بنسق سياسي واجتماعي وثقافي متسارع متناغم في جهات بين عدة أطياف من المجتمع ومتضارب ومحتقن في أخرى تجري الاستعدادات حثيثة للاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 14 جانفي 2011. من جانب قد تكون الحكومة حسمت في الساعات الاخيرة أمر التحوير الوزاري المرتقب الذي ترى فيه عنوانا لإضفاء صبغة احتفالية على يوم 14 جانفي خاصة ان هذا التحوير يعد الاوّل من نوعه منذ مجيء هذه الحكومة بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 رغم الملاحظة البارزة التي فرضت نفسها في هذا السياق وهي ان هذه الحكومة واصلت منذ عدة أشهر عملها منقوصة من وزيرين وهما وزير المالية ووزير الاصلاح الاداري وكأن هاتين الوزارتين لا تكتسيان ثقلا في التركيبة الوزارية للبلاد، وهو أمر مثير للتساؤل والحيرة خاصة بالنسبة الى وزارة المالية التي لا نخال دولة واحدة في العالم تعتمد وزارة للمالية بدون وزير لمدة فاقت الأربعة أشهر. على أية حال، ان هذا التحوير الذي لا شك في انه كان محل مشاورات ومناورات بين ثلاثي الحكم (النهضة والمؤتمر والتكتل) فان ما راج حوله من انباء ان المشاورات بشأنه امتدت الى أحزاب اخرى خارج دائرة الحكم بما يوحي بأن هناك استعدادات من ثلاثي الحكم للتخلي عن بعض الحقائب الوزارية لفائدة افراد قد يكونون مستقلين او معارضين ومهما تكن طبيعة هذا التحوير وعلاقاته بالكتل السياسية وسواء كان شاملا او جزئيا يمس أو لا يمس بعض الوزارات التي وقع حولها حديث وتجاذبات في المدة الاخيرة (الداخلية والخارجية والعدل) فإن هذا التحوير وحسب الدوائر السياسية المتابعة والملاحظين للشأن السياسي العام لا يمكن ان يرقى الى مستوى وتطلعات وانتظارات الشعب من أهداف الثورة واستحقاقاتها التي لم تستطع هذه الحكومة تلبيتها او تحقيقها رغم الجهود المبذولة في هذا المجال او ذاك والتي لا يمكن بأية حال التنكر اليها... ذلك ان بعض المراقبين يرون انه كان على الحكومة تعديل وتيرة أدائها منذ اشهر وكان بإمكانها الأخذ برأي المعارضة ومكونات المجتمع المدني حتى لا تقع تحت طائلة الوقت الذي لم يعد يسمح بالقيام باصلاحات جذرية وعميقة وملبية لمطالب الشعب وقادرة على امتصاص حالة الاحتقان التي تعيشها عدة جهات والتي وصلت الى حد التفجر، ان ما ضاع من وقت لم نحسن استغلاله على الوجه المطلوب في انهاء الدستور وفي تفعيل برامج التنمية والتشغيل واعلان مواعيد الانتخابات القادمة سيثقلُ كاهل الحكومة اكثر في المرحلة الراهنة رغم التحوير الوزاري الذي لا نخال انه سيشكل «الصدمة الايجابية» التي تعيد الحياة الى القلب الميت ولا نحسب أنه سيأتي في اشهر قليلة على فك شيفرات ورموز بعض الملفات الحارقة المطروحة مثل ملف التنمية الجهوية والتشغيل والهيئات العليا المستقلة للقضاء والاعلام والانتخابات وغيرها... لكن مقابل هذا المشهد الذي يبقى انطباعيا ربما تفنده مجريات الامور في المستقبل فان الامل يأتي من بعض المبادرات الدافعة نحو تعبيد الطريق لانجاز ما تبقى من المرحلة الانتقالية ومنها بالخصوص تفعيل مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل حول الحوار الوطني والمتضمنة عدة بنود تتطلب التوافق عليها لتأمين سير سليم للانتقال الديمقراطي فضلا عن احداث عقد اجتماعي ينتظر التوقيع عليه من قبل الاطراف الاجتماعية يوم 14 جانفي بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة وهو العقد الذي سيمثل خارطة طريق اقتصادية واجتماعية تلتقي حولها جميع اطراف الانتاج من اجل إحداث منوال تنموي جديد مبني على تطوير المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية على قاعدة تجسيم أهداف الثورة واستحقاقاتها وهو ما يرى فيه المحللون والمتابعون مسارا شاملا يمكن ان يساند جهود الحكومة ويبعث برسائل طمأنة للشعب ولكل اصدقاء تونس خاصة على مستوى استقطاب الاستثمار الاجنبي. في نفس السياق قد تكون للحركة الدؤوبة التي يشهدها قصر قرطاج هذه الايام من خلال استقبال الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي لرموز العائلات السياسية والاجتماعية ودعوتهم الى حوار وطني شامل وتشاركيّ. قد يكون لذلك دعم ودفع لعملية رسم خارطة طريق بر الأمان من هنا الى غاية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. هل تنجح كل هذه المسارات في الوصول بتونس الى بر الأمان... ممكن وليس عسيرا.