مرّة أخرى يثبت الإتحاد العام التونسي للشغل أنّه من أهمّ ضمانات الوحدة الوطنيّة التونسيّة وأحد الركائز الضروريّة التي لا غنى عنها لاستمرار العيش المشترك بين التونسيين مهما اختلفت رؤاهم وتصوراتهم وانتماءاتهم الفكريّة والسياسيّة. على صخرة الاتحاد العام التونسي للشغل تتحطّم كل موجات الارتداد والتخريب والفوضى التي تستهدف البلاد، وفي اللحظات التي يعتقد فيها الجميع أن العتمة والظلام قد ينجحان في بسط ستارة من اليأس والتشاؤم والخوف والعنف على هذا الشعب العظيم رغم المحن والتحديات يهبّ أبناء وأحفاد حشاد لشق طريق النور والأمل والتعايش المشترك، طريق يمرّ حتما عبر آليّة الحوار والتوافقات وتغليب المصلحة الوطنيّة العليا بعيدا عن المصالح الشخصيّة والفئوية والجهويّة والسياسيّة ممّا يجنّب البلاد حالة التدافع والفوضى التي تهدد وحدة النسيج الاجتماع? وتنبئ بإمكانية الدخول في حالة من الصراعات العبثيّة المهلكة للجميع. 25 يوما مرّت على المبادرة التي تقدّمت بها الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل المجتمعة يوم 29 جويلية 2013 برئاسة الأخ الأمين العام حسين العباسي للنظر في ما آلت إليه الأوضاع بالبلاد، ولتقييم الواقع ودراسة المستجدّات مساهمة منها في تقديم مقترحات من منطلق مسؤولياتها التاريخية والوطنية وذلك بغاية الخروج من الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها البلاد واستكمال ما تبقّى من المرحلة الانتقالية بصفة توافقية وسريعة، خاصّة بعد الاغتيال السياسي الذي طال المناضل الشهيد محمّد براهمي أحد أهمّ رموز التيّار القومي ?لتقدمي بتونس ومنسّق التيار الشعبي وأحد قياديي الجبهة الشعبية وعضو المجلس الوطني التأسيسي والكاتب العام المساعد السابق لنقابة الوكالة العقارية للسكنى. شق خلالها الاتحاد طريقه وسط طريق شاق زادته حالة الاحتقان الأمني وتعاظم خطر الإرهاب الذي هز الضمير الشعبي التونسي بعد جريمة اغتيال الشهيد محمد براهمي بمجزرة بشعة تمثلت في تصفية ثلّة من جنودنا البواسل والتمثيل بجثثهم بطريقة وحشيّة لم يسبق للشعب التونسي أن عاشها، هذا إضافة إلى حالة الاستقطاب الحاد التي عرفتها الساحة السياسيّة بين أنصار الحكومة والشرعيّة من جهة الذين رفعوا الخطوط الحمراء في وجه كل المبادرات وبين ائتلاف الأحزاب والجمعيات المنضوية تحت جبهة الإنقاذ الوطني من جهة أخرى والتي أعلنت كردّة فعلا على ت?اظم خطر الإرهاب وتكرّر جرائم الاغتيال السياسي ضد المعارضين والتحريض على القتل والدعوات المتشنجة الحاقدة إلى اجتثاث كل نفس معارض للحكومة. ولم يكن الاتحاد نفسه بمنأى عن حملات التشويه والتخوين من قبل أنصار الحكومة ومن قبل بعض قياداتها الذين انضموا إلى جوقة الدعاية المغرضة ضد المنظمة ولا عن حملات المزايدات السياسيّة على مبادرته حيث اعتبرها البعض دون الحد الأدنى الضروري للرد على صلف الحكومة واستمرار سيناريوهات التصفيات السياسيّة. وحدة الموقف بين اتحاد الشغل واتحاد الصناعة غير أن كل هذه العواصف الهوجاء التي مرّت بها البلاد وكان للاتحاد النصيب الأوفر منها لم تفل من عزيمته في التشبث بمبادرته والسعي إلى جمع كل الفرقاء حولها لتجنيب البلاد حالة الفراغ والعطالة والاحتقان المنذر بالانفجار في كل لحظة. فكانت أولى اتصالاته مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة الذي تفاعل مع المبادرة وتبنى مضامينها واعتبرها تشكل المخرج الوحيد من الأزمة وكذلك تم التشاور مع الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين لتنفتح المشاورات بعد ذلك على بقيّة المكونات المجتمعة من ?كومة ومعارضة وشخصيات وطنيّة وامتدت الى عديد السفراء من الدول الشقيقة والصديقة وكذلك بعض المنظمات الإقليمية والدوليّة. وعلى امتداد ثلاثة أسابيع تحولت بطحاء محمد علي ومقر اتحاد عمال المغرب العربي إلى وجهة لكل الفعاليات الاجتماعيّة والسياسيّة للتشاور ومحطّ أنظار الصحافة الوطنيّة والعربيّة والدوليّة والأمل الوحيد المتبقي للشعب التونسي الذي أرهقته الاغتيالات المتكررة والانفلاتات الأمنيّة وتمدد خطر الإرهاب الذي تحوّل من حدث عارض إلى حقيقة يوميّة يتابعها بين ظهرانيه ويألم لضحاياه من أبنائه. دم الشهيد محمد براهمي وجنودنا البواسل عنوان الصحوة الشعبيّة كلّ هذا الجهد الجبّار المؤسس على حقيقة يتقنها النقابيون الذين جبلوا على التفاوض وتدوير الزوايا للوصول إلى اتفاقات وحلول بين الفرقاء مع إعلاء المصلحة العليا للبلاد، كتب له النجاح المنتظر حين تجاوزت حركة النهضة لاءاتها وخطوطها الحمر التي رفعتها في وجه المعارضة ومن ورائها غالبية المنظمات والفعاليات الشعبيّة التي خرجت بالآلاف بعيد اغتيال شهيد الجمهوريّة الحاج محمد براهمي يوم 25 جويلية وأثناء تشييع جنازته يوم 27 جويلية، وبمناسبة إحياء مرور ستة أشهر على اغتيال الشهيد شكري بلعيد في 6 أوت، والاحتفال بعيد المرأة يو? 13 أوت رغم بروز حقيقة جديدة أكدت خسارتها معركة التجييش والاحتكام للشارع رغم ما بذلته من جهد مالي ودعائي لكسب هذه المعركة، ولكن قبل كل ذلك كان لواقعيّة المبادرة التي طرحها الاتحاد وعمل على تقديمها بوصفها الحل الأمثل الذي يجسّد المشترك بين الجميع دون اصطفاف إلى طرف دون آخر سواء الحكومة أو المعارضة أهميّة و في إقناع بعض حلفاء الترويكا وخاصة رئيس المجلس الوطني التأسيسي السيّد مصطفى بن جعفر بالتفاعل الايجابي معها والمسارعة إلى تعليق مداولات المجلس التأسيسي خاصة بعد إعلان نواب المعارضة الانسحاب واعتصامهم أمام ا?مجلس الوطني التأسيسي مطالبين بحل المجلس والحكومة، هكذا رفض السيّد بن جعفر وهو أحد أضلع الترويكا سياسة الهروب إلى الأمام والأمر الواقع التي سعى بعض حلفائه في الترويكا إلى فرضها على الجميع في تحدّ سافر لزملائهم من النواب المرابطين «باعتصام الرحيل بساحة باردو» وللإرادة الشعبية التي هزتها بعنف حادثتا اغتيال الشهيد محمد براهمي وتصفية جنودنا البواسل بالشعانبي فخرجت بالآلاف في أغلب المدن التونسيّة وأعلنت الاعتصامات المفتوحة في العديد من الميادين من جنوب البلاد إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها. وانتصرت الحكمة لقد كتب النجاح للاارادة الخيرة والصادقة التي تحلى بها الاتحاد العام التونسي للشغل قيادة وقواعد وانتصرت الحكمة وإعلاء مصلحة الوطن على كل المصالح الحزبية الضيقة، وسجل انتصار جديد لتونس بقبول مبادرة المنظمة التي شكلت على امتداد التاريخ ضمير البلاد الحي وروحها المتوهجة، نقول كلامنا هذا في انتظار أن يلتزم كل بالوعود التي قطعها على نفسه وألاّ نفاجأ بمناورات سياسيّة جديدة قد تعود بنا مجددا إلى عنق الزجاجة الذي خلنا أننا خرجنا منه وإلى مربّع الأزمة والاحتقان والوقوف على حافة الهاوية الذي اعتقدنا أننا غادرناه بلا ر?عة نحو أفق من التوافق يجنّب البلاد المآلات التي وصلتها بعض الدول غير البعيدة عنّا. نرجو أن تكون مبادرة الاتحاد واضحة في أذهان البعض كما صرحّوا بما يكفي لتجنيبنا مزيد إضاعة الوقت بالالتفاف والدخول في تأويلات لا طائل منها، فالبلاد لم تعد تحتمل وقتا ضائعا أكثر مما أضاعته سابقا.