«إذا كانت المقاومة ستُبيدُ شعبنا فلا نُريدها» هكذا بعث «الزّعيم» الفلسطيني أو الفتحاوي فتح اللّه عليه برسالته إلى شعبه في غزّة. لم يكن يعلمُ وهو يراقب الأحداث من على أريكته الوثيرة في قصره برامالله أنّ الضربات التي لا تقسمُ الظهر تزيده صلابة وقوّة. نسي أنّ الشّعوب لا تحترق بنيرانِ الغزاة والبراكين وتندثر كالدّينصورات بل هي تجدّد نفسها وتولد من جديد كالمارد من تحت الرماد. نسي أنّ الجزائر الحبيبة قدّمت مليوني ونصف المليون شهيد ثمنا للحرية والكرامة دون أن تلقي راية الجهاد على الأرض وتركع للمحتل. هل أُبيد الشعب الجزائريّ عن بكرة أبيه؟! هل أبيد الشعب التونسي أثناء حرب التحرير وأحداث بنزرت المجيدة؟! هل اندثر الشعب اللّيبي والمصري والهندي وكلّ الشعوب التي احتلّت بسبب المقاومة!؟ كلاّ! المقاومة، لا تُبيد الشعب أيّها «الزّعيم» إنّه كالشّجر يقف في وجه الأعاصير ولا يسقط بل يزدادُ شموخا ونظارة وينُبتُ الأغصان والزّهور، والثّمار من جديد. وهاهي غزّة اليوم وقد وضعت الحرب أوزارها تبرق إليك برسالتها مكتوبة بدماء الشهداء الزكية ونقول لك: لقد انتصرت المقاومة ولم يُبدْ الشّعب الغزاوي البطل يا «زعيمنا»، نقول لك أنّ الغزاة أنفسهم لا يؤيدون الشّعب، يهدمون المنازل على رؤوس أصحابها يقصفون البشر والشجر والحجر «يطحنون عظام الأطفال»... يُرهبون.. يُروّعون.. يرتكبون المجازر... يزرعون الموت في كلّ مكان وزمان... يحاصرونه... يجوّعونه.. يتآمرون عليه بإتهامه بما يسمّى ب «الإرهاب» ليعزلوه ويألّبوا عليه الأمم والشعوب والمنظمات.. ومجلس الأمن أو مجلس الرّعب.. ولكن سرعان ما ينقلب السّحر على السّاحر «وما النّصر الاّ صبر ساعة». ماذاقلت أيّها «الزعيم»؟ أيّ صفعةٍ وجّهتها إلى شعبك في محنته؟ إنّك واأسفاه لم تراهن على المقاومة واخترت الرّكوع وديبلوماسيّة الجبناء. ماذا قدّمت المفاوضات للشعب الفلسطيني المسكين طيلة ستين عاما غير مزيد من الاستيطان والجدار العازل وابتلاع الأراضي وهضم حق اللاّجئين في العودة.. وتصدّع جدران بيت المقدس.. أتقول للشّهداء والجرحى والثكالى واليتامى الذين صمدوا طيلة اثنين وعشرين قرنا عفوا يوما تحت النّار والحصار وقنابل الفسفور انّ مقاومتكم عبث وطيشُ مراهقين والأجدر بكم أن ترفعوا راية الاستسلام ولتحتلّ غزة من جديد لتحرّرها أنت بالمفاوضات وشرب الشاي في منتجعات تل أبيب وشرم الشيخ ومزرعة العم سام... أيّها «الزعيم» ماأُخذ بالقوّة لا يُستردّ الاّ بالقوّة كلّ شعوب الأرض حتى اليهود الشرفاء.. ويا للعجب انتفضوا من أجل غزّة وشدّوا على يديها وساندوا المقاومة الباسلة باسم الشّرعية وحقّ الشعوب في تقرير المصير والدفاع عن الوطن.. كنت ستخرجُ من الباب الكبير وأنت تودّع كرسي السلطة الوثير لو وقفت إلى جانب شعبك ولم تخفْ «أن تُذبحَ من الوريد إلى الوريد» فالموت في سبيل اللّه والوطن شرف وفخر وعزّ يطلبه كلّ شريف ويسعى إليه. ولكنّك تنكّرت للمقاومة وخذلتها ولم تراهن عليها بل تنكّرت حتّي لشعار ما يسمّى ب «بسلام الشجعان»: «الأرض مقابل السلام» ورفعت شعار «الحياة أو حياتي مقابل الأرض». أيّها «الزعيم» إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابدّ أن يستجيب القدر ولا بدّ للظّلم أن ينجلي ولابدّ للقيد أن ينكسر. لقد انجلى الظلم... واندحَر الصّهاينة خاسئين بفعل المقاومة ولم يمت الشعب الغزاويّ. ستعود غزّة العزّة لازدهارها وبريقها.. ستقف على قدميها من جديد من تحت الأنقاض والدّمار.. وستصدحُ حناجر الأطفال وتدوّي عاليا في سماءِ غزّة الأبيّة. «نموتُ نموتُ ويحيا الوطن».