غدا السبت.. الامين السعيدي يوقع "احبها بلا ذاكرة" بالمعرض الدولي للكتاب    لحظة اصطدام سيارة الوزير الصهيوني المتطرف بن غفير وانقلابها (فيديو)    أبطال إفريقيا: موعد مواجهتي الترجي الرياضي والأهلي المصري في النهائي القاري    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    حالة الطقس لهذه الليلة..    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طبيبة تونسية تفوز بجائزة أفضل بحث علمي في مسابقة أكاديمية الشّرق الأوسط للأطبّاء الشّبان    التعادل يحسم مواجهة المنتخب الوطني ونظيره الليبي    بعد دعوته الى تحويل جربة لهونغ كونغ.. مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بنزرت: ضبط كافة الاستعدادات لإنطلاق اشغال إنجاز الجزء الثاني لجسر بنزرت الجديد مع بداية الصائفة    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا وجاري العمل على تسهيل النفاذ إلى هذه السوق    سيدي بوزيد: ورشة تكوينية لفائدة المكلفين بالطاقة في عدد من الإدارات والمنشآت العمومية    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة ويساعد على القيام بمهامهم دون التعرض الى خطايا مالية    تكوين 1780 إطارا تربويا في الطفولة في مجال الإسعافات الأولية منذ بداية العام الجاري    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    ''تيك توك'' يتعهد بالطعن أمام القضاء في قانون أميركي يهدد بحظره    القضاء التركي يصدر حكمه في حق منفّذة تفجير اسطنبول عام 2022    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    وزارة التجارة تقرّر التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    منوبة: الاحتفاظ بصاحب مستودع عشوائي من أجل الاحتكار والمضاربة    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الذاكرة النقابية:وهذه شهادة اخرى لعبد العزيز بوراوياع
اعداد: سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 05 - 05 - 2007

في الحلقة الرابعة يواصل السيد عبد العزيز بوراوي على منبر مؤسسة التميمي للبحث العلمي تقديم شهادته التاريخية حول مسيرة الحركة النقابية في تونس. وقد غطت هذه الحلقة الفترة الممتدة من سنة 1969 ، نهاية فترة التعاضد إلى مجزرة 26 جانفي 1978.
اعتذر المتدخل عن الإلمام بكل جزئيات هذه الفترة لطولها من ناحية ولتزاحم أحداثها من ناحية أخرى قائلا: سأكتفي بالتركيز على أهم المحطات المفصلية وما تخللها من تحولات ذات دلالة تاريخية تعكس الظروف التي حفت بالحركة النقابية. وتتمثل أهم هذه المحطات في:
1 نهاية التعاضد وانتعاش المنظمة النقابية
لابد من الإشارة إلى أن قيادة الاتحاد لم تكن مناهضة لمبدإ التعاضد، لقد سبق للمنظمة النقابية أن أسست العديد من التعاضديات ذات الصبغة الاجتماعية قبل أن تتبنى الحكومة المشروع التعاضدي ، لكننا ناهضنا الطريقة التي طبقت التعاضديات والتي لم تستفد منها أية شريحة اجتماعية بما في ذلك الطبقة الشغيلة.
وقد انتهت هذه التجربة إلى الفشل وآلت بالزج بأحمد بن صالح والبعض من أعضاده في السجن وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الهادي نويرة. وقد قام الاقتصاد في تونس على ثلاثة قطاعات : الخاص والعمومي والتعاضدي ، غير أنه وقع الإخلال بالتوازن بين هذه القطاعات في العشريتين، فقد طغى في الستينات الخيار التعاضدي وعلى العكس من ذلك كانت السبعينات التي شجعت فيها الدولة اقتصاد السوق. فالأزمة تكمن في اختلال التوازن في العشريتين.
ورغم هذا الاختلال لا يجب أن نحكم على التجربة التعاضدية حكما سلبيا ، فلأول مرة عرفت بلادنا سياسة التخطيط الاقتصادي الذي أخرجها من العفوية إلى الرؤية المستقبلية، وركز العديد من مؤسسات القطاع العام.
2 المنعرج الاقتصادي
كانت البداية مع شهر أفريل 1970 عندما عين بورقيبة السيد الهادي نويرة رئيسا للحكومة وهو المعروف بحماسه لاقتصاد السوق منذ أمد بعيد ، وقد ساعده على نجاح خطته أربعة عوامل:
أ الطبيعة التي جادت بأمطارها فمنذ أواخر 1969 ورغم الخسائر الكبيرة التي تسببت فيها الفيضانات فإن الحصيلة كانت إيجابية حيث استرجع القطاع الفلاحي حيويته.
ب ارتفاع أثمان المواد الأولية المصدرة وخاصة الفسفاط والبترول حيث تضاعف سعر هذه المواد أربع مرات تقريبا.
ج سن قانون أفريل 1972 وهو الذي شجع الاستثمارات الخارجية
د وقوف المنظمة الشغيلة إلى جانب حكومة السيد الهادي نويرة وقد تجلى ذلك خاصة في مؤتمر الحزب الذي انعقد في مدينة المنستيرسنة1971 .
وبذلك تحققت زيادة هامة للعمال منذ بداية السبعينات حيث كان السيد نويرة متفهما لمطالب الشغالين.
3 إعادة بناء الاتحاد
لقد سبق للسيد بشير بلاغة أن عقد المؤتمر الحادي عشر للاتحاد العام التونسي الشغل في جويلية 1969 غير أن ذلك لم يعمر طويلا ، فبمجرد أن وقع التخلي عن النظام التعاضدي حتى وجهت الدعوة للأخ الحبيب عاشور للعودة على رأس الاتحاد، فاجتمعنا وقررنا أن يكون رجوعنا مستندا لإرادة عمالية، وهذا ما أنجزناه في 29 مارس1970 حيث انعقد المؤتمر الثاني عشر الذي شرّع عودتنا ، فقمنا بإعادة ترتيب البيت النقابي. وكانت اللائحة العامة التي أصدرها المؤتمر تشيد بالتحولات وتؤكد على ضرورة توفر تنمية شاملة تقوم على التوازن بين القطاعات. وقد كانت لهذه العودة نتائج إيجابية على مستويات:
تحسين الوضع الاجتماعي للشغالين:
المنظومة التشريعية
بدأنا بالتفاوض حول المنظومة الشغلية وتولاها السيد الصادق علوش الذي كان له إلمام بقوانين الشغل وكانت المفاوضات عسيرة، ودامت 6 أشهر.
لقد كان الفصلان 52/51 من مجلة الشغل العقبة أمام الأطراف الاجتماعية فهما يمنعان الأطراف الاجتماعية من حق التفاوض في الأجور فهو من مشمولات الحكومة. فقد تم إلغاؤهما وبذلك فسح المجال للتفاوض حول العقد الإطاري المشترك ثم العقود القطاعية التي تتعلق بالقطاع الخاص ( وتعود إلى سنة1936 التي وقعت في عهد حكومة ليون بلوم الاشتراكية وعلى غرارها ظهرت اتفاقية القصبة في تونس) والقوانين الأساسية المنظمة لقطاع والدواوين والشركات الوطنية الوظيفة العمومية التي لم تتغير منذ 1959 واحتفظت الحكومة بتحديد الأجر الأدنى الصناعي SMIG والأجر الأدنى الفلاحيSMAG ، كما طورنا النصوص القانونية الخاصة بالوظيفة العمومية التي لم تتغير منذ 1959 فقد وضعنا 30 عقدا قطاعيا مشتركا وحورنا 65 قانونا أساسيا لتحسين قيمة الرقم القياسي.
حرصنا على الترفيع في قيمة الرقم القياسي الذي تستند الأجور والذي لم يتغير منذ أمد بعيد كان ذلك نتيجة للتجاوب بين الاتحاد من ناحية والحكومة وبقية الأطراف الاجتماعية من ناحية أخرى مما مكننا من تحسين المقدرة الشرائية للعمال.
4 استرجاع الاتحاد لمكانته على المستوى النقابي العالمي
بعد أن كانت صورة الاتحاد مهزوزة خاصة لدى النقابات الأوروبية والأمريكية التي لنا معها علاقات تاريخية، بدأنا نسترجع مكانتنا ونحتل مواقعنا في المنظمة الدولية للشغل التي تتكون من منظمات الأعراف والمنظمات العمالية والحكومات كما أعدنا ربط العلاقات مع النقابات العربية والإفريقية.
5 القضية الفلسطينية من أهم مشاغل المنظمة النقابية
لقد احتلت القضية الفلسطينية حيزا هاما من مشاغلنا السياسية بالرغم من أن الأوساط الصهيونية في الجامعة الدولية للشغل كانت تعترض على تناول هذه القضية باعتبارها قضية سياسية ، وتعده انحرافا بالجامعة عن مهامها النقابية الاجتماعية. وبقدر ما وجدنا تجاوبا مع نقابات الكتلة الشرقية فإننا كنا نجابه برفض نقابات الكتلة الغربية التي تغلغلت فيها الصهيونية. وتواصل عملنا في هذا الإطار إلى سنة 1977 حيث نجحنا في تمرير لائحة تدين إسرائيل التي تمارس سياسة الإرهاب على الشعب الفلسطيني . وأذكر أنه وقعت مشادة كلامية حادة بين الأخ الحبيب عاشور ورئيس الوفد الصهيوني الذي قال: سنوجه لك استدعاء لتأتي إلى إسرائيل لترى ان ليس هناك لا تعسف ولا إرهاب ، فرد عليه عاشور : نعم سآتي، لكن ليس لزيارة النزل والكيبتزات وأكل الكسكسي والكعابر ولكن لزيارة المعتقلات والسجون عندما تفتحونها وتمكنونني من زيارة المساجين والاطلاع على ما تمارسونه من تعذيب. ومع ذلك فإننا نفرق بين اليهود الذين ليس بيننا وبينهم أية عداوة والدليل على ذلك أن التشكيلة الحكومية في تونس بها وزير يهودي ، أما الصهيونية فهي حركة استعمارية توسعية .
6 اتفاقية جربة الوحدوية
في 12 جانفي 1974 أبرم الرئيس بورقيبة مع القائد معمر القذافي اتفاقية الوحدة بين البلدين وكان رئيس الحكومة السيد الهادي نويرة متغيبا في زيارة لإيران ولم يكن موافقا على هذه الاتفاقية .أما موقفنا كمنظمة نقابية فإننا رفضنا الأسلوب الذي أنجزت به، فكيف يمكن إقامة وحدة بين بلدين وشعبين دون استشارتهما، كيف نوافق على وحدة تبنى من فوق.
وقد اعترضت الجزائر على هذه الاتفاقية خاصة وأن بورقيبة سبق أن رفضا عرضا وحدويا تقدمت به الحكومة الجزائرية وقال بومدين قولته الشهيرة : «لا نركب القطار وهو يمشي» كما تصدت الدول الغربية لهذه الاتفاقية مما أجبر بورقيبة على التراجع. لكننا كمنظمة حافظنا على علاقتنا الطيبة مع المنظمات العمالية في القطر الليبي ، كنا نتعاون ونتبادل الزيارات وكان الإخوة الليبيون يأتون للتكوين والتربص.
7 تعكر صفو العلاقات بين الحكومة والاتحاد
تراوحت العلاقة بين المنظمة والحكومة بين التعاون والتصادم ، ففي سنة 1971انعقد مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري بمدينة المنستير وكان جناح الهادي نويرة أقليا فالأغلبية كانت متماشية مع الفريق اللبرالي بقيادة أحمد المستيري، وقد وقف الاتحاد إلى جانب حكومة الهادي نويرة الذي كان يطلق عليه في ذلك الوقت بالجنرال لكن دون جنود.
لكن هذه العلاقات لم تلبث أن تعكرت بعد أن قوي ساعد المنظمة الشغيلة مع سنتي 1975 و 1976 وبدأت تبرز عدة مكائد ضد الاتحاد وضد الهادي نويرة في نفس الوقت، وكانت إدارة الحزب وراءها، فالتصادم بينهما سيضعفهما معا حتى تتاح الفرصة لقوى أخرى وقد تجلى ذلك في عدة محاولات منها:
أ محاولة تأسيس نقابة موازية:
في هذا الاتجاه عملت إدارة الحزب على بعث منظمة نقابية موازية سميت «الجامعة العمالية للشغل FOT من أبرز عناصرها محمد بن سعد ، ومحمد صالح الراجحي ومحمد منور العبيدي. وقد تراجع هؤلاء واعترفوا بذلك سنة 1978 وكشفوا عن اتصال إدارة الحزب بهم وتشجيعهم وقدموا رسالة في ذلك إلى حاكم التحقيق يوم 30 جوان 1978.
ب محاولة استبدال عاشور بفرحات الدشراوي على رأس الاتحاد
لما تزايدت المطالب العمالية واشتد عود الاتحاد بدأت تظهر حملات التشكيك ضد القيادة النقابية فشنت عليها إدارة الحزب حملة إعلامية وبدأ التراشق بالتهم، وفي ذاك الظرف استقبل بورقيبة فرحات الدشراوي الأستاذ الجامعي الذي كان عضوا بالمكتب التنفيذي 29 أكتوبر1975 وقدم له كتابه (الخلافة الفاطمية بالمغرب) . كان ذلك وعاشور في الندوة الدولية في جينيف، غير أن ما فهمه النقابيون هو أن هناك من يعد طبخة تستهدف استبدال عاشور بفرحات الدشراوي على رأس الاتحاد ، فلما علم بالأمر عاد بسرعة لتونس في 7 نوفمبر 1975، واتصل بالهادي نويرة ثم بالرئيس وعادت الأمور إلى مجاريها.
8 تأزم العلاقة مع النظام الليبي
ما أن هدأت الأزمة التي ظهرت إثر اتفاقية جربة الوحدوية التي أبرمها بورقيبة والقذافي حتى ظهرت أزمة جديدة كانت نتيجة لعاملين :
أ إهمال الاتفاقية التي أمضاها أحد الوزراء لحقوق العمال الفلاحين العاملين في ليبيا.
ب الخلاف حول الجرف القاري بين البلدين.
وقد سافر الأخ الحبيب عاشور إلى القطر الليبي في 14 ماي 1977 ومكن العمال التونسيين من حقوقهم وسواهم في الأجر بالعملة الليبيين وأتاح لهم تحويل جزء هام من أجورهم إلى تونس ، كما اقترح عليه العقيد تقاسم الثروات البترولية للجرف القاري ، غير أن هذا اللقاء كان بحضور محمد المصمودي وزير الخارجية السابق الذي لم يكن على وفاق مع السيد الهادي نويرة ، كما عاد الحبيب عاشور في طائرة خاصة وضعها القذافي تحت تصرفه.
إن نجاح الأمين العام في مهمته من ناحية وحضور المصمودي وتخصيص طائرة له من ناحية أخرى اعتبرها رئيس الحكومة عوامل استفزاز وتحد له ولحكومته.
9 الكفاءات تدعم صفوف الاتحاد
في هذه العشرية بدأت صفوف الاتحاد تتدعم بالكفاءات العلمية والمثقفة التي أنتجتها الجامعات التونسية والتي انسدت أمامها الآفاق السياسية في البلاد ووجدت في الاتحاد متنفسا لها ومجالا حيويا لبلورة طاقاتها الإبداعية، فكانت هذه النخبة عامل إثراء وتجديد للمنظمة الشغيلة ، فكونت مكتبا للدراسات المعمقة، بدأنا بالدراسات الاجتماعية ثم توسعت إلى الدراسات الاقتصادية والمالية والفلاحية. وكنت أقوم بالتوفيق بين رؤى التيارات المتباينة وشكلت هذه الدراسات الأرضية التي اعتمدناها في عملية التفاوض، وقد كان السيد الهادي نويرة يعشق الأرقام فكنا نجابهه بالأرقام . ومن الكفاءات التي أثرت الاتحاد بالدراسات يحضرني بعض الأسماء منها حسين الديماسي ورضا قريرة.
قد ساعدنا ذلك على إعداد ملفات وتقارير قدمناها للمؤتمر الرابع عشر الذي انعقد في مارس 1977 كانت الدراسات تعد بالفرنسية وقد بذل الأخ الطيب البكوش مجهودا إيجابيا في ترجمتها وجعلها في متناول الشغالين. كان عملنا جماعيا ومنظما وقد عملت الدراسة التي قمنا عنوان « من أجل تنمية أسرع وتوزيع أعدل» كما أعددنا كتيبا حول فلسطين. وبهذه الكفاءات استطعنا أن نعد المؤتمر 14 إعدادا جيدا في مارس1977.
10 الميثاق لاجتماعي 19 جانفي 1977
بعد أن توترت العلاقات بين الاتحاد و النظام أرادت الحكومة أن تضع حدا للمطالب العمالية وأن تكون في مأمن من الإضرابات حتى توفر السلم الاجتماعية لنجاح مخطط الإقلاع الاقتصادي ( 19771981 )، فاقترحت أن يقع إبرام ميثاق اجتماعي ينظم الزيادات ، فطرح السيد محمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية ثلاث نقاط كانت محل اتفاق بيننا ، غير أننا فوجئنا يوم التوقيع باحتوائه على 13 بندا ومع ذلك أقنعت عاشور بالتوقيع عليه في 19 جانفي1977 . وأهم ما تحقق هو زيادة مهمة ب 33 من الأجر الأدنى بالإضافة إلى الزيادة في المرتبات وتعهد الاتحاد بالزيادة في الإنتاج وعدم المطالبة بالزيادة في الأجور إلا إذا ارتفعت الأسعار بنسبة 50 وقد دعونا عدة وفود نقابية أوروبية وعربية وإفريقية لحضور التوقيع وفي مقدمتهم الأمين العام للجامعة الدولية للنقابات الحرة مما أعطى للميثاق أهمية كبيرة.
وقد علق محمد الصياح على هذا الميثاق قائلا: « لولا هذا الميثاق لكنت عرّفت النقابيين ماذا يفعل الحزب».
11 المؤتمر الرابع عشر مارس 1977
انعقد هذا المؤتمر في جو حماسي واستعد له النقابيون كامل الاستعداد وكان للكفاءات الجامعية التي التحقت بالاتحاد دور حيوي في إثرائه بما قدموه من دراسات معمقة ساعدتنا على تحليل واقعنا الاقتصادي وتقديم رؤى بديلة. وأفرز تشكيلة استطاعت في مجملها أن تتحمل مسؤولتها في ظروف صعبة.
ازدادت العلاقات توترا بعد الميثاق ، فالأسعار لم تتوقف عن الارتفاع والأجور تجمدت فرد عليها العمال بمزيد من الإضرابات. وحاولت القيادة النقابية أن تخفف من التوتر فاقترحت على الحكومة أن تقدم بعض الزيادات ل 10مؤسسات كبرى كانت متضررة أكثر من غيرها لكن الهادي نويرة رفض ذلك.
من المناوشات الصحفية إلى ساحة البرلمان
عند مناقشة الميزانية في البرلمان كان رد الوزير الأول على الموقف النقابي جارحا ومهينا حيث وسم النقابيين بالسذاجة وهددهم قائلا «سنرد الصاع صاعين» ففاجأتني هذه اللهجة الحادة من الوزير الأول الذي عهدناه هادئا متزنا. وهذا ما استفزني. ومما جاء في ردي إني أقترح حذف الكلمات غير اللائقة حتى لا يصدق علينا قول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وحاول الصادق المقدم أن يتحاشى المزيد من التوتر فرفع الجلسة ، وفي فترة الاستراحة طلب مني بعض الزملاء الاعتذار فرفضت وأخبروا عاشور بأن بوراوي «هلكها» وبقيت علاقتي بالسيد نويرة على غير ما يرام إلى أن توفي رحمه الله.
12 الفتنة : المليشيا وإدارة الحزب
انطلقت الفتنة من إدارة الحزب الاشتراكي الدستوري التي كانت تحيك المخططات قصد إبعاد عاشور عن الهادي نويرة، وحتى ينهكوا الاثنين معا أوهموا نويرة بأن عاشور يطمح للخلافة ويسعى إليها. فظهرت المليشيا الحزبية مع نهاية 1977 ، وكانت تأتمر بأوامر إدارة الحزب مهمتها في تلك الفترة ترويع الشعب ومضايقة النقابيين واعتدت على دور الاتحاد في توزر والقيروان وسوسة ، وبلغ بأحد عناصرها المعروفة أن هدد الأخ الأمين العام بالقتل، وقد واكبت هذه الهجمة الترويعية حملة إعلامية شنتها إدارة الحزب على القيادة النقابية مدعية أن الأزمة تكمن داخل الاتحاد
13 اجتماع المجلس الوطني
عندما تأزمت الأوضاع قرر المكتب التنفيذي تعبئة قواعده فدعا إلى انعقاد المجلس الوطني في 8 جانفي في أملكار 1978 فحضر 300عضو، وقدمت الإطارات الجهوية والجامعية تصوراتها حول الأزمة وكيفية التصدي لهجمة النظام. وقد أتى أعنف خطاب من صفاقس من الكاتب العام للاتحاد الجهوي المرحوم عبد الرزاق غربال، واعتبر الحزب كلمته دعوة إلى العصيان المدني . وفي هذا المجلس أعلن الأخ الحبيب عاشور استقالته من الديوان السياسي كتعبير عن استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل، كذلك فعل خيرالدين الصالحي فاستقال من اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري، أما أنا فلم أكن متواجدا في أي هيكل من هيكل الحزب منذ أن قدمت استقالتي في الستينات.
14 الهيئة الإدارية وقرار الإضراب العام اجتمعت الهيئة الإدارية يوم 22 جانفي وقررت مبدأ الإضراب العام وأوكلت مهمة تحديد موعده إلى المكتب التنفيذي. في نفس اليوم قدم الصديق أوتو كرستون إلى تونس وقام بمساع من أجل إعادة فتح باب الحوار مع الحكومة، لكن الهادي نويرة رد قائلا: «فليتراجع الاتحاد عن قراره ثم ننظر» وبذلك انسدت كل سبل الحوار فبدأ الهيجان يسيطر على ساحة محمد علي . واجتمع المكتب التنفيذي يوم 23 جانفي وقرر الإضراب العام ليوم 26 من نفس الشهر باستثناء الماء والضوء.
وفي غياب عبد الرزاق غربال الذي تم إيقافه بتهمة التحريض والثلب بعد الخطاب الذي ألقاه في المجلس الوطني ، كلفني المكتب التنفيذي بالتحول إلى صفاقس لمتابعة الاستعدادات لإنجاحه لما لهذه المدينة من وزن تاريخي واجتماعي بالنسبة للمنظمة، وقد شن العمال في هذه المدينة إضرابا جهويا يوم 25 جانفي احتجاجا على إيقاف الكاتب العام للاتحاد الجهوي بالإضافة إلى الإضراب العام المقرر ليوم 26 جانفي.
وكنت متخوفا من وقوع العمال في الاستفزازات التي يمكن أن تعمد إليها المليشيا أو أجهزة الأمن فقمنا بعملية توعوية تأطيرية وانضم إلينا مجموعة كبيرة من الطلبة قصد تعزيز صفوفنا . كان الجيش في انتظارنا لكن العمال كانوا منضبطين، وهذا ما جنبنا سقوط ضحايا وقد شهد لفائدتي أحد العمال لدى الهادي نويرة «لولا بوراوي لماتت 200 روح» وهذا ما جعل الحكم الصادر عليّ خفيفا لا يتجاوز 6 اشهر فقط.
بداية من 26 جانفي عرفت مصيري فهيأت عائلتي ولما دعتني الشرطة استنجدت بالبرنس رفيقي في السجن . وهناك لم يتعرض أي عضو من أعضاء المكتب التنفيذي للتعذيب لكن كانوا عرضة للتطاول والاستفزاز . أما الإطارات الوسطى فقد أسيء إليهم وعذبوا وأهينوا. وأذكر من بين هؤلاء صالح برور محمد شقرون وإسماعيل السحباني وسعيد قاقي. لقد تعامل معهم البوليس بكل قسوة. ووجدنا حسن المعاملة من الحراس الذين كانوا على دراية كافية بالأوضاع السياسية والاجتماعية.
15 المناقشة
بوراوي عضو في المحكمة الشعبية يحاكم أمينه العام ابن صالح
إن أهم سؤال أحرجه ولكنه استحسنه هو التالي: كيف يسمح السيد عبد العزيز بوراوي وهو المؤسس للاتحاد العام التونسي للشغل والمناضل الوطني لنفسه أن ينتصب عضوا في محكمة (المحكمة الشعبية التي حاكمت أحمد بن صالح في بداية السبعينات) صورية يعرف مسبقا أن أحكامها جاهزة بجانب بعض العناصر المعروفة بإجرامها السياسي ليحاكم الأمين العام لمنظمته الذي حرص على أن ينجز المشروع الاجتماعي والاقتصادي الذي أقرته المنظمة الشغيلة في مؤتمرها السادس سنة 1956
أرحب بهذا السؤال لأنه يطرح حدثا مهما في حياتي، غفلت عنه سيمكنني من توضيح موقف كان ومازال محل لبس لدى النقابيين والموطنين:
اعتبر أن علاقة أحمد بن صالح بالاتحاد قد انتهت يوم أن وقع الإساءة إلى العمال في لقمة عيشهم واحتواء المنظمة النقابية في منتصف الستينات وزُج بأمينها العام في السجن وفر أحمد تليلي وأهنت شخصيا.
عندما وقع إيقاف التعاضد كون البرلمان لجنة لتقصي الحقائق كنت من ضمنها صحبة محمد الفيتوري وغيره للنظر في النفقات وفي كيفية تسيير المؤسسات، وانطلاقا من معرفتي بهذه الوضعية وقع الإصرار على إقحامي في المحكمة. وقد رفضت في البداية، لكن الأخ محمد بن عزالدين دفعني إلى القبول قائلا : الأفضل أن تكون أنت بالذات موجودا ، فمن الذي سيتصدي للأفاعي الموجودين في هذه المحكمة؟ وهي التي تتكون من :محمد بن فرحات رئيس ومحمود شرشور ومحمود زهيوة والبشير زرق عيون وبوراوي أعضاء قارين ، وهذا ما شجعني على القبول.
وأشهد للتاريخ أن رئيس المحكمة محمد فرحات لم يضغط علينا بل كان يتقبل كل اقتراحاتنا وقد تكون هناك صداقة مع ابن صالح، لكن البشير زرق العيون كان يضغط علينا ويستعجلنا لإصدار الحكم بالإعدام قائلا: إنها محكمة تاريخية والرئيس ينتظر الحكم بفارغ صبر. وكانت المسألة المطروحة: هل ابن صالح مذنب أو غير مذنب أو غير مذنب coupable ou non coupable وكان هناك إجماع على أنه مذنب لكن هناك ظروف تخفيف وقد تعدد هذه الظروف ولعل أهمها هو ما أصررت عليه شخصيا وهو : أنه لم يكن وحده المسؤول على هذا الفشل ، فالوزراء بما في ذلك الباهي الأدغم كاتب الدولة للرئاسة الذي كان يزيل الحدود بين الممتلكات و «يقول في قلبه الله يغفر ويسامح» وكذلك الولاة كلهم شاركوا في الوصول بنا إلى هذه النتيجة «موش وحدو» وانتهينا إلى الحكم عليه بعشر سنوات سجنا. والآن عندما تعود بي الذاكرة إلى ما قمت به أشعر بالارتياح.
تعقيب مصطفى الزعنوني وزير الاقتصاد في السبعينات
دخلت حكومة السيد الهادي نويرة منذ 1970 وتوليت وزارة الاقتصاد وطوال هذه الفترة لم أكن منشغلا بالسياسة ، فاهتماماتي اقتصادية بالدرجة الأولى، وقد هيمن على فترة السبعينات القطاع الخاص كما هيمن القطاع العام في فترة الستينات. وقد أنعش اقتصاد السوق الحياة الاقتصادية ، لكن القطاع العمومي مازال حاضرا وقويا مثل: مصانع الإسمنت، وشركة الفولاذ وشركة السكة الحديدية ، وأقمنا السدود،واقتنينا باخرة الحبيب وغيرها كثير.
وقد شهدت البلاد انتعاشة اقتصادية بفضل عدة عوامل عالمية ومحلية ومن أهمها السلم الاجتماعية في النصف الأول من السبعينات، وأمكن لنا أن نحقق زيادات هامة في الأجور بداية من الأجر الأدنى وقد بلغت نسبة النمو أعلى درجة عرفتها تونس وهي تتراوح بين 7 و 8 في المائة. وكان السيد الهادي نويرة يرفض الإضرابات ويعتبرها معرقلة لعملية التنمية. وحتى يتجنب موجات الإضراب عقد مع المنظمة الشغيلة الميثاق الاجتماعي في جانفي1977 ، وكان يأمل أن يضع حدا للإضرابات بعد أن حقق زيادة ب 33 في المائة وتكون الظروف أمامه ملائمة لإنجاز المخطط الخماسي (77 81) غير أن هذا الميثاق لم يضع حدا لتوتر الوضع الاجتماعي ، فسرعان ما تطور الصراع بين الحكومة والاتحاد العام إلى أن وقعت الأحداث المؤلمة في 26 جانفي 1978 ولا بد أن ألاحظ هنا أن الكتاب الأزرق الذي صدر عن الحكومة التونسية في هذا الغرض لم يكن كله صادرا عن وزارة الاقتصاد فلنا فيه 50صفحة الأولى أما البقية فهو من إعداد إدارة الحزب ، ولا أتحمل مسؤولية إلا ما أشرفت على إعداده بنفسي .
وعلى المستوى السياسي، فإن الوضع لم يتغير كثيرا عما كانت عليه البلاد في الستينات باستثناء حرية الصحافة التي توسع هامشها وازداد عدد الصحف ، ولكن ليس هناك تعددية حزبية. وباختصار هناك تحرر اقتصادي دون أن يكون مقترنا بحرية سياسية وهناك توجه سياسي لا يحتم ارتباط التطور الاقتصادي بالديمقراطية السياسية.
ولم تكن جماعة أحمد المستيري في نظري ديمقراطية، فالمناداة بها كانت سبيلا للحكم. أما الوحدة مع ليبيا، فهي قرار ارتجالي فوقي ، وكانت الحكومة التونسية متخوفة من ليبيا والجزائر. وقد انزعج نويرة من حضور المصمودي مع الحبيب عاشور والقذافي ومن التصريحات التي أدلى بها . وعندما سافر الوزير الأول إلى موسكو طلب من كوسيغن عدم تمكين ليبيا من المعدات العسكرية الخطيرة . وقد صدم السيد الهادي نويرة عندما صرح السيد الطاهر بلخوجة بأنه لا يقحم قوى الأمن في الصراع مع الجماهير وهو وزيره للداخلية، ولذا بادر بإقالته عندما كان غائبا في باريس. ولم يكن الهادي نويرة يستطيب أفكار الجامعيين وأحيانا كان يوجه لهم الشتائم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.