نجحت الدولة التونسية إلى حدود سنة 1986 رغم كل الفساد والسرقات والتلاعب بالمال العام في أن تؤسس بعض المؤسسات العمومية المربحة كالشركة التونسية لتوزيع المياه والشركة التونسية للكهرباء والغاز وشركة فسفاط قفصة والخطوط التونسية وعشرات الشركات الأخرى. إلا أن برنامج الإصلاح الهيكلي وما فرضه على تونس من خيارات اقتصادية ليبرالية جعل الدولة في زمن حكم بن علي تنطلق في مشروع الخوصصة الذي طال كل المؤسسات العمومية بصفة تدريجية. وقد أثارت عملية التفويت في عدة مؤسسات عمومية مربحة حفيظة خبراء الاقتصاد خاصة مع شابها من فساد مالي كبير ومع نتائجها الاجتماعية الثقيلة على العمال. ويبدو أن الحكومة المؤقتة لا تنوي مراجعة عملية الخوصصة خاصة مع نتائجها السلبية المعروفة بل إنها على العكس تسعى إلى الذهاب بعيدا في بيع المؤسسات الاقتصادية العمومية. وتمثل الخطوط التونسية احد أهم المؤسسات التي قد تطالها رياح الخوصصة خاصة مع الإعلان بأن الشركة تشكو من صعوبات اقتصادية و أن خسارتها بلغت 100 مليون دينار سنة 2011. الوضع الاقتصادي و المالي للشركة يبلغ رأس المال الاجتماعي للخطوط التونسية 106.2 مليون دينار سبتمبر 2011 منها 64.86 بالمائة على ملك الدولة التونسية و5.58 بالمائة على ملك الخطوط الفرنسية و9.65 بالمائة على لمك الصناديق الاجتماعية و20 بالمائة على ملك مساهمين مختلفين. وتحقق الشركة رقم معاملات سنوي قدر ب1164 مليون دينار منها 60.8 مليون دينار أربحا صافية. وكان رأس المال الاجتماعي للشركة قد تطور سنة 2008 من 81.124 مليون دينار الى 97.349 مليون دينار وارتفع سنة 2009 ليبلغ 106.2 مليون دينار ولم يرتفع بعد ذلك إلى حدود هذه السنة. وكانت الشركة قد دخلت البورصة التونسية في جويلية 1995 بنسبة 20 بالمائة من رأس مالها وب900000 سهم سعر الواحد 23.5 دينار ثم أصبح السعر الاسمي للسهم 5 دينار تونسي قبل أن تقع قسمة القيمة على 5 سنة 2006 وهو ما زاد في حجم المعاملات والربح. وتعتبر الخطوط التونسية من اكبر الشركات المساهمة في البورصة والأكثر استقرارا في النتائج. وتقدم الشركة نوعان من الخدمات الجوية تشمل الأولى الرحلات المبرمجة وتمثل 46 بالمائة من نشاط الشركة وتشمل الثانية السفرات الجوية المستأجرة خارج البرنامج العادي وتمثل 54 بالمائة من نشاطها وتصنف الشركة وفقا لذلك العاشرة عالميا في السفرات الجوية المستأجرة. وقد تأثر النوع الثاني من الخدمات المقدمة ليتراجع بنسبة 45.1 بالمائة نتيجة عدم الاستقرار الذي عرفته تونس بعد 14 جانفي. أما النشاط الأول فلم يتأثر تقريبا. وتنقل الشركة قرابة 3.55 مليون مسافر سنويا وقد بلغت رقما قياسيا سنة 2008 عندما نقلت الشركة 3.83 مليون مسافر وتستغل الشركة 32 طائرة ( 11 بووينق و21 آربيس) وتعتزم شراء 16 طائرة جديدة لتطوير الأسطول وصلت منها دفعة أولى وهي صفقة قديمة أبرمت منذ 2008 مع المُصنّع الأوروبي. وتتفرع عن الشركة الأم 4 شركات فرعية وهي الخطوط التونسية السريعة و الخطوط التونسية للتموين و الخطوط التونسية هولدينج والخطوط التونسية تكنيك وتقوم جميعها بخدمات متصلة بالنشاط الرئيسي للخطوط التونسية. وقد طالبت النقابة بإعادة دمج هذه الفروع مع الشركة الأم بعد أن تم فصلها عنها في السابق وهو ما عرض مصالح العمال للخطر. صعوبات وانفراج وقد تأثرت الخطوط التونسية بالأزمة الاقتصادية التي عرفتها البلاد منذ سنة 2011 فتراجع رقم المعاملات بنسبة 13 بالمائة ويعود ذلك إلى التراجع في حجم السفرات الجوية المستأجرة بنسبة 45.1 بالمائة من ناحية و إلى ارتفاع سعر المحروقات بنسبة 16 بالمائة من ناحية أخرى. ويبدو أنّ الحكومة المؤقتة قد خلطت بين هذا التراجع في حجم المعاملات وبين الخسارة فاعتبرت أن التراجع في قيمة المعاملات ب100 مليون دينار خسارة وهو أمر غير صحيح إذ يمكن أن تتراجع المعاملات دون خسارة وان وجدت فلن تكون بحجم المعاملات وعلى العموم فان الثلاث أشهر الأولى من سنة 2012 أثبتت صلابة الخطوط التونسية وقدرتها على تجاوز الأزمة.حيث ارتفع حجم المعاملات بنسبة 43 بالمائة ليبلغ 170 مليون دينار مقابل 118 مليون دينار خلا نفس الفترة من سنة 2011 . وقد نتج هذا الارتفاع عن ارتفاع النشاط العادي للشركة وهو ما يعتبر مؤشرا ايجابيا في انتظار ان تعود السفرات الجوية المستأجرة إلى سالف نشاطها. الفساد المالي أضر بالشركة ولكنه لا يبرر التفويت لقد تلاعبت أياد الفساد بالشركة في فترة حكم بنعلي حيث اقتنت الشركة طائرتين خارج الاستعمال التجاري لفائدة الرئيس الفار الأولى سنة 1999 وهي من نوع بوينق ب737-700 والثانية من نوع آربيس ا340-500 وتكلفت الطائرتين ب266.7 مليون دينار اقتطعت من أرباح الشركة دون. كما فسحت الدولة المجال للمقربين من الرئيس الفار كي ينشئوا شركات منافسة وهي شركة «قرطاقو» و «نوفال آر» التي استأثرت بأكثر من ثلث السوق التونسية. وكانت شركة قرطاقو قد وظفت طائرات الخطوط التونسية عبر الكراء لتقوم بعد ذلك بتسويق خدمات بسعر اقل بكثير من سعر السوق وهو ما اضر بمصلحة الشركة العمومية وكان سببا في مراكمة ربح سريع لصاحب الشركة الخاصة. فإذا ما عادت للخطوط التونسية طائراتها وحصتها من السوق التي انتزعت منها غصبا ( الشركة بصدد استرجاع جزء كبيير من السوق الداخلية) وإذا ما استرجعت الشركة التونسية المال الذي أنفقته على شراء الطائرتين الرئاسيتين بعد بيعهما ومع إعادة الهيكلة المبنية على قواعد وأسس علمية فإنّ الخطوط التونسية ستظل أقوى واهم الشركات الاقتصادية التي تساهم في دفع النمو وتحقق لتونس اربحا من العملة الصعبة وستستطيع تجاوز الخسارة العابرة التي عرفتها ويمكن أن نجزم ساعتها أن أسباب الخوصصة تزول وان الحكومة المؤقتة تفقد حجة التفويت إن كانت تنوي ذلك. خاصة وان الخطوط التونسية تلعب دورا اقتصاديا واجتماعيا مهم حيث تشغل أكثر من 7200 موظف وعامل وأنها تنوي انتداب قرابة 800 موظف جديد في الفترة الممتدة من 2012 إلى 2014.