«كلنا يمضي» جملة معبّرة لا محالة قرأتها على الاقل مرتين. مرة في أحد صفحات جريدتنا القريبة الى قلوب قراءها «الشعب» ضمن قصيدة او هي ربما خاطرة او مرثية من صديقنا العزيز علينا احمد حاذق العرف وهو يؤبّن فقيد سينما الهواة والاحتراف على حد السواء والمشهد الثقافي عموما في بلادنا الراحل «حسن بوزريبة» رحل الرجل وولج طيات التاريخ وغياهبه بما يعني ادراكه لمجال النسيان وتشعباته... الكثير منا ربما لا يعرف خصال هذا الرجل ولا يعرف حبّّه للثقافة وطنية اصيلة نابعة من واقع الناس تريد ان تؤسس ومنها ينطلق البناء على أسس ثابتة حتى لا تنهار سمعته وانا الذي لم اره من قبل لا بل رأيته يتحدث بكل ثبات عن فرحه وابتهاجه بجمعية اسسها مع ثلة من رفاق دربه سنة 1961 سماها في ذلك «جمعية الشباب السينمائي» ولم يتوقف نشاطها الى الان مهما تبدلت السماء والمسميات، انها الان «الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة» ذات التاريخ الحافل بمئات الافلام المنتجة وعبرها استطاع هواة السينما على مدى 5 عقود تقريبا التعبير عما يخالجهم من افكار واحاسيس مستخدمين في ذلك الصورة السينمائية لما لها من تأثير مباشر على المشاهد والمتلقي... فرصة مشاهدة الراحل «حسن بوزريبة» وهو يتحدث عن تاريخ الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة بتشعباته وارتباطه بالواقع الشبابي والاجتماعي والاقتصادي الذي عرفته بلادنا على مدى تلك الحقبة الزمنية اعطته لنا كاميرا المخرج الهاوي رضا بن حليمة هذه الكاميرا التي فرضت نفسها علينا بقوة السبق الصحفي بقوة السبق الاعلامي بقوة السبق السينمائي في جانبه التوثيقي هذه الكاميرا حقيقة رصدت لنا عديد الاحداث (26 جانفي 78 مجابهة انعكاسات المناولة في شريط الصفارة شريط عن محمود درويش).. هاهي الان باقية على العهد مع شريط «كلنا يمضي» عن الراحل حسن بوزريبة ومن خلاله قرأت تلك العبارة للمرة الثانية وتأكد من اننا كلنا ماضون لقد مضى درويش وترك لنا ارثا كافيا لكي نجابه غدر الزمان ومضى شاهين وترك وراءه جيلا من محبّيه وعشاق الافلام الجادة والهادفة ومضى الزرلي ومضى بوزريبة وترك وراءه جامعة للسينمائيين الهواة ارادها فضاء للتعبير الحرّ والصادق بالصورة والصوت عن كل ما يصبو لتحقيقه من اجل غد افضل... تكريم الراحل بوزريبة كان رائعا رغم قلّة عدد الحاضرين حيث امكن لزوجته تسلّم ميدالية ذهبية من رئيس الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة عادل عبيد بمعية رضا بن حليمة، هذه الميدالية خصصها الاتحاد الدولي للسينما غير المحترفة لكل من ساهم في النهوض بالسينما غير المحترفة في البلدان المنخرطة في unica وهو اعتراف ضمني بقيمة سينما الهواة في بلادنا وقيمة مؤسسها الراحل حسن بوزريبة هذا التكريم جاء على هامش ايام قرطاج السينمائية وكان فرصة للعديد من اصدقائه الذين عاشروه للتحدث عن خصاله ورباطة الجأش التي كانت تميّزه وهو يسير جمعية مهمة يتسع فضاؤها لكل الوان الطيف الفكري والسياسي وجملة الانتاجات السينمائية المرتبطة بهذا التعدد في الافكار والرؤى. حضرت سلمى بكار المخرجة المتألقة وتحدثت عن اهمية الفلم «كلنا يمضي» الذي يعتبر في نظرها وثيقة اخرى من وثائق تاريخ تونس المعاصر وحيّت كل من ساهم في اخراجه وخصوصا رضا بن حليمة مخرجه. الممثل لطفي الدزيري هو ايضا كان مواكبا لهذا التكريم وحيّا المنظمين وعاتبهم على الحضور القليل نوعا ما مؤكدا ضرورة ايلاء الراحل العناية التي تليق بقيمته باعتباره مثل اضافة نوعية للمشهد الثقافي العام في بلادنا، وتواصل برنامج التكريم ليفسح المجال لبعض الافلام المنتجة من طرف الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة على غرار دورة باب المدينة لعاطف القارص عن نادي قليبية وخيوط الشمس عن نادي مقرين وشريط اخر عن غلاء المعيشة لعمر سبيكة وشريط fil conducteur لكريم اليعقوبي عن نادي الطاهر الحداد وكل هذه الاعمال قدّمها للحضور عادل عبيد رئيس الجامعة. في الختام، الكل مضى وفي ذاكرته تك المشاهد المؤثرة في اللقاء مع حسن بوزريبة فقيد السينما الهاوية والثقافة الوطنية في فلم «كلّنا يمضي» ومن خلال هذا العمل ينطق الواحد منا سرّ او جهرا: ستبقى تونس ولادة لكل المتألقين العظماء الذين يتركون بصمتهم وارثهم يتزوّد به الاجيال اللاحقة من اجل الغد الافضل.