تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تالة إلى تونس مروراً بالكاف
رحلة السينما وحقوق الانسان
نشر في الشعب يوم 13 - 04 - 2013

نظمت جمعية أفريقيا والمتوسط للثقافة والمعهد العربي لحقوق الإنسان وجمعية ائتلاف سينما وتالة متضامنة، الدورة الأولى لأيام سينما الحقوق والحريات،بدعم من الاتحاد الأوروبي ووزارة الثقافة وبلدية الكاف ودار الثقافة ابن رشيق، وبمشاركة عدد من المنظمات والجمعيات الوطنية والجهوية، وهدف الأيام طرح مجال فكري وثقافي بوصفه مشروعا نحو الحرية، حيث تثار مسألة احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية أكثر من أي وقت مضى، والغاية من الدورة الأولى كان دعم الوعي المدني من خلال مبادرات ترمي الى تعزيز حرية التعبير وتنوع الآراء، كذلك تهدف التظاهرة إلى حشد الفاعلين الثقافيين والجمعيات التي تعمل على النهوض بحقوق الإنسان.وكان الجمع بين حقوق الإنسان والثقافة نجاحاً تاماً بامتياز.
عندما اتصلت بي السيدة أنوار منصري المسئولة عن «جمعية تالة المتضامنة» للقدوم إلى تالة لحضور أيام «سينما الحقوق والحريات» لم أتردد لحظة، كانت مناسبة لزيارة منطقة أحبها ولي فيها حنين,التقينا أمام وزارة الثقافة وانطلقنا نحو تالة بوابة الثورة، كان رفيقي في الرحلة الصادق بن مهني، قدم ليدلي بشهادته عن أيام السجن وعذاباته الذي صورها فيلم «حنظل» للمخرج محمود الجمني، والذي جمع فيها شهادات سجناء من كل الأطياف السياسية، تطرق بنا الحديث إلى أيام السبعينات حين كان رفقة أصدقائه من زوار برج الرومي وسجن القصرين، وكيف عرف تالة وهو في طريقه إلى سجن القصرين في سيارة الأمن منذ أكثر من أربعين سنة من ثقوب سيارة الأمن، يعجبني في أحاديثي مع صديقي الصادق فهي متطابقة مع اسمه صادقة معبرة عن سنوات تعتبر أليمة لكنه يحكي عنها بكثير من التجرد والسخرية أحياناً، كانوا مجموعة من الشباب حملوا قلوبهم في كف و أحلامهم في الكف الأخرى، يناضلون من أجل الوطن ومازالوا يؤمنون به.
كانت الطريق السريعة مريحة، وصلنا إلى تالة، تغيبت عنها سنوات، ما زالت كما هي، بل أكثر تعباً لم تحمل لها الثورة ثمارها، رغم الأسى والعدمية الواضحة، التناقض اللامعقول، البطالة والمقاهي الممتدة على الجانبين مليئة مزدحمة، اتجهنا إلى «دار الثقافة» في وسط الشارع الطويل، دهن جديد حلة جديدة، تزينها الأعلام والمعلقات ترحب بالضيوف و معلنة «أيام سينما الحقوق والحريات» استقبلنا مجموعة من الشباب المشرف على الثقافة في تالة.
الفيلم الأول للأيام كان فيلم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي « الذي أتى من باريس خصيصاً لحضور العرض، وقال لي كنت سآتي على الأقدام من أجل تالة.«أرض الحكاية» فيلم وثائقي يحكي حكاية أرض القدس العتيقة داخل الأسوار منذ سنة 1928 إلى يومنا هذا من خلال ثلاثة أجيال من المصورين.
رشيد مشهراوي وأرض الحكاية
بعد العرض قدم رشيد مشهراوي فيلمه : ( الحكاية تحكي فلسطين، القدس بالنسبة إلينا ليست أماكن فقط، بل هي ناس أيضاً، لن يتحرر العالم العربي كله ما لم تتحرر القدس، ارض الحكاية عرض في تالة قبل أن يعرض في الصالات، وبالنسبة إليّ هذا مهم جداً فالقدس وتالة هما رمز للثورة,كان تصوير الفيلم مخاطرة، فأنا أقطن في رام الله ووجودي في القدس ممنوع منعاً باتاً، أثناء التصوير كان معنا شخص من سكان القدس العتيقة له الحق في التجول، إدعى أنه صاحب الفيلم، كل سنة أو سنتين أحاول أن أتطرق إلى موضوع من مواضيع القدس، أعلم أن فيلماً لن يحل قضية فلسطين، لكن عندما يعرض الفيلم في الخارج سيلفت النظر إلى حقيقة مخيفة، أن القدس أرضاً محتلة، فهو يظهر شوارع القدس العتيقة كيف كانت وكيف سرقت ومن هم سكانها. الصور شاهد على الأحداث خاصة أن المصور إيليا الأرمني عندما صور سنة 28 القدس بكل تعدديتها لم يكن لديه أي خلفية،حتى اليهود الذين كانوا يسكنون القدس قديماً أصبحوا اليوم محتلين، أردت أيضاً أن أظهر حكاية أجيال ثلاثة في القدس، فالجد والإبن والحفيد الأرمن سكان فلسطين صوروا القدس داخل الأسوار لمدة ما يقارب من قرن، دون أن يحاولوا المقارنة أو المقاربة، لكن بعد الفيلم قرروا أن يجمعوا الصور لإصدار كتاب يرمي الضوء كيف كانت القدس وكيف زوروا اليوم ماضيها، لا أريد أن أبكي على الماضي، تاريخنا هو مستقبلنا، الحكاية هي حكاية الاستيطان الإسرائيلي داخل أسوار المدينة، كانت الأبواب تغلق ليلاً، لم تعد هناك أبواب بعد حرب 67، لا أترجم مساوئ الاحتلال في هذا الفيلم، أنا الفلسطيني أروي ما أعرف وما يحكى، وأبحث ماوراء الأشياء عن فلسطين عاصمتها القدس).
بعد عرض الفيلم كان النقاش مشحوناً بالشغف والأسئلة بحثاً عن أجوبة وحلول، الحوار كان على مستوى عالٍ جداً، تحاليل عميقة رغم نوع من الفوضى والغوغاء بسبب القاعة الممتلئة والرغبة في النقاش الذي كان تلقائياً، وربما الإحساس بالثقة وعدم الخوف والذي كان مستحيلاً خلال الديكتاتورية البائدة جعل حرية التعبير مشطة أحياناً، أحد الشباب اقترح على المخرج أن يرسل نسخاً من فيلمه للرؤساء العرب علهم يفهموا معنى الإستيطان في القدس.
بعد اعرض والنقاش توجهنا نحو فندق صغير (نزل بوثلجة) وأعتقد أنه النزل الوحيد في تالة، كان مغلقاً قبل الثورة واليوم يشرف على إدارته السيد زين السهيلي الذي كان مقيماً في فرنسا وأمريكا ويعمل في ميكروسوفت، وبعد الثورة قرر العودة إلى مسقط رأسه وفتح النزل، كان العشاء لذيذا والأطباق ذواقة ومختارة، بعض الضيوف الأجانب لاحظ أن الطباخ لا بد أن يكون فرنسياً، أعلمه المدير أن التوانسة أيضاً يمكنهم أن يكونوا طباخين ماهرين.
ليلاً بقي البعض في الفندق في تالة والبقية إنطلقت في الحافلة نحو مدينة الكاف حيث حجزت لنا الجهة المضيفة غرف في فندق مريح، وفي الواقع حاولت الجهات المنظمة توفير كل شروط الراحة للضيوف والمشاركين، ولم يكن هناك كالعادة في مثل هذه التظاهرات أخطاء أو ارتباك.
اليوم الثاني كان عرض فيلم المخرجة سنية الشامخي «مناضلات» فيلم يصور أول انتخابات حرة بعد الثورة، وفي أوج الانتقال الديمقراطي يحكي تونس الجريحة من الفقر، المنتفضة على الظلم بمسار غير مألوف وشاق لإعادة البناء، تتقدم نساء تونسيات مناضلات، وحتى لا ننسى تقدم المخرجة المرأة التي كانت ومازالت عاملاً فعالاً في الثورات بكل مجالاتها السياسية والاجتماعية، نساء تونسيات كن حاضرات أيام الجمر، المحاميات راضية نصراوي وبشرى بلحاج حميدة وسعيدة قراش والقاضية روضة القرافي، وناشطات في المجتمع المدني مثل سهام بن سدرين ولطيفة الأخضر وليلى الزغيدي وبسمة السوداني، و سياسيات الساعة مثل سعاد عبد الرحيم من حركة النهضة وخديجة بلحسن من القطب، حاولت المخرجة أن يشمل توثيقها كل الاتجاهات دون تمييز أو إقصاء، للمشاركة في المسيرة الديمقراطية لتونس الجديدة، تحدو تلك النساء روح الاستمرارية والالتزام التي تكرم أيضاً المناضلات الرائدات, وعبرت المخرجة عن انشغالها من خلال فيلمها عمّا آلت إليه حرية المرأة على ضوء المتغيرات التي أحدثتها الثورة من ردة إسلامية متطرفة تسعى إلى حرمان المرأة من مكتسباتها، كانت الصالة متعة بوجود عديد الفتيات والنساء اللائي فالموضوع يمسهن في الأعماق.
الفيلم الثالث « يلعن بو الفوسفاط» للمخرج الشاب سامي التليلي
الفيلم صور لنا ما حدث وما تبقى من أحداث الحوض المنجمي، يترك هذا الفيلم إحساساً بالألم والمرارة وشعور بالذنب، لأننا جميعاً نتعامل اليوم مع الثورة كلاما وتنظيرا دون استمرار مشروع الحرية الذي بدأه أهالي الحوض المنجمي، حكاية الفوسفاط أزلية فمازال الأغنياء يتمتعون بخيراته والفقراء يعانون ويحفرون في أعماق الأرض، 25 بالمائة من الاقتصاد التونسي هو من الفوسفاط، بدأت التحركات في جانفي من العام 2008 حين نظم مظفر وبشير وليلى وعادل وهارون وعدنان بداية عصيان مدني أمام مبنى رسمي في الرديّف. وشارك في الاحتجاجات المدرسون والعاطلون عن العمل والشباب اليائسون. ستة أشهر من الشغب والقمع لأول مرة في تاريخ تونس 30 ألف شرطي في الرديّف - ما يوازي عدد السكان – لقمع الانتفاضة. يتخلل الفيلم مقابلات مع أشخاص تحدثوا عن العنف الذي تعرضوا له و كيف اضطر بعض المتظاهرين للاختباء في الجبال، وسرعان ما بات هذا النضال أول حركة احتجاج تشهدها تونس الحديثة. كان نداءً لاسترجاع الكرامة تردد صداه في كل المنطقة.أعاد لنا الفيلم ذكرى الشهداء حتى لا ننسى، مظفر الذي ذهب بعد الحدث لفرنسا وعاد بعد الثورة ليجد الرديف كما تركها بل ربما أسوأ، شيء واحد مفرح أنه لم يعد هناك مركز أمن.
عدنان الحاجي وانتفاضة الحوض المنجمي
عدنان الذي اعتبرته سلطة بن علي « رئيس عصابة مفسدة» كان حاضراً ليقدم مشاركته في فيلم« يلعن بو الفوسفاط» وعبرعن سروره لوجوده في تالة لعرض ما كان أثناء انتفاضة الحوض المنجمي التي كانت الشرارة التي اشتعلت منها الثورة المعلنة بعد ثلاث سنوات، تسربت لتالة والقصرين وسيدي بوزيد والرقاب، وأشار عدنان إلى أن تالة منارة في النضال النقابي والسياسي، وتعتبر أحد أهم العوامل التي واصلت أحداث الحوض المنجمي، وأضاف أنه بعد مرور أربع سنوات على هذه الأحداث عادت المنطقة وأهلها إلى الظل ووقعت في غياهب النسيان من جديد. كل ما تبقى هو حياة مشتتة تتمسك بصمت بكرامتها وأشخاص يحملون جرحهم إلى جانب كرامتهم، وأن هناك نكراناً كبيراً لفضل شباب الحوض المنجمي وجرحاه، وأكد: سنواصل النضال والمقاومة من جديد.
حنظل للمخرج محمود الجمني
«الحنظل» نبتة بريّة تتواجد بكثرة على التراب التونسي. ثمارها شديدة المرارة.
نفس الطعم المر نجده في تعابير بعض ممن ولدوا قبل الاستقلال في 20 مارس 1956 وحتى من بعده.
رغم اختلاف العمر والجنس والانتماء السياسي تبقى شهاداتهم وذكرياتهم تعبيرا عمّا نالهم من تعذيب جسدي ومعنوي ونفسي طوال فترة اعتقالهم وسجنهم. لقد دفعوا ثمنا باهظا من أجل حقهم في التعبير على آراء تخالف النظام.
«حنظل» يكشف عن ماض غير إنساني حتى ينتهي الوجع وتخمد المرارة وحتى لا يشوب مستقبلنا تلك الوحشية. الفيلم عمل توثيقي صادق ونزيه ويمكن أن يكون مرجعاً لتاريخ فترات النضال السياسي حسب شهادات ضحايا تعرضوا للتعذيب لفترة تمتد من الستينات ليومنا هذا، ومن خصائص الفيلم أنه تعرض لكل الشرائح والأطياف السياسية المعنية دون أي إقصاء لأي جهة كانت. ويمكن قراءة هذه الشهادات لتحضير قوانين العدالة الانتقالي.
قدم الفيلم عبر تجربته الخاصة «المواطن» صادق بن مهني وتحدث عن أيام السجون والعذابات هو ورفاقه.
أيضاً كانت حاضرة زكية الخلفاوي، نَضِرة مليئة بالحيوية، تتحدث عن ما عانته بتلقائية و سخرية من الواقع الأليم، مارست زكية حقها الطبيعي في التعبير السلمي عن رفضها لواقع مريض وظالم، حوكمت وسجنت وحرمت من رعاية والدتها المسنة والمثقلة بالأمراض المزمنة.لم تسترجع الحق في العودة إلى العمل التي منعت عنه إلا في الفترة الأخيرة.
مركز الأمن الشهير
اليوم الثاني شاركت الشمس في التظاهرة و منحتنا جواً جميلاً معتدلاً يبشر بالربيع ( ليس الربيع العربي)، جلسنا في فسحة الحديقة المجاورة لدار الثقافة، انتشر القادمون من تونس واختلطوا بشباب تالة، الموسيقى من مكبرات الصوت تنطلق من دار الثقافة( أغاني فيروز) الجو مختلفاً عن اليومي العادي بالنسبة إلى أهالي تالة وبالنسبة إلى الزوار أيضاً، لم يكن الجوّ مشحوناً بالإستفزاز أو الضغط الذي عرفناهم في تونس منذ فترة، الابتسامة وعبارات الترحيب تشعرنا أننا نعرف الجميع منذ زمان وأننا في موطننا.
دخلنا لزيارة المركز المحروق أنا والصادق بن مهني وفانسون مرسييه مدير جمعية «ائتلاف سينما» أحد المنظمين للتظاهرة، ثلاثة طوابق حرقت جدرانها أيام الثورة ( المكان الوحيد الذي تعرض للحرق)على جدرانه انتشرت رسوم وكتابات تروي الثورة وتؤرخ أحداثها وأحاسيس شبانها:
(البؤس لابن الشعب يأكل والمجد والإثراء للأغراب، والحق مقطوع، واللسان مكبّل، والظلم يمرج مذهب الجلباب، هذا قليل من حياة مرة في دولة الأنصاب والألقاب، إذا كان الغريب دليل قوم، يمر بيهم على حيف الكلاب/ حياة الكرام موت العظام/ ربح خسرت 2011 ربح ربحت 2012 ( ربح هي عون الأمن التي حرضت على القتل ودلت القناصة على بيوت الشبيبة/ تالة من قسوة الجغرافيا إلى ظلم التاريخ/ من لا يملك شيئاً ليس لديه شيء يخسره/ تموت الأسود في قمم الجبال جوعاً ولحم الضأن يأكله لاطرابلسية/ فوق الأرض سعداء تحت الأرض شهداء/ وعلى أحد الجدران لوحة كبيرة بأسماء كل الشهداء تحت عنوان: لا يقدر على دفع ضريبة الدم إلا الذين يقدرون شرف الحياة.
الصادق بن مهني والعودة إلى تالة
في طريق العودة إلى الكاف في الحافلة سألت الصادق عن إحساسه بعد كل هذه السنوات عن تالة بعد الثورة، قال:
أحسست بغضب شديد ليس في اتجاه السلطة فقط لتهميشها الجهة، فالسلطة لا يهمها شيء والجهات ليست هدفها، الغضب خاصة تجاه شباب تالة وتجاه الهيئات في تالة، كاللجنة الثقافية والبلدية، هناك فرصة بأن يتكون من الضعف قوة، لقاء كهذا هو في حد ذاته تحقيق هدف لكن لا يكفي، يجب أن لا تنتظر تالة أن يأتي إليها الآخر، لاحظي أن دار الثقافة قامت بتنظيف الدار وتركت الأوساخ أمامها وحولها، كان ممكناً أن تنظف على الأقل الأرصفة المحيطة مباشرة، كان يمكن أن تكون مناسبة لحث الشباب لتنظيف مدينتهم.مركز الشرطة الذي أصبح اليوم مزاراً، كان يجب تحويله إلى متحف يؤرخ الأحداث التي قامت في تالة، كان هناك تناقض رهيب بين منظور وأشعار لشباب عبر برسومه ووفاءه للشهداء وفي نفس الوقت الفضلات والأوساخ تتجاور مع الإبداعات السامية، حتى لو حاولنا أن نبرر أن القذارة أحياناً نوع من التعبير. كان يمكن للشباب تنظيف المكان الذي مثل العسف المطلق بالأمس واليوم يمثل الانعتاق. بالأمس صعدت مع بعض الشباب، أشاروا على النجارية والناظور، لم يكن هناك شجر أو خضار، سيمان وآجر، لو أن جماعة تطوعت من معهد الفنون الجميلة والأهالي يتبرعون بالدهن ليدهنوا المدينة بألوان قوس قزح لتعبر عن الإنعتاق والتميز والجمال، أعلمني الشبيبة أن الشارع الرئيسي كان تقريباً منطقة محرمة،لو أن كل زائر للمدينة يحمل معه نبتة تزرع ويسقيها شباب تالة لتكون نقطة تواصل وتآزر وتضامن لمقاومة التعسف والقمع، صورة المدينة اليوم يجب أن تكون صورة الجمال الذي يحمي من الاكتئاب والانهيار، لا بد أن يفتك الأهالي محيطهم ويسيرونه بأنفسهم، من كان مستعداً لتقديم روحه من أجل مدينته يمكن أن يعطي اليوم جهده لمدينته، سألتيني قبل قليل عن شعوري اليوم بعد كل سنوات النضال، أعتقد أن المناضل ليس من أجل الوصول إلى السلطة، هو يناضل من أجل النضال والوطن، ولو أن ذلك سراب، النضال بهدف محاولة التبديل، انتصار على السلطة التي تسعى إلى تعقيد الواقع ورفض الغير، وبعد ما يقارب 40 عاماً وفي أواخر 2010 كان هناك كم كبير من الإحباط، لكن الثورة أظهرت أن شبابنا قادر على التضحية، أعطت الثورة جوانباً جديدة لا تعتمد على الهرم السياسي، بل على العلاقات الأفقية، أعطت الثورة طرق في استخدام واستيعاب الاتصالات الحديثة، لكن اليوم وقع تراجع في انتظاراتنا مع انتقال السلطة إلى قوى ظلامية، هذا هو تاريخ الثورات، فيها دائماً مد وجزر، لكن المهم أنه وقع ترويض الخوف وأصبحت حرية التعبير مكسباً يصعب إفتكاكه، سقطت القدسية عن أهل السياسة وأهل النفوذ والسلطة، ورغم الإحباط لأن انتظاراتنا كانت أكبر من أن يحتويها الواقع، لكن الصيرورة بدأت وستتواصل ولا يمكن إيقافها،و أنا سعيد لأنني أتيت إلى تالة، لقاء الشباب في حد ذاته حدثاً.
«اعتصام رحلة وثائقية» لكمال رقية
قدم كمال رقية فيلمه قائلاً: بدأ تصوير الفيلم منذ عامين بين سوسة وتالة في الحافلة، ثم تبلورت فكرة فيلم وثائقي بعد عامين على الثورة، عدت لتالة المدينة التي لي فيها حنين، صورت بسام في فترة اعتصامه احتجاجا على البطالة، وفي نفس الوقت كان لي لقاء مع شباب تالة للحديث عن الثورة وما بعد الثورة، صورت الأشياء الممنوعة في عهد بن علي، صورت الطرقات والأحياء دون أن يعترضني بوليس ويطلب أوراقي، الفيلم ليس فيلم روائي أو وثائقي، فيلم يحكي عن تجربة عشتها، كيف يمكن تصوير أناس عندهم أكثر من 30 سنة لم يتكلموا، وكيف يمكن إيصال كلمتهم، لا يوجد بطل في الفيلم كل الشخصيات أبطال، غيث شاب صغير ملتحٍ لكنه أكد أنه يصلي ولا علاقة له بالنهضة ولا بالغنوشي أو أي حزب، حوله رفاقه الشباب في مقهى يتحدثون عن تالة مدينتهم، عن أحلامهم وإحباطاتهم وثورتهم بكثير من السخرية وخفة الروح ونكران الوجع، يقول لم يكن تواصل الثورة عشوائياً كان هناك تنسيق بدائي لكنه ناجع، النساء تعطيننا الطماطم لنضرب بها، وتحضر لنا الحليب والماء والقازوز، كنا نهتف شعاراتنا وعندما تزغرد النساء تعطينا شحنة من الحماس(يا بوليس فيق فيق الحجامة تحكم فيك) ويجن جنون البوليس، حطينا المسامير في طريق الموتورات،ونشرنا جوارب البوليسية اللي شديناهم على الحبال، كان هناك تنسيق بين الأحياء، أعلمونا أن مسئول سيأتي للتحدث معنا، انتظرنا الحوار فجابهونا بالغاز والكرتوش، وألقوا القبض على الأولاد. لكنا كنا آخذين احتياطاتنا، خرجت لهم كل الأحياء،والغريب كان عندنا 6 موتى في تالة وتونس تتفرج على 5 أهداف بين النجم والترجي.أول إنتفاضة كانت في تالة ولما ماتوا 5 ثارت القصرين والرقاب وبقية المناطق،كم نتمنى أن ترجع تلك اللحظات، اليوم رجعنا أموات، قبل حتى من كانوا على خصام منذ سنوات طويلة تصالحوا قبل الثورة، عندما يقع واحد يحمله الآخر ويحميه، اليوم كل واحد يبحث عن مصلحته، البطالة لا تفتح الآمال، ذهبت أطلب عمل عند المعتمد، أعلمني أن هناك في سوسة مقاول يبحث عن عمال، لماذا نذهب إلى سوسة، وتالة ماذا نفعل بها ، نتركها ونكتب على مدخلها لافتة« تالة للكراء»؟هل نحن تابعين تونس؟ لا بد أن نضع اليد في اليد لأن تالة عندها ماتقول وستقول. الأمل موجود في قلوبنا ولا أحد سيقدم لنا ما لا نريد، رغم أن الشباب اليوم يتساءل لماذا قمنا بالثورة؟
أحداث الفيلم تجري على صورتين، الأحداث اليومية و مقاطع من مداخلات مفكرين يتحدثون عن تاريخ تونس وأحداثها، كذلك على الشاشة لوحات خلفية من مقولات ابن خلدون.
تنشيط الأطفال
في تالة كانت فسحة تنشيط الأطفال لجمعية ألوان الحرية بهجة للقلب، أتى الأطفال باكراً بثياب جديدة كأنه العيد، والشباب الذي نشط وأشرف على التظاهرة مختص وخاصة نشعر أنهم يحبون الأطفال و يفهمون احتياجاتهم، لذلك لا بد من أن تتواصل هذه التظاهرة للأطفال دون انتظار مناسبة خاصة.كما تم عرض لمسرح الحقيقة بتالة من اخراج مكرم الرقيق بعنوان «وجهة نظر». ومن الأفلام المختارة أيضاً الفيلم العراقي الذي عرض في الكاف « في أحضان أمي» لعطية الدراجي.
من الصعب الحديث عن هذا الفيلم الوئائقي بسهولة،واقع يتجاوز كل منطق، في العراق اليوم قرابة المليون يتيم، وفظاعة بيوت الأيتام الحكومية ليس لها بديل، هشام أستاذ عراقي يأخذ على عاتقه 35 طفلاً من ضحايا الحرب محاولاً إعطاءَهم فرصة جديدة للخروج من انهياراتهم وعذاباتهم، لكن مالك البيت المنهار الذي احتضن فيه هشام الأطفال مقامًا ومدرسةً يريد استرجاع منزله، و تبدأ رحلة البحث عن بيت وعن إعانات لا تأتي يقرر هشام مع الأطفال تقديم عرضاً مسرحياً يروي فيه كل طفل حياته ومأساته، وكانت التجربة بمثابة تحرير من قيود الذاكرة. فيلم موجع إلى أبعد حدود الوجع.
وفي الكاف عرض فيلم باكو رومان لسمبليس أغانو بوركينا فاسو
خمسة مراهقين هاربين من ديارهم لسوء المعاملة ومتجهين نحو أقرب عاصمة مشياً على القدمين، المسافة بعيدة، كل منهم يحكي حكايته وخيبات أمله وآماله، غذائهم الوحيد امتصاص «الكولة» في أكياس من البلاستيك، وسرقة بعض الطعام على الطريق، التخلي عن الأسرة والذهاب إلى أرض مجهولة، والبحث عن مكان للنوم، الرحيل بعيداً للخلاص من جحيم العائلة، صور لواقع الطفولة في البلدان الأفريقية والفقر المنتشر والأمراض والمخدرات، رحلة بين جحيم وجحيم.
في تونس كان عرض فيلم «معلول » لميشيل خليفي
«معلول» قرية فلسطينية من الجليل، دمرها الجيش الإسرائيلي سنة 48، وأطرد كل سكانها، وجردهم من أملاكهم، لم يبق من القرية إلا كنيسة وجامع، آخر الآثار التي يمكن للزائر أن يراها ما بين حيفا والناصرة، ومع مرور الزمن توارت المدينة خلف غابة تم انشاؤها من طرف السكان تخليداً لذكرى ضحايا النازية، وهكذا محت سلط الاحتلال مئات القرى من الخريطة العربية، اكتسب أهل «معلول» القدامى عادة جديدة تتمثل في التنزه مرة كل سنة في موقع القرية المدمرة، ولمفارقة يوم النزهة هو يوم استقلال إسرائيل، والفيلم يحمل هاجس ميشيل الخليفي في كل أفلامه « الذاكرة الخصبة» والعلاقة الحميمية والعميقة مع الأرض.
كما قدم ميشيل الخليفي فيلمه «الطريق 181» والتقى مع مجموعة من السينمائيين الشبان في لقاء تكويني
جميع الأفلام دون استثناء كانت جميلة معبرة عن الحقوق والحريات ومشاكل الأطفال في العالم، اخترنا بعض من الأفلام التي عرضت لضيق المساحة.
تنوعت التظاهرات في الأيام، كانت هناك عروض موسيقية شبابية شاركت فيها عديد الجنسيات العربية والأفريقية والأجنبية، ومعرض صور لمحمد شلوف «أطفال الجنوب» وعرض لعب صنعها أطفال أفارقة.
كان البرنامج غنياً غنياً جداً، أختتم بحفل موسيقي كبير في قاعة الكوليزي بمشاركة فرقة«ديدي أوادي» من السينغال. ودارغ تيم» فلسطين. «سموكي» بوركينا فاسو. و«ايلترا سول سيستيم» تونس.
الإعلام
تغيب كامل وشامل للإعلام ماعدا مراسل الزميلة الشروق،وقناة الحوار في الكاف، ورغم الاتصالات العديدة من كل الأطراف، تالة وسيدي بوزيد هي مثل «الملزومة» تتكرر في المناسبات، لكن يبقى العمل ضمن النظري، أما العملي فكل واحد يتركه للآخر لا يوجد إيمان حقيقي بأن للثورة ثمارها، فلقاء تالة والحوض المنجمي والكاف كانت أكبر دليل أن ثمار الثورة متدنية ويمكن قطافها.
كذلك الدليل أن مازال للثقافة مكانتها، وأن حقوق الإنسان يمكن أن تكون ركيزة للثقافة والثقافة ركيزة لحقوق الإنسان. والملف أكبر من أن تحتويه صفحات لكن قبل غلقه الشكر لسمير بوعزيز و دوجة المستيري وخليل التركي، فقد جعلوا من الأيام متعة وفكر واكتشاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.