدّم نحو الأسمى والأقوى والأقدر وصولا إلى القوّة الخارقة والإلهيّة ولم لا الخلود. فهذه الكوارث ضرورية ولا يخلو منها أي مشروع رائد.
في الحقد والكراهيّة: كره الآخر، كره الذات
لا يمكن لنا أن نتعرّض إلى تجلّيّات الحقد والكراهيّة وصولا إلى القتل المباح والإبادة دون التعرّض ولو بإيجاز إلى حقيقة الكائن البشري. فالإنسان كائن بيولوجي-نفسي-تاريخي-اجتماعي.
من بين جملة الكائنات الحيّة والحيوانات وحده الإنسان قادر على قطع السياج المعلوماتي التمثّلي / المعرفي الذي يميّز كلّ كائن حيّ في نفس الوقت الذي تؤدّي فيه هذه القطيعة إلى انبثاق المكوّن النفسي الأوّلي والجنوني (La monade psychique) وغير الواقعي. النواة النفسيّة الأوّليّة (La monade psychique) التي تربط الرّضيع بثدي أمّه هي غير النرجسيّة. فهي منطوية داخليا مندمجة مع ذاتها بينما النرجسيّة هي عشق الذات واستبعاد الآخر. فالنواة الأولى لا تعرف الآخر. هي حالة انطوائيّة كاملة لا تقبل بالتجزّء. هناك مهجة واحدة وتمثّل آني للذات وشعور بالتواصل التام خارج الزمان والمكان وهويّة مباشرة معطاة مرّة واحدة. هو عالم الرّضيع الأوّل. لا تعترف هذه النواة بحدود لتلبية رغباتها. هي لا تفرّق بين الذات والآخر ويمكن تشبيهها بحالة شخص متخمّر بحيث تذوب ذاته في النواة الأولى وتصبح غير واعية بالأشياء المحيطة بها. إنّها الشحنة الأولى التي منها سيعكس الرّضيع كلّ القوّة ويجسّدها في أمّه.
رغم كلّ ذلك سينتهي بها المطاف إلى القبول ولو عن مضض بوجود الآخر حتّى وإن تمنّت له الموت الذي يصعب تحقيقه في أغلب الأحيان وإلى القبول بحقّ الآخر في تحقيق رغباته. لن يكون ذلك البتّة دون كبت (Refoulement) يدفع في اللاّوعي كلّ الميولات العميقة والكامنة في النفس (Psyché) ودون الإبقاء في هذا اللاّوعي على جزء من القدرة على التخيّل. إذن لن تنفتح هذه النواة إلاّ بدخولها في المجتمع بدءا بالأمّ والعائلة والمجتمع لتستبطن دلالاته ومعاييره. فالمجتمع ينتزع النواة النفسيّة ويقتلعها اقتلاعا ويدخلها في عالم الواقع الاجتماعي وبالمقابل يقدّم لها معنى للحياة تجسّدها المؤسّسات والدّلالات والرّموز بما في ذلك الموقف من الحياة والموت.
إدماج النفس في المجتمع تقع بصفة عنيفة وعن طريق فصل النواة النفسيّة وتترك بصمات مدفونة وتنتج عنه كراهيّة مضاعفة : كراهيّة الغريب والآخر وكراهيّة الذات الاجتماعيّة أي ذاتها نفسها. ترويض هذه النفس يكون بتوجيه الطاقات الهدّامة والأنانيّة للنفس في أغراض اجتماعيّة أكثر «بناءة» من ذلك استغلال الموارد الطبيعيّة والتنافس بين الأفراد الذي يتجلّى على سبيل المثال في ممارسة الرّياضة والمنافسة الاقتصاديّة والبحث عن السلطة والتنافس على النفوذ. هي مخارج تؤدّي إلى توجيه جزء من هذا الحقد الكامن في النشاط الاجتماعي. ما تبقّى من الحقد وبصورة أخرى المخزون الاحتياطي يظلّ جاهزا للتحوّل في ظروف محدّدة وفي أزمنة متباعدة إلى حدّ ما إلى نشاط هدّام مؤسّس ومنظّم ضدّ مجموعات وأفراد أخرى.
في مقال حول العنصريّة تعرّض المفكّر اليوناني كاستور ياديس إلى تجلّيّات الحقد والكراهيّة وصولا إلى القتل.
انظر :
(Cornélius Castoriadis: Réflexions sur le racisme, Le Monde Morcelé, Seuil 1996).
يرى هذا المفكّر أنّ هناك تعبيران نفسيّان للكراهيّة والحقد : كره الآخر وكره الذات أي الذات الاجتماعيّة وهذا الأخير لا يبدو جليّا للعيان منذ الوهلة الأولى. كلاهما يستمدّ جذوره من نفس الأصل وهو رفض الجوهر النفسي الأوّلي القبول بماهو غريب بما في ذلك ذاته الاجتماعيّة التي أجبرت على أن تتّخذ شكلا يمكّنها من نسج علاقات مع الآخر. فذلك المخزون الأوّلي من الكراهيّة يظلّ جاهزا في كلّ وقت للتحوّل إلى فعل هدّام وحتّى في صورة خموده فإنّه يتراءى في شكل احتقار وكره للآخر وفي كلّ أشكال العنصريّة.
من ناحية أخرى تتّفق الميول الهدّامة مع انغلاق المؤسّسات الاجتماعيّة التي تهيّء لها الظروف لكي تعبّر عن وجودها. هكذا تلتقي النوازع الهدّامة مع المؤسّسات المتكلّسة. تبرز هذه الممارسات خصوصا في المجتمعات التقليديّة والشموليّة كما نعاينها في التوجّه الحالي للإمبراطوريّة. «معاييرنا هي الصحيحة ومعاييرهم باطلة. إلهنا هو إله الحقّ وإلههم هو إله الباطل. مذهبنا هو المذهب الحقّ ومذهبهم باطل «لا مكان للتبادل والاعتراف بحقّ الاختلاف. يرى نفس المفكّر أنّه عندما يختلّ التوازن النفسي الأصلي تتحلّل طاقة حب الذات إلى قوى لعلّ أهمّها «حبّ الذات المتكرّر والمجت: « زماني الحالي وموقعي الحالي هما الزمان والمكان المطلقان وما عداهما باطل.
فبالنسبة للذات الأولى الانطوائيّة تبدو الذات الاجتماعيّة التي وقع فصلها بالقوّة عن الأم وعن حالتها الأصليّة مكروهة وغريبة. في حالات الحقد تعود الذات الاجتماعيّة إلى حالتها الانطوائيّة الأولى وتتّفق هذه الميولات للذات الهدّامة تماما مع ضرورة وجود مجتمعات منغلقة على ذاتها. نقول يتأكٌله الحقد وأعمى الحقد بصيرته. ففي قتل الآخر أؤكّد حضوري وأحقيّتي وانتصار أفكاري ومعتقداتي. قتل الآخر يصبح مبعثا للعزّة والفخر. الحقد هو شرط من شروط الحروب التدميريّة وهذا لا يعني أن نبسّط الأمور ونختزل أسباب الحروب في الأحقاد.
كره الآخر والحقد عليه واحتقاره وصولا إلى محقه ليس في الحقيقة سوى كره الذات لذاتها الاجتماعيّة. تنتفي الذات الاجتماعيّة وتُختزل العلاقات في الروابط الدمويّة والعرقيّة والدّينيّة والإثنية : إنّها حالة خاصّة فظيعة للغاية لخاصّيّة مشتركة لكلّ المجتمعات البشريّة. إنّها استحالة القدرة الظاهريّة على تصوّر الذات دون لفظ الآخر وانعدام القدرة الظاهري على فصل الآخر ولفظه دون الحطّ منه وصولا إلى كرهه (نفس المصدر.)
ما من شكّ أنّنا وفي معظمنا نشعر بالامتعاض والمرارة كلّما سمعنا أو شاهدنا أعمالا إجراميّة منظّمة ضدّ شعب أو جماعة عرقيّة أو إثنية أو أفراد وما من شكّ أنّنا نتساءل : ما الذي يجعل البشر يتصرّف بهذا الأسلوب المهين للبشريّة؟ في الحقيقة إنّ الحقد والكراهيّة والترفّع والبحث عن القوّة والظهور كلّها تمثّل جزءا من البنية النفسيّة للذات البشريّة ولا يمكن للأفراد أو المجموعات أن «يتخلّصوا « من هذا المخزون الدّفين وتحويله إلى نشاط بنّاء إلاّ من خلال الاندماج في الحياة الاجتماعيّة والمساهمة في الخلق والابتكار والقبول بالحدود. لكنّ ذلك يظلّ رهين طبيعة المجتمع المؤطّر لهذه الذات. فكلّما انغلق المجتمع على ذاته وتاريخه وأفكاره وتعصّب لوثوقياته إلاّ ومهّد الطريق للنوازع الإجراميّة وسمح لها بأن تطفو من جديد. فإذا اعتبرت مجموعة أو شعب أو مجموعة شعوب أنّ توجّهها وقيمها هي الوحيدة الصحيحة، إذا اعتقد البعض بأنّهم مكلّفون بترويج الفكر الحقّ ونشر المبادئ الصحيحة والتي تبقى صحيحة على الدّوام ومهما كان نوعها ومهما كانت طبيعتها، بمعنى آخر إذا رفض البعض امتحان الموت بما في ذلك موت الأفكار والمعايير فإنّ ذلك سيمهّد لبروز الأحقاد والنزاعات.
في العقود الثلاث الأخيرة عرفت البشريّة تراجعا للمواطن واستقالة تكاد تكون جماعيّة. لعلّ أزمة الأيديولوجيّات وهيمنة مجتمع الاستهلاك والمشهد كما تأثير وسائل الدّعاية قد ساهمت في هذه الوضعيّة. فمجال الحرّيّة الذي يسمح به المجتمع يقضّيه المواطن في استهلاك المواد السلعيّة والصورة. في الأثناء تحرّكت قوى الهيمنة وظهرت نزاعات جديدة وتفكّكت بلدان.
برزت الحروب الإثنية والدّينيّة بينما عادت القوى الفاشية من الباب الكبير في البلدان الغربيّة. أصبحت الذات البشريّة تُستباح باسم الدين والعرق والمذهب، ففي بضع أسابيع مات مئات الآلاف من «الهوتو والتوتسي « كما عشنا مجزرة الشعب البوسني واستفحال الصراع العرقي بين شعوب يوغسلافيا السابقة ونحن اليوم شاهدون على المذابح التي تقام يوميّا في العراق على الهويّة والدّين والمذهب والطائفة. العديد من المتتبعين للأحداث الأخيرة يتنبؤون ببروز صراعات جديدة غير تلك التي نعرفها اليوم (كالصراع حول مصادر المياه أو حرب المياه القادمة) بل إن الاندفاع المحموم نحو الزيادة في الإنتاج والاستهلاك ونضوب جزء هام من المواد الأولية من شأنه أن يهيئ لاحتداد هذه الصراعات التي ستُحيي لا محالة ذلك المخزون المكنون من البغضاء.
لا يمكن للبشريّة أن تقاوم ظهور هذه الأحقاد واستفحالها إلاّ متى استعاد المواطن مكانته وحوّل مجال الحرّيّة إلى ميدان للخلق والابتكار والصياغة الجديدة وتحمّل مسؤوليته كاملة.
نحن نعاين بداية استفاقة للمواطن سواء في البلدان المصنّعة أو في بلدان الجنوب وفي اعتقادي أنّه لا يمكن إيقاف هذا السيل من الأحقاد والدّماء والقتل على الهويّة إلاّ برجوع المواطن إلى ساحة الفعل ومقاومة كلّ أشكال الهيمنة التي تغذّي هذه الصراعات ومجابهة كلّ أشكال التعصّب والانغلاق. أن نقبل بامتحان الموت، بما في ذلك موت الأفكار والوثوقيات. أن ننفتح على رؤى جديدة ونتخلّص من الفكر الواحد ونصوغ الجديد. فحياة الإنسان لا تُقاس بعقارب الساعة بل بالخلق والإبداع. أن نستعيض عن الموجود بتصور يخرجنا من عنق الزجاجة التي وضعتنا فيه التصورات الوهمية للإنسان الخالد والفكر الخالد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.