قالت العرب: «ما حكّ جلدك مثل ظفرك» وفي مثل اخر اكثر نظافة رغم طابعه المأساوي يقال أنه «ما بكى لك مثل عينيك وأشفارها وما ندب خدّك مثل يدك وأظفارها!» هذه أمثلة تقال لمن نشد المنفعة من غير أهلها ولمن يبحث عن استخراج العسل من غير خلايا النحل العامل في الصباح وفي المساء ويوم الاحد... كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع مليء بهذه الكنايات والأماثيل... ولكن الغريب ان عرب هذا العصر من عاربة ومستعربة ينسون بسهولة وينساقون في أحيان كثيرة الى انتظار الدواء من مواقع الداء الخبيث. (2) منذ أشهر سكن باراك ابن عمنا حسين أوباما البيت الابيض الامريكي وسط هتاف ابناء العامّ سام.... وهذا أمر طبيعي، غير ان العجيب المخالف للطبيعي هو هذا الفرح الكوني الذي اصاب شعوب المعمورة من مشارقها الى مغاربها وكأن الله قد عجّل بفرج المهدي ليملأ الارض عدلا بعد ان مُلئت جورا... أطلق الجميع العنان لأحلامهم وتخيلاتهم ولم يسلم من هذه التخميرة غالب أهلنا من حزن الخليج الى خوف المحيط... تمنى المتعبون من غارات بوش ان تشهد أرضنا استراحة المحارب بضع سنين والسيوف في أغمادها... وذهب الخرف بالبعض الى درجة توهم إمكان الصلاة في بيت المقدس والتجول في حقول الخليل والجليل... اما الجالسون على عروش الحكم عندنا فتمنوا ان تتوقف إهانات البيت الابيض وابتزازاته التي لا تنتهي... حتى المغبونون من نشطاء الديمقراطية والحقوق تمنوا وحلموا وفيهم من أرسل الخطابات المدبّجة بماء العين يطلب النصرة من ابن العم على الاخ والشقيق! المثقفون وأنصافهم... الجهلة والأذكياء والاغبياء... الفقراء والاغنياء... الحداثيون وأهل الماضي التليد... التقدميون والتأخريون... الثوريون والبقريون... الاصلاحيون والمفسدون... المثليون والمختلفون... كلهم... كلهم إلا من رحم ربك حلموا وتمنوا وعلّقوا أمالهم على مشجب ابن الحسين. (3) منذ أيام تحركت آلة الديبلوماسية الامريكية... هذه المرة تغير لون سيدتها، شقراء لا سمراء وبشوشة ضحوك، أمّ وزوجة ناجحة وهو ما يؤكد دون ريب توازنها النفسي ودعنا من الحكايات القديمة وخراب البيوت، ولا يعلم لحد الآن ان كانت تحسن العزف على آلة البيانو وان كان من المعلوم انها تعزف على أوتار عديدة ستظهر بعد حين... لا تحمل لقب دكتورة ويمكن مناداتها بلقب سيدة بحكم حالتها المدنية الرسمية المذكورة أعلاه... تحركت آلة الديبلوماسية اذن بقيادة السيدة كلينتون فبدأت تظهر على ملامحنا العربية العاربة والمستعربة علامات خيبة ممكنة... لم تتغير لهجة الحنان الفياض تجاه الكيان الغاصب المزروع في قلب أراضينا ولم تتغير لهجة الجفاء الموجع تجاهنا حكاما وشعوبا... مقاومين ومهادنين... معتدلين ومعوجين... انتصبت المحاكم لمقاضاتنا على جرائم افتراضية ورفضت دعاوينا على جرائم مرئية على الهواء وتحته تمت بصمت ومباركة ابن عمنا المبارك على أهله... قاطع الامريكان مؤتمر العنصرية حفاظا على مشاعر أولمرت وصحبه... وعقدت مؤتمرات لسلخ أحاسيسنا وجلودنا... لوّحوا لعساكرهم بالانسحاب عاجلا ثم تمطط الموعد وها نحن منتظرون... خيبات وراءها خيبات تجرها خيبات. (4) منامة العتاريس... هكذا يقول مثل اخر... والعتروس دابة بلغت أرذل العمر فغلظ لحمها حتى افتقد الاحساس وخفّ صوابها حتى بلغ الخرف... هل تعترسنا الى درجة تحولنا الى كائنات تهلوس بالاحلام والاوهام الكاذبة؟ (5) أن نتملك مخالبا قادرة على الحكّ والندب افضل من ان ننتظر أظافر الاخرين وعيونهم لتبكي من أجلنا، هكذا يقول العقلاء لكن ما دمنا نحترف حكاما ومحكومين هواية التقليم المتبادل للأظافر فكيف لنا ان نندب خدودنا بما تقتضيه المأساة؟ وما دام البعض منا يحترف باستمرار سمل عيون اهله فبأي دموع سنبكي وما دامت أيادي بعضنا تلتف على رقاب البعض فبأي حلوق سنصرخ...؟ أوهامنا مصيرها التبخر من شبابيك البيوت البيضاء والحمراء والزرقاء... كم يبدو حكامنا مساكينا اشقياء وهم يستجدون نظرة الرضى من عين هذا الدوق او ذاك الامبراطور كما فعل ملوك الطوائف منذ قرون... كم تبدو نخبنا غبية اذا كانت تنتظر من يأكل الثوم مكانها لاستعادة حقوقها وفرض مطالبها... لعبة بائسة لن تتوقف ما لم يستعد ولاة هذه الامور شرعيتهم الحقيقية من مصالحة فعلية مع اهاليهم وعندها تتحصن قلاعهم من داخلها... لعبة حقيرة لن تنتهي ما لم تكف النخب على الحج الى بيوت الغرباء لاستجداء العون من وراء البحار... فلنصنع أظافرا ولنهيئ عيونا قبل ان يأكل اصابعنا دود الارض ويعمي ابصارنا رماد الحريق. (6) مطلوبنا تدوير الزوايا بمبرد العقل وتلطيف طعم الدواء بحلاوة البيان فهدفنا أكل العنب لا قتل حارس الضيعة... وللزوايا تدوير اخر.