كسائر بلدان العالم تحتفل بلادنا في مطلع غرة ماي من كل سنة بعيد الشغل العالمي وذلك تكريسا لقيم العمل والبذل وتكريما للشغالين من رجال ونساء، وللمؤسسات واللجان الإستشارية، مقدرة ومُثمنة جميع جهودهم من أجل مزيد ترسيخ أركان التنمية، ومثابرتهم المتواصلة لتحقيق التميّز والتألق تعزيزا لتقدم تونس وازدهارها. وقد إختارت تونس اليوم عن وعي إرساء تقاليد جديدة لا تكتفي بالطابع المراسمي والاحتفالي إحياء لهذه الذكرى، بل تتعداه الى الاعلان عن عديد الإجراءات الملموسة وذات إنعكاسات مادية ومعنوية بالغة الأهمية على الواقع اليومي للشغالين ومؤسساتهم. فانفردت بلادنا عن كافة البلدان الصاعدة عندما إختارت عن وعي إرساء سياسة إجتماعية تعاقدية إنتهجتها الدولة على أساس الحوار والتفاوض بين مختلف الأطراف الاجتماعية وتشكيلاتها النقابية المتنوعة. لقد أدت هذه السياسة الثابتة والمتزنة الى نتائج ذات دلالات عميقة من أهمها الزيادات في الاجر الأدنى المضمون في القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي، والترفيع في أجور العمال غير الخاضعين لاتفاقيات قطاعية مشتركة أو أنظمة أساسية خاصة ، والعمل على إعادة إحياء المؤسسات التي توقفت عن النشاط جراء الصعوبات التي تعرضت لها، وذلك بإصدار قانون يشجع المستثمرين على إعادة تنشيطها . إضافة الى المصادقة على الاتفاقية الدولية عدد 135 المتعلقة بحماية المسؤولين النقابيين في مؤسسات العمل، والترفيع في مظلة الإحاطة بالعمال المسرحين والترفيع فيها من 6 أشهر الى 12 شهرا والترفيع في سن الانتداب من 35 سنة إلى 40 ... ونثمن اليوم هذه السياسة الاجتماعية القائمة في بلادنا على الحوار والتفاوض، والمشاركة البناءة المراعية مصالح مختلف الأطراف وتخدم مطامح المجموعة الوطنية، وإذا كان من الواجب مزيد إثراء هذه المنجزات والمكاسب باستمرار وفق المصلحة الوطنية العليا، فإن الدعوة والمسؤولية الملقاة على عاتق الجميع اليوم، تكمن في ضرورة السهر على عدم استنزاف كل ثمرات الإنتاج لنتمكن من المحافظة على نسق التنمية والاستثمار، والزيادة في الخيرات لتوفير مزيد من الفرص الجديدة لطالبي الشغل، ومجابهة التحدّيات التي يعرفها اقتصادنا والمنافسة الشرسة على المستوى العالمي، ولا يتسنى ذلك إلا بمزيد توفير أسباب الازدهار لمؤسساتنا ومواصلة شحذ العزائم لضمان أوفر مقومات النجاح للمسيرة التنموية وتعزيز استقرار المجتمع ومناعة الوطن. فتونس اليوم وفي ظل هذا المناخ الاقتصادي العالمي المتصف بالشراسة والتنافس، لفخورة بأنها من البلدان القلائل في العالم النامي، التي تمكنت من المحافظة على نسب نمو مرضية، مع تحسين مستويات الدخل والعيش الشيء الذي أكسبها ثقة المستثمرين وجعل تجربتها التنموية انموذجا يقتدى به من طرف عديد الدول، من خلال نجاحها في الربط الوثيق بين النمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي الشيء الذي دعم إشعاعها في محيطها الإقليمي كبلد يتقدم باتزان على درب التطور والرقي. كما لا يفوتنا ونحن على أبواب الإحتفال بهذه الذكرى أن ننوه بالنجاحات الداخلية للاتحاد العام التونسي للشغل، وخاصة نتائج الجولة الجديدة من المفاوضات الاجتماعية، وعديد الملفات الكبرى، الشيء الذي مكّن من مزيد تدعيم مكانة الاتحاد على المستوى الدولي، حيث تعززت هذه المكانة وتطور إشعاع الاتحاد في المحافل النقابية الاقليمية والدولية، وعلى مستوى العمل الثنائي مع المنظمات الشقيقة والصديقة، منتهجا في مسيرته ثبات الاتحاد على نفس المبادئ والأهداف التي تأسس من أجلها ويواصل مسيرته اليوم على دربها. كما أن الدعوة ملحة اليوم الى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل الى بقية منظماتنا العتيدة (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري) الى مواصلة ومزيد ترسيخ الاستقرار الاجتماعي واعتماد الحوار منهجا في النهوض بعلاقات الشغل في كنف التضامن والوفاق والإلتزام بالمصلحة العليا للوطن.