حَزمتُها البَارحَة في كيس بلاستيكي يَليقُ بقيمَتهَا التي صَارت عليها. وَضَعتُهَا على عَتبَة باب المنزل لأنَام مُتَخَففًا من ثقَلهَا، وأيضًا لأجدَهَا صَبَاحًا أمَامي فألقيهَا عَلى كَتفي وأتخَفَّى بها من شَارع لآخَر حَتى أَصلَ إليكُم. ألقيهَا الآن بَينَكُم لمَن يَحتَاجهَا. حَزَمتُ البَارحَة كل المشَاعر والأحَاسيس التي كنت أحْملٌهَا دَاخل هَيكَلي العَظْمي وهَيكلي الوجداني وأتباهى بها منذ أن وعيت على الدنيا لأنها ما عادت تعنيني اليوم بعد أن أُسْتُوفيَتْ صَلاَحيتَها وانتهَت على ما يبدو، أو لأن صَلاَحيتي الإنسَانية قد انتهت برمتها... ربما إعلان البَيع هذا يُعَبّر عن آخر حَالة إحسَاس احتَكم ٌ إليها، وقد تكون حَالَة الإحبَاط الكلي، والتي سَأتَخَلص منها، بفضل تفَهمكُم وتَعَاونكُم معي في الإقبال عليها واقتنائها من كيسي البلاستيكي في أسرع وقت، لألتحق بأكداس العلب المرصوفة فوق الأرفف الشامخة في المتاجر والفضاءات التجارية الشَاسعَة... وأتمَنى أن لا تَطلبني جهَة ما بدَفع ضَرائبَ وأدَاءات عَن عَملية البَيع هذه... فالحب، التعاطف، التآلف، الرَّفض، القبُول، الكره، الغَضَب، التسَامح، النَخوة، الاعتزَاز، الحماس، الأمان، الأسف، الثقة، الحياد، الانتماء، الفَرح، الراحَة، التعب، الألم، التفهم، الأنفة، الشموخ، الكرامة، الحرية، الأمَل... وغيرها من الأحاسيس والمشاعر التي تقادمت وتحطمت بداخلي سَنة بعد سنة «أَرغَب» أن أتَخَلص منها دفعة واحدة وعلى المَلأ ومن دون أي مقابل لا مَادي ولا مَعْنوي، لأني فَقَدت القدرَة على المٌجَاهَرة بهَا والتمتع بها، وأصلاً فقدت الإحسَاس بهَا. فعندما تَتَكَفَُل جهَة مَا بتَصريف صَوتكَ وتَوجيهه الوجْهَة التي تَختَارهَا هي... وعندما تَتَكفل بضَبط دَقَّات قَلبك، وتَنْسيق ذَبذَبَات حُنجرَتكَ، وترتيب إيقاع خطواتك بالشكل الأنسب لها... وعندما تَسْطُو نفس الجهة على المدى الذي بحوزتك، وتعلن بدلا عنك مَوقفَك ورأيك وما يعتمل بداخلك... وعندما تُبْدي ذاتُ الجهة قُدرة فَائقَة على تَطويق خَزينَتكَ الشُّعورية... وتُديرُ مفتاح قَلبك كلما عَنَّ لها ذلك... عندما تَصنع لك تلك الجَهة الثقوبَ الُمحتمَلة، وتوفرُ لَكَ المسَاحاَت المرسومة، وتُسَطر لك بالخط الأحْمَر حُدود أنفاسك واتجاهات خطواتك... عندما تَسْتَعيضٌ عن صَوتك بصَوتها، وعن أَلمََكَ بألمها، ورؤيتك برؤيتها، وتسطو على رفوفك الباطنية وتبعثر ما عشت لأجله... عندما تتحالف عليك كل الجهات وتُصَيِّرك يَابسًا مثل صَاريَة العَلَم... عندما لا تجد أين تَصرفُ رَصيدَك الشعوري... عندما تَصل إلى أَرذَل العمر وأنتَ في قمَْة شَبَابك... سَتَتجه لأقرَب مَحل وتَقتَني كيسًا بلاستيكيًْا لتُلْقي فيه رَفْرَفَةَ القُمَاشَة التي كانت بداخلك وتَبقَى عَاريًا كتلك الصَّاريَة اليَابسَة... أغلَبنَا صَاروا صَوَاري يَابسَة... أغلبنَا اقتَنوا الأكيَاسَ البلاستيكية منذ زَمَان... أغلبنا بَاعوا بأبْخَس الأثْمَان... ومنهم مَن وَهَبَ نفسه من دُون مٌقَابل... (السّيد الذي طَلبَ مني كتَابَة إعلان البَيع هَذا قَال لي بأنّه سَيُرسل لي الآلاف من أمثَاله لأنْشُر لهم إعلاَنَات بَيع مُمَاثلَة.)