«تم فتح تحقيق في الغرض»... و«القانون سيأخذ مجراه»... من أكثر الجمل تداولا في الحقل السياسي بعد سقوط النظام السابق، حتى أن وزارة العدل قررت إحداث قطب قضائي يختص بالنظر في ملفات قضايا الفساد المالي والإداري... غير أن «تونس الثورة» ما زالت «تحتل مكانة مرموقة» من بين الخمس دول الأوائل في الفساد والرشوة واستغلال النفوذ... إذ يبدو أن رموز النظام السابق لم يأخذوا معهم سوى وجوههم ليتركوا مختلف أدوات مواصلة ذات النهج... بوجوه جديدة... في ظل تواصل انعدام الحوكمة والشفافية الإدارية والمالية... رغم إحداث وزارة «الحوكمة» التي قد تكون هي الأخرى عنوانا للفساد... ولعل من بين الشعارات الدالة على استفحال الفساد وسوء التصرف، ذاك الشعار القائل: «الشعب فدْ من الطرابلسية الجددْ»، والى حد الآن لم نسمع من الحكومات الانتقالية المتعاقبة على جراح هذا الشعب وخاصة منها «الحكومة الشرعية» سوى تصريف اللغة والمراهنة على ذاكرة النسيان... ففي كل مرة يخرج علينا وزير ما أو رئيس الحكومة في حدّ ذاته ليقول لنا بأنه تم فتح تحقيق في الغرض وبعد ذلك لا نسمع شيئا عن نتائج التحقيق ولا عن كلمة القضاء... بل إن هناك من الملفات ما تم استحداث لجان خاصة بها... لم نسمع هي الأخرى بنتائجها... ولنا عديد الأمثلة التي تسعفنا بها الذاكرة القريبة والبعيدة... فالتحقيق المفتوح في ما يعرف بقضية «الهبة الصينية» لم يُغلق بعد رغم أن جميع المعطيات وقرار القطب القضائي تؤكدان أن رفيق بوشلاكة الوزير السابق للشؤون الخارجية متورط بمعية مدير ديوانه ومدير ديوان وزارة المالية في تحويل الهبة التي منحتها الصين إلى تونس والمقدرة قيمتها مليار وست مائة ألف دولار إلى الحساب الشخصي لصهر راشد الغنوشي!؟ تحقيق ثان خطير فُتح ضد حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة السابقة وعلي العريض وزير الداخلية آنذاك وعدد من القيادات الأمنية... ولم نسمع بأحكامه إلى الآن، قضية الاستعمال المفرط للقوة واستخدام الرش المحظور دوليا ضد المحتجين في سليانة والذي افقد العديد منهم نعمة البصر... وفي علاقة بأحداث الرش، واصلت الحكومة ذات السياسة، حيث اعتدت بشكل فاشي على المحتفلين بأحداث 9 أفريل 2012 بل إن الصور والمقاطع المسجلة أثبتت تورط ميليشيات في «معاضدة» رجال الأمن وكالعادة فُتح تحقيق في الغرض، بل تم تشكيل لجنة... والى الآن لا يلف أعمالها سوى الصمت والتجاهل... الاستيلاء على أموال الصندوق الاجتماعي للمساجين... هي الأخرى قضية محل أنظار القطب القضائي، والتحقيق لم يقل كلمته في المتهم الأول وهو وزير العدل سابقا نور الدين البحيري والمستشار الحالي للحكومة (؟؟؟) اغتيال الزعيم الوطني شكري بالعيد والزعيم القومي محمد البراهمي، وان تم نسبهما إلى تنظيم أنصار الشريعة فان المسؤولية السياسية لن تثقل سوى «أكتاف» الحكومة الشرعية... غير أن التحقيق المفتوح في حقّ المرحوم لطفي نقض مازال هو الآخر قيد التلاعب من محكمة إلى أخرى... فالمسألة متورط فيها عدد من «روابط حماية الثورة» والغطاء السياسي غير خافٍ على الجميع... أما صفقات البيع والشراء والتلاعب بالصفقات العمومية فهي تُعدّ بالمئات...