النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    لمرضى السكري: عشبة إذا شربتها صباحًا ستخفض السكر في دمّك    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    مفزع/ نسبة الرضاعة الطبيعية في تونس أقل من 18 بالمائة..!    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهة نظر إشتراكيّة حول الأزمة الرأسماليّة (6/8)
على هامش الأزمة الماليّة العالميّة:
نشر في الشعب يوم 14 - 02 - 2009

تصدير: «إنّ رأس المال يهرب من الفوضى والنّزاعات فهو جبان بطبعه، هذا حقيقي للغاية ، إلاّ أنّ تلك ليست الحقيقة كلّها رأس المال يمقت غياب الفائدة أو الفائدة الضحلة مثلما تكره الحياة الفراغ يكفي أن تكون الفائدة مناسبة حتّى يصبح رأس المال شجاعا فحين تكون الفائدة مضمونة بنسبة 10 يمكن إستخدامه في كلّ مكان، وحين تصبح النسبة 20 يتحمّس ، أمّا حين تبلغ 50 فإنّ جرأته تصبح جنونيّة، ومن أجل نسبة 100 يسحق تحت أقدامه القوانين البشريّة كافّة ، أمّا حين تصل إلى 300 فما من جريمة يتورّع عن إرتكابها ولو تعرّض لخطر وصوله إلى حبل المشنقة».
كارل ماركس
1 الأسباب المباشرة للأزمة الماليّة:
السّبب المباشر الذي لا يختلف فيه إثنان هو التوسّع الهائل في منح القروض العقارية في سوق المال الأمريكي.
فالجذور المباشرة للأزمة الماليّة الحاليّة تعود إلى منح قروض إستثنائيّة تعرف بإسم sub-primes لآلاف العائلات ذات الدخل المحدود (صغار الموظّفين ، الأجراء محدودي الدخل، المتقاعدين...) تتيح لهم فرصة الحصول على مسكن مقابل ريع ربوي متحرّك وذلك منذ سبعينيات القرن العشرين.
وبالتّوازي مع ذلك شجّعت البنوك التّجاريّة على الإستهلاك عبر بطاقات الإئتمان حيث سهّلت للمستهلك الأمريكي شراء كلّ شيء من المنزل إلى السيّارة مرورا بقضاء العطلة الصيفيّة بالخارج أو تمويل الدّراسة الجامعيّة للأبناء...
لكنّ هذا الإستهلاك الذي يعدّ فوق القدرة الشّرائيّة للمواطن الأمريكي لم يظهر إلاّ بعد ضرب وتدجين النّقابات الأمريكيّة منذ ظهور العولمة الليبراليّة الشّرسة فقبل ذلك التّاريخ وعندما كانت النّقابات الأمريكيّة في أوجها كانت الأجور مرتفعة وكان العامل يتمتّع بحقوقه الإجتماعيّة من تأمين على المرض وتقاعد وغيرها وكان العامل يستهلك دون إسراف بل كان يستطيع الإدّخار للمستقبل ولم تكن بطاقات الإئتمان في ذلك الوقت منتشرة بالشكل الحالي لكن منذ أواسط الثّمانينيات وبعد الهجوم على النّقابات الأمريكيّة بدأ تجميد الأجور وبالتّالي تدهور المقدرة الشّرائيّة للعمّال الذّين لم يستطيعوا الحفاظ على مستوى معيشتهم وحيث أنّ رأس المال لا يمكن أن ينمو ويعيش إلاّ بالإستهلاك فقد أقدمت البنوك التّجاريّة على تعميم الشّراءات عبر بطاقات الإئتمان التي وقع توزيعها أيضا دون مراعاة للمداخيل الحقيقيّة للمستهلكين.
هذا التوسّع الكبير في الإقتصاد الإستهلاكي الذي تعرّضنا له فيما سبق إضافة إلى الإزدهار الكبير لسوق العقارات الأمريكيّة ما بين عامي 2001 و 2006 شجّع البنوك ومؤسسات الإقراض على اللجوء إلى الإقراض العقاري مرتفع المخاطر.
فكثرة المال الأجنبي (وكثير منه عربي) في مصارف «وول ستريت» الذي تحدّثنا عنه فيما سبق أنتج ميلاً لدى أصحاب المصارف ، الذين يعمي حب الربح السريع أبصارهم ، إلى التفريط في كثير من الشّروط المعروفة تقليديّا في أوساط المال ، فقد إندفعوا في إقراض مستهلكين كانت قدرتهم على السداد شبه معدومة.
فالمستهلك الأمريكي كان يُنْظَر إليه، من طرف أباطرة رأس المال على أنه أحمق إذا لم يعجّل باللّجوء إلى الاقتراض. فالمال، على شكل قرض كان سلعة رخيصة ، ينبغي على المستهلك أن يستعمله لشراء منزل أوسيّارة أو تمويل علاج صحّي أو رحلة سياحيّة أو دراسة جامعيّة أو غيرها من مستلزمات الحياة التي لم يعد يقدر المستهلك الأمريكي عليها إعتمادا على مدّخراته الذّاتيّة.
ما هو الإقراض العقاري مرتفع المخاطر؟
نتج الإقراض العقاري مرتفع المخاطر على توسّع سوق العقار الأمريكي في ظلّ العولمة الليبراليّة نتيجة عولمة رأس المال بشكل لم يسبق له مثيل.
فالبنك يوافق على منح قرض للراغبين بشراء عقار إذ يقابل ممثّل البنك الرّاغب بشراء العقار ويسأله بعض الأسئلة السطحيّة عن دخله دون أن يطلب منه مدعّمات قانونيّة ودون أن يعلمه أيضا بأنّ نسبة فائض الدّين «الريع الرّبوي» ربّما تزيد في السّنوات القادمة وخلال عشرات الدّقائق يصبح الزّبون مالكا لعقار في عمليّة كلّها غشّ وإنعدام للشّفافيّة بين الطّرفين فكما قام ممثّل البنك بغشّ الزّبون حول نسبة الفائدة يمكن أن يقوم الزّبون بغشّ ممثّل البنك حول دخله وهكذا يصبح البنك يتعامل مع حرفاء يوصفون ب «الدّائنين الخطرين». وقد توسّع السّوق العقاري خلال سنوات الرّخاء بشكل كبير جدّا.
بل ظهرت خلال سنوات التسعينيات شركات عقارية خاصّة عرفت بإسم «شركات الرّهن العقاري الثّانوي (نشطت بشكل مواز للسوق العقارية الرّئيسيّة) قامت بتقديم إغراءات كبيرة للمستهلكين الأمريكيين مثل تخفيض كبير في نسب الفوائد في البداية لكن بعد سنوات ترفع هذه الشّركات بنسبة عالية جدّا في تلك النّسب. لكن رغم ذلك تجاوب الأمريكيّون مع ذلك بسبب الإعتقاد بأنّ قيمة العقارات في إرتفاع مستمرّ وهو ما يعني إمكانيّة بيعها بأسعار عالية للحصول على مبالغ تغطّي قيمة القروض وتوفّر مرابيح معتبرة.
ومن أجل الوفاء بتعهّداتها قامت تلك الشّركات باللّجوء إلى بنوك الإستثمار للإقتراض منها من أجل توفير الأموال اللاّزمة لذلك.
فالبنوك إعتمدت في تمويل سنداتها بشكل كبير على الرهن العقاري إذ يرهن البنك العقار لديه إلى حين يسدّد الزّبون الدّين مع فائض الدّين. وخلال هذه الفترة يقوم البنك بدفع أرباح السّندات للمستثمرين من أقساط الزّبائن. وكانت هذه العمليّة التّبادليّة هي العماد الذي يقوم عليه السّوق العقاري في الولايات المتّحدة.
كيف تحوّلت الرّهون العقاريّة إلى سندات ؟
لقد قامت البنوك التّجاريّة بتحويل الرهون العقاريّة إلى «أصول/سندات» أي أنّه وقع تحويلها إلى بضاعة / منتوج جديد يمكن بيعه وشراؤه في البورصة. ونظرا لكون الأرباح الموعودة من مثل هذه العمليّة كانت مرتفعة بسبب الإرتفاع المطرد لنسبة الفائدة «الرّيع الربوي «فقد أقدمت المؤسسات على التّهافت على شراء تلك الأصول /السّندات في البورصة.
وهكذا كان الربح من المضاربة في البورصة على تلك الأصول /السّندات عاليا جدّا بإعتبار وأنّ الفائدة على القروض كانت هي أيضا عالية جدّا.
وإزدهرت بذلك سوق الرّهون العقاريّة حيث انخرطت مئات البنوك من مختلف أنحاء العالم في شراء تلك السّندات من البنوك الأمريكيّة واكتظّت بذلك بنوك دول العالم بتلك الأوراق الممثّلة للرّهون العقاريّة التي بلغت قيمتها مبالغ خياليّة تقارب واحد تريليون دولار.
وهكذا ابتعدت القيمة الورقية للعقارات عن القيمة الحقيقيّة لتلك العقارات تماما كما تباعدت قيمة الأوراق الممثّلة للرّهون العقاريّة عن القدرة الحقيقيّة للزّبائن على تسديد ما عليهم من ديون.
ما هي تركيبة السّوق العقاري الأمريكي ؟
السوّق العقاري الأمريكي مركّب بشكل يصعب معه تفكيك مختلف مستوياته وعدد البنوك والمؤسّسات الماليّة المنخرطة فيه لكن يمكن تحديد على الأقلّ أهمّ العناصر الفاعلة فيه والتي يمكن اختزالها فيما يلي :
البنوك التّجاريّة) بنوك ضخمة وبنوك صغيرة (التي تقدّم القروض مباشرة إلى الزّبائن.
شركات الرّهن العقاري الرّئيسيّة مثل فرادّي ماك Freddie Mac وفانّي ماي Fannie Mae التي تقدّم هي أيضا القروض للزّبائن
شركات الرّهن العقاري الثّانويّة
البنوك الإستثماريّة التي تقدّم القروض إلى البنوك التّجاريّة وشركات الرّهن العقاري
شركات التأمين التي تأمّن القروض التي تقدّمها بنوك الإستثمار إلى شركات الرهن العقاري والبنوك التّجاريّة
هذا طبعا دون ذكر السّوق المالي الذي يهتمّ ببيع وشراء الأصول/السّندات العقاريّة في بورصة «وول ستريت « أو في مختلف بورصات العالم.
لكن كيف بدأت الأزمة؟
بعد أن وصلت حملة تشجيع الإستهلاك (التي لم يكن لها أي مرتكز نظري غير تكديس البنوك لأرباح خياليّة) إلى حدود خياليّة ، قام سنة 2006 البنك الفيدرالي الأمريكي بالرّفع من نسبة الفائدة إلى 5 بعد أن كانت في حدود 1 بعد أحداث 11 سبتمبر. هذا الإرتفاع دفع بالبنوك التّجاريّة إلى رفع خيالي في نسب فائدة القروض العقاريّة.
ترفيع نسب الفوائد والإستهلاك المفرط وغير العقلاني للمستهلكين الأمريكين أدّى بملايين منهم إلى إعلان عجزهم عن سداد ديونهم. هذه الوضعيّة أدّت بالبنوك العقاريّة على الحجز على العقارات وطرد سكّانها مستعينة بالبوليس الذي رمى بهم في الشّوارع.
وقد بلغ عدد المنازل التي افتكّتها البنوك وعرضتها للبيع حتّى موفّى 2007 رقما مفزعا قارب 2,2 مليون منزل أي حوالي 10 من عدد المنازل في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
وكان من الطّبيعي أن يؤدّي مباشرة إلى خفض الطّلب على العقارات إلى حدّ تجميد هذا السّوق بحكم أنّ آليّات السّوق الرأسمالي مبنيّة على العرض والطّلب فالسّوق ينتعش عند توفّر الطّلب وينتكس عند غيابه.
وقد أدّى ذلك بصفة مباشرة إلى هبوط مريع في أسعار العقارات بالولايات المتّحدة الأمريكيّة. النتيجة كانت حصول حالة من الذعر والهلع في القطاع المالي لا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة فقط بل على المستوى العالمي حيث أنّ عولمة رأس المال المالي التي أشرنا إليها آنفا وما رافقها من مخاطرة ومضاربات وفساد أصابت القطاع بالضّبابيّة حيث لم يعد أي مصرفي يعرف بالتحديد حجم القروض التي لم يعد من الممكن تسديدها ولا أيضا حجم الأوراق الممثّلة للرّهون العقاريّة ومدى إنتشارها بين البنوك.
وهكذا لم تجد البنوك وشركات الرهن العقاري التي استرجعت تلك العقارات بحكم أنّها كانت مرهونة لديها ، من يشتريها أو هي باعتها بأثمان بخسة لا تمكّنها من إسترجاع قيمة القروض التي صرفتها.
نفس الشيء حصل مع الأصول /السّندات المرتبطة بالرهون العقاريّة التي تاجرت بها مختلف المؤسّسات الماليّة في العالم حيث فقدت قيمتها فأرادت التخلّص منها ببيعها لكن لا مشترين إلاّ بأسعار متدنّية وهو ما سبّب لها ، هي أيضا ، خسائر فادحة.
ولتجنّب مشاكل نقص السّيولة تقوم تلك المؤسّسات المذعورة ببيع متسرّع وبالجملة لأصول /سندات أخرى) لا علاقة لها بالرّهن العقاري) تملكها في السّوق الماليّة وهو ما يؤدّي بهبوط قيمة تلك الأصول ويزيد في خسارة تلك المؤسّسات.
ومثلما هو معمول به سابقا في السّوق الماليّة تلجأ تلك المؤسّسات إلى التوجّه إلى بنوك أخرى للحصول على قروض لتوفير السّيولة النقديّة اللاّزمة لنشاطها، وهو ما يعرف ب «السّوق بين البنوك»
لكنّ حجم الأزمة الماليّة من ناحية وقلّة الثّقة التي تفشّت بين البنوك وقلّة الشّفافيّة التي تخفي حجم المشكل المالي الذي يعاني منه هذا البنك أو ذاك جعلت البنوك التي كان وضعها جيّدا ترفض إقراض البنوك الأخرى وهو ما زاد في رفع أعداد البنوك التي تعاني من مشكال سيولة وبالتّالي مهدّدة بالإفلاس، وكانت بداية الأزمة بإعلان بنك «بير ستيرنز» الشّهير إفلاسه في صيف 2007 نتيجة غرقه في وحل الأوراق الممثّلة للرّهون العقاريّة.
هذه الأزمة وبفعل العولمة انتشرت كما النّار في الهشيم لتشمل كلّ الأسواق الماليّة من مؤسسات بنكيّة وشركات تمويل وبورصات وغيرها ارتبطت بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالسّوق العقاري الأمريكي.
وهكذا بدأت العمارة الماليّة ذات الطّوابق التّي تحدّثنا عنها آنفا تتداعى.
أمام هذا الوضع المأسوي للنّظام المالي العالمي حيث برزت خسارة لم يسبق لها مثيل في السّيولة اتخذت البنوك المركزيّة بعض الإجراءات خلال سنة 2007 لمعالجة خسائر السّيولة نذكر منها:
تسهيل الوصول إلى التمويل القصير الأجل أي بأقلّ سعر فائدة ممكنة
قيام مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) وبنك أنقلترا المركزي بتوسيع كبير في مجال الضّمانات الإضافيّة وكذلك في نطاق المقترضين المسموح لهم بالتّعامل مع البنوك المركزيّة
في مرحلة أخرى ، هي القصوى قبل «التأميم» ، قام مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتخفيض سعر الفائدة التي قاربت الصّفر وتبعته أغلب البنوك المركزيّة الكبرى الأخرى
لكنّ تلك الإجراءات لم تحقّق إلاّ نجاحات جزئيّة نتيجة الحجم المهول للأزمة التي سمّاها بعضهم ب «تسونامي مالي» لم يحدث حتّى خلال أزمة 1929.
وفي بداية شهر جويلية 2008 بلغت الأزمة مرحلتها العليا بإقتراب أكبر وأقدم شركتي رهن عقاري في أمريكا فرادّي ماك وفانّي ماي من حافة الإنهيار فتدخّلت الحكومة الأمريكيّة على الفور لتأميمهما بالكامل. وفي أواسط شهر سبتمبر استجاب الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) على طلب إحدى أكبر شركات التأمين في العالم «أميريكان إنترناشيونال غروب» (AIG) بتمكينها من قرض ب 85 مليار دولار مقابل حصّة تبلغ 80 في المؤسّسة. لكنّ بنك «ليمان براذرز» لم يسعفه حظّه بتلقّي نفس المعاملة من الحكومة الأمريكيّة التي تركته أمام مصيره ليعلن إفلاسه يوم 14 سبتمبر.
وهكذا تتالى عدد البنوك (ومنها 12 بنكا من البنوك العريقة والكبيرة جدّا (والشركات الماليّة وشركات الرهن العقاري التي أعلنت إفلاسها أو هدّدت به إذا لم يقع إنقاذها مثل مؤسّسات «ميرل لنش» و «غولدمان ساكس» ومورغان ستانلي» وصندوق «واشنطن ميوتشيوال» وبنك «واكوفيا» ...
هذه الوضعيّة المرعبة دفعت بالبنوك المركزيّة في مختلف البلدان الرأسماليّة ، ومن أجل الحفاظ على الحدّ الأدنى من النّشاط المالي في أسواق المال العالميّة وهو ما يؤثّر بصفة مباشرة على الإقتصاد العالمي ككلّ من إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، بإقتطاع مبالغ ماليّة مهمة من أموال دافعي الضّرائب مثلما ذكرنا سالفا للقيام بعمليّات تأميم أو شراء أسهم أو إقراض أهمّ المؤسّسات الماليّة (البنوك التجاريّة ، البنوك الإستثماريّة ، شركات الرهن العقاري، شركات تأمين) خدمة لرأس المال على حساب العمّال.
لكن ما رأيكم في أنّ الإستغلال الرأسمالي لم يقف عند هذا الحدّ بل رأينا ما لا يمكن أن يصدّقه العقل البشري .وإليكم مثالين على ذلك. المثال الأوّل يتعلّق بالخسائر التي تعرّضت لها صناديق التقاعد في أمريكا نتيجة هذه الأزمة. كيف ذلك؟ نظرا لسعي رأس المال المحموم وراء الربح ولا شيء غير الرّبح وحيث أنّ كلّ شيء أصبح سلعة في ظلّ العولمة الليبراليّة الشّرسة فقد قام أباطرة رأس المال بالتّلاعب حتّى بمصالح المتقاعدين حين قامت صناديق التقاعد العامّة والخاصّة في أمريكا بالإستثمار في الأصول /السّندات العقاريّة شديدة المخاطر وقد أدّى ذلك إلى خسارة بلغت تريليوني دولار بالتّمام والكمال (التريليون يساوي مليار المليار) وبالتّالي خسرت مدّخرات التّقاعد حوالي 20 من قيمتها الإجماليّة وهو ما يعني بأنّ المتقاعدين سيعيشون مرحلة صعوبات لم يسبق لها مثيل.
أمّا المثال الثّاني فهو لا يقلّ غرابة عن الأوّل وهو يدل أيضا على مدى الإستهتار بحقوق الإنسان في البلدان الرأسماليّة التي لا تتورّع أبواق الدّعاية الإمبرياليّة بالتشدّق بها بمناسبة أو دونها. إنّه أيضا دليل على ما يمكن أن يصل إليه تطبيق شعار «دعه يعمل دعه يمرّ» أي المقامرة بالخدمات الإجتماعيّة الأساسيّة.
تصوّروا أنّ عديد المدن الألمانيّة ومنها على سبيل الذكر لا الحصر دورتموند ودوسلدورف اللتان تُعتبران من أكبر المدن الألمانيّة قامت ببيع شبكات توزيع المياه وشبكات التطهير وشبكات النقل ومحطّات الكهرباء ومباني المدارس وغيرها من الخدمات إلى مؤسّسات ماليّة أمريكيّة ثمّ تعود تلك المدن إلى استئجار ما باعته للتصرّف فيها من جديد لكن لسائل ان يسأل ما الحكمة في ذلك؟ الحكمة أيّها القرّاء الأعزاء من وجهة النّظر الرأسماليّة هي التخفيف من العجز في ميزانيّات الحكم المحلّي عبر الإستفادة من النّظام الضّريبي في أمريكا. لكن المفاجأة التي لم يقرأ لها أيّ حساب حكّام تلك المدن المنتمون لحزب اليمين (الحزب الديمقراطي المسيحي (كما لحزب ما يسمّى زورا وبهتانا بحزب اليسار (الحزب الإشتراكي الديمقراطي) هو أنّ البنوك التي باعوها مؤسّساتهم الخدماتيّة والإجتماعيّة فيها من أفلس وفيها من تأثّر بصورة مباشرة من الأزمة الماليّة عبر استثمارهم في الأصول/ السّندات العقاريّة. وهذا يعني بأنّ تلك المدن مطالبة بإعادة شراء ما باعته من تلك البنوك المفلسة لكن بأثمان باهضة جدّا وهو ما يعني أيضا أنّ ما خطّط له حكّام تلك المدن سقط في الماء فعوض أن يربحوا سيخسرون أو كما يقول مثلنا العامّي جاء يربح صادوا بوربيّح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.