لم نتعرف إلى حدّ الآن على العدد الحقيقي لحوادث المرور التي شهدتها البلاد في احتفالات رأس السنة ولا عدد الضحايا ولا حجم الخسائر التي ترتبت عنها. لكن ما علمته شخصيا، كاف ليدفعني بقوة حتى أطلب منكم الاسراع بتقديم مشروع قانون إلى مجالس النواب والمستشارين والاجتماعيين والاقتصاديين يقضي بجبر راكبي السيارات كافة على وضع أحزمة الأمان حيثما ذهبت بهم تلك السيارات، في المدن وفي الأرياف، في الصباح والمساء، وفي الليل والنهار وأيّا كانت المسافات وأيّا كانت الاعذار. فلا يعقل، سيدي الوزير، ان يتواصل اليوم، ونحن نسجل أعلى نسب الاموات والمتضررين من جراء حوادث الطريق في العالم، غضّ الطرف عن هذه النقيصة، بل السكوت عن هذه المخالفة الخطيرة، بحجّة انّ بعض الفئات من السواق لا يحتاجون إلى الحزام سيما عندما يعملون في المدن، أو أنّ بعضهم لا يطيق الحبس، أو أنّه بدين، وله «كرش» كبير. لا يعقل، يا سيدي وزير النقل، بل يا أخي وزيرالنقل، أن نتأخّر في هذا المجال ونحن الذين نقول إننا ارتقينا إلى مصاف المتقدمين، إنّها أرواح الناس، وجب علينا كنخبة وكقيادات، أيا كانت مواقعنا، أن نحميها وان نحرسها وأن نقيها من الشرور، وهل هناك شرّ أكبر من أن نضع الموت في كل سيارة، والحال أنّه بأيدينا (استغفر اللّه) تأجيله إلى ميعاده الالهي، والتخفيف من أضراره على الراكبين والتقليل من انعكاساته المادية على المجموعة الوطنية (تداوي إقامة في المستشفيات تعويضات إلخ). عند المتقدّمين الذين ندّعي دوما اننا ارتقينا الى مصافهم، يفرضون أحزمة الأمان على جميع راكبي السيارات الخفيفة أيّا كان عددهم، وأيّا كان نوع السيارة، خاصة، رسمية، تاكسي... بل لقد رأيت شخصيا أحزمة الأمان في حافلة ذات 50 مقعدا، ولم يتحرك سائقها إلاّ عندما انطفأت الاشارات الدالة على أنّ الجميع وضعوا الأحزمة. واعترف أنني، بمنطق التونسي، تلكّأت في وضع الحزام فجاءني السائق وقدّم لي درسا مطوّلا في الموضوع خلاصته أنّه هو أحرص منّي على حياتي، كما أذكر حادثة مماثلة حيث كنت وصديقي التيجاني في ضيافة قريب يقيم بفرنسا غير بعيد عن الحدود الألمانية ولما كانت المنطقة جميلة فقد أخذنا الرجل في رحلة عبر المرتفعات نمتّع النظر بصور لا مثيل لها تجمع بين الاخضر والابيض، أخضر الاشجار والبساط طبعا وبياض الثلوج المتساقطة عليها. وقد أوصانا مضيفنا بإلحاح أن نضع أحزمة الأمان، نظرا لخطورة المسلك الذي سنقطعه من جهةونظرا الى تشدد أعوان المرور في هذه النقطة بالذات من جهة أخرى. سحب صديقنا التيجاني الحزام وحاول وضعه لكن لم يتمكن نظرا لوزنه الزائد وخاصة ل «كرش الوجاهة» (على حد تعبير اخواننا في الشام) فبقي ممسكا بالحزام موهما من يراه من خارج السيارة انه واضعه. لكن مع طول السفر، والتفات التيجاني مرة الى يساره وأخرى الى الوراء في صلب حديث متحمس، انسحب الحزام شيئا فشيئا من يديه وعاد الى مكانه... ولم ننتبه جميعنا للأمر إلاّ لما أوقفنا عون المرور واتجه مباشرة الى التيجاني لمساءلته وربّما معاقبته بما ان الامر يتعلق بمخالفة. وبفطنته المعهودة استطاع أخونا التيجاني ان يجد مخرجا، فقال للعون أنّه لم يضع الحزام لانّه لايمنطقه وإلا لكان فعل، تعجب العون وحاول بدوره فلم يفلح، لكنّه اصرّ على ضرورة ايجاد حلّ.. على عين المكان وفعلا لم يتركنا نغادر إلا وقد تمنطق أخونا التيجاني بحزام أمّن حياته طوال تلك الفسحة.