لقد برهنت الأحداث المحلية والاقليمية والعالمية طيلة ثلثي القرن الأخير بالخصوص، على الأهميّة القصوى التي تكتسيها الذاكرة الفردية والجماعية في حياة الشعوب والأمم، وأنّ الذاكرة مَلَكة فطرية حيوية بجميع المقاييس، ليس من اليسير أن يطويها مفعول الزمان، أو أن يدفنها حيّة ترزق تحت التراب... كما ثبّتت نفس تلك الأحداث الحقيقة القائلة إنّ الشعوب التي تُلغي ذاكرتها، إنّما تنسفُ في ذات الوقت شخصيّتها وحضارتها وذاتها وأجدادها وأمجادها وبطولاتها وتاريخها!! ... ولطالما سعَتْ دوائر الاستعمار القديم والجديد على حدّ السواء وجحافل الغزو والاحتلال البغيض إلى نهش الذاكرة الجماعية لبعض الشعوب وتفتيت أوصالها، بل وحتّى إلى اعدامها. حيٌّ مَعَنَا... وضمن ذلك السّياق، يعيش التونسيّون والتونسيّات هذه الأيّام ذكرى مرور 56 سنة على استشهاد الرّائد النقابي الوطني الفذ فرحات حشاد، صبيحة يوم 5 ديسمبر 1952 بضاحية رادس،، وهي الجريمة الحقودة البشعة التي أقدمت على تنفيذها مع سبق الترصّد والاصرار، عصابة اليد الحمراء السّيئة الصيت، إحدى فرق الموت التي أنشأتها مخابرات الاستعمار الفرنسي القديم في بلادنا، بغاية الاعتقال والتنكيل والاغتيال ... ورغم مرور أكثر من نصف قرن على استشهاده البطولي،، ظلّ فرحات حشاد على الدوام المرجع النقابي الوطني الأصيل للاتحاد العام التونسي للشغل بجميع هياكله،، والبوصلة المضيئة الثابتة التي تنير دروب النضال النقابي بجميع منعطفاته أمام العمّال والكوادر والقادة النقابيين بمختلف قطاعاتهم وأجيالهم، في سبيل استقلالية المنظمة، ونحو مجتمع تونسي عربي أصيل تسوده الحريات النقابية والكرامة والعدالة الاجتماعية والاستقرار والطمأنينة النفسيّة والمادية... إنّ ذاكرتنا الوطنية الفردية والجماعية تحتفظ إلى الأبد بحقيقة أنّ اتحاد حشاد، قد زرع بذور الوعي النقابي الوطني التحرّري في صفوف أبناء الطبقة الشغيلة وبناتها على اختلاف أجيالهم،، وداخل عقول مناضلي ومناضلات نقابات الاتحاد منذ تأسيسه،، وساهم بصفة أساسية فاعلة في بلورة أبجديات المسألة الوطنية داخل رحاب النقابات وفي صفوف العديد من الجمعيات والهياكل والتشكيلات والفضاءات المنصهرة في بوتقة المجتمع المدني الفاعل... ... وإذ يُحيي الاتحاد بجميع هياكله، وداخل رحابه العمّال ومنتاضلو ومناضلات النقابات المحلية والجهوية والوطنية بمختلف قطاعاتهم الذكرى البطولية الخالدة لاستشهاد الزعيم فرحات حشاد،، فإنّ ذاكرة النقابيين وجميع الوطنيين الأوفياء، تستحضر في نفس الوقت العشرات من روّاد الفكر النقابي التحرّري الأصيل في بلادنا، على غرار محمد علي الحامي، وبلاسم الناوي والطاهر الحداد وأحمد التليلي وأحمد بن صالح والحبيب عاشور والحسين الكوكي وعبد الرزاق غربال والحسين بن دور... وغيرهم كثيرون: ولقد ظلّ الاتحاد والعمّال والنقابيّون على اخلاص لهؤلاء الروّاد الأفذاذ وأوفياء لمبادئهم وثوابتهم وثباتهم وجعلوا منهم بجدارة ونخوة واعتزاز مع مرور السّنوات... رجالا في الذاكرة على الدوام.