مع الشروق : فصل آخر من الحصار الأخلاقي    كأس إفريقيا للأمم – المغرب 2025: المنتخب الإيفواري يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف دون رد    "طوفان الأقصى" يفجر أزمة جديدة في إسرائيل    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    وزارة الداخلية تطلق خدمة جديدة لاستخراج بطاقة التعريف عن بعد لفائدة تلاميذ السنة الثالثة ثانوي    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    أستاذ قانون: العاملون في القطاع الخاصّ يمكن لهم التسجيل في منصّة انتداب من طالت بطالتهم    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    تمديد أجل تقديم وثائق جراية الأيتام المسندة للبنت العزباء فاقدة المورد    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    توننداكس ينهي معاملات الإربعاء على منحى سلبي    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    الرابطة الأولى: علاء الدين بوشاعة رئيسا جديدا للمستقبل الرياضي بقابس    الديوان الوطني للأسرة يجهّز ثلاث مصحات متنقّلة بهذه المناطق    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل: شوف شنيا قال عصام الشوالي على الماتش الجاي لتونس    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    ندوة علمية بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على الغطاء النباتي والحيواني" يوم 27 ديسمبر الجاري على هامش المهرجان الدولي للصحراء    رد بالك: حيلة جديدة تسرّق واتساب متاعك بلا ما تحسّ!    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    راس السنة : جورج وسوف بش يكون موجود في هذه السهرية    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    اتحاد المعارضة النقابية: استقالة الطبوبي ليست نهائية ولم تكن مفاجئة    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    الطقس اليوم شتوي مع أمطار غزيرة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تُساوم
آدم فتحي
نشر في الشعب يوم 17 - 01 - 2009

خصنا الشاعر المبدع الصديق بهذه القصيدة.مرحبا مجددا بالعزيز فتحي عللى أعمدة هذه الجريدة وشكرا له ثقته فينا
يا ابْنَتاهُ انكسر الجرحُ على الجرحِ وهزّتني الرياحْ
ورَمَتْني بزمانِي
وأحاطتْ بِأَبِيكِ المُدُنُ الذئْبةُ والكَلْبةُ من خَلْفِ الجراحْ
وقد اغترّت بضعفي وهَوَانِي
ها أنا أَحْرُسُ إشْراقَةَ روحي من عُواءٍ ونُباحْ
يَقِظَ الجمْرةِ لم أبْرحْ مكانِي
أشربُ اليأس لكي أسقيٍ في القلْب عناقيدَ الصباحْ
مُفْرَدًا ألْعقُ نارِي بلساني
وأنا العاشقُ فيهم دون لَيْلَى وأنا الطائرُ فيهم لا جناحْ
عَمِيْت أعيُنُهمْ...كي لا أراني
جسدي يذوي وروحي تذْرف الحُلْمَ وحقّي يُستباحْ
ودمي يَشْخُبُ قانِ
*
يا دَمِي يا دَمَنا الممدوحَ والمسفوحَ والمنصورَ والمكسورَ
لا ترخُصْ
عَلَيْنَا، مثلما نحن رخُصْنا قَبْلَ كَمْ مَوْتٍ عليهم وعَلَيْنَا
لا تفضْ أكثرَ...ها أنت بنا تسحقُ هذي الأرضَ
من فوق ومن تحت وفينا وحَوَالَيْنا
فلا تَشْهَقْ بغزّةْ
لا تفضْ أكثر موتًا يُحرقُ الأرض وموتًا يُهْرِقُ العِرْضَ
وَعَدْناكَ وأَوْفَيْنَا
فلا تَغرَقْ بغزّةْ
لا تَفِضْ أبْعَدَ شرقِيًّا وغربِيًّا جنوبًا وشمالاً
شَبقَ الكونُ بمَوْتَيْنَا
فلا تَشْرَقْ بغزّةْ
قل لنور الشمس في غزّةَ: اِشْرَبْ ملْحَ هذا الدم يا نورُ
فقد تجْلُو بغَزّةْ
قل لموج البحر في غزّةَ: اِشْرَبْ ملْحَ هذا الدم يا موجُ
فقد تَعْلُو بغزّةْ
ودعِ الأرضَ تُقاومْ
إنّها وقفةُ عِزّةْ
لا تُساوِمْ
*
يا دمي يا دمنا العاريَ والجاريَ والأوّلَ والتاليَ
لا ترخُصْ
عليهم وعلينا فوق هذا الخزْيِ، لا ترْخُصْ
إلى آخر طفلٍ وفتاةٍ أَرْجَعا الروح إلينا
بعد أن سُلّمت الروحُ إلى قاتِلها مثْلَ السلاحْ
(عندما كان إمامُ اللحنْ يشدُو من سنينْ
«غزةْ في قلب العربْ»
لم أكن أعلمُ أَنَّا سوف نشدُو بعد حينْ
«قلب العربْ يا غزّة فين؟»
لم يزل ينبضُ أم جفّ كبعضِ الروح فينا
واستراحْ؟)
ْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
اُنظرْ إليهم يتهاوَوْنَ من الحُلْمِ، أما قلنا لهمْ
عاقبةُ الحلْمِ وخيمةْ؟
دَعْ غناء الروحِ للأولمبِ
لا تُحيِ الأساطير القديمةْ
كنْ حداثِيًّا كما نحن حداثيّون جدًّا
بل حداثيّونَ جِدْجِدًّا
نُغَنِّي للحياةْ
وافْرَغْ إلى نفسكَ، من حقّكَ أن تلعبَ
من حقّكَ أن تفْرَحْ
ودعْهُمْ يَرْكَبُونَ الغيْبَ
قد يرتبك العقلُ
إذا أصغى لِسٍيريناتهم
والقلبُ قد يَشْطَحْ
أنا لا شأنَ لي بالغَيْبِ، هم
أهلِي يُبادونَ
فهل أهْجُو لكيْ أُمْدحْ؟
وهذا
بشرٌ يُذْبَحْ
وأرضٌ توقفُ الأرضَ دفاعًا عن بهيمةْ
ويُبادونَ فتسمحْ
ليس عقلاً ما تبيعون ولكن
شمع أُودِيسْيُوسَ في ليْلِ الجريمةْ
وأنا لستُ بنائمْ
أنا ذا أشْهدُ سجني ليس إيثاكا
ولا السجّان بينيلوبُ
دُمْتُم
خَدَمَ المذْبَحْ
ودُمْنا
حالمًا يُشْرِقُ منْ مغْرِبِ حالمْ
لَكُم النصرُ علينا
في الولائمْ
نحنُ لا نُدعَى إلى أيّ وليمةْ
لكُمُ النصْرُ علينا
في الغنائمْ
نحنُ لا نُشْرَكُ في أيّ غنيمةْ
ولنا في كلّ هذا النصْرِ
طبلٌ واحدٌ:
أبشرْ بطول العمْرِ يا عُمْرَ الهزيمةْ
وانتبذْ يا أملي، في اليأسِ، ناظورًا قصيًّا
وتماسكْ في الهزائمْ
ْ
*
كلُّ من قاوم ماتْ
قال جلاّدِي ومن كلّ الجهاتْ
حاصرتني جثثُ الموتى لماذا الموتُ؟
هل تهرب من ذُلِّك؟ من ظِلّكَ؟ منّي؟ من أحدْ؟
لا تقاوم وستنجُو ليس من ذلك بُدّ
كن هوائيًّا ومائيًّا ومَحْنِيًّا ومَطْويًّا ومَرْحِيًّا ومَمْحِيًّا
ورَخْوًا وطَريًّا ورماديًّا
وعاديًّا ذلُولاً مثل عينِ الشاهدِ البارِدِ
مغسُولاً ومَطْليًّا ومعسُولاً كشِعرِ الشاعِرِ الباردِ
مخصيًّا ومغلولاً وعقليًّا ومعْقولاً كعقل الشارع الباردِ
غُفْلاً قابلاً مليون صورةْ
هكذا تنجُو
( - لماذا ترْكبُ البحْرَ إذا لم يَكُ مِنْ فُلْكٍ
سوى الروحٍ الجَسُورةْ؟
- هكذا أُعجِبُنِي في البحْرِ...عودْ
يُرمى إلى التيهِ...وإمكانٌ بأنْ...قد لا يَعُودْ
- هل أنت ...
- مجنونٌ؟ بَلَى...مجنونُ آلامي...بلَى
مجنونُ أحلامٍ
تَهاوى بيدِ الفرْدِ وأحلامٍ
تحاماهَا العشيرةْ)
سوف تنجو...إن يكن بالرغم عن أنفك...تنجو ذات يوم
دونما حربٍ...لماذا الحربُ؟
أَمْسِكْ ظلّكَ الساقطَ
وَامْشِ الحائِطَ الحائِطَ
لا تجزعْ...ستنجو هكذا من قبضة الموت وتنجُو الأغنياتْ
من غابة الصمت ولا يحدث مكروهٌ بإذْنِ الصبر
هل شاهدت صبرًا يُعلنُ الثورةَ يومًا أو يُقاومْ؟
قلتُ لا أعلمُ لكنيّ أرى في الصبْرَ جذْعًا للحياةْ
نسْغُهُ ما انفَكَّ في لحْمِي يُدَوِّي
ويُدَاوِمْ
صارخًا بي:
ْ
*
كُلُّ من قاومَ ماتْ
هكذا قالوا ومن كُلّ الجهاتْ
شرعوا في قَصْفِ رُوحِي
يا ابنتاهُ انكسر الجرحُ على الجرحِ وأُوثِقتُ إلى قاعِ السُفوحِ
وأنا أَرْفَعُ منهم درجاتْ
كُلّ سقْفٍ عندهم دون سُطوحي
وذُراهم في عُيوني عَتَباتْ
ها أنا أَرْتقُ رُوحِي بقُرُوحِي
فارسٌ أجْمحُ في أرضٍ مواتْ
وأرى معنى حياتي في جُمُوحي
منصتًا للفرحِ الكامِنِ
في فَحْمِ المآتمْ
وهوَ يَزْقُو
ْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
هكذا قالوا ومن كلّ الجهاتْ
شرعوا في قصفِ أحْلامي الصغيرةْ
طفلةٌ تكبرُ تحت الشمسِ قُدّامي وعشٌّ كالجزيرةْ
ما الذي أَمْلكُ غيرَ الكلماتْ؟
(أنا لا أَمْلكُ حتّى الكلماتْ)
أُفْرِغَ المُعْجَمُ من معناهُ كالأحلام في هُوّةِ أوهامٍ كثيرةْ
ونجتْ كلْمةُ «قاومْ»
حيثُما عَضّت على حَبْلِ صداها:
«لا تساومْ»
*
دعْكَ من شمسِك قالوا...هي أيّامٌ قصيرةْ
اِسترحْ في الظلِّ...ما أحلَى الحياةْ
تحت الدوالي في سلامِ الذُلّ...ما شأنك بالشمس الأسيرةْ؟
اِنْسَ ما كانَ وفاتْ
هل أنتَ هانيبالُ كي تَنْصُرَ قرْطاجَ الأخيرةْ
من «دلِنْدا» أو سُباتْ؟
هل أنتَ هُومِيرٌ لكيْ تشهدَ أو تُنْشدَ؟
هل شَيّدَ هوميرُ بطولاتٍ على غَيْرِ الخيانات الوثيرةْ؟
والصَغارات الكبيرةْ؟
هل رأيتَ الصدْقَ والإخلاصَ قادَا فُلْكً أُولِيسَ
إلى شطِّ الخلاصْ؟
مَنْ أنتَ؟ أَنْقَى من مياه النيلِ؟ أَنْقَى من ينابيع الفراتْ؟
اِرجَعْ بخُفّيْ قيْصرٍ الرومِ إذا أخْفَوْا حُنَيْنًا...لا مناصْ
من أن يعودَ الملِكُ الضِلِّيلُ مَسْلُوبَ الذَخيرةْ
خُذْ من المصلوبِ خدّيْهِ لوحدِكْ
ودَعِ الثأرَ لغيرِكْ
بِعْ ولا تَخْجَلْ فقد باعُوا مدَى الدُنْيَا وآبادَ القيامةْ
وشعوبًا...أُهْدِرتْ من خَلْفِ ظهْرِكْ
أيُّ معنًى لنضالٍ أو «مناضِلْ»
وسْطَ هذَا السوقِ؟ ساوِمْهُم على كِيسِ قُمامةْ
وأقِمْ داخِلَهُ دولَةَ مجْدِكْ
ثمّ ساومهم على طول السلاسلْ
وعلى لونِ السلاسلْ
وعلى طعْمِ السلاسلْ
في بلادٍ تنتهي جغْرافِياهَا عند لحْدِكْ
وليكنْ قلبُكَ لَوْحًا أو رُخامةْ
ختم الموتُ عليها بملايين الخواتمْ
بعْ كما باعوكَ...بِعْ...بِعْ
ثمّ بَعْبِعْ
كالحواريِّ الذي باعَ إِلَهًا بدراهمْ
*
حاصَرُوني يا ابنَتِي من كُلِّ صوْبٍ
بنيوبٍ وخُطُومٍ ومَناسِمْ
وأنا الأَعْزَلُ إلاَّ من شُروخِي
ثابتٌ في الريحِ، كالعَهْدِ، وقائمْ
قابضُ الكفِّ على جَمْرةِ رُوحِي
وهي في كَفِّي تغنّي
ْ
*
كلُّ من قاوَمَ ماتْ
فلْتَغْتَنِمْنِي، صاحَ جلاّدِي، ومن كُلّ الجهاتْ
أوْغَرَ قلْبِي بنواياهُ النبيلةْ
صاعدًا من عطَشِي للحُبّ والحُلْمِ، ستنجُو
من جميع العثراتْ
حتْمًا ستنجو، بعدَ أن تَهْلكَ طبْعًا، صاحَ جلاّدي، كما يحدُثُ
في كلّ الحكايات الجميلةْ
عندما أُلْقِي عصَا الترحالِ أو حين تفرُّ الأرنبُ البيضاءُ
من ذئب الخميلةْ
ريثما تَهْلَكُ طبْعًا، وأنا أخدعُ نفسِي منذ قرطاجَ ورُومَا
وهِرُوشِيمَا
وبغدادَ وبيروتَ ورام الله والقدس وجينينَ ونابُلْسَ وقانا
قبلَ غزّةْ
بعْدَ غزّةْ
ربّمَا لا يَهْتَدِي الموتُ إلى بابِي
وينسَى بعضَ أحبابِي
ويَمضِي طائِشَ السهْمِ وما بِاليَدِ حيلةْ
ربّما آخر هذا الموتَ غزّة؟
رُبّما آخرُ هذا الخزْيِ غزّةْ؟
ربّما آخرُ هذا العُهْر غزّةْ؟
ْ
*
بعدَ كمْ يا موتُ تخْلُو بخليلٍ أو خليلةْ
غافلاً عنّا قليلاً
بعد عشرين شهيدًا؟
بعدَ خمسين؟
ثمانين؟
مئاتْ؟
من بعد كم من بشرٍ؟ من بَعْدِ كمْ من حجرٍ؟
من بعد كم من زنْبقةْ؟
كم غزّةً يلزمُنا كي تستريح المشْنقةْ؟
كم من شهيدٍ في حساب الموتِ نحتاجُ
ليرضى مجلسُ الموتِ
وكم من محرقةْ؟
كم جُثّةً يلزمُنا كي
يستقيل الموتُ من هذي البطولةْ؟
ْ
*
سكن الموت جهاتي فاعتنقتً البحْرَ ترحالاً وحيلةْ
قلتُ قد أَغْرَقُ في خَمْسَ دقائقْ
أو لعلّي أجدُ البحرَ غريقًا فأُحادِيهِ إلى بعض الزوارقْ
وأواسيه بدمعةْ
كاتبًا قصّة روبنسون، على كَيْفِي أخيرًا، مع جُمْعةْ
فلَكَمْ فكّرتُ في تأليفها منفًى نهائيًّا وأرضًا مستحيلةْ
اِعتنقتُ البحْرَ موسيقَى وبيتًا وحديقةْ
قلتُ قد أغرق في خمْسِ دقائقْ
فأرى أحبابِيَ الغَرْقَى: «السلامَ» «القِيَمَ» «العدْلَ» «الحقيقةْ»
اعتنقتُ البحْرَ كي أغْرُبَ عن وجهِي
وعن وجه الخليقةْ
عن دم الأطفال، عن رائحة الأطفال
مشويّينَ، مشويّين، في عينِ الحرائقْ
اعتنقتُ البحْرَ كيْ أنسى ولو خمسَ دقائقَ
غيرَ أنّ الموتَ لم يصبر على بعدي دقيقةْ
أنا ذا أسأل روحي عبثًا كم يا ترى الساعةُ
في هذي السماوات الثقيلةْ؟
أعْرفُ: الموتُ وفاءٌ للحياةْ
لكنّني عدّلتُ أيّامي على ساعةِ خذْلانِ القبيلةْ
ساعةُ الأرْضِ تهاوى عقرباها
لم أعد أعرفها ساعة أرْضِي منذ أعوام طويلةْ
لم أعد أعرفُ هل ألبسُ ثوبي أم رُفاتي
وأنا أدفنُ حُلْمِي في مرايا حسراتي
وأواري لغتي في اللَكَناتْ
أينَكَ يا آخرَ هذي الرحلةِ المحْنةِ
يا آخر هذي النكباتْ
لا أرضَ كي نلعبَ لا زرقاءَ كي نهربَ لا بحْرَ
سوى كاتِمِ أُفْقٍ
أحْمر الزرقةِ غاشمْ
كلما خفناهُ في الليلِ سألْنَا مَوْجَهُ ثم سَألْنا دمَنا
من منكما فينا تلاطَمْ؟
أينَ صوتُ الشاطئ الضاحك كي يُومِئَ عن بُعْدٍ
ولو بالصمْتِ
«صبْرًا آلَ قَاوِمْ»
لا تُساوِمْ
*
عفتُ هذا الموتَ يا كمْ عفتُ هذا الموتَ
كم عفتُكَ يا موتَ الطفولةْ
لم أعد أعرف من شمشونُ فينا
كُلّما خانُوا
ومن منّا دليلةْ؟
فاسْتَرِحْ منّي قليلاً
استرحْ منّا قليلاً أيُّها الموتُ
ولا تَتْعَبَ بغزّةْ
قفْ قليلاً
نَمْ قليلاً
أو تناومْ
قبل أن تخربَ غزّةْ
عبثًا تَكْدِسُ مَوْتَايَ لتصْعَدْ
ليس مَوْتَايَ سلالمْ
عبثًا تُرْغِي وتُزْبِدْ
لن ترى منّا سوى روح تقاومْ
ودم يصرخ في شهقةِ عزّةْ
ْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
ما الذي تطلب؟ حلْمًا ضائعًا؟ حقًّا سليبًا؟
وطنًا لا يُشبهُ السجنَ؟
عيونًا حرّةً ترقصُ فيها الضحكاتْ؟
ولماذا تسبقُ الوقتَ
ألا تعلمُ أنّ الوقت موقوتٌ ولا يُسبقُ
إلاَّ غادرَ الوقتَ وفاتْ؟
ستعود الأرضُ من سرّاقها
ذات سلامٍ وَحْدَها دون نضالٍ أو شغَبْ
هكذا ترجع من تلقائها الرحبِ إلى عشّاقها
ما شأنُنا نحنُ بحربٍ أو نضالٍ؟
نحنُ لا نرضى لهذا الشعب أن يُرمى إلى النار
كما يُرمى الحَطبْ
سوف نَحْمِي الشعبَ مِنْ مِثْلِكَ أو من نفسهِ
فاصبر ولا تستعجل الفرحةَ
لا تَعْصرْ عناقيدَ الغَضَبْ
اِصْبرْ...ونشّفْ يومك الراهن من ماضيكَ
نشّفْ ما تبقّى في أغانيكَ
من الحُلْم وعِشْ كالحشراتْ
ليس للنملة ثأرٌ من حصاةْ
فاتّخذ من هذه النملة مقياسًا ولذْ بالجُحْرِ
لُذْ بالجُحْرِ
ما أجمل هذا الجحْرَ نبراسًا لتنشيف الأناشيد
وتجفيف الأغاني من مغنّيها
وتحقيق النجاةْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
صاحَ جلاّدي ومن كلّ الجهاتْ
حاصرتني كلماتي ما الذي تطلب؟
أن تحكم؟ أن تَشْهَدَ؟
أنْ تحلُمَ؟ أن تُنْشِد؟
أن ترقُص في قيدك حتى تتحرّرْ؟
أَوَ لا تعْلَمُ كم أنّي أفكِّرْ
عوضًا عنكَ؟ وكم فكّرتُ حتّى لا تُفكِّرْ؟
كم تذكّرتُ من الأشياء والأسماء كي لا تتذكّرْ؟
أوَ لا تعْلَمُ أنّي أتكلّمْ
عوضًا عنك؟ وأنّي أتعلّمْ
عوضًا عنك؟ وأنّي أتنفّسْ
عوضًا عنك؟ وأنّي أتجسّسْ
عوضًا عنك لأحْرُسْ
حَرَسِي منك؟ وأنّي لم أعش آكلُ أو أشربُ
أو أغضب أو أطربُ
أو أملك أو أُهلك هذي الأرض إلاّ عوضًا عنك؟
وأنّي خفتُ أن يسكُتَ قلبي عندما ينبُضَ قلبُكْ؟
أو لا تعْلَمُ أنّي جاهز للنوم حتّى مع ليلاك مجانًا
عوضًا عنك؟
وأنّي عشتُ هذا العمْرَ حُرًّا عوضًا عنك؟
ألا تعْلَمُ حتّى اليوم كم أنّي أحِبّكْ؟
لا تُقاومْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
هكذا قالوا ومن كلّ الجهاتْ
شرعوا في قصف روحي بالهراءْ
احمِ رأسكْ
واحْمِ كأسكْ
والتزم بيتكْ
وقل إنّيَ نائمْ
ما الذي يعنيه أن يغتصبوا أرضك بحرًا وسماءْ
لكَ بيتٌ لذْ بِبيْتِكْ
وإذا داسوا على بيتك فاهربْ
لكَ في بيتك غُرفةْ
وإذا داسوا على الغرفة فاهربْ
لكَ في الغرفة شُرْفَةْ
وإذا جاؤوا إلى الشرفة فاهربْ
لكَ في الشرفة جحْرٌ هو جُحْرُكْ
وإذا داسوا على جحْرِك فاهربْ
لكَ في روحك قبْرٌ لذْ بقبْرِكْ
وإذا داسوا على قبرك فاهربْ
واحْمِ ظهْرَكْ
وإذا داسوا على ظهْرِك فاتركهُ لهم
واجْهَرْ بِعُهْركْ
لا حياءْ
في العُهْرِ أو في الجُبْنِ ولتَرْفعْ
شعارَ الجبُناءْ
ما الذي يعنيه أن يغتصبوا أرضك أشجارًا وأحجارًا
وأن ينتهكوا عرضك أطفالاً وشِيبًا ونساءْ؟
ما ذا ترى في الأكل بالثدْيَيْنِ؟ لا تجْزع
وكُل واشربْ هنيئًا بالشفاءْ
ما الظهرُ؟ ما معنى الشرفْ؟
اِخْفِضْ لهُمْ ظهرك واهجع
وانبطح لست وحيدًا لا تخفْ
لست وحيدًا دعك من عزّة نفسكْ
واحمِ رأسكْ
وارفع الساقين ذي شارة نصْركْ
لا تقاومْ
*
وأنا أسْألُ أن أفعل لكنّي على الأيّام ضيفْ
كلّما قلت لقلبي لا تقاومْ قال كيفْ؟
كُلُ ما حولي يقاومْ
دودةُ القزّ لحاءُ الزعتر الجافّ جناح الحدأةْ
حبّةُ الزيتون قشر الجذع وسْط المدفأةْ
وسمائي فوقَ سيفٌ وبلادي تحت سيفْ
وأنا أحمل رأسي بين حدّين ولا أعرف كيفْ
أكذِبُ الأحلامَ؟ لا أعرف كيفْ
أُخْرِسُ الآلامَ؟ لا أعرف كيفْ
لا أقاومْ؟
*
عندما كنّا نغنّي «لا تصالحْ»
كانت الأيّام حبلى بالأمانيِ
دمّرونا يا ابنتي واستسلموا
وعلى مرمى سلامٍ من دُخانِ
أنْكرونا كلّما احتجنا لهمْ
قبْل أن يشرعَ ديكٌ في الصياحْ
هذه أرواحنا هانت وهذا
دمنا يُدمي خدود الأقحوانِ
لم نكن هُنّا على الأغراب لولاَ
أنّ بعض الأهل سُرُّوا بالهوانِ
وأباحوا دمنا كي يُستباحْ
أيُّ أهلٍ يا ابنتاهُ اخترتُ إنجابك فيهم؟
لِمَ أنجبتُك في هذي البِطاحْ؟
كلّما ناوَلْتُهُمْ شمسَ الصباحِ انبطحوا
كي لا يروا شمس الصباحْ
يا ابنتي، واختلفوا في كلّ ما يعلُو بهم
واتّحدُوا في الانبطاحْ
فضعي صوْتَكِ في صوْتِ الدمِ الباقِي
وغَنِّي في البراحْ
ستُعرّي الأرضُ زنْديهَا لنَرْعَى
حنْطةَ الحُبِّ وخُبّيْزَ الأماني
وستَغْدُو خوْذةُ الجُنْديِّ عُشًّا
وعَصا الشرطيِّ قوسًا للكمانِ
وليكُنْ ذلك في غيرِ مكاني
وليكن ذلك في غير زماني
إنّما القادِمُ قادِمْ
أيّهذا الدمُ قاومْ
لا تساومْ
*
يا دمِي
يا دَمنَا اليانع والأيْنَع والذابل والأذْبل
والطالع من أعْلَى إلى أسْفَلَ لا تَرْقُصْ
لِطَبْلِ الموتِ إنَّا لم نَعش بعدُ ولا نحنُ هَزَزْنا
جذْعَ هذي الأرضِ كي يسّاقطَ الموتُ علينا
بينما العالَمُ نائمْ
ْ
*
يا دمي
يا دمنا الشاهق والمشهوق والعاشق والمعشوق
والفاتق والمَفْ...تُوقَدُ النارُ بنا في هذه العتْمة لا تحْرصْ
على الأخضر واليابس لم يبْقَ لدينا غير عُشْبِ الروح
لكن خفّف الوطْءَ
فلا أحسبُ هذا العشب إلاّ من جماجمْ
ْ
*
يا دمي
يا دمنا المرغوب والمتروك والمحبوب والمسفوك
والمصلوب والمَنْ...يُوكَلُ القتْلَى إلى قاتلهم
في هذه اللعبة لا تَشْخصْ
إلى الجمهور إن هرّجَ أو حشْرجَ فالجمهور في الملعب منّا وإلينا
يعشق الفرجةَ كي يخرج منصورَ الهزائمْ
ْ
*
لم نعد نمْلكُ شيئًا كي نُساومْ
غير هذا الدم
.................
يا آخر ما يُملك يا آخر ما يُترَكُ لا تَرْخُصْ
ذليلاً...مثلما نحن رخُصْنَا منذ كم موتٍ عليهم وعلينا
وعلى يُتْمِ الولائمْ
.................
وإذا لم يكُ من ذلك بدٌ أيّهذا الدمُ لا تَرْخُصْ
طويلاً...خوفَ أن تجْرح
إحساس البراعمْ
.................
وإذا لم يكُ من ذلك بدٌ أيّهذا الدمُ لا تَرْخُصْ
قليلاً...بل تفجّرْ مثل بركانٍ ودَمْدمْ
واتّخذْ بحْركَ حِبْرًا للملاحمْ
.................
وإذا لم يَكُ من ذلك بُدٌّ يا دمي
يا دمنا
يا دمُ
فِضْ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.