تحية الى النقابيين يقيمون في سجنهم في شهر الصيام... بجروحهم تحت سياط جلاديهم وبصدمتهم في ثورة تحاكم مناضليها... تحية الى أحمد بن عياد وعصام المشي ومحمد المسراطي ولطفي المعلّم وهم صامدون ضد العسف والظلم والاستبداد... تحية الى نقابيي وأعوان مستشفى الهادي شاكر بصفاقس الذين أثبتوا ان النضال متأصل فيهم، مارسوه زمن المخلوع وجددوه اليوم، فظلوا على المبدأ نفسه والشجاعة والتضحية ذاتها. تحية لهم وهم يدافعون عن الحق النقابي وهم يرفضون تعيينات الولاء والانتماء وهم يكشفون سياسة الهيمنة على الادارة وعلى مفاصل الدولة... تحية الى الهياكل النقابية في الاتحاد العام التونسي للشغل بدءا من الفرع الجامعي للصحة والهيئة الادارية الجهوية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس ومكتبه التنفيذي والهيئة الادارية للصحة وجامعتها العامة وصولا الى الجامعات والنقابات العامة والاتحادات الجهوية الذين تنادوا باسم النضالية والوحدة وتحت راية الاتحاد، فدافعوا ونافحوا وناضلوا وقاوموا، كالرجل الواحد فكانوا بنيانا مرصوصا يأبى الاختراق ويلفظ دعاة الفرقة ممن لبسوا لبوسا غير مبادئ الاتحاد وراية غير راية حشاد واأتمروا بفرقهم وكتلهم على النحو العشائري البغيض وأمروا بالتنكيل بالنقابيين وكالوا التهم وأطلقوا الإشاعات وخرقوا مبدأ اساسيا من مبادئ الاتحاد ألا وهو الوحدة فالوحدة ثم الوحدة... تحية الى المحامين أصحاب الروب الأسود النظيف الذي أرعب ويرعب الطغاة، ممن دعاهم واجب الدفاع عن الحق والعدل فلبوا النداء للترافع عن مناضلين خَبِروهم زمن الجمر وساروا معهم كتفا الى كتف يهتفون بسقوط الديكتاتورية ويدافعون عن الشغل والحرية والكرامة الوطنية... تجلجل أصواتهم فتزعزع العروش ويصل صداها كل الآفاق والعواصم والمنافي... وتحية الى المجتمعين المدني والسياسي ينصرون أسود النضال بصفاقس... إن محاكمة المناضلين والمناضلات من أعوان مستشفى الهادي شاكر بصفاقس اليوم وفي هذا الظرف بالذات تجدد طرح عدة تساؤلات تظل اجاباتها حاسمة وفاصلة بين من يريد تثبيت مبادئ الجمهورية وقيم الديمقراطية من علوية القانون وسيادة المؤسسات ومساواة المواطنين أمام العدالة وغيرها... وبين من يريد أن يقوّض الجمهورية وان يطوّع الديمقراطية لتكون جسرا للعبور الى سدّة الحكم لا غير ويستخدم القانون سيفا مسلطا لإلجام الأفواه واسكات الاصوات وفرض الخضوع والرضوخ وإشاعة الذل والمهانة ونشر الاستبداد، ليمارس العدالة بمكيالين هي غنيمة ومجازاة للبعض وعقاب وتَشَفٍّ للبعض الآخر... إن أهم سؤال يطرح هو : هل عبّدنا الطريق بعد الثورة الى قضاء مستقل، سواء منه القائم أو الجالس، وطهّرناه من الفساد ونأينا به عن التعليمات وحَكّمْناه بالقانون، أم أن السلطة قد استعادت تدجين القضاء لتستخدمه ضد خصومها، عبر اللعبة الغامضة في عزل عدد من القضاة دون محاسبة حقيقية والتي أفضت الى خلق رِهَاب الإبعاد وقوّت الرقابةَ الذاتية؟ وهل علينا اليأس من التعويل على قضاء مستقل والاكتفاء بالتعويل على عدد من القضاة النزهاء الشرفاء؟ وفي قضية الحال، اننا نتساءل هل خضعت النيابة العمومية الى الضغوطات فسارعت بإيداع نقابيي صفاقس السجن واطلاق سيل من برقيات التفتيش والجلب ضد رفاقهم كأنهم مجرمون عتاة أو من العصابات المسلحة الخطيرة، في حين تأخرت النيابة العمومية أو صمتت في غير ذلك من القضايا، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر قضية المعتدي على الراية الوطنية وقضية المعتصمين الذين عطّلوا الدروس أسابيع طويلة في كلية الآداب بمنوبة فحرموا الطلبة من حق الدراسة، وقضية المجرمين الذين أحرقوا مقرات للاتحاد والأحزاب وقضية المعتدين على الأفراد والجماعات والذين هرّبوا السلاح واغتالوا جنودنا... وغيرهم مما لا نعرف مصير قضاياهم الى اليوم وقد لا نعرف أبدا... وهل خضع القضاء الجالس بالدائرة الثانية الابتدائية بصفاقس الى الضغوطات كما أثار ذلك الدفاع في مرافعاته فامتنع عن عرض متّهمين على الفحص الطبي طلب محاموهم فحصهم بعد أن تعرّضوا الى الاعتداء في موقع العمل ثم الى التعذيب في مراكز التوقيف فجحد بذلك حقا أوجبهُ عليه القانون في الفصل 13 مكرر من مجلة الاجراءات الجزائية وحمّلته إياه فصول المعاهدة الدولية الخاصة لمناهضة التعذيب المصادق عليها من البلاد التونسية، (وكان من المفترض ان تفرضه الثورة بعد ان حجبه قضاء التعليمات عقودا على المناضلين) أم حكّم ضميره دون سواه ومارس سلطته التقديرية؟ وهل مُورست عليه الضغوطات فارتأى الحكم بعدم الاختصاص وتحويل القضية من الجناحي الى الجنائي أم قدّر حجم التهم فرأى احترام التخصّص وأحال المتّهمين إلى غيره؟ إن قضية مناضلي مستشفى الهادي شاكر هي أول وأهم اختبار لما بعد حملة الإبعاد والعزل التي طالت عددا من القضاة قبل صدور المراسيم والقوانين المنظّمة لهذا القطاع الحساس ومنها بالاساس هيئة القضاء المستقلة التي تثير جدلا واسعا : اختبار استمرار التعليمات أم عدمه؟ المؤشرات الاولى قد تلمّح الى وجود ضغوطات من السلطة التنفيذية التي حشرت أجهزة الأمن والنيابة العمومية في خلاف شغلي وصمتت على ميليشيات غريبة عن المستشفى اعتدت على الأعوان...وهي اشارات خطيرة تتزامن مع عرض المراسيم الخاصة بالقضاء، وعلى الجميع ان ينتبهوا اليها ويمنعوا كل ما يمكن ان يشكل تربة لعودة التعليمات تحت ضغط الملفات... خاصة بعد التصريح العجيب والغريب لمقرر لجنة صياغة الدستور عندما قال : «إن السلطة القضائية أحد سلط الدولة ولا يستقيم الحديث معها عن استقلاليتها»!!! إنّ استمرار تدجين القضاء هو نهاية البداية لكل حرية... فالحرية للنقابيين المعتقلين في صفاقس ولكل المعتقلين دفاعا عن حقهم...