يبدو أنه على الواحد منا ان يكون خبيرا متمرسا في استساغة وهضم «الاشياء» التي تدفعها الى أذهاننا عُلبة العجب الوطنية التي تسمى «قناة سبعة»... فهذه «الاشياء» التي يقال انها اعمال فنية تكتنز بالرداءة والبلاهة والتفاهة الى الحد الذي يُصاب من يُشاهدها، بالغثيان والتورّم الذهني. وباكورة «اشياء» هذه السنة ضمن البرمجة الرمضانية، «مسلسل» «نواصي وعتب» الذي أخرجه عبد القادر الجربي واجتهد رفقة حشود الممثلين والتقنيين طيلة سنة كاملة ليخرج لنا هذا «الشيء» في احسن تقويم... وطبعا وحده المشاهد التونسي المتلهّف على علبة العجب الوطنية، سيتكبد وطأة تلك التفاهة والبلاهة والرداءة المُسماة «نواصي وعتب»، كما سيُصنّف كاتب هذا المقال بأنه جاهل بميكانيزمات التحليل الدرامي وبقصور نظره وتأويله لأبعاد هذا «الشيء»ورؤاه... ولهذا بالذات سأُذعن لقصوري ولقلة معرفتي بخبايا «نواصي وعتب» وأبعادها المضمونية والجمالية، ولن أفكك ولو مشهدا واحدا من هذا «الشيء» كما لن أتجرأ على تقييم أداء لطفي الدزيري مثلا أو جمال ساسي او ليلى الشابي أو خديجة بن عرفة او سلوى محمد... ولن أجادل الجربي في اختياره... لن أفعل ذلك ولكنّي سأحاول أن أنقذ رأسي وقلمي من طوفان الرداءة والابتذال الذي بدأ يُطوّف برأسي وقلمي بما سأثيره من نقاط تبدو لي على قدر كبير من الاهمية. النقطة الاولى أسوقها الى مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية وتحديدا الى اللجنة المعنية بقبول الاعمال الفنية وأسألها عن مقاييس ومعايير القبول والرفض التي تعتمدها بشأن برمجتها، هل هي خاضعة لمقاييس فنية ومضمونية معينة ام ان الاختيار يتم عشوائيا وبحسب الاسماء والالقاب وهل أن الدعم المادي للأعمال الفنية يُلقى هكذا جزافا لمن هبّ ودبّ؟! النقطة الثانية أتوجه بها الى المخرجين والممثلين وأسألهم ان كانوا يواكبون الاعمال الدرامية السورية مثلا او المصرية أو حتّى الخليجية، ألا يلاحظون مدى شساعة البون بين اخراجهم واخراجنا ومدى الفرق بين تمثيلهم وتمثيلنا... وحتى موضوع «نواصي وعتب» اي عقدة الزواج، ألم ينتبه كاتب السيناريو أو المخرج أو الممثلون او لجنة القبول الى عشرات المداخل الممكنة لتقديم مثل ذاك الموضوع، ألا يعرفون مثلا، الصعوبات التي يعانيها شباب تونس اليوم للزواج؟ ألا يمكن التطرق الى ظاهرة العزوف عن الزواج؟ أو الى الخلافات الجديدة بين الزوجين والتي تفرضها طبيعة المرحلة اليوم... النقطة الثالثة أسوقها الى كُتّاب السيناريوهات الدرامية وأسألهم ان كانوا على علم بأن هناك مليون موضوع يستحق المعالجة الدرامية، كالبطالة والفقر الثقافي والفقر العاطفي... مسائل تُأخذ من الزوايا التي تقدمها بالشكل الافضل وتطرحها بشكل جدي وعملي باعتبارها همًا حقيقيا لا موضوعا لتوزيع الابتسامات والنكات المجانية باسم الكوميديا السوداء او المواقف الهزلية الجادة!!! اما النقطة الاخيرة فأسوقها الى المشاهد التونسي شادّا على يديه فيما يستهلكه مُرغمًا من برامج تافهة ومتفهه، لا لشيء الا لأنه يريد ان يدعم مؤسسته الوطنية بما أوتي من وقت وسعة بال لذلك... أشد على يديه وعلى قلبه وعقله وأقول له انما الحكمة لآلة التحكم عن بعد (Télecommande) فوحدها القادرة على انتشالك من تسوناميات الرداءة والتفاهة والبلادة الذهنية... ووحده من يخطئ سيتكبد نتائج خطئه.