ينتاب أعوان الشركة الوطنية للاتصالات هذه الأيام شعور بالحيرة و تتواتر الأسئلة في أذهانهم حول المتغيرات التي تنتظر مستقبل قطاعهم ، متغيرات أحسوا أنها ستتجاوز الخطوط الحمراء لتعصف باستقرارهم المهني و مكاسبهم بل قل بشغلهم. إن مثل هذا الإحساس مردّه في البداية ما أقدمت عليه الدولة التونسية من تفريط في نسبة 35 في المائة من رأسمال الشركة الوطنية للاتصالات لفائدة شركة «تيكوم ديغ « الإماراتية في إطار صفقة بلغت قيمتها ثلاثة آلاف مليار من المليمات التونسية . و قد كان جميع الأعوان قد عبّروا من خلال هيكلهم النقابي عن رفضهم التفويت في أي نسبة من رأسمال الشركة للأجنبي و ذلك : أولا من زاوية وطنية باعتبار أن هذا القراريحرم تونس من مؤسسة تدر عليها أرباحا كبيرة كما أن ذلك يعرّض أمن البلاد إلى الخطر نظرا لكون قطاع الاتصالات يعتبر قطاعا استراتيجيا حساسا، و ثانيا من زاوية مهنية باعتبار ذلك يشكل خطرا على مستقبلهم و يحرمهم من مكتسباتهم . و لقد بيّنت التجارب من نفس النوع و التي حصلت في بلادنا أو في بلدان أخرى أن المتضرر الكبير فيها هو الوطن و مصالح العون بينما المستفيد الوحيد هو الرأسمال الأجنبي . و من ناحية أخرى فإن هذا الإحساس مردّه التغييرات الهيكلية التي ينوي الشريك الاستراتيجي الأجنبي إدخالها على الشركة ، فبمجرد إتمام صفقة بيع 35 في المائة من رأس مال الشركة شرعت 12 لجنة في إعداد هيكل تنظيمي و آلية عمل جديدتين بموجبهما يتم تحقيق أهداف جديدة متمثلة خاصة في الحد أقصى ما يمكن من المصاريف و جني أكثر ما يمكن من الأرباح. الملفت للانتباه أن من يعدّ و يخطط لهذه التغييرات الجذرية هو الشريك الأجنبي الذي أصبحت سلطة قراره تتجاوز وزنه في مجلس الإدارة باعتباره لا يملك سوى ثلث رأس المال. و هذه الوضعية عمقت من حيرة و قلق الأعوان إذ كان الاعتقاد السائد بعد تأكيد السيد وزير تكنولوجيات الاتصال في تصريحات صحفية و في لقاء مع أعضاء الجامعة العامة للبريد و الاتصالات في وقت سابق أن عملية البيع ستقتصر على ال 35 في المائة من رأسمال الشركة و لن تتعدى ذلك. لكن ما راعنا إلا و المواقع الاقتصادية التونسية على الانترنيت ( ك»الويب منادجر ) و معرض الصحافة الذي توزعه الشركة على أعوانها يسرّبون خبرا مفاده أن بيع 16 في المائة أخرى من رأسمال شركة « اتصالات تونس» رهين أمور شكلية و مسألة وقت لا أكثر و لا أقل . بعبارة أخرى إن الشريك الاستراتيجي يستعد لشراء 16 في المائة أخرى من رأسمال الشركة ليصبح مالكا ل 51 في المائة منه و هذا يعني أن القرارات الحاسمة لن تحددها الدولة مستقبلا بل الشركة الأجنبية و بعبارة أوضح أن كل هيكلة و نظام عمل جديد سيراعي بالدرجة الأولى مصالح الشركة الأجنبية و لن تراعي مستقبلا مصالح الوطن و الأعوان و حاجياتهما. ألا يحق لأعوان « اتصالات تونس « إطلاق صرخة فزع أمام هذه الوضعية ؟ إننا اليوم في مفترق طرق ، إما التمسك بثروات الوطن و تجنيد كافة الطاقات من أجل تطويرها و تنميتها حتى تعود على البلاد بالخير و النفع ، و إما الاستجابة لدعوات المؤسسات المالية العالمية الكبرى و المنظمة العالمية للتجارة المطالبة بخصخصة القطاع العام و التفويت فيه للشركات العالمية الكبرى لتصبح شريكا في كل رأسمال المؤسسات الكبرى التي كانت تعتمد عليها الدولة بنسبة كبيرة لتمويل ميزانيتها . و نطرح عندها السؤال ما هي فائدة هذا التمشي الثاني على الوطن و الشعب و الذي نحن جزء منه ؟ من يستطيع أن يقنعنا أننا سنجني فائدة من تمكين هذا الغول العالمي من احتلال موقع متميّز و أفضلي داخل مؤسساتنا و شركاتنا الوطنية ؟ و إذا كان الهدف هو الاستفادة من خبرات هذا الشريك و من إمكانياته التكنولوجية العالية فنحن نتساءل هل إن الاستفادة من التجربة و التطور التكنولوجي تستوجب بالضرورة تمكين أصحاب هذه الخبرات من مراكز رئيسية في غرف قيادة المؤسسات الوطنية الكبرى ؟ ألا نكون بهذه الطريقة قد ساعدنا هذه الشركات على توظيف قدراتها التكنولوجية العالية لجني أكثر ما يمكن من أرباح كان من المفروض أن يجنيها وطننا العزيز؟ هل إن التفويت هو قدر حتمي أم خيار ؟ لقد صوّر لنا البعض أن هذا التمشي قدر لا بدّ منه و أن الانصهار في نظام العولمة هو مصيرنا الحتمي و بدون ذلك ستسحقنا عجلة المنافسة و يدمرنا التخلف العلمي و التكنولوجي و يؤدي بمؤسساتنا إلى الإفلاس. هل هناك خسارة أكبر من أن يفرط الإنسان في أعز و أثمن ما يملك ؟ ألم يكن بالإمكان الاستفادة من التطور العلمي و في نفس الوقت الاعتماد على الخبرات البشرية التونسية في مجال الاتصالات ، هذه الخبرات التي تزخر عطاء إذا أعطيت لها الفرصة في قيادة المؤسسة و تمكينها من الامتيازات التي تعطى للمستثمرين الأجانب ؟ ملخص القول ، ما هي مصلحة 8 آلاف عون في « اتصالات تونس « و 10 ملايين مواطن تونسي من مؤسسة اتصالات متطورة جدا جدا يملك أغلب رأسمالها أجنبي ؟ من يستطيع أن يقنع أعوان الاتصالات أن أوضاعهم ستتحسن و استقرارهم سيتضاعف و الإحساس بالأمان في المستقبل سيتعمق بقرار التفويت في نسبة 16 في المائة إضافية من رأسمال الشركة الوطنية للاتصالات لفائدة شركة أجنبية ؟ هل يمكن أن يصدق العون في «اتصالات تونس» التطمينات التي يصدرها بعض المسؤولين و هو يطلع على تطبيقات الهيكل التنظيمي الجديد الذي سيقلب المؤسسة رأسا على عقب و الذي أدى في بعض المصالح إلى تقليص عدد العاملين فيها ( الإرشادات و الفوترة و غيرها قادم ) هل يمكن أن يتفاءل و هو يطلع على قرار صدر في الرائد الرسمي في 10 أكتوبر 2006 يعلن حذف «اتصالات تونس» من قائمة المنشآت العمومية و هو قرار يكسر القيود القانونية التي تمنع الأجنبي من العبث بحقوق و مكتسبات الأعوان ؟ هل يمكن أن لا ينتابه السخط و هو يرى الأجانب يستولون تدريجيا على مواقع التسيير في الشركة الوطنية للاتصالات و تصرف لهم جرايات تفوق جراية التونسي عشرات المرات ؟ كيف لا يحس بالغبن و هو يعرف أن السيد الأجنبي حين يسيطر على أغلب كراسي مجلس الإدارة سيحوّل العون التونسي إلى آلة لن تكسب رضاه إلا إذا جسدت برنامجه في جني أرباح عالية جدا تمكنه من سرعة استرجاع قيمة رأس المال التي كان دفعها ؟ كيف يحس بالأمان و قد أصبح يشعر بالغربة في بلده و مؤسسته التي أعطاها من دمه و عرقه الكثير و أصبح يعرف أن هذا الأجنبي لن يعترف بالعطاء الغزير الذي كان وراء ارتفاع سعر المؤسسة و لن يرضى بالتالي بعطائه المتناقص بسبب التقدم في السن ؟ كيف لا يقلق و هو يعلم أن الأجنبي سيتفنن في اختلاق الوسائل لدفعه نحو « التسريح الاختياري « و إقناعه بخيرات جهنم ؟ و السؤال الكبير الذي يبقى مطروحا هو كيف يعرف الجميع أن هذا التمشي سيلحق بالضرر على أفراد الشعب والوطن و رغم ذلك يصرّون على المضي قدما فيه ؟ هذا هو الذي يحيّرنا . وعلى أمل أن يتم التراجع في قرار بيع نسبة ال 16 في المائة من رأس مال الشركة الوطنية للاتصالات و في انتظار أن يجدوا من يبدد حيرتهم و يجيبهم على كافة الأسئلة قرر أعوان « اتصالات تونس « تنفيذ قرار الهيئة الإدارية القطاعية القاضي بإنجاز اضراب بيوم و ذلك في 10 ماي 2007 .. و في الأخير نذكر كل من يريد الإجابة على أسئلتنا بالخبر الاقتصادي الصادر منذ أسابيع عن الصحافة العالمية و المتعلق بقرار النظام في فينيزويلا ( الحديقة الخلفية للولايات المتحدةالأمريكية ) تأميم قطاعي النفط و الاتصالات بعد أشهر من الآن ... أليس هذا هو المنطقي و المعقول ؟ محمد نجيب القلال كاتب عام النقابة الأساسية للاتصالات بصفاقس