مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل يزداد كل يوم آكثر التساؤل حول تركيبة القيادة الجديدة التي سيفرزها. وضمن هذا التساؤل، تتساءل فئة من النقابيات والنقابيين عمّا إذا كان سيكون للمرأة هذه المرّة حظ في اعتلاء موقع في هذه القيادة التي غابت عنها لما يزيد عن 60 سنة. ويجد هذا التساؤل مشروعيته انطلاقا من ثوابت المنظمة التي دافعت عن المساواة بين الجنسين لا فقط في حق الشغل وانّما أيضا في النضال جنبا إلى جنب مع الرجل وفي تحمّل المسؤولية النقابية. ولعلّ ما يبرّر ذلك آكثر المكانة التي باتت تحظى بها المرأة في عالم الشغل اليوم من ذلك أنّ اليد العاملة النسائية آصبحت تسيطر على عديد القطاعات (النسيج البريد الصحة الاتصالات التعليم...) وتمثّل بالتالي أغلبية منخرطيها بالاتحاد. ثمّ جاءت انعكاسات العولمة التي، في إطار الضرر الذي ألحقته بالقوى العاملة، أضرّت بصورة خاصة بصنف النساء. ونلاحظ اليوم: 1 ظهور وانتشار القطاع المهمّش الذي يرتكز أساسا على اليد العاملة النسائية. 2 انتشار طرق التشغيل الجديدة (المناولة العقود...) التي رافقتها تعدّيات على ظروف العمل وتدهور المقدرة الشرائية في صفوف النساء. 3 بروز قطاعات ذات اختصاص نسائي (النسيج التنظيف وخدمات أخرى). وفي مثل هذه الظروف ازداد استغلال النساء وتفاقمت مظاهر العنف المسلّط عليهنّ والتحرش بهنّ وبقيت الحلول المقترحة لا تفعل غير تحميلهنّ مسؤولية أزمة المجتمع والاقتصاد مثل اللجوء الى العمل نصف الوقت أو التقاعد المبكّر. أمّا المنظمة النقابية، فقد ظلّت مكتفية برفع الشعارات العامة دون أن تغوص في عمق المشكل لكنّها في الواقع أغلقت في وجهها الباب كي لا تكون فاعلة ولا تتحمّل المسؤولية في مقاومة هذه الظواهر الخطيرة. والمتمعّن في نسبة حضور المرأة في الهياكل الوسطى (جامعات نقابات عامّة واتحادات جهوية) يدرك هذه الحقيقة حيث لا تزيد هذه النسبة عن 0.5 بالمئة أمّا على مستوى القيادة فقد تميّزت المرأة النقابية بالغياب نتيجة الإقصاء تحت ضغط العقلية الذكورية التقليديّة. واليوم ونحن على أبواب المؤتمر الوطني للاتحاد، تؤكّد كل الدلائل والمؤشّرات أنّ القيادة الجديدة للاتحاد ستكون رجاليّة بامتياز رغم الضغوط التي تمارسها المنظمات النقابية الدولية من أجل تمثيل المرأة في مستوى القيادة. وأنا أفكّر مثلي مثل كلّ النقابيات في وضع المرأة داخل الاتحاد بمناسبة هذا المؤتمر، استحضرت ما سمّاه صحافيان من جريدة «wall street journal بالحاجز البلوري (Glass celling) الذي يحول دون تحمّل المرأة المسؤولية في مراكز القرار عامّة. ولعلّه حري بنا أن نسمّي هذا الحاجز بالحديدي عند تحمّل المرأة للمسؤولية القيادية صلب النقابات. وتبيّن الصورة التي جسمتُ بها هذا الحاجز كيف يتقلّص عدد النساء المسؤولات النقابيات كلّما ارتقى السّلم الهرمي للمسؤولية: يعكس هذا المثال الصورة الحقيقية لمواقع المرأة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل رغم التضحيات الجسام التي تكبّدتها طوال تاريخ المنظمة حتّى اليوم. وإذا كانت العقلية الذكورية السائدة في المجتمع وفي الاتحاد هي السبب الرئيسي في هذا الواقع فإنّ النقابيات والمناضلات وخاصة اللّواتي تحمّلن مسؤولية تمثيل النساء عبر حضورهنّ في الهيئات الإدارية الجهوية والوطنية لم تتحمّلن مسؤولياتهنّ في الدفاع عن قضية وخصوصيات النساء كما ينبغي. وفي غياب استراتيجية حقيقيّة ومؤثّرة في هذا الصدد تحوّلت كل المطالب النسائية الى رفع شعار التمثيل النسبي (le quota) الذي شوّه مطالب النّساء أكثر ممّا أفادها. وأصبحت مشاركة النساء في النضال النقابي تكاد تقتصر على حضور الندوات في الخارج أو في الداخل ونقاشات الصالونات المغلقة وانحرفت لجان المرأة عن دورها الحقيقي كمعابر لتمرين المرأة على العمل النقابي واستجلابها لحضيرة النضال وتدعيم هياكل المنظمة. لذلك أتمنّى أن يكون هذا المؤتمر مناسبة لإعادة طرح القضيّة برمّتها لا فقط من زاوية تمكين المرأة من تبوّء مكانة في القيادة وانّما من زاوية فتح الأبواب الموصدة أمامها لتحتلّ المكانة التي تليق بها في مجمل الهرم التنظيمي للمنظمة.