قد يتعجب المرء ان يمر موضوع في مثل موضوع اللغة العربية دون جدال، لذا رأينا الالتجاء الى جريدة الشعب التي عودتنا بتواصل الحبر بين قرائها في هذا الموضوع، كما في غيره كأحسن تحسيم لثقافة الاختلاف التي يؤمن بها القائمون على الجريدة وكل المناضلين النقابيين. رأينا حتى لا نطيل المقال المذكور (الشعب عدد 929) إرجاء الملاحق الرافدة الى هذا العدد آملين زيادة الاقناع لمواصلة نقاش نعتبره ضروريا حتى نسمو بلغتنا وبذواتنا خاصة ان الموضوع كاد يكون من المواضيع المسكوت عنها لولا مقال الاخ غسان بن خليفة الذي رأينا من الواجب ابراز أهميته بنقدنا له طمعا منا في كسر الانزواء والتقوقع حول مقولات وآراء توحي بأنها تحظى بالاجماع ولا حاجة لنا بالتالي بوضعها تحت محك المنطق والتحليل، بينما واقعنا في امس الحاجة الى «الشك والاسئلة والحراك ونقاش المسكوت عنه». كما نقول كفى الزعبي، وهي كاتبة من الاردن في مقال لباب «القدس العربي» (3 2 /6/07) التي تنبه فيه الى الضرر الكبير الحاصل من عرقلة مناظرات الاراء المختلفة لما يتسبب عن ذلك من اضعاف لحاسة النقد في المجتمع وتقترح على النخب الساهرة على الثقافة البدء بنقد نفسها حتى يصح لها نقد المجتمع بمفهوم اتصال اللغة ولا بقوقعة اللغو. الفرانكو آراب والخوف من «إذًا» قد يأتي الواحد بخطاب عربي متماسك ولكنه اذا وصل الى استنتاج فكلمة بDoncب تتسلل الى اللسان عوضا عن «إذًا» التي لا تنقصها سلاسة أو رونقا، لماذا صارت تضيع في ثنايا المخ «إذا» بينما صارت بDoncب كالماء وقد وجد المنحدر الأقوى ليسيل؟ لابد ان للمخ في ذلك حكمة تفرزها خلاياه معتمدة مبدأ الوصول الى النتيجة بأقل مجهود مع جدلية اللذة والشقاء. فاللفظتان وان هما تؤديان نفس المعنى وهو التنبيه الى استنتاج بعد خطاب، وفي العملية كثير من المنطق والمسؤولية، ليستا مترادفتين في الدلالة اذا اعتبرنا المخزون الثقافي الذي يغمر كلا منهما والذي يتأثر بالطبع بتاريخ أهلهما وتطورهما. فعملية الاستنتاج عند الناطقين بالفرنسية. وهم على حالهم من التقدم، عملية مقبولة ومحبذة اجتماعيا، وهي تبقى محفوفة بالمخاطر عند قوم لم يخرجوا بعد من قرون من التخلف والاستبداد. فلا غرابة ان يلجأ صاحب الخطاب المنطقي، وسط مجتمع يتحصن من كلمة «إذا» بالهروب من المسؤولية التي قد تنتج عنها للتحصن هو الآخر منها بصفة بالطبع غير شعورية وتعويضها بمرادفتها الفرنسية ذات المضمون الأرقى، مهما كان الوهم المصاحب لهذا التعويض. من هذا المثال، وبالتوسع نفهم انجذاب المغلوب للغة الغالب مثلما لاحظ ذلك ابن خلدون الى حد انكار التاريخ والنسب احيانا. لما كانت الفصيحة فصحى يقول القرطبي «ألفارو» في القرن التاسع منتقدا ضعف قومه تجاه الثقافة الاسلامية اذ كانوا: «يجدون متعة في قراءة الشعر والقصص العربية، ويقرؤون كتبهم الدينية، لا ليردوا عليها، وانما ليتدربوا على القراءة الصحيحة والأنيقة... والشباب الممتاز لا يعرف غير اللغة والآداب العربية... ويشيدون أينما حلوا بروعة هذه الآداب... يا للتعاسة que dolor ! المسيحيون نسوا حتى لغة دينهم، فمن بين ألف منا لا نجد واحدا يتقن كتابة رسالة لصديقه ولو بلاتينية مهلهلة بينما كثير هم من يكتبونها بالعربية بسهولة وأناقة وتراهم يقرضون الشعر أحسن من الناحية الفنية من العرب أنفسهم». (إ. ليفي بروفانصال: الحضارة العربية في اسبانيا). . Hatiert . Paris.3 in : J. Villegier - P. Duviols : Par El Mundo Hispanico. موقف الأديب فتحي الامبابي، نشرته «القدس العربي» (16 7 . 05) في وجوب تغيير النحو العربي اجابة عن السؤال التالي: ثمة أخطاء واضحة في روايتك «شرف الله» تتعلق باللغة واحيانا التركيب، لكنك صاحب موقف نظري من مسألة تطوير اللغة، كيف ترى هذا التناقض بين عدم العلم والرغبة في التطوير؟ احدى الطرق الاساسية في كتابتي هي التمثل اللغوي، بما في ذلك تمثل لغة الاشخاص والجماعات والاعراض واللهجات، وهذا من الاشياء الجوهرية بالنسبة لي، وهذه نقطة أولى، اما الثانية ففي رواية «مراعي القتل» كانت الشخصية الرئيسية لفلاح يتحدث العامية، وكان البناء الدرامي لوجودها في النص ضمن تيار الوعي، مما اضطرني لكتابة نص كامل بلغة مهشمة وللمرة الاولى ألاحظ الفارق الواسع بين اللغة العربية الفصحى الكلاسيكية والفصحى الشائعة، كانت بالنسبة لي تربة استطعت ان ارى منها الجمود الشائن للغة الفصحى الكلاسيكية، والفارق الواسع بين انماط التفكير لدى جماعة المثقفين وانعكاسها على اللغة، وكان اكثر المفارقات وضوحا في النحو العربي الكلاسيكي الذي اعتقد انه احد المعوقات الاساسية التي تعوق تشكيل عقل منطقي للمجتمع العربي. اذن ما هي طبيعة مشكلة النحو العربي لديك؟ أولا النحو العربي تم بغرض تثبيت لهجة احدى القبائل العربية منذ 14 قرنا، فلو نظرت لهذه الغاية ستكتشف انك لست امام علم للنحو ولست امام قوانين للغة بقدر ما انت امام تثبيت صورة للنطق، وثانيا من المعروف ان اللغة تتطور وتنمو وجوهر تطورها هو الاقتصاد، وثالثا ان هناك ما يسمى بالقوة القاهرة للأجيال الصوتية، فأنت لديك جبرية عن عدم نطق مجموعة من الحروف مثل القاف والذال، وانا ارى ان هذه الاسباب الثلاثة تحول أطفالنا الى قرود تتعلم بالعصي والتأنيب شيئا يضيع منهم بمجرد الخروج منه، وأستطيع ان اضيف سببا اخر ان كثيرا من المصطلحات النحوية تتسم بالتهافت والابتذال مثل الفعل المضارع، او ان يضعك هذا التهافت بين اختيار المسند اليه او المبتدأ او الموضوع وأخيرا من المعلوم ان اللغة لصيقة جدا بكل المنطق العقلي والبناء النحوي الكلاسيكي والمروجون له في حالة شلل تام. وما هي نماذج البدائل التي تطرحها نحو التطوير الذي تنشده؟ عندما اقوم بإبداء رأيي حول مشكلة من هذا النوع لا يعني ذلك انني املك الحل النهائي للمشكلة لان ذلك في حاجة على جهد مؤسسات، وللأسف ان مجمع اللغة العربية وكلية دار العلوم يعيشون في العصر المملوكي ومن خلال تجربتي في «مراعي القتل» تبينت لي مجموعة من المقاربات مثل امكانية حذف غير المستخدم مثل هن واللائي واللاتي، كذلك ضرورة كتابة العدد بنفس طريقة نطقه وبشكل عام المقاربة بين المكتوب والمنطوق. بالاضافة الى ذلك ضرورة اسقاط علامات الاعراب الخاصة بالنحو مثل الرفع والنصب والجر وخلافه واستخدام السكون وفي هذه الحالة ستظهر المشكلة في جمع المذكر السالم مثل «المصريون... او المصريين» وفي حالات مثل هذه سنختار الطريقة الاقرب للنطق.. وفي هذه الحالة يسقط النحو القديم الكلاسيكي وينهض مفهوم النحو المنطقي المعتمد على المقولات الاوسطية حول الموضوع والفعل والزمان والمكان والصفة. واضرب لك مثلا من امثلة التهافت الاعرابي فعندما تقول «السماء ممتدة» فالاعراب الكلاسيكي يقول ان السماء مبتدأ وممتدة خبر، وانا ارى ان هذا الاعراب يعبر عن التهافت فعلى حين تكون السماء مبتدأ او موضوعا ف «ممتدة» تكون صفة وقد كتبت حول هذا الموضوع بحثا مطولا منشورا بمجلة قضايا فكرية في العدد المكرس للغة.