يواصل الصحافيون مسعاهم لتأسيس نقابة تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل، تجمع شتاتهم وتدافع عن حقوقهم المادية والمعنوية. وفي إطار هذا المسعى، عادوا للاجتماع ظهر السبت الماضي في مقر الاتحاد الجهوي للشغل بتونس برئاسة الأخ توفيق التواتي الكاتب العام وحضور الأخ محمد الطرابلسي الأمين العام المساعد للاتحاد مسؤول العلاقات العربية والدولية والهجرة. كان الاجتماع فرصة جديدة للنّقاش بين الحاضرين حول الخطوات الواجب قطعها لعقد المؤتمر التأسيسي في أسرع وقت ممكن وتداول على المنبر أكثر من صحافي أتى على الأسباب الدّافعة إلى تأسيس هذه النقابة ودعا إلى واجب الإسراع بعقد مؤتمرها. نقابة قديمة وشرح المتحدّثون أنّ الأوضاع المهنية المتدهورة لجلّ الصحافيين في أغلب المؤسّسات هي التي تقف أساسا وراء الرّغبة المشروعة لتأسيس هذه النقابة النوعية أو بالأحرى إعادة الحياة لها بعد أكثر من 50 سنة على اختفائها. فقد ولدت نقابة الصحافيين التونسيين في أواخر الأربعينات من القرن الماضي بدفع من الزعيم الخالد الذّكر القائد الفذ فرحات حشاد، وكان من بين أعضائها ممّن خلّدتهم الصورة المرافقة المرحوم الأستاذ الحبيب الشطّي أحد رؤساء تحرير جريدة الصباح والمرحوم الأستاذ حسين بللحج والمرحوم الأستاذ محمد بلحسين أحد أقدم وأقدر الصحافيين التونسيين وعدد من شباب ذلك الزمن أمثال الأستاذ الشاذلي القليبي والأستاذ الحبيب بولاعراس. وبما أنّنا بصدد الحديث عن الصورة، نرى فيها بوضوح الزعيم الفذ المرحوم الأستاذ المنجي سليم، الذي نقلوا لنا عنه أنّه كان صديقا للصحافيين في ذلك الوقت على قلّتهم طبعا ومساندا لهم ومدافعا عن حقّهم في الاختلاف الفكري وفي أجور وظروف عمل محترمة لاسيما بعد الاستقلال. كان زمنا جميلا دون شك، بما أنّ المعركة كانت ضد المستعمر الغاصب المحتل، أمّا اليوم فلا شك أنّ الزّمن سيكون أجمل بما أنّ المعركة قائمة ضد التخلّف، ضد الجهل، ضد الشّد إلى الوراء، ضد الانفراد بالرّأي، ضد الاحتكار، ضد الاستغلال، ضد الظلامية، ضد الاستبداد. ولأنّ الصحافيين يقفون دوما في مقدّمة القوى الدافعة إلى التطوّر والتّطوير، المساندة للتغيير، المدافعة عن التقدّم وعن الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة، فإنّهم جديرون بالاحترام والتقدير والمكافأة المجزية، لا من باب المنّ المناسباتي بل من باب إعطاء الحق لصاحب الحق وحمايته بشكل خاص من أيّ صنف من صنوف الاستغلال وهي كثيرة في هذا القطاع. فدفاعا عن هذا الحق، وعن حقوق أخرى كثيرة، وسعيا للنّهوض بوضع أهل هذه المهنة والارتقاء بهم إلى المستوى المادّي الذي يساعدهم على الارتقاء بالمهنة في حدّ ذاتها، وجد الصحافيون أنّ النقابة في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل هي الإطار القانوني الأكفأ والأقدر على تحقيق طموحاتهم، فظلّوا منذ سنوات عديدة يعملون من أجل تحقيقه وإعادته إلى الوجود. وصادف أن اشتركوا في هذه الرغبة مع قيادات الاتحاد ومناضليه الذين قرّروا منذ أفريل 1991 تأسيس أو بالأحرى إعادة تأسيس هذه النقابة بصفتها نقابة نوعية وكانت المشاورات واللّقاءات الكثيرة التي جرت للغرض قد أدّت إلى اتّفاق بين كل الأطراف... لكن لم يتيسّر تنفيذه بالنّظر إلى التغيير الذي كان حصل على رأس الاتحاد في سنة الألفين ممّا جعل القيادات العليا والوسيطة وعموم المؤتمرين يعيدون النّداء في مؤتمر جربة (2002) والمجلس الوطني بطبرقة (أفريل 2006) ومؤتمر المنستير (ديسمبر 2006) بالإسراع بتأسيس هذه النقابة قصد رفع الضيم الذي لحق بالصحافيين طيلة عدّة عقود. منذ 1991 الأخ محمد الطرابلسي، باعتباره من أكثر القادة النقابيين اطّلاعا على أوضاع الصحافيين من جهة وعلى مختلف الأطوار التي أحاطت منذ 1991 بفكرة تأسيس نقابة الصحافيين. من جهة أخرى حضر اجتماع السبت الماضي ونقل للحاضرين قرار الاتحاد قيادة وإطارات ومناضلين بتأسيس هذه النقابة والتزامهم جميعا بتنفيذ هذا القرار في أقرب وقت ممكن. وشرح الأخ محمد الطرابلسي أنّ الاتحاد بتأسيسه هذه النقابة لا يعتدي على حق أيّ كان ولا يسطو على دور أيّ كان وإنّما يطبّق قانونه الأساسي ونظامه الداخلي كما ينفّذ قرارات هياكله العليا. وأوضح أنّ من حق الاتحاد طبقا لدستور البلاد وطبقا لقانون الشغل وللمعاهدات الدولية التي أمضتها حكومة بلادنا تأسيس هذه النقابة بل وغيرها من النقابات باعتبار أنّ الأمر يتعلّق بأجراء سيقع جمعهم في إطار قانوني واضح يتولّى الدّفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية. وقال الأخ محمد الطرابلسي انّنا في هذا الباب لا ننفّذ أوامر أحد، من الداخل كان أو من الخارج، كما أنّ لا أحد يستطيع أن يمنعنا من فعل ذلك. فهذا من صميم دورنا، وهذه هي مهمّتنا وأعني تنظيم الأجراء والإحاطة بهم والدّفاع عن مصالحهم المادية والأدبية وتمثيلهم لدى السلطات المعنية ولدى المؤجّرين لاسيما عندما يتعلّق الأمر بالمفاوضات. وكذّب الأخ الأمين العام المساعد المسؤول عن العلاقات العربية والدولية والهجرة تكذيبا قطعيا ما ردّده البعض من أنّ الاتحاد قرّر تأسيس هذه النقابة تنفيذا لأوامر صدرت له من الاتحاد النقابي الدولي. وأضاف انّنا لا نحتاج بل لم نحتج يوما لأوامر ولا لتعليمات أو حتّى نصائح من أيّ طرف كان لانشاء نقابة في أيّ قطاع كان وفي أيّ جهة كانت وفي أيّ وقت كان. بالمناسبة، تحدّث الأخ محمد الطرابلسي عن العلاقة بين النقابة وجمعية الصحافيين وقال أنّ الفرق واضح بين الهيكلين حسب القانون حيث أنّ لكلّ منهما دور مؤكّدا أنّ التكامل ممكن وأنّ التعاون ممكن بل مطلوب وملحّا على أنّ النقابة لم تبعث إطلاقا للسطو على الجمعية أو افتكاك صلاحياتها. وقال الأمين العام المساعد للاتحاد أنّ النقابة ليست حكرا على أطراف دون أخرى مذكّرا بأنّ الممارسة الديمقراطية الصحيحة مضمونة في كافة مؤتمرات نقابات الاتحاد وعلى من هو قادر على حيازة ثقة القاعدة الصحافية أن يتقدّم للانتخابات. مساندة دائمة من جهته، جدّد الأخ توفيق التواتي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بتونس دعمه ودعم قيادة الاتحاد عامّة للمشروع ومساندتهم المطلقة للصحافيين ووقوفهم الدّائم إلى جانبهم في دفاعهم المشروع عن حقوقهم المادية والأدبية. ودحض الأخ التواتي كل الافتراءات التي افتعلها البعض للحيلولة دون تأسيس النقابة أو إجهاضها مبرزا أنّ الأمر ينصهر في صلب عمل الاتحاد اليومي والمتمثّل في الإحاطة بالشغّالين العاملين منهم بالساعد أو بالفكر والدّفاع عن مصالحهم المادية والأدبية ومذكّرا بأنّ الاتحاد لا يحتاج إلى ترخيص من أحد لتأسيس نقابة في أيّ قطاع عبّر العاملون فيه عن رغبتهم في التنظُّم نقابيا، ومهما كان عددهم. وجدّد الأخ التواتي دعم الاتحاد قيادة وإطارات ومناضلين للصحافيين ولنقابتهم موصيا بمواصلة النضال حتّى تحقيق الهدف المنشود رغم ما تعرّض له الكثيرون من ضغوط لجبرهم على عدم المشاركة في الاجتماعات التمهيدية وحملهم على عدم الانخراط في النقابة. ودعا الصحافيين الحاضرين إلى نشر أخبار نقابتهم وأصداء اجتماعاتها في الصحف التي يعملون فيها وباقي وسائل الإعلام. وأوضح الأخ التواتي هو الآخر أنّ للاتحاد علاقات جيّدة مع جمعية الصحافيين، وأنّه كان دوما سندا لها وداعما ماديا وأدبيا، وأنّه لم يتأخّر يوما عن دعوة هيئتها للمشاركة في مختلف الفعاليات التي ينظمها ولا عن استشاراتها في كلّ مسألة تهم الصحافيين من قريب أو بعيد. كما أنّه دعا دوما ممثّلين عنها للمشاركة في عضوية وفوده التفاوضية ولم يحصل أن رفض لها مطلبا أيّا كان نوعه. وقال أنّ الاتحاد سيواصل تعامله وتعاونه مع جمعية الصحافيين مثل العادة حيث يعتبرها طرفا مهمّا في العلاقة مع الصحافيين وأضاف أنّ هذه العلاقة المتميّزة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تمنع الاتحاد من تأسيس نقابة تنضوي تحت لوائه وتكون خاصّة بالصحافيين وذلك لعدّة أسباب سبق أن أتينا عليها، مبيّنا أنّ النقابة مفتوحة للجميع دون استثناء أو تمييز أو إقصاء أو تهميش. أمّا إذا أصبحت الجمعية نقابة فمرحبا بها أيضا، لكن عندئذ يصبح قانون النقابة الأكثر تمثيلا هو الفيصل بيننا. من جهة أخرى وردّا على مقترح الحاضرين بعقد المؤتمر التأسيسي للنقابة بمن حضر، وفي أجل لا يزيد عن أسبوعين، دعا الأخ توفيق التواتي إلى عدم التسرّع حرصا على إنجاح المشروع وإحاطته بكافة مؤيّدات النّجاح، ومنها الاتفاق حول هوية الصحافيين الذين يمكن لهم الانخراط في النقابة. وبناء على هذه الدعوة، عهد للّجنة المؤقّتة المكلّفة بالاعداد للمؤتمر بمواصلة العمل من أجل توفير الاجابات اللازمة على المسائل التي تمّت إثارتها أثناء الاجتماع.