شهد القرن الماضي بدأً من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص نشوء فكرة التوأمة بين عدد من المدن الأوروبية ثم بين بلديات تلك المدن ،امتدت بعدها هذه الفكرة الإنسانية في التواصل بين المدن والشعوب والأعراق لتطال تأسيس توأمة بين النقابات العمالية على أساس مهني اوجهوي في هذا البلد او ذاك . هذه الخطوة المتقدمة قامت على أساس تنظيم بروتوكولات بين الجهات المختلفة تقضي بتبادل الخبرات والزيارات والمنافع المشتركة والتواصل الدائم واستثماره لصالح المنظمات النقابية العمالية المعنية . سوى ان التوأمة بين النقابات العمالية العربية والأوروبية لم تعرف تطورا ملحوظا لأسباب عديدة تتعلق أساسا بالبنى المختلفة او بالتاريخ المختلف لنشوء وتطور تلك المنظمات . وعلى الأرجح لا ينطبق ذلك بشكل كامل على المنظمات النقابية العمالية في المغرب العربي مع التنظيمات النقابية الأوروبية بوجه خاص حيث تمت هناك عمليات توأمة متقدمة . سوى انه على مستوى التوأمة بين المنظمات النقابية العمالية العربية وخصوصا بين منظمات المشرق والمغرب العربي بدأت بشكل خجول منذ مطلع القرن الحالي ( 2000) وعلى الرغم من توقيع بعض البروتوكولات بين جهات نقابية لبنانية وتونسية على وجه الخصوص فان هذه البروتوكولات لم تتابع بدقة ومثابرة كما يجب مما جعل بعضها في طي النسيان . التوأمة بين اتحاد الوفاء لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان والاتحاد الجهوي لولاية نابل في تونس شهد صيف وخريف 2007 تطور بالغ الأهمية لإعادة الاعتبار لفكرة التوأمة بين النقابات اللبنانية والتونسية وتجسدت بالتوأمة التي أقرت بين اتحاد الوفاء لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان والاتحاد الجهوي لولاية نابل في تونس ، وتلاه في أواخر العام 2007 توأمة أخرى بين اتحاد المزارعين في لبنان مع الجامعة العامة للفلاحة في تونس . ولعل أهم أولى الثمرات العملية وذات البعد الرمزي العميق تمثل في ترجمة الاتفاق بين اتحاد الوفاء واتحاد نابل في افتتاح حديقة التضامن والإخوة بين الجهتين وبين عمال البلدين والشعبين . فكان حضور قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل ممثلة بالأمين العام السيد عبد السلام جراد ومسؤول العلاقات الدولية السيد محمد طرابلسي وممثلي اتحاد محافظة نابل بالإضافة إلى القائم بالأعمال التونسي السيد محمد مسعودي ورئيس وأركان القيادة في الاتحاد العمالي العام في لبنان ، كان ذلك بمثابة حدث نقابي يكشف الامكانات العديدة المتوفرة لتنظيم وتطوير العلاقات واستثمارها بشكل ايجابي لمصلحة عمال البلدين . كما توجت على مستوى آخر هذه التوأمة وفقا للبروتوكول القائم بين المنظمتين بزيارة وثمرة لرئيس اتحاد الوفاء السيد علي ياسين إلى ولاية نابل حيث جرى الاتفاق على وضع تفاصيل تتعلق بالندوات النقابية والتدريبية وتنظيم تبادل الخبرات على المديين المتوسط والطويل الأمد ، وخصوصا على الصعيد المهني والاختصاصات في البلدين . ان مشاركة مرتقبة لحرفيي تونس وبالأخص نابل في مجال الصناعات الفخارية الخزفية في معرض تسويق لبناني في إطار شهر التسوق والسياحة في البقاع ، ستكون فرصة طيبة للتقارب والتعاون وتبادل الخبرات التجارية والحرفية بين عمال الشعبين الشقيقين اللبناني والتونسي . ان هذه القفزة النوعية في تحقيق فكرة التوأمة بين المنظمات العربية الشقيقة تحتاج منا جميعا اليوم بذل المزيد من الجهد والرعاية ودفع هذه الفكرة لتحقيق أقصى غاياتها النبيلة لصالح عمال البلدين وشعبيهما . كما تقتضي المصلحة النقابية العمالية العربية استنباط أساليب وأشكال جديدة ومتقدمة لتعميق تلك العلاقات وبنائها على أسس راسخة مع مختلف القطاعات والمناطق والمدن العربية لأنها المدخل الحقيقي والعملي الواعد لتحقيق فكرة الوحدة العربية على قاعدة مصالح الشعوب وخصوصا المنتجين الحقيقيين في بلادنا .