نفّذت نقابات التعليم الأساسي والثانوي والعالي إضرابا ناجحا احتجاجا على سياسة الانتقاء والتسويف والمماطلة التي تنتهجها سلطة الإشراف ودفاعا عن مطالبها المشروعة. التعليم ضحيّة العولمة الليبرالية الجديدة: إنّ السياسة التعليمية في تونس، تعكس سعي سلطة الإشراف المتواصل للخضوع الى إملاءات صندوق النقد الدولي ولرؤيته في التربية أصبحت مهيمنة على السياسة الدولية حول التعليم وذلك بالتراجع عن اختيار أولوية المدرسة العمومية ومجانية التعليم عبر فرض سياسة تعليمية انتقائية تُخضع التعليم الى ضرورات السوق الرأسماليّة. إنّ هذه السياسة التعليمية التي تكرّس التمييز الطبقي، عبر إحداث مدارس إعدادية ومعاهد ثانوية ومدارس عليا نموذجية للأغنياء، ومدارس تعليم للفقراء تحرمهم من حقّهم المشروع في تحصيل تعليم عالي الجودة يضمن لهم اكتساب معارف ومهارات، فهذه المدارس المهمّشة التي تفتقر الى التمويل العمومي والتجهيزات الضرورية لا تولّد سوى ظروف عمل متردية للمربّين ومصنعا منتجا للبطالة والعنف والانقطاع المبكّر عن الدراسة والفشل الدراسي والضّياع. أزمة التعليم في تونس: يقود الخضوع الى سياسة امبريالية العولمة الى أزمة يعيشها قطاع التربية والتعليم بكافة مستوياته تتجلّى مظاهرها في: تحويل التربية الى سلعة يحكمها منطق السوق ويعني هذا أنّ الاستثمارات في التربية يجب أن تخضع لمتطلبات السوق. تبعية التعليم لمصالح رأس المال وموارده. اختزال التربية في المظاهر الاقتصادية والمهنية والتقليص من قيمتها الثقافية. تراجع وظيفة الدولة في التربية لأنّها وظيفة غير مرغوب فيها، فالليبرالية الجديدة تقف ضد ثقافة الخدمات العمومية وتدعو الى خوصصة التعليم. إنّ استتباعات هذه السياسة الليبرالية التعليمية هي: 1 أولاّ أصبح التعليم بمثابة مساعدة اجتماعية وليس حقّا إنسانيا. 2 تطوّر التعليم الخاص على حساب التعليم العمومي ممّا يولّد ازدياد اللامساواة الاجتماعية في اكتساب المعرفة. 3 تراجع التعليم وذلك لأنّ الشباب يتمدرسون في مؤسّسات حسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأوليائهم. إنّ الضحايا الأوائل لهذا الوضع التعليمي المتأزّم هم الفئات الشعبية الأكثر هشاشة بل إنّ المدرّسين هم أيضا ضحية هذا الوضع وذلك ليس لأنّهم يعملون في ظروف تزداد سوءا بل لأنّ هويّة المدرّسين ذاتهم أصبحت ضعيفة وأكثر هشاشة، فقد تقلّصت هويّة المدرّس إلى تقني تعليم. إنّ وعي المربّين بخطورة فرض مثل هذه السياسات التعليمية المملاة على أبناء الشعب وحرصا منهم على حماية حقوقهم المعنوية والمادية يواصلون التصدّي إلى سياسة الإقصاء والتّهميش وتحوّل التعليم إلى مجال استثمار يجعل منه تراكما لرأس المال الإنساني يلخّص في عبارتي «كلفة ومرابيح». أنّ نضالات مدرّسي التعليم الأساسي والثانوي والعالي ليست إلاّ دفاعا عن مطالبهم المشروعة المتمثلة في : * الدّفاع عن التعليم العمومي للجميع كحق اجتماعي لا يجوز التصرّف فيه، تعليم يضمن ويموّل من قبل الدولة ولا يجب أن يخضع لمنطق السّوق والخدمات. * الدّفاع عن المحافظة على البعد الأساسي الثقافي والإنساني للتربية القائم على حق الهويّة الثقافية والاختلاف الثقافي غير المحترم قبل العولمة والسائر نحو الاضمحلال بفعل العولمة. * الدّفاع عن التعليم كحق إنساني وليس سلعة وهو حق في الجذور وفي المستقبل وفي الكونية وفي الاختلاف الثقافي وفي الأصالة الشخصيّة. * الدّفاع عن وجوبية التعليم ومجانيته في كل المستويات. * الدّفاع عن المساواة داخل المدرسة العمومية. * الدّفاع عن حق الشغل لكل المتخرّجين من الجامعات والكلّيات العمومية. * الدّفاع عن حق المدرّسين في تشريكهم في بلورة المناهج والبرامج التعليمية من أجل تطويرها. * الدّفاع عن الحق النقابي في الاجتماعات والنّضالات داخل المؤسّسات التربوية. * الدّفاع عن حقّهم في توزيع عادل للثروة الوطنية. * رفض تحويل الليبرالية الجديدة للتربية إلى مجرّد بضاعة تهدّد الإنسان في كونيته الإنسانية وفي الاختلاف الثقافي وفي بنائه كذات. * إنّ موقف سلطة الإشراف الرّافض للمطالب المشروعة للمربّين يعكس سياسة الانغلاق والعجز عن معالجة حقيقية وجذرية لقضايا المجتمع المدني عامّة (الحرّيات السياسية، حق التعبير، حق التنظّم، حق العمل، حق التعليم، حق الصحّة) ولقضايا التعليم خاصّة (مشاريع «الإصلاح» الفوقية القرارات الارتجالية المتعلّقة بامتحانات سنة رابعة أساسي، تنصيب مجالس المؤسّسات، دعم المدارس الخاصّة التي تكرّس تعليما للأغنياء وآخر للفقراء). إنّ مثل هذه السياسات لا يمكن أن تؤدّي إلاّ إلى حالة من الاحتقان تعبّر عن انسداد الأفق وتكشف عن فشل السلطة في الاستجابة للمطالب المشروعة لكل مكوّنات المجتمع المدني وتعبّر عن أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية ناتجة عن انخراط السلطة في مشاريع العولمة وخضوعها لإملاءات سياسات المؤسّسات المالية الدوليّة. إنّ حزب العمل الوطني الديمقراطي الذي يناضل من أجل تعليم عمومي ومجاني ذا بعد وطني وديمقراطي وتقدّمي يحقّق المساواة والعدالة والحرّية والتقدّم لكل أبناء الشعب. يقف إلى جانب نضالات المربّيين من أجل الدّفاع عن مطالبهم المشروعة ويدعو كل الوطنيّين والدّيمقراطيين والتقدّميّين إلى مساندة الحركة النضالية للمربّين والتصدّي لسياسة الانتقاء في التعليم. محمد الزريبي عضو الهيئة التأسيسيّة