تأسست شركة الفولاذ بمنزل بورقيبة سنة 1963، وبعد سنة انطلقت في العمل الفعلي والانتاج الحقيقي، وفي ظرف وجيز أصبحت قطبا صناعيا رائدا لا على المستوى الوطني فحسب بل على الصعيد الافريقي القاري. وساهمت شركة الفولاذ مساهمة فعالة في التشغيل وفي تطوير البنية الاساسية وعديد المرافق العامة، الى ان اصبحت خلال الثمانينات تشغل زهاء 3 آلاف عامل. وفي الفترة الاخيرة، شهدت شركة الفولاذ اضطرابات عديدة وصلت الى حد الاغلاق جراء اعتصام نحو 200 عاطل عن العمل بسبب بعض الانتدابات المسقطة وغير المستوفية للشروط القانونية، بل لعلّ بعضها قد اقترن بالمحاصصة وبالعلاقات العائلية لبعض اصحاب القرار السياسي. في هذا السياق اجرت «الشعب» هذا التحقيق الميداني في محاولة منها لملامسة ابرز المشاكل التي تعاني منها الشركة والعاملين فيها خاصة بعد التسريبات الاخيرة التي ترتبط بمحاولة خصخصتها او بيعها لاطراف خارجية . يقول بسام بن تركية: إن أهم المشاكل التي تعاني منها شركة الفولاذ ترتبط بالاساس باهتراء التجهيزات والمعدات، فضلا على ان هذه الشركة قد باتت تواجه منافسة شرسة من قبل المصانع الخاصة. ويضيف بسام ان حاجة السوق الوطنية من الحديد تصل الى 600 ألف طن سنويا، في حين ان شركة الفولاذ لا توفر منها سوى 150 ألف طن، والفولاذ تتولى شراء الخردة وتعيد تصنيعها وهي بذلك الصانع الوحيد للحديد والصلب. ويبيّن بسام بن تركية انه ورغم المهارات العالية والخبرات الكبيرة التي تتوفر عليها الشركة، الا ان هناك غيابا للارادة في توفير الاحتياجات الاساسية للسوق من مادة الحديد، إذ على الدولة التونسية ان تستمر في هذا القطاع ومن داخل هذه الشركة من خلال تركيز فرن كهربائي جديد بطاقة انتاج يمكن ان تصل الى مليون طن سنويا. وعن اسباب ديون شركة الفولاذ بمنزل بورقيبة يقول بسام انها تصل الى 230 مليون دينار، بحكم عجز نشاطها التجاري، ويضيف ان الشركة كانت مستهدفة من قبل النظام السابق الذي اغرقها في الديون كخطوة أولى باتجاه بيعها لاصهار الرئيس السابق. وقد عانت الشركة جراء اغلاق الفرن العالي وتسريح نحو ألف عامل من اصحاب الخبرة والكفاءات، كما تم تهميش الشركة من خلال تغييب قانون اطار واضعاف نسبة التأطير التي باتت لا تتجاوز ٪4. ولا أدل على ذلك سوى ان شركة الفولاذ ما انفكت تعيش منذ خمس سنوات دون رئيس مدير عام مساعد وبلا أي مدير من المُدراء وهي اليوم في حاجة الى مراجعة قانون الصفقات العمومية بما يتلاءم والاستحقاقات الاقتصادية والتنموية القادمة للشركة. بعد الثورة انفراج وانهاك ويبيّن بسام بن تركية ان مرحلة ما بعد الثورة قد شهدت ادماج نحو 500 عون من اعوان المناولة في قطاع الهياكل المعدنية لصناعة الاعمدة الكهربائية، حيث اثقل هذا العدد الهائل كاهل ميزانية الشركة وأخَلّ بموازناتها المالية. ويعتبر بسام بن تركية ان تسريح 440 عونا من ذوي الملفات الصحية والاسراع في تنفيذ هذا القرار من شأنه ان يعيد العافية للشركة خاصة اذا ما ارتبطت هذه العافية بوضوح عمليات الانتداب التي اتسمت في المدة الاخير بعديد التأويلات والتعليقات وافرزت حالات احتقان. ومن جانبه، لم يستبعد كمال المعلاوي ما عرفته عملية الادماج الاخيرة من شوائب جمة. فالذين تم أدماجهم طبقا لمرسوم العفو التشريعي العام والمسرحين من مؤسسات وقعت خصخصتها، فيهم من بلغ سن التقاعد، اذ كان على الدولة تمتيعهم بتقاعدهم كاملا وفتح باب الانتدابات امام الشبان من العاطلين عن العمل. وحول خصخصة الشركة من عدمها يقول سامي السيد ان بعض وسائل الاعلام قد سربت في الآونة الاخيرة خبرا مفاده ان احد المستثمرين الاتراك في مادة الحديد قد تمتع بنسبة ٪49 من اسهم الشركة وان عملية بيع هذه الاقساط قد تزامنت مع توقيع محضر اتفاق ينص على تسريح 260 من اصحاب الملفات الصحية وذلك يوم 7 مارس 2013. وهذا ما تسبب في اندلاع حركات احتجاجية منظمة وشرعية، لكن خلال جلسة التفاوض التي ضمت الاطراف الاجتماعية نفت الجهة الرسمية نفيا قاطعا هذه الاخبار، كما تعهد وزير الصناعة بتكوين فريق عمل يكون فيه الطرف النقابي ممثلا لدراسة واقع المؤسسة واستشراف مستقبلها، لكن منذ 10 مارس الماضي لم يتشكل هذا الفريق الى حد الآن! ويضيف سامي السيد ان الفريق الحكومي قد ابدى استغرابه من عملية الانتداب العشوائي وعبر عن استعداده لتحديد الشروط الموضوعية واضفاء الشفافية اللازمة عند كل عملية انتداب مستقبلية. ويتساءل سامي السيد: لماذا لا تريد الدولة الاستثمار في هذه الشركة وتوفير ارباح هائلة وتسعى في المقابل الى التفويت فيها للخواص الاجانب. اذ لابد ان يقع تدعيم هذه الشركة ودعم صورة تونس في الفضاء الافريقي حيث يصبح بإمكان هذه الشركة انتاج مليون طن من الحديد سنويا. ويبيّن سامي ان عمال الشركة هم الذين تولوا اخراج المعتصمين بعد ثلاثة ايام واعادة الحياة والنشاط الى الشركة، ذلك ان العمال ليسوا ضد المطالبة بالشغل ولكنهم ايضا ضد ايقاف النشاط الاقتصادي للشركة وتعطيل نحو 1500 عامل بها. ويبيّن سامي الأسود: أن تركيز فرن كهربائي بسعة انتاج تصل الى مليون طن سنويا وتظافر جهود سلط الاشراف والادارة والطرف النقابي، بإمكانه تفادي خسارة النشاط التجاري وتدعيم ربحية النشاط الاقتصادي وبالتالي تدعيم دور الشركة على الصعيد الوطني او على الصعيد الافريقي، حيث تبدو السوق الافريقية واعدة جدا خاصة بعد النجاح الذي تحقق في روندا والمشاريع المعروضة حاليا على الشركة وخاصة في مجال الهياكل المعدنية بعدد من الدول الافريقية.